كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

قهوة (زَبَّابُو) في حماة.. حقيقة أم خيال؟

بقلم: أ. محمد عصام علّوش
----------------------------------------
كثيرًا ما كنَّا نسمع مِمَّن هم أكبر منَّا سِنًّا هذا المثل الذي يتردَّد في مدينة حماة دون غيرها: ((متل القاعدين بقهوة زبابو)).. ولم نكن ندري لهذه القهوة أو المقهى مكاناْ أو وُجوداً، وحدث أنَّني درَّستُ في إحدى القرى التَّابعة لمدينة حماة في مدرسة إعداديَّةٍ مختلطةٍ مع زميلٍ حمويٍّ فاضلٍ.. دخل في يوم من الأيَّام على أحد الصُّفوف فوجده في فَوْضى وهَرجٍ ومَرجٍ، فصرخ في الطلاب والطالبات بأعلى صوته، ودون أن يُلقي لما يقول بالاً: "شُو فيكم! شُو قاعدين بقهوة زبَّابُو؟"، وما إنْ سمع الطلاب بجِنسَيْهم هذه الكلمة حتى بادروا بنقلها إلى أهاليهم متَّهمين الأستاذ بالرَّذالة وسوء الأخلاق!
ثمَّ سَرَتْ هذه العبارة في القرية سَرَيان النَّار في الهشيم، ممَّا استدعى حضور كثير من الآباء والمسؤولين إلى المدرسة لمساءلة المدرّس ومعاقبتة على ما تفوَّه به، ولولا أنني انْبَرَيْتُ بكلِّ ما أوتيتُ من قوَّةٍ للدِّفاع عن هذا الزَّميل مبيِّناً لهم أنَّه لم يكن يقصد الإساءة، وأنَّ ما ذكره لا يعدو أن يكون مَثلاً من الأمثال المستخدمة في حماة، شأنُهُ شأنُ المثَل الآخَر: "متْل الحَمَّام المقطوعة مَيْتُهْ" لحدَث لهُ ما لا تُحمَدُ عُقباه.
ومنذ ذلك اليوم أخذتُ أبحثُ عن مصدر هذا المثل الذي ينطقه أهل حماة بكل أريَحِيَّةٍ ومن غير أن يجدوا فيه ما يُسيءُ، فوجدتُ ضالَّتي المنشودة عند الشَّاعر عبد الوهاب الشيخ خليل - رحمه الله - في كتاب: "مع الشَّاعر عبد الوهَّاب الشيخ خليل"، فقد خصَّص فيه فصلًا بعنوان: أوراق من مذكّرات الشَّاعر عبد الوهَّاب الشيخ خليل، تحدَّث فيه عن مشاهداته وذكرياته وانطباعاته عن الفترة التي سبقتنا في حماة منذ الاحتلال الفرنسي، وفيه معلوماتٌ ثرَّةٌ عن المقاهي وغيرها.. يقول:
"وكان هناك في ظاهر البلد على طريق كازو مقهى يُسَمُّونه (قهوة زبَّابُو) ويرتاد هذا المقهى المتقدِّمون في السِّنِّ من أهل الحيِّ، وفي ذلك الزمن كان للمتقدِّم في السِّنِّ حُكْماً لحيةٌ غالباً ما تكون طويلةً، ومن المُصادفات المُضحكة أنَّه كان قُرْبَ قهوةِ زبَّابُو جسرٌ رومانيٌّ قديمٌ يُسمَّى (جسر خريان) ومن هذا التَّقارُب بين المقهى والجسر ابتدع أهلُ حماةَ، وهم ميَّالون إلى الطرفة مَثلاً شاع كثيراً يقول: "على جسْر خَرْيانْ تصطف اللّحى وتْبانْ".

قهوة زَبَّابُو إذن أيها الحمويّون كانتْ حقيقةً واقعة..