كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

الأحزاب في عهد الانتداب الفرنسي

د. عبد الله حنا- فينكس

حزبا الاستقلال والاتحاد السوري
واللجنة التنفيذية للمؤتمر السوري الفلسطيني
آب 1921
بعد الاحتلال الاستعماري الفرنسي لدمشق في تموز 1920 لجأ معظم أعضاء حزب الاستقلال العربي وريث جمعية العربية الفتاة والحزب شبه الحاكم في الدولة الوطنية إلى شرقي الأردن وفلسطين. وقد سعى الانكليز إلى الاستفادة من حزب الاستقلال كورقة رابحة في يدهم في صراعهم الاستعماري مع الفرنسيين. وبعد الاتفاق الانكليزي الفرنسي ضيّق الانكليز الخناق على أعضاء الحزب فنقلوا نشاطهم إلى مصر.
أما القسم الآخر من الوطنيين فلم يلجأ إلى عمان بل اتجه مباشرة إلى مصر مكان اقامته السابق واستقرّ فيها. وكانت مصر مركز نشاط الوطنيين ضد الحكم العثماني قبل الحرب العالمية الأولى. وكانت أغلبية المستقرين في مصر تنتمي إلى حزب الاتحاد السوري وريث حزب اللامركزية أقوى الأحزاب السورية قبل الحرب العالمية الأولى وكان مركزه في مصر. وشعاره أن تكون سورية بجملتها على وحدتها القوميةمستقلة استقلالا تاما تضمنه عصبة الأمم. وكان هذا الحزب على خصام مع حزب الاستقلال ولم تكن له صلات حسنة مع الهاشميين، ولم يتعاون بعد الاحتلال الفرنسي مع الأمير عبد الله شأن حزب الاستقلال.
بعد استيعاب صدمة الاحتلال الفرنسي لدمشق دعا حزب الاتحاد السوري إلى عقد مؤتمر في جنيف لتوحيد جهود الأحزاب والجماعات السورية، وعُقد المؤتمر في 27 آب 1921 برئاسة الاسلامي المتنور الشيخ رشيد رضا وبحضور مندوبين عن حزبي الاستقلال والاتحاد وعن بعض الجمعيات في المهجر. وتبنى المؤتمر قرار المؤتمر السوري السابق في دمشق باستقلال سورية الناجز بحدودها الطبيعية ورفض الانتداب والصهيونية، وحق هذه البلاد في الاتحاد واقامة حكومة مدنية مسؤلة أمام مجلس نيابي.
أقرّ مؤتمر جنيف تأسيس "اللجنة التتنفيذية للمؤتمر السوري الفلسطيني"، التي اتخذت القاهرة مقرا لها، كما انتخب المؤتمر وفدا دائما لدى جمعية الأمم. واستمر عمل هذه اللجنة حتى سنة1927 مع انسحاب حزب الاستقلال منها. وكان الخلاف المستتر تحت الرماد بدأ بالظهور على السطح بين الأحزاب السورية التي أجبرها الاحتلال على الإقامة خارج دولة الانتداب الفرنسي. وسبب الخلاف المباشر يعود إلى اساليب كيفية توزيع الإعانات الواردة من الجاليات السورية في الأميركيتين. وتركز النقد على لجنة القدس، التي يديرها حزب الاستقلال العربي، والتي كما ذكر منتقدوها أنها تكيل بمكيالين، فمن كان من انصار حزب الاستقلال أغدقوا عليه الأموال وحجبوها عن الآخرين.
وبالرغم من الجراح النازفة، التي اصابت الحركة الوطنية واضطرار معظم قادتها الى مغادرة البلاد فان شعاع الأمل في الداخل لم ينطفئ واخذت تتشكل في البلاد الجمعيات السرية ومن اهمها جمعية "الحزب الحديدي" التي تألفت في دمشق من الشباب المثقف ونشطت ايام المد الجماهيري الأول في نيسان 1922. وقد احدثت هذه الجمعية ضجة في البلاد وانتشر حولها جو عابق بالرهبة والاهتمام. ولكن السلطات الفرنسية استطاعت اخيرا اكتشاف الجمعية فالقي القبض على فريق من شبابها وفرّ الآخرون.
*******
 حزب الشعب 1924
بزعامة الشهبندر
عبد الرحمن الشهبندر المولود في دمشق عام 1879, وخريج الجامعة الأميركية في بيروت عام 1906، احتل مكاناً مرموقاً في ميدان النضال الوطني، وأسهم في بلورة المشروع النهضوي التنويري العربي. وقد عالج جملة من القضايا الاجتماعية من منظار تنويري متفتح. وتميّز الشهبندر بسياسته وأفكاره البعيدة عن العائلية والعشائرية والطائفية، وأسهم في خلق جو وطني واضح المعالم.
كان الدكتور عبد الرحمن شهبندر علما وطنيا بارزا في العهد العثماني وأيام الدولة الوطنية العربية واختير وزيرا للخارجية في الحكومة الأخيرة لتلك الدولة. واضطر لمغادرة البلاد في تموز 1920 تجنبا لحكم الإعدام الصادر بحقه من السلطات الفرنسية. وبعد صدور العفو عاد الشهبندر إلى دمشق ولم يلبث أن قاد في نيسان 1922 حملة جماهيرية ضدّ الانتداب الفرنسي. وفي خطبة له امام حشد كبير قال: "فليحي الاستقلال التام فتلحيا الحرية النامية".
وكان ردّ فعل السلطات الفرنسية سريعا وعنيفا، فاعتقلت الشهبندر وعدد من رفاقه في السادس من نيسان 1922. وقف الشهبندر امام المحكمة العسكرية الفرنسية وطنيا شجاعا ودبلوماسيا محنكا يدافع عن مبادئه الوطنية دون ان يترك مجالا للمستعمرين لادانته بقانونهم. وكانت النتيجة الحكم على الشهبندر بالسجن في جزيرة ارواد. وبعد مضي تسعة عشر شهرا أُطلق في 12 تشرين الأول 1922 سراح الشهبدر ورفاقه.
بعد نجاح القوى اليسارية في فرنسا تشكلت حكومة ارسلت الجنرال سراي مندوبا ساميا على سورية ولبنان. واصبح واضحا ان الإدارة الفرنسية الجديدة ستتبع نهجا مغايرا للاتجاه اليميني للسلطة السابقة. وكان معروفا عن الجنرال سراي ميوله اليسارية وتعاطفه مع حركات التحرر الوطني وعداءه للقوى الاستعمارية. وفي تلك الأجواء أتت الوفود الوطنية من دمشق إلى بيروت للتعرف على الجنرال سراي وتمهيد الطريق للسير على نهج يخالف الإدارة الاستعمارية القابضة على زمام الأمور في سورية ولبنان. وعلى هذا الأساس قَدِمَ وفد من أنصارعبد الرحمن الشهبندر للسلام على سراي في بيروت في 2 كانون الثاني 1925. وبعد الترحيب بأنصار الشهبندر قال لهم الجنرال سراي عودوا إلى بلدكم وأسسوا حزبا سياسيا ليتمكن معتمدوه من بيان مطاليب الشعب ومفاوضتي باسمه لضمان مصيره..
***
حزب الشعب المُؤَسس في أيار 1925 بزعامة الشهبندر دعا لتحقيق مبادئ منها: السيادة القومية.. وحدة البلاد السورية بحدودها الطبيعية.. ضمان الحريات الشخصية.. تدريب البلاد نحو سياسة اجتماعية ديمقراطية مدنية.. حماية الصناعات الوطنية وإنماء الموارد الاقتصادية.. توحيد التربية والتعليم في البلاد.
ونرى أن هذه المبادئ كانت خطوة نحو الدعوة إلى المجتمع المدني مع تأكيد على وحدة البلاد السورية. وكان حزب الشعب أول تجمع منظم للبرجوازية الدمشقية بعد الاحتلال الفرنسي.