كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

حلب.. مخفر العزيزية 1920

عدنان جمعة الأحمد

كانت تسمى منطقة العزيزية سابقا منطقة جبل النهر، هذا الجبل الذي ضاعت معالمه بفعل التوسع العمراني، وبعبارة أصح يمكننا تسميته تلة النهر لأنه أصغر بكثير من أن يسمى جبلاً.
والعزيزية تلة طباشيرية تعود للكريتاسي الاوسط، تربتها غير خصبة بالمقارنة مع المناطق المجاورة لها، كالحميدية والسليمانية والحديقة العامة.
قبل انتشار البناء كانت تنتشر فيها الأعشاب البرية المحلية كالفقوس (خيار الجحش) والحلاب الحلبي والختمية والهندباء البرية، كما ينمو فيها بعض أشجار الحور والصفصاف والاوكاليبس، وتأوي الى هذا الجبل طيور الحجل التي تبني أعشاشها على الأرض وتجفل الخيول بطيرانها المفاجئ وكأنها لغم أرضي.
وبقي هذا الجبل هادئا منذ مطلع التاريخ حتى عام 1822، حيث دبت الفوضى فيه بفعل الزلزال الشهير الذي ضرب حلب، فتحول الى مقابر عشوائية تختلط فيها قبور الديانات الثلاث، كما احتوت أطرافه مثل المنشية التلل على أكوام الردم الناتج عن الزلزال، ونشطت مهنة دفن الموتى قربه مثل عدس اخوان، وحنوش اخوان، لخدمة الوفاة وذلك لكثرة الضحايا الناتجة عن الزلزال.
وكان أول من سكن حي العزيزية هم الأموات من أبناء حلب، أما الأحياء لم يفكروا بالسكن فيه إلا بعد عام 1872 العام الذي احترقت فيه حلب، وفتح نتيجته جادة الخندق، مما اضطر الكثير من العائلات المسيحية التي تسكن عوجة الكيالي وجادة الخندق للإنتقال الى العزيزية والبناء فيها.
في بداية القرن العشرين بنيت محطة قطارات حلب والتي استهلكت جزءاً كبيراً من ركام سور حلب قرب جادة الخندق، واقتضى بناؤها وجود مخفر قوي يسير الدوريات بين المحطة وباب الفرج، فبني مخفر العزيزية ليقوم بهذه المهمة، وقد بني المخفر وساعة باب الفرج من حجارة السور بعد إعادة تدويرها.
الصورة هذه في ساحة الاعدام في القرن التاسع عشر، حيث كانت تنصب المشنقة مكان تجمع الرجال، واختيرت هذه المنطقة للاعدام لقربها من المقابر، وقيل انه تم الاعدام بالخازوق في هذا المكان، ثم أُلغي الخازوق بعد معاهدة كوتاهية عام 1833 واستبدل بالمشنقة.
ولعل هؤلاء الرجال في الصورة يحتفلون بنقل ساحة الاعدام الشئيمة من حارتهم الى ساحة باب الفرج.
وهذه الصورة عثرت عليها حكايات من حلب وقمنا بتلوينها بواسطة الكومبيوتر لإبراز معالمها الخفية.
والعمود الذي بجوار الرجال ليس عود المشنقة بالطبع، وإنما هو أحد أربعة أعمدة إنارة تضاء باللوكس ليلا ويشرف عليها رجل يُدعى الشعال أو الدومري، ونصبت هذه الأعمدة مع بناء الساعة، الأول فوق الجسر الجديد والثاني قرب النافعية والثالث على باب القلعة وهذا الذي في الصورة هو رابع الأعمدة.
كما يمكننا مشاهدة هوائي التليغراف على شكل مكعب من الأسلاك فوق مخفر العزيزية، والذي كانت له استخدامات مدنية وعسكرية، وبعتبر هذا الهوائي أقدم هوائي موثق بالصور، ويمكنه إرسال الرسائل النصية بشيفرة موريس الى القارات الخمس.
كما يمكننا رؤية برج مروحة سبيل العزيزية، والتي أُزيلت في السبعينات، بينما بقيت حجرة السبيل جسداً بلاروح.
تعتبر هذه المنطقة من أرقى أحياء حلب، تنتشر فيها الملابس والأحذية النسائية والحقائب الباريسية، حين تتمشى فيها لن يخطر ببالك أنها كانت مكاناً مريعاً وموحشاً ومهجوراً يوماً ما.