كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

ما قصة الحزام الأخضر في محافظة الحسكة؟

مروان حبش- فينكس

بعد إعلان الجمهورية التركية عقب الحرب العالمية الأولى واحتلال سورية ولبنان من قبل فرنسا، أصدر المفوض السامي للجمهورية الفرنسية في سورية ولبنان قراراً بناء على معاهدة الصلح الموقعة في لوزان بتاريخ 24 تموز 1923 بين فرنسا وبريطانيا وإيطاليا واليابان واليونان ورومانيا من جهة وتركيا من جهة أخرى، وبناء على المحاضر المسطّرة في باريس في 1 نيسان و6 آب 1924 الموافقة على المعاهدة المذكورة، وكان القرار ينصُّ على:
_ تثبيت الجنسية السورية بملء الحق للرعايا الأتراك المقيمين في أراضي الدولة السورية بتاريخ 30 آب 1924 وسقطت منذ الآن فصاعداً عنهم الجنسية التركية.
_ إن الأشخاص الذين يتجاوز سنهم الـ ( 18عاماً) والذين سقطت عنهم الجنسية التركية واكتسبوا بملء الحق الجنسية السورية بمقتضى المادة السابقة، يحق لهم في ظرف سنتين من تاريخ 20 آب 1924 أن يتخذوا الجنسية التركية.
اتجهت هجرات كردية إلى سورية ولبنان، وقد وفَدَ، أيضاً، أكراد من تركيا إلى محافظة الحسكة إثر ثورة سعيد بيران عام 1925وثورة إحسان نوري 1927-1930 هرباً من الاضطهاد التركي.
ثم أصبح التسلل من جنوب تركيا إلى شمال سورية أمراً مألوفا تنفيذاً لمخطط يطمح الكورد تحقيقه وهو إقامة دولة كردية، وتكون محافظة الحسكة ولواء الإسكندرونة جزءاً منها.
وقد ازداد تسلل جموع الأكراد بعد البدء بتطبيق قانون الإصلاح الزراعي 1959 لتختفي في القرى التي يقطنها الأكراد في الشريط الحدودي، ولتثبت فيما بعد بطرق ووسائل ملتوية أنها من الفلاحين السوريين «مكتومي النفوس»، أي من سكان البلاد غير المدونين في سجلات الأحوال المدنية، وبموجب شهادات مخاتير تلك القرى حصلوا على الجنسية السورية بعد الإحصاء العام الذي جرى في صيف 1960، كما حصلوا على حق الاستثمار الزراعي.
وشجع دعاة الدولة الكردية هذا التسلل لتكون للأكراد كثرة عددية في محافظة الحسكة تمهيداً لإنشاء دولتهم، وإلى أن تنضج الظروف الدولية والمحلية، طالب الحزب الديمقراطي الكردستاني السوري الذي أسسه «بشكل سري» الدكتور نور الدين ظاظا عام 1958 بالاستقلال الذاتي للأكراد في نطاق الدولة السورية.
أمام هذه المخاطر التي تهدد وحدة التراب السوري، وما حدث في الإحصاء المنوه عنه من اختراقات، وبناء على اقتراح محافظ الحسكة صدر المرسوم التشريعي رقم 93 لعام 1962 بإجراء إحصاء عام للسكان في محافظة الحسكة في يوم واحد، وفق المعايير التي تتبع عادة للتثبت من الجنسية، وبشكل خاص على قرار المفوض السامي رقم 2825 تاريخ 30 آب 1924.
وبموجب ذلك الإحصاء أسقطت الجنسية على من لا تنطبق عليه المعايير المتبعة، ولتلافي الأخطاء التي يمكن أن تكون قد حدثت، صدر عن وزير الداخلية القرار رقم 531 تاريخ 23/3/1966 ونصت المادة الثانية منه: (يستطيع ذوو العلاقة طلب قيد فيما يتعلق بهم من الواقعات المنسية وتصحيح ما يتعلق بهم من الأخطاء الواقعة في الإحصاء أو التسجيل خلال مهلة ثلاثة أشهر تبدأ من تاريخ 1/4/1966). وخشية من أن لا تكون المدة كافية لتصحيح الأخطاء، نص المرسوم التشريعي رقم 108 تاريخ 28/8/1966 في مادته الثانية على تخويل وزير الداخلية بإصدار قرار بتمديد المهلة المنصوص عنها في المادة 14 من المرسوم التشريعي رقم 93 لعام 1962، والمتعلقة بقيد الواقعات المنسية وتصحيح الأخطاء الواقعة في الإحصاء أو التسجيل على أن لا يزيد التمديد على ثلاثة أشهر.
وبعد السبعينيات من القرن الماضي دققت الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش قيود السجل المدني ومدى مطابقتها لسجلات الإحصاء الرئيسية، وحصرت المخالفات، ونتيجة ذلك بقي من لا يحمل الجنسية من قبل دون جنسية، وسحبت ممن لا تنطبق عليه شروط الجنسية، حسب تدقيق الهيئة، جنسيته السورية.
وهذا أدى إلى ما يعرف بموضوع الهويات، والأمر محصور فقط بمحافظة الحسكة، بينما الأكراد القاطنون في المدن والقرى في المحافظات الحدودية الأخرى يتمتعون كلهم بالجنسية السورية.
أصبح التسلل الكردي ظاهرة تستوجب المعالجة، خاصة أن هذا التسلل لم يكن ناجماً عن اضطهاد، وإنما تنفيذاً لمخطط بدايته الحصول على أراض من أراضي الإصلاح الزراعي، ومن ثم الجنسية ونهايته، كما ذكر، تكوين كثافة سكانية كردية في محافظة الحسكة تتواصل سكانياً مع سكان كردستان العراق، وبالنتوءات الكردية على الحدود السورية التركية، وسلخ جزء من تراب الوطن.
كانت التقارير الأمنية الواردة من محافظة الحسكة، والشخصيات السياسية والواعية فيها، تؤكد، دوماً، على المخاطر التي تهدد تلك المحافظة إذا لم تعالج بشكل واع وجذري، ولهذا صدر المرسوم 1360 تاريخ 11/11/1964 الذي يحدد مناطق الحدود بالنسبة للمرسوم التشريعي 193 لعام 1952، واعتبر محافظتي القنيطرة والحسكة بكاملهما مناطق حدودية، كما اعتبر من المناطق الحدودية قصبة جسر الشاغور، وكذلك المناطق المتاخمة للحدود التركية بعمق خمسة وعشرين كيلو متراً، حيث لا يمكن إنشاء أو نقل أو تعديل أي حق من الحقوق العينية على الأراضي الكائنة في مناطق الحدود، وكذلك استئجارها وتأسيس شركات أو عقد مقاولات لاستثمارها زراعياً لمدة تزيد على ثلاث سنوات إلا برخصة مسبقة، وهذا حق سيادي للدولة.
بعد استكمال الدراسات السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، لموضوع التسلل الكردي أوصى المؤتمر القطري الثالث أيلول 1966 «إعادة النظر بملكية الأراضي الواقعة على الحدود السورية التركية وبعمق 10 كم واعتبارها ملكاً للدولة، وتطبيق أنظمة الاستثمار الملائمة بما يحقق أمن المنطقة».
إن هذا الشريط، والذي عرف باسم الشريط الأخضر أو الحزام العربي، كان الهدف منه توطين الفلاحين الذين ستغمر مياه سد الفرات أراضيهم، فيه، من ناحية، ومن ناحية ثانية، منع التسلل الكردي من تركيا إلى سورية، لأن المتسللين لا يمكنهم قطع هذا العمق دون اكتشافهم، والناحية الثالثة إقامة زراعة متطورة ونموذجية فيه، تعتمد التكنولوجيا الحديثة وآخر ما توصل إليه العلم في مجال الزراعة.
بهذه الإجراءات يتحقق القضاء على الأطماع السياسية والانفصالية للطامعين في سلخ جزء من تراب الوطن، وما قامت به الدولة السورية في مختلف عهودها هو حق من حقوق السيادة الوطنية، ولكل دولة حق اتخاذ التدابير اللازمة لمنع التسلل الحدودي والمحافظة على وحدة أراضيها.