كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

من أين أتى قول (دخول الحمام ليس كالخروج منه)؟

د. أسامة اسماعيل- فينكس:
حمام الراس

ودخول الحمام ليس كالخروج منه
هل سمعتم سابقاََ بـــ (حمام الراس)؟!
(حمام الراس) من المعالم التي اندثرت في مدينة دمشق الشام.
ويقع مكانه بالضبط ما بين سوق السروجية وسوق الزرابلية من الخارج.
أي: عن يسار الداخل إلى سوق السروجية من الجهة الغربية.
(حمام الراس) بناه الوالي العثماني (اللالا) مصطفى باشا عام 1564م.
وسُمّي الحمّام بهذا الاسم لوجود رأس ينبثق منه الماء على بحرة الحمام البرانية.
أُغلق الحمّام عام 1942م.
ثم هُدم بالكامل مع سوق الزرابلية عام 1974م حين شق شارع الثورة.
كان الحمام يتميز بخصوصية وظيفية لا توجد في غيره.
ففيه (غرفة مبخرة) خاصة لمكافحة القمل.
فقد كان ولاة الشام وأهل الشام يخشون من انتشار القمل والأمراض بينهم.
إذ ذاقوا ويلات الأوبئة القاتلة التي قتلت مئات آلاف الشباب، واستأصلت عشرات ألوف الأسر الدمشقية.
فكان (الدرك) - وبأمر من (القائم مقام) - يلقون القبض على (المصابين بالقمل) الذين كانوا يأتون من البادية والأرياف والقرى النائية، و كانوا يتجمعون غالباً في أسواق الشام مثل (سوق الخيل) و(سوق العتيق) و(سوق الهال) و(باب الجابية) بحثاََ عن عمل، أو لقضاء مصالحهم، أو شراء حاجياتهم.
فقد كان زوار دمشق غالباً ينامون في الخانات أو على الأرصفة.
وكان الدرك يراقبوهم (في الأسواق والخانات) ويجمعون المعلومات عن (المصابين بالقمل) منهم، فإذا تأكدوا من أن بعضهم (مصاب بالقمل) ألقوا القبض عليه، واقتادوه إلى (حمام الراس).
وكان يتم تسليمهم (للحمامي) بالعدد، من أجل أن أخذ الأجرة آخر الأسبوع من (الحكمدارية).
وكان عند مدخل (حمام الراس) وخلف الباب (مقصورة) غرفة صغيرة، وفيها توجد (المبخرة).
فيأمر (الحمامي) الذين أتي بهم من (المصابين بالقمل) أن ينزعوا ملابسهم كاملة، ليتم تبخيرها وتعقيمها، ليصار إلى إزالة القمل بالكامل عنها، ثم يأخذونها عند خروجهم نظيفة معقمة.
وكان (الحمامي) - بعد أن يخلع المقملون ثيابهم - يعطيهم إزاراََ لستر العورة، ثم يتم إدخالهم إلى داخل الحمام، فيدخلون وهم فرحون لأنهم عرفوا أن دخول الحمام مجاناََ.
ثم يأتي (البلان) - وهو عامل في الحمام - فيوزع عليهم نوعاََ خاصاََ من الصابون.
لم يكن هذا الصابون إلا عبارة عن (صابون الزرنيخ) المزيل للشعر.
وكان هؤلاء - الذين يأتون من البادية في الغالب- شعرهم طويل، بل بعضهم له ضفائر.
فيبدؤون بغسل رؤوسهم بالماء و(صابونة الزرنيخ) ثلاث مرات.
فيبدأ الشعر يتساقط شيئاََ فشيئاََ.
وبعد المرة الثالثة يصبح الرأس بلا شعر ولا لحية ولا شوارب ولا حواجب ولا رموش.
وهنا يصرخ البعض، ويغضب البعض بصمت، لأن (الدرك) واقفون بالمرصاد.
وبعد الانتهاء من الحمام يتم إخبارهم أن الشعر سيعود للخروج مرة أخرى بعد مدة من الزمن.
وتتم مراضاتهم بشيء من المال على حساب (الحكمدارية).
ثم يعطونهم ملابسهم التي عقمت وأزيل عنها القمل بواسطة التبخير، ويطلقون سراحهم، فيختلطون بالناس بأمان دون قمل ودون شعر، فيشترون أغراضهم، ويعودون إلى بلادهم وأهلهم، وهم يقولون: 
(دخول الحمام ليس كالخروج منه).