كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

"عين البيضا" إحدى عيون حلب في القرن الماضي

ذكر الغزي في كتابه "نهر الذهب" أن حلب تعتمد على الماء من ثلاثة مصادر: ماء مطر، وماء قناة، وماء ينبوع..
ومن أشهر هذه الينابيع كانت "عين البيضا".. وقد قال عنها مما يلحق بهذه المحلة (شيخ أبي بكر وجبل الغزالات) العين البيضاء التي يجري ماؤها إلى المستودع الملحق بحارة الهزازة..
هذه العين شمال الميدان تبعد عنه ربع ساعة وعن حلب نصف ساعة.. وكان الأغراب الموظفون يشربون من مائها كيلا يوسموا بحبة حلب؛ فكان الماء ينقل إلى الحكومة.. وكان ملء تنكة غاز البترول من هذا الماء يباع بقرش نصف، ثم إن بعض السقائين الذين يعانون نقل هذا الماء أخذوا يملأون آنيتهم من مياه آبار في حلب ويبيعونها على إنها من ماء العين البيضاء.. فشعرت الحكومة بذلك؛ وحينئذ عينت البلدية قيماً خصوصيًا يقيم نهارًا ويأخذ من السقائين عن كل تنكة يملأونها من ماء العين نصف قرش، ويسد ثقبها بشمع عليه طابع خصوصي منعاً للغش..
ولما انتبه الناس إلى رداءة قناة حلب؛ وصار الكثير منهم يتحامى ماءها ويرغب أن يكون شربه من ماء العين البيضاء، رأت البلدية أن تعتني بهذه العين، فوسعت ينابيعها، وبنت لها حوضًا مسقوفاً يؤخذ منه الماء بواسطة مجرى في أسفله؛ دفعًا لدخول الدواب إلى غدير العين وتلويث مائها بروثهم..
إلى أن كانت الحرب العامة، وحدثت قلة المياه سنة 1335، وجفت أكثر آبار البلدة، ولقي الناس من قلة الماء شدة، وأصبحت العسكرية في حاجة عظيمة إليه، فاهتم القائد العام جمال باشا بجر ماء هذه العين إلى البلدة، فمد منها إلى الميدان الأخضر كيزاناً خزفية، وعمل في هذه المسافة حوضين عظيمين يصبان الماء لسقاية الجنود والدواب، على أن يصرف ما فاض عن الحوض الثاني إلى البلدة، فلم ينجح هذا العمل؛ لأن كيزان الخزف قد عجزت عن تحمل ثقل الماء، فتشققت، وجرى الماء منها هدرًا.. وحينئذ أحضر كيزاناً من الحديد في قطر سبعة قراريط، ومدها من العين إلى مستودع الماء الذي سلف الكلام عليه في محلة الهزازة، وبنى في جانب العين بيتاً لوضع محرك يدور بقوة الغاز الفقير، وسلط قوته على مضخة لرفع الماء بها من العين ودفعه إلى المستودع المذكور، فروى العطاش وأزال تلك الغائلة العظيمة في مدة لا تزيد على شهرين..

الصورة لعين البيضا أيام زمان؛ حيث كان ماؤها يجري، والناس تغسل على ضفافه، ونجد سقاءً وقد ملأ التنكات على ظهر حماره.