كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

الوحدة العربية في برامج ثلاثة أحزاب قبل البعث

د. عبد الله حنا- فينكس

كثير من الناس يظنون أن حزب البعث العربي هو أول الداعين إلى الوحدة العربية، كما أن ظاهرة القومية العربية التي بدأت ملامحها تتكون في أواخر القرن التاسع عشر ومستهل القرن العشرين يظن بعضهم خطأً أنها من صنع البعث العربي وهو الذي اكتشفها وألقى الأضواء عليها.
والواقع أن عددا من رواد النهضة العربية بدأ يدعوا إلى بعض منطلقات القومية العربية، التي تجسّدت في عدد من مكوناتها في عهد الدولة الوطنية العربية (1918 – 1920) وأميرها ومن ثمّ ملكها الشريف فيصل بن الحسين. وجاء الاحتلال الاستعماري الفرنسي لينهي هذه الدولة العربية الحديثة ولكن جذورها القومية العربية بقيت ممتدة في الأرض وأخذت أغصانها تظهر هنا وهناك.
ولعلّ الكثيرين يستغربون أن الحزب الشيوعي السوري هو من أوائل الأحزاب الداعية إلى الوحدة العربية. فجريدة المراسلات الصحفية الدولية نشرت عام 1933 تقريراً عن اجتماع المجلس الاستشاري لممثلي الحزبين الشيوعيين السوري والفلسطيني في عام 1931، الذي دعا إلى "حكم العمال والفلاحين العرب" وإلى "اتحاد فيدرالي طوعي للشعوب العربية المتحررة...". وقبل ذلك دعا برنامج الحزب الشيوعي السوري في 7 تموز 1931 إلى "إيجاد جبهة متحدة بين جميع البلدان العربية للنضال والتضامن المشترك ضد الاستعمار... وإيجاد حلف بين العمال والفلاحين في البلاد العربية".
إذن الحزب الشيوعي السوري كان متقدما على عصبة العمل القومي في دعوتها في آب 1933 إلى "سيادة العرب واستقلالهم المطلقين، الوحدة العربية الشاملة".
ما نريد الإشارة إليه هنا هو أن التيار ذو النزعة القومية العربية داخل الحزب الشيوعي السوري والمتمثل بسليم خياطة دعا عام 1934 إلى مؤتمر زحلة المشابه لمؤتمر عصبة العمل القومي في قرنايل عام 1933. ويسترعي الانتباه ان مؤتمر زحلة الذي دعا اليه الشيوعيون شارك فيه كل من ميشيل عفلق وصلاح الدين البيطار، اللذين أسسا بعد سبع سنوات البعث العربي.
بعد الحزب الشيوعي وعصبة العمل القومي وبالتزامن مع حركة البعث العربي قام في أواخر ثلاثينيات القرن العشرين أو أوائل أربعينياته حزب سياسي سرّي ضمّ عددا من رجالات العرب وخاصة الشباب منهم. وكان برنامج هذا الحزب شبيهاً بالبعث. وبدأ هذا الحزب حسب معرفة جلال السيد مثل عصبة العمل القومي "من فوق". ولم يكن له محتوى اشتراكي. وكانت حركة رشيد عالي الكيلاني من صنعه وإخراجه، وكان على صلة بساطع الحصري. والمتداول في ذلك الحين ان ظافر الرفاعي هو مؤسس الحزب وكانت له علاقة بحركة رشيد عالي الكيلاني في العراق، تشبه إلى حدِ بعيد علاقة مؤسسي البعث بحركة الكيلاني.
نرجح أن هذا الحزب السري، الذي ذكره جلال السيد هو بالذات الحزب القومي العربي الذي تحتفظ مكتبة الأسد بدمشق بنسخة من منهاجه ونظامه الداخلي مطبوع في دمشق 1947. وفيما يلي فقرات من بعض مواد هذا الحزب:
- الحزب القومي العربي هو حزب شعبي تجددي يؤمن بان الأمة مصدر السيادة. ويعتمد في تحقيق اهدافه على منظمات شعبية تمثل جميع طبقات الأمة ويحرّم التعصب الديني والطائفي..
- الوطن العربي هو جميع البلاد والأراضي التي يسكنها العرب ويتكلم اهلها اللغة العربية في آسيا وأفريقيا، وهو المدى الواقع ضمن الحدود الجغرافية الطبيعية الاتية: من الشمال جبال طوروس والبحر البيض المتوسط، ومن الغرب البحر المتوسط والمحيط الأطلسي، ومن الجنوب بحر العرب وجبال الحبشة وصعيد السودان والصحراء الكبرى، ومن الشرق جبال بشتكوه والبختيارية وخليج البصرة..
- يحرّم العربي العصبيات التي تضعف العصبية العربية كالعصبيات الإقليمية والطائفية والعنصرية والقبلية والطبقية والعائلية. والعربي يعلم ان الأديان السماوية ليست في ذاتها عصبية دنيوية فهو لذلك يحترمها..
- هدف العربي التحرر والوحدة الشاملان... بلاد العرب للعرب
- الأفراد والجماعات والأقوام العنصرية التي سكنت البلاد العربية من القديم كالبربر والأكراد والأتراك والأرمن وغيرهم فهم مواطنون لهم ما للعرب وعليهم ما عليهم من واجبات، على أن يكون ولاءهم المطلق لوطنهم العربي ولا يكون لهم ولاء غيره..
- يعمل الحزب لاسترجاع جميع الأراضي المغتصبة من شمال سورية بما فيها لواء اسكندرون ومن العراق شط العرب والمحمرة والأهواز..
- سورية جزء من الوطن العربي والشعب الذي يسكنها جزء من الأمة العربية... يعتبر الحزب ان تحقيق الوحدة العربية يجب ان يقوم على أساس لا مركزية لا تخل بتماسك اجزاء البلاد العربية..
- ويلاحظ أن برنامج هذا الحزب القومي العربي لا يتضمن أية اشارة إلى الإقطاعية في الفصل المخصص للسياسة الاقتصادية والمالية العامة مكتفيا بالدعوة إلى "العمل لإيجاد قوانين وقواعد زراعية تحمي الفلاح وتكفل له تمتعه بثمرة جهوده"..
يرى سامي الجندي أن الحزب القومي العربي من صنع الأرسوزي وأعطاه رمز النمر. فقد جرت الأحزاب ما بين الحربين، كما ذكر الجندي، على اختيار رمز مثير لخيال الناشئة، تقليدا للنازية والفاشية. واختار الارسوزي النمر لأنه اكثر توثبا من الأسد. ويرى الجندي أن الأرسوزي قال: "العرب أمة واحدة ولم يقل أمة عربية واحدة ذلك انه عرقي يؤمن بالاصالة والنبالة" و "يعطي الارسوزي الزعامة معنى صوفيا متأثرا بنشأته العلوية".
وهكذا نرى أن البعث العربي لم يأت من فراغ بل هو وريث عدد من الحركات العربية الداعية إلى وحدة العرب وتقدمهم.