كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

قصر العظم من بيت شاهد على تاريخ أمة إلى "مركز الوثائق التاريخية"

عماد الأرمشي- فينكس:

من أقدم و أعرق البيوت القائمة في حي سوق ساروجا هو: بيت محمد فوزي باشا بن علي باشا العظم والكائن بمنتصف محور ساروجا ما بين العقيبة و الورد. وهو قائم على مسافة قصيرة شمال غرب المدينة القديمة دمشق.
تبلغ مساحة البيت حوالي 3136 مترا مربعا، مما يجعله واحدا من أكبر المساكن التاريخية في محلة سوق ساروجا و خاصة أرض الديار الكبيرة والتي تحل مساحة كبيرة من أرجاء البيت.
والبيت مشيد بالفترة العثمانية حين تم تشييده في نهايات القرن الثامن عشر و مطلع القرن التاسع عشر، فقد تم بنائه على عدة مراحل، و كان البيت ملكاً للسيد (سليمان كيلار أميني) أحد أعيان المشيرية العسكرية، الى أنمنزل فوزي العظم ومقر القنصل البروسي اشتراه السيد/علي باشا العظم وذلك لوجود نقوش كتابية بذلك عند أبواب الفسحة السماوية (أرض الديار) تعود الى عام 1240 للهجرة الموافق عام 1825 للميلاد، وكذلك لوجود نقوش تعود الى عام 1294 هجرية الموافق في 26 تموز 1877 للميلاد.
و البيت اليوم معروف باسم (بيت محمد فوزي باشا العظم، ثم ورثه ابنه الرئيس خالد العظم) حين أقدمت الحكومة الإنقلابية في إنقلاب الثامن من آذار عام 1963 بالإستلاء على أملاك محمد فوزي باشا العظم والرئيس خالد العظم وتحويل ملكيته الى المديرية العامة للآثار والمتاحف في عام 1969، وأجريت عليه عمليات ترميم خلال عام 1970 وصار ويعرف الآن باسم (متحف دمشق التاريخي) وبه مركز الوثائق التاريخية ومتحف للحرف والفنون الدمشقية.
ففي خارج سور المدينة القديمة وفي وسط الأبنية الإسمنتية الجديدة الرتيبة في سوق ساروجة يقبع قصر محمد فوزي باشا ابن علي باشا العظم بن عبد الله بن محمد يادووا بن عبد الله باشا بن محمد باشا بن مصطفى بن فارس بن إبراهيم باشا العظم.
وقد ولد محمد فوزي بدمشق عام 1858 للميلاد و توفي بدمشق عام 1919 للميلاد، وكان (محمد فوزي باشا) رئيساً لبلدية دمشق زمن السلطان العثماني عبد الحميد الثاني، والرئيس الثاني لمجلس النواب العثماني (المبعوثان)، ثم وزيراً للأوقاف العامة بالسلطنة العثمانية في العهد الدستوري العثماني وعضواً في مجلس النواب العثماني الثاني.فوزي العظم والد خالد العظم
وبعد الإطاحة بحكم السلطان عبد الحميد، صار أول رئيس للمؤتمر السوري الذي كان بمثابة أول مجلس نيابي تشريعي عرفته البلاد، وذلك في ظل دولة الاستقلال الأول عقب الثورة العربية الكبرى. ووالد الراحل دولة الرئيس خالد بك العظم.
ودار محمد فوزي باشا العظم، هي دار أثرية جميلة من روائع البيوت الشامية العريقة، و تقع في حي سوق ساروجا كما أسلفنا، وعمرها مائتي عام كما ذكر أستاذنا نصر الدين البحرة في سياق حديثه الشيق عن سوق ساروجا، ولا تقل أهميتها عن قصر أسعد باشا العظم في أهميتها التراثية والأثرية من حيث طراز البناء وأعمال الدهان الدمشقي (العجمي)، والرخام والخشب المحفور و بالأخص بوابة الدار:
فهي أشبه بباب قلعة مبنية من الحجارة المنحوتة، يعلو الباب زخارف حجرية منحوتة أيضاً وتشكل قوس من الحجارة الرمانة و البيضاء تحت دائرة تمثل الشمس الحجرية، و يعود تاريخ البناء إلى القرن الثامن عشر، وعرف باسم بيت العظم.
وكان البيت متّصلاً مع بيت عبد الرحمن باشا اليوسف، وتذكر سجلات المحكمة الشرعية أن البيتين (بيت عبد الرحمن باشا اليوسف و بيت محمد فوري باشا العظم) كانا أصلاً ملكاً لسليمان كيلار أميني، وقد استأجرته القنصلية البروسية بدمشق من ورثة السيد سليمان أميني و أضحى قنصلية وسكناً للقنصل البروسي.
نقول هنا أن القنصلية البروسية (الألمانية) قد إستأجرت البيت من ورثة السيد سليمان أميني، وقطن به أول قنصل بروسي/ ألماني في هذه المدينة الإسلامية الكبرى (الشامشريف) دمشق الشام، وكان المستشرق (يوهن جوتفريد فتسشتاين) قد استأجره من الورثة شخصياُ، حين تم تعيينه قتصلاً للإمبراطورية البروسية في الشامشريف دمشق عام 1840.
فتعلم اللغة العربية، وجمع مخطوطات نفيسة عاد بها الى برلين، و نشر بالعربية (مقدمة الأدب) ومعحم العربية و الفارسية و كلاهما للزمخشري، و كتب بالألمانية وصفاً لرحلتة قام بها الى حوران و بادية الشام.
وأصبح البيت الذي يحتوي على قاعة ذات ثلاث أجنحة مع غرفة شماليّ غربيّة مزيّنة بشكل استثنائي وكانت داراً لرئيس الوزراء السوري السابق خالد العظم في أربعينات القرن العشرين وأدرج كمعلم تاريخي عام ١٩٦٠.
وذكرت الكاتبة (بريجيت كينان) أنه من المؤكد بأن ذلك المنزل كان مقراً للقنصلية البروسية في الفترة الممتدة بين 1849 و 1860، ويتجلى هذا الاستنتاج في المخططات والرسومات التي كان يعدها القنصل (جوهان غوتفرايد ويتزشتاين) ويبعث بها إلى بلده مع رسائله.
وقد ذكر أحد أصدقاء القنصل الذي حلّ ضيفاً عليه في بيت العظم (سوق ساروجا) خلال جولة كان يقوم بها في الشرق الأوسط أن:بلاط منزل بيت العظم
باحة المنزل الأولى كان فيها أشجار تين ضخمة بحجم أشجار السنديان العملاقة بالإضافة إلى أشجار البرتقال والليمون التقليدية وعرائش العنب.
ويتابع ذلك الزائر وصفه للمنزل بقوله: "إن الليوان وقاعات الاستقبال الثلاث الأخرى كانت في غاية الروعة والجمال".
كما أن القنصل ذاته وصف "القاعة" الرئيسية في منزله بأنها تشبه مدخل الكنيسة ونوافذها مزينة بالزجاج الملون.
كانت باحات القصر الرئيسة تضم مكاتب القنصلية وقسم الخدم وإسطبلات الدواب، بالإضافة إلى مطبخ وحمام كبيرين. وقد عاش القنصل وزوجته في الطابق الأول علماً بأنهما لم يستغلا سوى جزء بسيط فقط من ذلك الطابق نظراً لمساحته الواسعة وغرفه العديدة. كما كان سطح المنزل يوفر إطلالة رائعة للجبال.
وفي رسالة وجهها القنصل (يوهن جوتفريد فتسشتاين) إلى السفير البروسي المقيم في استنبول (هاينريش فردريش فون ديتس) في أعقاب مذبحة المسيحيين عام 1680 ذكر له فيها بأن المنزل يتسع لإيواء 604 أشخاص.
إلا ان القنصل البروسي التالي (لا غرو) الذي تسلم زمام القنصلية بدمشق بعد (فتسشتاين) فقد إنتقل فورا إلى بيت أخر ألا وهو (قصر محمد باشا العظم) بنهاية عام 1860 للميلاد عند سوق الأروام / الحميدية لاحقاً. هروباً من مركز الأحداث الدامية لطوشة الستين.
******
وهذه الصورة النادرة ملتقطة في نهايات العهد العثماني بمناسبة المأدبة الكبرى التي أقامها رجل الدولة الدمشقي محمد فوزي باشا العظم (1858-1919) نائب رئيس مجلس النواب العثماني (المبعوثان) آنذاك في قصره بحي سوق ساروجة على شرف الأمير العثماني عثمان فؤاد أفندي عثمان أوغلو (1895-1972) حفيد السلطان مراد الخامس أثناء زيارته لدمشق.في نهايات العهد العثماني بمناسبة المأدبة التي أقامها فوزي العظم في قصره على شرف الأمير عثمان أوغلو حفيد السلطان
يظهر الأمير العثماني بلباسه العسكري في المنتصف، ويبدو إلى يمينه آخر ولاة سوريا العثمانيين حسن تحسين بك (1878-1939) الذي ولي دمشق في العام 1916 وامتدت ولايته لغاية العام 1918، كما يظهر إلى يساره محمد فوزي باشا العظم. ويبدو خلف الوالي تحسين بك مباشرة دولة الرئيس خالد بك العظم (نجل محمد فوزي باشا) في شبابه الأول وبجانبه ابن عمه بديع بك المؤيد العظم النائب في مجلس المبعوثان آنذاك.
توثيق الأستاذ / عمرو عبد الإله مرعي الملاح
مجلس المبعوثان
هو البرلمان العثماني أو المجلس النيابي، أسسه السلطان عبد الحميد فأُجريت انتخابات عامة لأول مرة في التاريخ العثماني، وأسفرت عن تمثيل المسلمين في مجلس المبعوثان بـ71 مقعدًا، والمسيحيين بـ44 مقعدًا، و 4 مقاعد لليهود.[1][2] واجتمع البرلمان رسميًا في 4 ربيع الأول 1294 هـ = 19 مارس 1877م في حفل كبير أُقيم في قاعة الاحتفالات في قصر طولمه باغتشه. بدأ المجلس عمله في جد ونشاط، وناقش بعض المشروعات، مثل: قانون الصحافة، وقانون الانتخابات، وقانون عدم مركزية الحكم، وإقرار الموازنة العامة للحكومة.
*****
إذاً، قد تحول من مسمى بيت خالد بك العظم أو قصر فوزي باشا العظم.. الى تسمية رسمية أوسع حينما استملكته الحكومة السورية (استملاكاً) وحولته الى متحف (متحف دمشق التاريخي) بموجب اللوحة الرخامية المعلقة فوق باب القصر، و التابع حالياً للمديرية العامة للأثار والمتاحف السورية، حيث تحفظ فيه سجلات وأرشيف مدينة دمشق القديمة وهو معروف باسم منزل خالد العظم، الذي شغل منصب رئيس وزراء سورية عام 1962.
و بوابة البيت أشبه ببوابات القلاع، مرتفعة و مشيدة من الحجارة المزية و متوجة بزخارف حجرية منحوتة أيضاً وتشكل قوس من الحجارة المزية والبيضاء تحت دائرة تمثل الشمس الحجرية، و يعود تاريخ البناء إلى القرن الثامن عشر كما أسلفنا، وعرف باسم بيت العظم.
******
ورث الابن الوحيد لفوزي العظم وهو (خالد بك العظم) هذا البيت النفيس، ومنه حكم سورية عبر فترات متقطعة، منذ عام 1940 وحتى الإطاحة به وبحكمه سنة 1963. حين صادرت الدولة ما تبقى له من أملاك لم يطلها تأميم جمال عبد الناصر، وحوّلتها لمؤسسات عامة، مثل مكتبه الأنيق مقابل حديقة السبكي، والذي شغله لسنوات طويلة نائب رئيس الجمهورية، عبد الحليم خدام، وإحدى مزارعه في غوطة دمشق، التي تحولت إلى معمل الأدوية “تاميكو”. كما نوه الدكتور سامي المبيض.
أما بيت سوق ساروجا فقد تحول إلى متحف للفنون الدمشقية، وخصص جزء منه لمتحف الوثائق التاريخية التابع لوزارة الثقافة السورية.
البيت شديد الأهميّة، وأضحى مركزاً للوثائق التاريخيّة ومتحفاً لمدينة دمشق بداية من عام ١٩٧٩. أما بالنسبة لوضعه الحالي (أي عام ٢٠٠٩ عندما صدرت دراسة الدكتور شتيفان ويبر Weber) فهو ملك للحكومة السوريّة بعد الحريق الذي أصابه عام ١٩٦٩ وأعمال الترميم بين ١٩٧٠-١٩٨٣.بيت العظم مركز الوثائق 2التاريخية
*****
يمتاز بيت العظم بوجود منظومة مائية فريدة من نوعها في بيوت دمشق القديمة وهي: البحرة الشتوية أو السخانة في أرض الديار. وهي بمثابة مبادل حراري بين الماء الساخن، والماء البارد في غرقة الإستقبال ويوجد منها عدد لا بأس به في بيوت دمشق، و تتموضع عادة إما في أرض الديار الكبيرة و بجانب البحرة الصيفية الكبيرة. أو داخل قاعات الإستقبال الرئيسية بالبيت. بحسب برودة الغرفة (المربع ـ أو قاعة الإستقبال) مكان استقبال الضيوف.
فكان بعض الضيوف يتحسس من رائحة المنقل و حرق وإنبعاث الدخان من الخشب (في الشتاء)، و لذلك كانوا يستخدمونها بغرفة الضيوف مع معطرات - قشر الليمون أو قشر النارنج) فتعطي رائحة نفاذة طيبة علاوة عن الدفء الطبيعي بدون رائحة الحطب. ويعود وجودها الى رغبة صاحب البيت بذلك.
ممكن أيضاً تسميتها بالمبخرة، وهي عملياً تقي من الرشح والانفلونزا عندما يكون الجو في داخل الغرف دافئاً ونريد الخروج لباحة الدار في الجو البارد، فهي تكسر البرودة وتعوض جفاف الجو وتمنع صقيع المزروعات، و يأتي الماء الساخن إلى البحرة الشتوية / السخانة عن طريق أنابيب من الآجر مدفونة تحت البلاط و متصلة مباشرة إما بـ(الكانونة) الموجودة بالمطبخ، أو من موقد الحمام الرئيس في الدور الأرضي.
وهذه الكانونة دائمة النار بالمطبخ وتوقد بواسطة الحطب، كما كانت كانونة بيت جدي في جادة عاصم، مما يجعل الجو بأرض بالبيت دافئاً بشكل دائم وكأن هناك برزخ جوي بين طبقات الجو خارج أرض الديار وبين أرض الديار نفسها، تشعر بدفء في كافة الغرف بعد فترة من تشغيل الحطب تحت (الكانونة) و يتصاعد منها بخار الماء لكسر حدة البرد و الصقيع في مربعانية الشام (كوانين أشهر الشتاء الشامية). و يخالني تحاور على هذا الفن الفريد عند أهل الشام! و كيف أنهم أبدعوا بصياغة الحاجة للدفء شتاءاً في أرض الديار و أتقنوه خير إتقان. هنا تكمن عبقرية وفن العمارة الدمشقية.
****
ينقسم بيت خالد بك بن محمد فوزي باشا بن علي باشا العظم (مركز الوثائق التاريخية) الى ثلاثة أقسام وحديقة خلفية كما ورد عند الأستاذ يوسف نجار.
القسم الخارجي: وفيه مدخل البيت الجنوبي، تتوسطه باحة سماوية تحوي مصباً، وتزينها أشجار النارنج والنخيل.
القسم الأوسط: يضم مجموعة من الغرف، وباحة سماوية، وقاعة رئيسة.
القسم الداخلي: ويضم أيضاً، باحة سماوية، وقاعة رئيسة لها ثلاث طرزات، وفسقية، وإيوان جنوبي.
شهد المنزل العديد من الأحداث السياسية الهامة، كونه كان بيتاً لرئيس الوزراء خالد العظم خلال العام 1945م، أحد أبرز وزراء سورية في القرن العشرين، والذي توفي في العام 1965م، وقد تعرض البيت للقصف بالقنابل من قبل سلطات الاحتلال الفرنسي، التي هدمت القسم الجنوبي منه، وفي العام 1946م،
تمَّ تأجير البيت للمدرسة الأهلية. وفي العام 1956م تعرض البيت لحريق شامل.
******
ولأن هذا البيت يحمل ذاكرة الأمة خلال مرحلة تاريخية هامة، قامت الحكومة السورية باستملاكه في العام 1969م، لمصلحة المديرية العامة للآثار والمتاحف، ثم جرت أعمال الترميم الشاملة، والتي امتدت بين عامي1970-1980، حيث خُصص جزء منه لمتحف دمشق التاريخي الذي ينقسم إلى عدة قاعات يعرض فيها الأثاث الدمشقي القديم، بمختلف أشكاله، الموزاييك، والصدف المطعّم بالفضة، ومفارش البروكار (القماش الدمشقي المصنوع من الحرير الطبيعي)، وأثاث صنعة المصري (أثاث مصنوع بأيدي عمال جاؤوا من مصر وأقاموا في دمشق).مركز الوثائق التاريخية بيت العظم سابقا
إضافة إلى الحمام والمطبخ اللذين يعكسان تقاليد اجتماعية ترتبط بمدينة دمشق وأهلها، وهي مزودة بنماذج معبرة لنساء ورجال يمارسون حياتهم وواجباتهم اليومية.
أما الجزء الثاني فقد خُصص للوثائق التاريخية من مطبوعات ومخطوطات وصور للملوك والزعماء العرب وصور لسورية في حقب مختلفة، ووثائق تحاكي الزمن الغابر، أكثر من خمسة ملايين وثيقة ومخطوطة يعود تاريخ أقدمها إلى ما قبل خمسمائة عام.
وأثناء زيارتنا للمركز كان لا بد لنا من لقاء المدير العام الدكتور غسان عبيد ليحدثنا عن المركز وأهميته والخدمات التي يقدمها للباحثين والمهتمين.
أقسام المركز: أشار الدكتور عبيد إلى تأسيس المركز في العام 1959م بموجب القرار رقم (29/أ) الصادر عن وزير الثقافة والإرشاد بالجمهورية المتحدة، والقاضي بإنشاء مديرية الوثائق التاريخية، وإلحاقها بالمديرية العامة للآثار والمتاحف.
ثم اصطحبنا مدير المركز في جولة شملت أقسامه الرئيسة: القسم العثماني يحتوي على مجموعة من سجلات المحاكم الشرعية لدمشق وحلب وحماة وحمص يبلغ عددها حوالي (2500) سجل، وكل سجل يضم لا يقل عن (300) وثيقة نادرة ليست موجودة في أي مكان من العالم، وسجل واحد لكل من غزة واللاذقية، كما يحتوي على مجموعة من الأوامر السلطانية لدمشق وحلب باللغة التركية، وكتب تركية قسم كبير منها تمَّ تعريبه، والقسم الآخر لا يزال باللغة التركية، كما يحتوي على سجلات المحاكم التجارية والسالنامة (الجريدة الرسمية في الدولة العثمانية)، التي تعطي صورة كاملة عن المجتمع السوري أثناء فترة الحكم العثماني بجميع قضاياه الاجتماعية والسياسة والدينية والعسكرية.
القسم الخاص يحتوي على مجموعة من الأوراق والرسائل والمذكرات لشخصيات سياسية واجتماعية ووطنية، كان لها دور في الحركة الوطنية، والعربية في صراعها مع الاستعمار، فضلاً عن أوراق خاصة بالجمعيات والأحزاب السياسية في سورية، وبعض الدول العربية والتي تمتد بين عامي 1910- 1950م، ومن بين أوراق الزعماء المتوفرة في المركز، أوراق الزعيم نزيه مؤيد العظم، وفخري البارودي، وفوزي القاوقجي وسعد الله الجابري وغيرهم...
قسم وثائق الدولة يحتوي على الوثائق الصادرة عن الحكومة السورية بمختلف مؤسساتها ومختلف المواضيع، وذلك في الفترة بين 1920-1966م، مثل وثائق الوزارات السورية، كالإعلام والداخلية والزراعة، بالإضافة إلى المراسيم الجمهورية والرئاسية، والقرارات الوزارية ووثائق الأحزاب السياسية.
كما يضم وثائق من فترة الانتداب الفرنسي على سورية، فضلاً عن الأعداد الكاملة للجريدة الرسمية منذ بداية صدورها في عام 1919، وحتى اليوم، وسجلات المحاكم المختلطة باللغتين العربية والفرنسية.
****
المكتبة التاريخية مكتبة صغيرة بمساحتها، لكنها تؤرّخ لتاريخ سورية الحديث والمعاصر، فهي تحتوي على مجموعة من الكتب الهامة عن تاريخ سورية والوطن العربي السياسي والاجتماعي والاقتصادي، بالإضافة إلى عدد من الرسائل الجامعية التي كتبت بالاعتماد على وثائق المركز، والكتب الموجودة ليست باللغة العربية فقط، وإنما بعدة لغات. ويتم تزويد المكتبة بالكتب عن طريق الشراء أو الإهداء، وهناك اليوم خطة لاقتناء وجمع الكتب المتعلقة بتاريخ سورية.
وأثناء تواجدنا بالمكتبة التقينا الباحث في تاريخ دمشق الأستاذ أكرم العلبي، الذي تحدث إلينا عن أهمية المركز في تقديم المعلومات والوثائق للباحثين، وخاصة الباحثين في التاريخ الدمشقي، مشيراً إلى أنه يعتمد على وثائق المركز في مؤلفاته التي تتحدث عن تاريخ دمشق، وآثارها، وأحوال سكانها اليومية، بجميع فئاتهم ومذاهبهم، مؤكداً أن المعلومات التي حصل عليها غير متوفرة حتى في الكتب المطبوعة، ومن مؤلفاته، كتاب "خطط الشام" الذي يتحدث عن آثار مدينة دمشق خلال ألف عام، اعتمد فيه على وثائق المركز.
وكتاب يوميات شامية، الذي اعتمد فيه أيضاً على وثائق المركز. وأشار العلبي إلى أن الوثائق الموجودة في المركز لا توجد في أي مكان من العام، لذلك نرى أن معظم رواد المركز هم من الأجانب.
القسم البصري يضم ما يقارب (6000) صورة لشخصيات سورية وعربية، ومناسبات وطنية وقومية، وصور لرجال الثورة السورية والعربية، وملوك ورؤساء الدول العربية، بالإضافة إلى سجلات القسم العثماني ومجموعات للمدن والمواقع الأثرية والعامة في سورية، وتحفظ كل صورة بمغلف خاص، تحمل رقماً خاصاً، مسجل على الحاسوب، وللاستعلام عنها، يتم إدخال الرقم على الحاسوب، فتظهر المعلومات الخاصة بالصورة، وكل صورة محفوظة بأكثر من طريقة (ميكروفيلم، الحاسوب، نسخة ورقية) للحفاظ عليها من حدوث أي طارئ.
*****
وأشار الدكتور عبيد أنه أثناء المشاركة بالمعارض لا يتم إخراج أي صورة من المركز، بل نسخة مصورة عنها. كما لا يتم إخراج أي صورة أصلية للباحث.
القسم الصحفي يضم مجموعة من الصحف التي تعود إلى فترات مختلفة، تمتد من الفترة العثمانية وحتى اليوم، وباللغات العربية والتركية، والصحف العربية، بالإضافة إلى بعض الصحف الصادرة عن دول المهجر في أمريكا اللاتينية، وتقارير المجلات العربية والأجنبية، بالإضافة إلى النشرات التي تصدر عن السفارات، ونشرات وكالات الأنباء العربية والعالمية العاملة في سورية.
ويتم جمعها في مجلدات خاصة، تؤرشف حسب تواريخ إصدارها. المستودع يحتوي على الوثائق، متراصفة، مكدسة فوق بعضها البعض، لكل منها رقم وتاريخ، تحتاج إلى عناية كبيرة من الرطوبة.
قسم التصوير يعتبر قسم التصوير هو الخلية الأولى التي تنطلق منها الوثيقة في رحلتها لتصل إلى الباحث، والهدف منه إيجاد نسخة الكترونية عن جميع الوثائق الموجودة في المركز.خارطة تموضع بيت العظم
يتم تصوير الوثيقة أولاً، ثم تنسخ على المخدم الرئيس برقم وتاريخ، ويتسنى للباحث الإطلاع عليها من خلال القاعة الخاصة بالباحثين التي تمَّ إحداثها مؤخراً، ومزودة بأجهزة حاسوب، وما على الباحث إلا إدخال الرقم الخاص بالوثيقة حتى تظهر المعلومات على شاشة الحاسوب.
ويتم أيضاً، حفظ الوثائق على ميكروفيلم، وسيتم ترحيلها إلى خارج المركز للحفاظ عليها من أي طارئ، وقد تمَّ إيجاد متحف في منطقة دير عطية لحفظ نسخ إضافية عن الوثائق. خاصة، إذا علمنا أن المركز في وضعيته الحالية غير مناسب لحفظ الوثائق نتيجة الرطوبة والحرارة.
من هنا نجد أن كل وثيقة تحفظ على ثلاثة نسخ: نسخة لاستخدام الباحثين، ونسخة للحفظ الدائم، ونسخة احتياطية يتم تغييرها وتحديثها من وقت لآخر.
قسم الترميم تأسس قسم الترميم في العام 2005، بالتعاون مع وكالة جايكا اليابانية، حيث عمل المتطوعون اليابانيون إلى جانب العاملين السوريين، فقدموا لهم خبرتهم في أعمال الترميم وحفظ الوثائق، وفي العام 2006 تمَّ تزويد مخبر المركز بأجهزة جديدة صُنع بعضها محلياً، ويقوم القسم بمراقبة حالة مستودعات الوثائق، وظروف الحفظ (الرطوبة، الحرارة، الغبار) والقيام بأعمال الترميم بالطرق العلمية بما يضمن إطالة عمر الوثيقة، بالإضافة إلى توثيق وأرشفة وتصوير أعمال الترميم. وللوقوف على المراحل التي تقطعها عملية الترميم التقينا السيدة خلود النادر، والسيدة كارنييه آبيليان القائمتان على عملية ترميم الوثائق.
****
المرحلة الأولى: إخراج المخطوطات من المستودع لخزانة التعقيم بمادة (البارادوكلوروبنزن) وهي مادة سامة، ويبقى المخطوط في خزانة التعقيم حوالي ثلاثة أيام.
المرحلة الثانية: توثيق المخطوط، عدد الملازم، تاريخ الصدور، عدد الصفحات، نسبة الاهتراء، تصوير المخطوط.
المرحلة الثالثة: فك المخطوط وتنظيفه بشكل جاف لإزالة الأتربة، ثم غسيل أوراقه بالماء المقطر والكحول، وتعديل الأسيد إن وجد باستخدام ماءات الكالسيوم. ومن ثم تجفيفه، وتستغرق عملية التجفيف حوالي أسبوعين، أو أكثر بقليل، خاصة في فصل الشتاء حيث نسبة الرطوبة عالية.
المرحلة الرابعة: تدعيم المخطوط بالورق الياباني الخاص بالترميم، مع صمغ القمح، الذي يتم تصنيعه بالمركز، وبشكل يدوي، وإذا كان لون المخطوط غير الأبيض، يتم صباغة الورق الياباني للحصول على لون المخطوط الأصلي.
المرحلة الخامسة: بعد الورق الياباني، وصمغ القمح يتم إعادة المخطوط إلى ملازم، وتقليب الورق الزائد، وخياطته، وإذا كانت خياطته الأساسية موجودة فيمكن إعادتها، أما إذا كانت خياطة عشوائية فتتم خياطته بالطريقة البيزنطية، وهي الطريقة المعتمدة منذ العصور الماضية، وأغلب مدارس الترميم تستخدم هذه الطريقة.
وأخيراً، يتم تجليد المخطوط باستخدام الكرتون الخالي من الأسيد.
المرحلة الأخيرة: يوضع المخطوط في صندوق خاص، ويأخذ رقماً، ويوضع بداخل الصندوق مغلف يحتوي ما بقي من المخطوط بعد عملية الترميم (ورق، لاصق، خيطان قديمة)، ومن ثم يتم إعادة المخطوط بصندوقه إلى المستودع.
وفي كل عام يتم الكشف عن المخطوطات في صناديقها للتأكد من سلامتها.بيت العظم مركز الوثائق 4التاريخية
وفي ختام زيارتنا أشار الدكتور غسان أنه يسعى مع القائمين في مديرية الآثار والمتاحف إلى استصدار قانون لحماية الأرشيف الوطني في سورية، وكذلك بناء خطة لجمع وحفظ الوثائق التاريخية المتصلة بالعصور القديمة والحديثة.