كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

صناعة الأعواد رحلة تتوارث من الأجداد إلى الأحفاد

من قلب العاصمة دمشق، ترتسم ملامح إصرار كبير للحفاظ على جوهر التراث الثقافي السوري والتمسك بهوية أحد مكوناته وهو (العود الدمشقي).

ومن بين فسحة دمشقية غناء تأسرك ورشة صناعة الأعواد (زرياب) لصاحبها الشاب علي خليفة الذي ورثها أباً عن جد ولا يزال يبتكر ويضيف على سر المهنة (الدقة والحرفية) ويحافظ على هوية العود الدمشقية ويصون اسم جده في مجال صناعة هذه الآلة الشرقية العريقة.

ويسرد الشاب الثلاثيني بداياته في عالم الأعواد فيقول لسانا: “تعلم جدي الراحل علي خليفة عند الحرفي الشهير بيدروسيان ومجموعة من صناع العود القدماء وانتقل عام 1948 إلى ورشته الخاصة التي بدأت معها رحلة العائلة مع صناعة الأعواد، لتشكل العلامة الفارقة من حيث الإنتاج ليغطي احتياجات السوق وكثافة الطلب على شراء العود”.

طور الجد صناعة الآلة الدمشقية محتفظاً بالقيمة التراثية الموسومة بالطابع السوري العريق ضمن قوالب “وحيدة لا تتغير ولا تتعدل” وصولاً إلى تسعينيات القرن الماضي ما أكسبه سمعة مرموقة على المستوى الإقليمي والعالمي واقتناها الكثير من عازفي العود السوريين والعرب ومنهم الموسيقار فريد الأطرش ومحمد عبد الوهاب وأحد أعواد العائلة موجود بمتحف أم كلثوم بمصر.

وواصل علي ما بدأ به الجد بمهارة فائقة وأضاف إليها من روحه وخبرته وأطلق على ورشته اسم (زرياب) الذي عرف تاريخياً بفضله على الموسيقا عموماً والعود خصوصاً، لافتاً إلى أنه قام بتطوير العود لمواكبة الحداثة في الموسيقا فكان لهذه التفاصيل دور ملحوظ ساهم في نجاحه ليصبح واحداً من أشهر صانعي العود محلياً وعربياً.

وعن مراحل تصنيع العود يقول علي: “يأتي الخشب كقطع كبيرة وغالباً ما نستخدم خشب الجوز، ونقوم بتقطيعه على شكل أضلاع بجعل جانبيه متساويين ليتطابق الجانب الأيسر مع الأيمن”، مبيناً أنه يقوم بمعالجة الخشب لمقاومة العوامل الجوية ويتمتع بشكل سليم ومتناسق وفق قواعد ومعادلات فيزيائية، ما يجعله مختلفاً ومميزاً ثم يعمل على تشكيل باقي أجزائه مثل الرقبة وبيت المفاتيح وصولاً إلى ربط الظهر والوجه، وفي كل مرحلة لا بد من منح العود فترة ليرتاح بها ويأخذ شكله النهائي لنحصل في النهاية على تحفة فنية.

ودمج الحفيد بين فن الصناعة اليدوية والمكننة معاً وجمع مقاييس العود السوري الذي كان الأكثر انتشاراً على يد عائلة النحات وأضاف عليها الموزاييك بدقة وجودة أعلى وطور المعادلات الفيزيائية للصوت دون المساس بهوية وجوهر الطابع السوري الدمشقي والذي يمتاز بانسيابه لما يسمى (الطاسة) والصدر بالوصول إلى أيدي الفنانين المحترفين والهواة ويلاقي إعجابهم.

وعرف العود السوري بحسب علي الذي أطرب كل من يسمع أنغامه بشجن صوت أوتاره، بينما ترتفع قيمته بحسب جودة العود وكمية الوقت والنقوش والزخارف وعوامل أخرى تزيد من قيمة الآلة التي ازدادت أسعارها بسبب زيادة تكاليف إنتاجها، ومازالت الأعواد السورية تحظى بإقبال على شرائها لجودتها إلى جانب أقرانها من الأعواد العربية.

أهمية خشب الجوز في صناعة الأعواد أوضح علي أنها تميزت بأليافها ومستوى كثافة الخشب ووزنه وحجمه وهو ما يعطيه بصمة في صوته الحنون إضافة إلى استخدام خشب الورد والمشمش وأنواع أخشاب نادرة حول العالم يحاول الحصول عليها مثل (السيسا الهندي) التي تستخدم لصناعة خشب الظهر أو “الطاسة”.

أما الأخشاب التي تستخدم لصناعة الوجه فهي خشب الشوح القوقازي أو الأرز الكندي التي تتميز بكونها صماء وقوية وخامة صوتها مميزة على الرغم من قلة الأخشاب المستوردة بسبب ظروف الحرب القاسية لكنه لم ولن يتوقف عن العمل مع حرصه على تعليم بناته الأربع التي تتراوح أعمارهن بين ست سنوات وخمسة عشر عاماً صناعة العود والعزف عليه.

وعما يميز العود الدمشقي يقول علي: “ميزاته تبدأ من شكل الآلة ومقاييس صناعتها والصوت الذي ينساب منها ويحمل الطابع الرخيم والمقرب إلى القلب الذي يمنح الدفء، إضافة للزخارف والتطعيم بالموزاييك الذي تميزت به سورية بشكل عام التي ساعدت بتطبيقه عائلة “النحات”.

أماني فروج

سانا