كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

قلعة الكهف على غرار (قلعة آلموت) في بلاد فارس.. يكتنفها الكثير من الغموض والأسرار


ثناء عليان- خاص فينكس:

تقع قلعة الكهف شمال غرب مدينة الشيخ بدر وجنوب غرب مدينة القدموس، وتبعد عن كل منهما مسافة 20كم، وتتبع القلعة لمزرعة المريجة منطقة الشيخ بدر، في منطقة جبلية يتخللها وديان وأنهار وتكسوها الغابات الطبيعية، مما اكسبها سحراً وجمالاً دفع المعنيين في وزارة الزراعة لإصدار قرار باعتبار الموقع محمية طبيعية.

ترتبط القلعة مع مجموعة من القلاع الموجودة في المنطقة مثل: (قلعة القدموس، العليقة، الخوابي، مصياف، أبو قبيس الخ... وكان يتم التواصل فيما بينهم بواسطة الشهب النارية أو المراسلين، سجلت القلعة على لائحة التراث الوطني بموجب القرار رقم8/آ تاريخ 1/14 /1958.        

جريدة فينكس الالكترونية كان لها وقفة مع الباحث الآثاري بسام وطفة للحديث عن القلعة وأهميتها الأثرية والتاريخية وأهم المكتشفات فيها فقال: قلعة بالسريانية: تعني الأرض الصخرية غير الصالحة للزراعة، والكهف هو المغارة في لحف الجبل، أما تسميتها المحلية فهي قلعة كاف الحمام، ومن الأرجح أن يكون سبب تسميتها بقلعة الكهف لقيامها فوق الكهوف والأقبية المحفورة في الصخر منذ العصور القديمة.لا يتوفر وصف للصورة.

وعن تاريخ القلعة يذكر وطفة: إن تاريخ القلعة مرتبط بتاريخ سكن ووجود الإنسان في هذه المنطقة، والدلائل الأثرية التي تم العثور عليها حتى الآن، تعود إلى الفترة الكلاسيكية رغم أن القلعة لم يرد ذكرها في المصادر التاريخية القديمة، لكن شواهدها المعمارية القائمة تشير الى أنها بنيت في بداية القرن الحادي عشر ميلادي على غرار (قلعة آلموت) في بلاد فارس على بحر الخزر (وآلموت كلمة فارسية تعني عش النسر) التي اتخذها حسن الصباح عاصمة له كزعيم للفرقة أو الحركة التي أسسها، لافتاً إلى أن موقعها الحصين كان حافزاً لداعي دعاة الفرقة في بلاد الشام الشيخ شهاب الدين أبو محمد الملقب (الفراسه)، لأن يجعل منها مقراً له، ومركزاً لتخريج الفدائيين المدربين, الذي كان لأعمالهم صدى في أرجاء العالم الإسلامي من الصين شرقاَ الى الأندلس غرباً، حيث بقيت القلعة مركزاً للفرقة حتى بعد وفاة الشيخ شهاب الدين في عام 1162م، قلعة الكهف مدخلبعدها قام سنان راشد الدين الملقب (بشيخ الجبل) بتدعيمها وتحصينها، على الرغم من انتقاله إلى قلعة مصياف لأغراض إستراتيجية، إلا أنه أبقى على قلعة الكهف كـ "مركزاً سريا رئيسيا" له، ومن القصص الشهيرة التي جرت بين شيخ الجبل وكونت طرابلس هنري دي شمبانيا عند زيارة الأخير إلى القلعة، قيام اثنين من الفدائيين بإلقاء أنفسهم من أعلى أسوار القلعة على الصخور باتجاه الوادي بأمر من شيخ الجبل وسط خوف وذهول الكونت الصليبي.

وفي حوارنا مع وطفة انتقلنا إلى المراحل التي مرت بها القلعة بدءاً من احتلالها حتى استقلالها فقال: احتلت القلعة من قبل الصليبين عام 1128م، إلا أن صاحبها سيف الدين بن عمرون الدمشقي استعادها منهم عام 1132م، وما لبث أن باعها إلى الشيخ شهاب الدين (الفراسه) ومنه انتقلت إلى الشيخ سنان راشد الدين كما ذكر، وفي عام 1268 م خضعت لسيطرة الظاهر بيبرس المملوكي, ثم احتلها المغول عام 1259-1260م، ثم خضعت القلعة للسلطان الظاهر بيبرس اعتباراً من عام 1268م، حيث سمح باستقلالية ذاتية لها ولثلاث قلاع غيرها وهي: (الخوابي، مصياف، القدموس)، بعدها أصبحت القلعة مركزاً لناحية تعرف باسم (ناحية الكهف) في الفترة العثمانية عام 1516– 1817م، حيث دمروها وتم نقل مركز الناحية منها الى قلعة القدموس.

وفي وصف القلعة بيّن وطفة، أنها تقوم فوق بروز جبلي صخري مرتفع معزول عما يحيط به، ذو سفوح منحدرة باتجاه نهرين يحيطان بها من ثلاث جهات، الشرقية والجنوبية والغربية، وتمتد القلعة بشكل شرق غرب بطول 600 متراً وعرض يزيد عن 25 متراً ضمن غابة طبيعية كثيفة الأشجار، قلعة الكهف عرضيإذ لا يمكن الوصول إلى القلعة إلا من الجهة الشرقية عبر طريق معبد أنشئ حديثاً، ويحيط بها سور عريض يتراوح عرضه بين 1.5/م 2.5 م، ويتراوح ارتفاعه ما بين 4 م إلى 6 م، وهو متلازم مع حجم الصخرة الطبيعية. هذا السور مدعم ببرجين مربعين بارزين باتجاه الخارج يقعان في الجهة الشمالية، والشمالية الغربية، إضافة إلى برج ثالث يقع في الجهة الشرقية وهو نصف اسطواني، ويتخلل السور طلاقات لرمي السهام.

والصخرة التي تقوم عليها القلعة – حسب وطفة- ليست مستقيمة تماماً، وإنما أخذت في منطقة المنتصف من الجهة الجنوبية شكل منكسر بزاوية منفرجة، والأطراف من الجهة الغربية والشرقية أخذت شكل قوسي نصف دائري، والكتلة الصخرية من الجهة الشرقية يلاحظ فيها وجود ثلاث مستويات، كما يوجد للقلعة ست يوابات منحوتة في الصخر الطبيعي، ومحرس مراسيم، وغرفة للحراسة، ودرج مكون من ثلاثة أقسام منحوت في الصخر الطييعي، وصهاريج للمياه منها ما هو سطحي مبني، ومنها ما هو محفور في جسم القلعة تحت الأرض، مدعم بأعمدة من صلب الصخر حتى لا ينفجر جسم القلعة، ويوجد على سطح القلعة عدد من الآبار ومعاصر الزيتون وحمام صغير في القسم الغربي من القلعة خاص بالفدائيين، وأقبية، وسجن، وكنيسة، ومقر لحاكم القلعة، وأسطبل، بالإضافة إلى مجموعة من المياني السكنية والخدمية، وساحة لتدريب الفدائيين في القسم الغربي منها.

وعن أعمال التنقيب فيها قال وطفة: بدأت أعمال التنقيب والكشف الأثري فيها عام 2002 م، واستمرت بشكل متقطع حتى عام 2019، حيث تم العمل أولاً في كاف الحمام الذي يعود الى الفترة الإسلامية /572/هـ -1176م، ويتكون من (البراني، الوسطاني، الجواني، الخزانات)، كما تم العثور على ثلاث قطع نقدية برونزية، إحداها بيزنطية عثر عليها في البراني، وقطعة دائرية فضية مزخرفة الحواف وتاج عمود نقش عليه أربع وجوه بشرية ذات ملامح مغولية وكل وجهان متقابلان متشابهان، تاج عمود يحمل زخارف هندسية قوسية، وقطعتان من الحجر الكلسي القاسي تحمل نحت لبوابة قوسية بداخلها نقش لحيوان الفهد، والأكثر وضوحا تم نقلها إلى متحف طرطوس، وجزء من دمية فخارية لحيوان لم يبقى منه سوى الجذع، كذلك مجموعة من الكسر الفخارية ذات نقوش جميلة، ومن ثم تم كشف الدرج بدءاً من البوابة الثالثة وصولاً إلى سطح القلعة، حيث تم الكشف عن نقطة الوصول إلى سطح القلعة، وعن مكسر زيتون وعن عدد من صهاريج المياه الواقعة على جهة اليسار، كما تم الكشف عن صهاريج المياه المنحوتة في قلب القلعة، والمدعمة بأعمدة من صلب الصخر حتى لا يتفجر جسم القلعة.قلعة الكهف قوس

وبعد التوسع بأعمال الكشف والتنقيب في المنطقة المحيطة بالصهاريج السطحية من جهة الشرق، تم الكشف عن عدد من الغرف السكنية والآبار، وقسم من معصرة زيتون، وجانب من سور القلعة، وعدد من طلاقات رمي السهام، كما تم العثور على بعض الكسر الفخارية من الفترة الإسلامية مطلية بطبقة من المينا بالألوان الأصفر والأخضر والبني، وفي السنوات اللاحقة تم إجراء سبرين باتجاه الشمال من صهاريج المياه السطحية، حيث تم الكشف عن غرفتين إحداها وجد على جدارها كتابة دينية، وهذا دفعنا للتوسع بالحفريات في الجهة المقابلة للبوابة السادسة، حيث تم الكشف عن بعض الجدران، وقناة منحوتة في الصخر مقبية ببلاطات حجرية تصل إلى بئر معصرة محمي ضمن غرفة صغيرة منحوتة، يعود لمعصرة من الفترة الرومانية وفق الكسر الفخارية، وأسلوب النحت الذي يتقاطع مع منطقة (خربة القبو)، وعلى جهة اليمين من البوابة السادسة تم الكشف عن عدد من الغرف، وعن فرن فخاري، وآبار، أحد هذه الغرف تم تقييم وظيفتها بأنها دينية، فهي غرفة كبيرة ومبلطة ببلاطات حجرية مصقولة ومحاطة بمصاطب، في وسطها بئر وفي الجانب الجنوبي منها وجدنا جرن حجري مقدس منحوت، كما عثرنا فيها على جرس برونزي، كان يستخدم قبل فترة الجامع في جمع تلاميذ الدرس الديني، كما عثرنا على لوحة منقوشة تحمل كتابة دينية تم نقلها إلى متحف طرطوس.

وفي متابعة لأعمال الكشف الأثري لإحدى مباني الكتلة الرئيسية في القلعة تبين لنا بأن البناء كان عبارة عن مطبخ خاص بكنيسة القلعة والمقر الأساسي لحاكم القلعة، لافتاً إلى أنه تم كشف كنيسة القلعة والغرفة السرية التي كانت تابعة لها مع الممر الواصل بينهما، والدرج الذي كان يربط ما بينهما والطابق الثاني المزال، وربما استخدمت كجامع في فترة لاحقة، كما تبين لنا وجود استخدامات لأواني فخارية متنوعة الأشكال والأحجام، وصحون جرار أباريق مطلية بطبقة من المينا والألوان تراوحت ما بين الأسود والبني والأخضر والأصفر، بعضها يحمل زخارف هندسية جميلة، والبعض الآخر يحمل زخارف نباتية من العصر المملوكي، كما تبين لنا وجود ثلاثة أنواع من الأرضيات وهي: أرضيات حجرية مبلطة حجارتها منحوتة ومصقولة الوجه، وأرضيات حجرية طبيعية تم تكيفها وفق حالة الاستخدام من خلال خطوط مدرجة، وأرضيات مكسية بطبقة من الطينة الكلسية.

وعن أعمال المسح الأثري التي تمت مؤخراً في القلعة يقول وطفة: قمنا بأعمال مسح أثري في منطقة الشيخ بدر– قلعة الكهف خلال عام م2012وتبين لنا وجود عدد من المدارس الدينية وهي: مدرسة اللوليدات على الطريق المؤدي إلى القلعة قرب محطة المياه والتي يمكن أن تصبح مكتب قطع بعد ترميمها وقد أعدت الدراسة لها، قلعة الكهف نقوشوالمدرسة الدينية الثانية على بعد حوالي 50 م بعد المدرسة الأولى وهي في الحقيقة البرج المتقدم للقلعة، أما المدرسة الدينية الثالثة وهي معروفة بالجامع في قرية بسطريام وقد بنيت على أنقاض معبد روماني، ولكن للأسف تم إزالتها، ولذلك قمنا بنقل حجر التأسيس الخاصة بها إلى متحف طرطوس، والمدرسة الدينية الرابعة وهي في قرية كاف الحمام، أما الجامع فهو مركز إدارة هذه المدارس وما يتعلق بالقلعة، ويقع غرب البوابة الرئيسية بمسافة حوالي 70م، حيث تم رصد المأذنة الخاصة به، وجرت فيه أعمال كشف للأرضية المبلطة من قبل الدائرة.

ويضيف وطفة: وعندما ضاقت القلعة بساكنيها تم التوسع في السفح الشمالي للقلعة، حيث أقيمت عدة مباني هامة منها حمام القلعة الأساسي، والجامع، وعدد من المباني السكنية والخدمية، ولحماية هذه المباني تم إنشاء سورين في السفح الشمالي من القلعة بشكل متعامد معها، إحداهما على موازاة البرج الشمالي، والآخر عند طرف القلعة الغربي وصولاً إلى النهر، السور الأول يتخلله البوابة الأولى، وكان الهدف من هذين السورين ليس فقط حماية الأبنية، إنما حماية المدرجات الزراعية، وفي السفح الشمالي أقيم بناء وحيد من الجهة الجنوبية للقلعة خاص بالمراقبة والحراسة، تم توثيق عدد من كتل الأبنية بين السورين تم ترقيمها وتوثيقها وعدد من المحارس، كما تم رصد وجود أربعة حمامات، (الحمام الرئيسي قرب البوابة الرئيسية،قلعة الكهف جرن وحمام صغير على سطح القلعة في الطرف الغربي منها خاص بالفدائيين الذين كان يتم تدريبهم في هذا القسم، والحمام الثالث يقع في قرية بيت صافي عند ملتقى النهرين وهو حمام كان للعوام، وحمام تم كشفه في قرية كاف الحمام، وهو من نفس الفترة التي تعود لها حمامات القلعة، كما تم توثيق وجود ثلاثة جسور تربط ما بين القلعة مع كل من قرى المنطقة الشمالية والجنوبية الحالية الجسر الأول يقع جنوب شرق القلعة يربط ما بينها وبين قرية الزريقة على المجرى النهري الجنوبي، والجسر الثاني يقع إلى الغرب من طاحونة المخيضة غرب القلعة على النهر الواقع شمال القلعة، وهو ذو فتحتين إحدى الفتحتين مزالة، وبقيت الفتحة الثانية وهي من العصر الروماني إلى الغرب منه، وعلى مسافة حوالي 1كم يقع الجسر الثاني الذي يسمى بجسر الحاج حسن والذي تم ترميمه، إضافة إلى توثيق طاحونتين مائيتين الأولى في بيت صافي، والثانية إلى الغرب بمسافة حوالي 1كم اسمها طاحونة المخيضة على النهر الواقع شمال القلعة، كما تم توثيق الأنابيب الفخارية التي كانت تغذي القلعة بالمياه والتي تمر بالقرب من المدرسة الدينية الأولى وصولا ً إلى عين المريجة، وليس إلى عين فاطمة في قرية الدليبة كما كان يعتقد سابقاً.

كما تم توثيق 7 لوحات منقوشة في القلعة ومحيطها وتم إنزالها على المخطط من أصل 15 لوحة تم ذكرها وتم نقل إثنتان إلى حديقة متحف طرطوس.لا يتوفر وصف للصورة.

وختم الآثاري بسام وطفة حديثه مع جريدة فينكس الإلكترونية، مؤكداً أن قلعة الكهف هي قلعة متهدمة يكتنفها الكثير من الغموض والأسرار، وقد تمكنا من الكشف عن محاولة إحداث باب في الطرف الغربي من القلعة، حيث تم نحت الباب بطول حوالي 2م وعرض 70سم وبعمق حوالي 30سم، لكن العملية لم تتم وقد يكون السبب قساوة الصخر أو لأسباب أخرى وهذه المعلومة بتقديرنا مهمة جداً لأنها تشير إلى وجود تفكير بإحداث باب وربما تم إحداثه في مكان آخر من الجرف الصخري المغطى بالأشجار والذي لم يتم اكتشافه بعد ربما يكون ذلك في قادمات الأيام، منوهاً إلى أن القلعة تقع في منطقة تعتبر من أجمل المناطق الطبيعية السورية، وتحتاج إلى جهود مكثفة وتعاون من كل الجهات صاحبة العلاقة لتنفيذ محضر اللجنة المشكلة عن طريق السيد محافظ طرطوس لتأهيلها واستثمارها، داعياً الجميع لزيارتها.