كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

مدينة "كوثى" الأثرية في العراق

د. إليان مسعد- فينكس

المدينة التي هاجر منها القرشيون الأنباط الى مكة بعد ان دمرها الفرس في نهاية القرن الثالث ميلادي.
من المعالم الأثرية التي كان لها صدى واسعاً في فجر السلالات، ولكن التأريخ أهملها فلا نجد إلا إشارات بسيطة عن ماضيها الحضاري هي مدينة كوثى، التي تعرف حاليا بـ(جبلة) وهي تقع شمال شرق محافظة بابل، وتبعد عن (الحلة) 50 كيلومترا، وتتبع إداريا اليوم لمحافظة بابل.
كوثى أو كوثه أو كوثا، وتعرف بالبابلية (كوتم)، وبالسومرية (غودوا)، وتعرف بـ(تل إبراهيم) مدينة سومرية قديمة تعد من أبرز مدن بابل الشمالية، وكانت تقع على نهر الفرات بحدود الالف الثالث قبل الميلاد، وهو المجرى الشرقي القديم المعروف بمجرى كوثى (قبل أن يتغير مجراه إلى موقعه الحالي)، ولقد أورد علماء اللغة بعض معان لها منها : الكوثى القصير، وكوّث الزرع تكويثا إذا صار أربع أو خمس ورقات، واتفق بعض العلماء على أن المفردة ليست من العربية، وكانوا يعنون كوثى الدالة على النهر أو المدينة.مدينة موغلة بالقدم ومرت عليها أدوار تاريخية في عصور السومريين والأكديين والبابليين والاراميين.
أهمية مدينة كوثى تأتي من كونها مركزاً مرموقاً للفكر الديني القديم.
وقد ذكرت في التوراة مرتين، واشتهرت كوثى بكونها مركز عبادة إله العالم الأسفل المذكور بالتوراة (نرجال) وله معبد كبير (زقورة) تسمى (اي نانار)، وتذكر بعض المصادر أن (دونكي) أحد ملوك أسرة أور الثالثة حوالي سنة 2300 قبل الميلاد أعاد بناء المعبد والزقورة وجددهما، كما عثر على لبنة في موضعها الحالي تحمل اسمها، تعود إلى عصر نبوخذ نصر، كما ضمّت كلية كبيرة اشتملت بعض ألواحها على تاريخ الخليقة البابلي، ويذكر أن الملك الآشوري تجلات بلاصر قدّم سنة 729 قبل الميلاد أضحية إلى معبد (نركال) في كوثى، وفي العصر البابلي الحديث (626- 539 ق.م) كان لمدينة كوثى ونهرها الذي يصل إلى مشارف مدينة بابل أهمية قصوى فقد كانت من المراكز الدينية المهمة، ومن المدن الكبرى في دولة بابل الحديثة. وبها جرت المعركة الضخمة بين الجيش الكلداني بقيادة نابونيد وابنه بلشاصر وقائد جيشه الخائن غوبارو والجيش الفارسي بقيادة قورش الكبير والتي حسمت مصير بابل.
المصادر الاسلامية
وكوثى ذكرت في ثلاثة مواضع، في سواد العراق، وفي بابل، وبمكة وهو منزل بني عبد الدار، وروي عن ابن الأَعرابي أَنه قال: "سأَل رجلٌ الإمام عليّاً فقال: أَخبرني، يا أَمير المؤمنين، عن أَصلكم، معاشرَ قُرَيْشٍ، فقال: نحن قومٌ من كُوثى"، وعن أهمية كوثى قال حبر الأمة عبد الله بن عباس (نحن معاشر قريش حي من النبط من أهل كوثى)، وكان الرسول وعمه العباس قد رددا سابقاً ما بشابه والنبط عند العرب تعني ساكني العراق، البابليين وغيرهم من الأقوام القديمة، وتشير كتب التاريخ بأن ان ابراهيم وانبياء اخرين من أصل شنعاري، وشنعار هو الأسم الأقدم لوادي الرافدين وهو "سين آر"، الذي يعني سهل أو مرج، وإذا صح هذا القول فإن ذلك يدل على أنما قصدا بالنبط (نبايوت)، وهو (ابن إسماعيل) في التوراة، وكوث أو كوثى كان من أولاد نوح الذي عاش محنة الطوفان في بابل ثم رحل عنها نحو الغرب، ولقد ذكر الطبري (كوثى) في تأريخه في سبعة مواضع، وابن الجوزي في ستة، وابن الأثير والمسعودي في موضعين، والحموي في ثلاثة، والبلاذري والأصفهاني والزمخشري في موضع واحد، ومصادر أخرى عديدة، ولقد تنقّلت المفردة بين أن تكون المدينة المطلة على النهر، أو هي النهر ذاته كما عند المسعودي في مروج الذهب وتأريخ الطبري الذي ذكر أن أم النبي ابراهيم خرجت منها وأن أباها هو من حفر النهر (نهر كوثى).
بالنهاية دمر الساسانيون كوثى بآخر القرن الثالث ميلادي بسياق تصفية الحواضر التجارية الارامية وهاجر اهلها لضواحي مكة وأضحوا القرشيين.