كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

حلب حاضر وتراث

عدنان جمعة الأحمد

تأثرت الحياة في حلب كثيرا بالأسوار والحصارات، وانعكس هذا الثأثير على اللهجة والطعام والعلاقات الإجتماعية.
أدت الأسوار الى ولع السكان في حلب بالنباتات الخضراء وذلك لندرة المساحة الخضراء داخل المدينة القديمة، حيث يحرص السكان على زراعة شجرة في أرض الديار يستظلون في ظلها، كما استجلبوا نبات تين المطاط أو "الكاوتشوكة" من اللاذقية واسكندرون وزرعوها في أصيص داخل البيت، ولايخلو بيت حلبي من كوشوكة تزين الصالون.
والجدير بالذكر ان نبات الكاوتشوكة هو شجرة معمرة موجودة في كل سواحل البحر الابيض المتوسط ولاتنمو في حلب بسبب الصقيع، لذلك تحرص كل سيدة منزل على ان تضعها في مكان دافئ في البيت، وقد تلفها بالنايلون الشفاف وتضعها بالبلكون شتاء.
وبالمقابل، فإن الانسان في حلب لايتعامل مع الحيوانات ولايربي الدجاج، وينظر الى من يربي الدجاج على انه غريب الأطوار.
وبعد زلزال عام 1822 بدا البناء خارج الاسوار في منطقة العزيزية والسليمانية والشيخ طه، فاستأنس سكانها بعض أنواع الكلاب للحراسة وكان أشهرها الكلب الجعيري والسلوكي، ثم دخلت الى تلك المناطق أنواعا جديدة بعد الانتداب الفرنسي مثل الدبرمان والشيفر (الراعي) وسلالات صغيرة الحجم مثل pug المعروفة بالبوجي وكذلك الشيواوا وبروكسل كريفون، وتتعرض مثل هذه الحيوانات للتنمر من قبل الأولاد نظرا لعدم تعودهم عليها.
كما أثرت الأسوار على اللهجة فباتت حروفها منغمة وبطيئة نظرا لعدم احتكاكها بهلجات أخرى بحكم الاسوار، ولو انك خرجت عشرة كيلومترات شرق حلب ستجد هذا الفرق واضحا ضمن هذه المسافة القصيرة.
في العهد العثماني كان هناك مراقبين على الاسوار يصيحون "يابانجي" عند ظهور شخص غريب قرب الأسوار، وتعني هذه الكلمة "غريب أو أجنبي"، وأصبحت هذه الكلمة نوع من التحذير غير مفهومة وبقي الناس يستخدمونها محرفة حتى نهاية القرن العشرين حيث تلفظ في حلب "يابانو" واقتصر استخدامها على الأولاد، ثم اختصرت أكثر في القرن الواحد والعشرين وأصبحت "يابوه".
وهناك عديات مدرسية كانت تستخدم لترويع المشاغبين:
- يابانو ع الشكوة! طبت دءني بالركوة
وهي مجرد كلام مسجوع لامعنى له يحذر الولد المشاغب من مغبة أفعاله.
كما أثرت الأسوار على نمط التغذية أثناء الحصارات، فأبدعت حلب أطباقها في تلك الأوقات الصعبة، فأكثروا من الدهون للإستفادة من كل أجزاء الحيوان المتاحة، في حين أن المدن عديمة الأسوار لاتأكل دهن الخروف وترمي باللية في القمامة.
كما ظهر اليبرق المصنوع من ورق الدوالي التي تغطي أزقة حلب، وكانت المصدر الوحيد للخضار أثناء الحصارات، ولو نظرنا الى اليبرق سنجد انه طعام حصار بامتياز ،حيث يعتمد على مواد متاحة أثناء الحصار، وإذا انعدم اللحم صنعوا اليبرق بلالحم واطلقوا عليه المحشي الكذاب (يالانجي).
وكذلك الكبة فهي طعام حصارات يمكنك اضافة اللحم المتاح لها، ومن الممكن صناعتها دون لحم زمن الحصار، فهي مرنة من حيث استهلاكها للحوم، ويمكنك إضافة اللحم اليها بشكل مبتذل "الجخ" زمن السلم.