كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

بلا تكلف أو بذخ.. شهر العبادة منذ زمن الأجداد.. بساطة المأكل والمشرب في ريفي بانياس والقدموس

طرطوس - ثناء عليان- فينكس:

لا يخفى على أحد أثر الطابع الروحي على حياة مجتمعنا الشرقي بمختلف ألوانه، ولعل شهر رمضان بكل ما يتضمنه من شعائر أصبحت جزءاً من التقاليد الحياتية المميزة في ريف بانياس والقدموس بقدر أهميتها من الناحية الدينية.
عن أجواء شهر رمضان الكريم وعادات وتقاليد أهل بانياس والقدموس التقت "فينكس" بعض أبناء هذه المنطقة.
حسن علي يونس من ريف القدموس ويسكن في بانياس يذكر: ان البساطة كانت هي السمة الأساسية لجميع العادات والتقاليد الدارجة في ريف بانياس والقدموس خلال شهر رمضان قديماً، فلا تكلف ولا بذخ يذكر في أي من شعائر الشهر الفضيل، و أضاف: كان جدي لأبي شيخ الضيعة، وما زلت أذكر مواظبته على صيام شهر رمضان حتى عندما يوافق الشهر الفضيل موسم الحصاد صيفاً، حيث كان يعود من حقله قبيل الغروب بقليل ليصلي فينا وقت المغرب، ومن ثم نبدأ الإفطار الذي لم يكن يختلف كثيراًعن الغداء في الأيام الأخرى، وهو من منتجات أرضنا كالبرغل والبطاطا والخضراوات المتوفرة في حينها، وبالنسبة للمشروبات المرطبة كان المشروب الوحيد هو اللبن أو (الشنينة أو ما يدعى العيران) والفواكه الطازجة المتوفرة من أرضنا، وفي الشتاء يكون التين اليابس هو الحلوى الوحيدة التي تزين موائدنا، ولم يكن السحور يختلف عن طعام الإفطار في باقي أيام السنة بما يحويه من زيتون وشنكليش مع زيت الزيتون واللبن المصفى.مئذنة جامع بريف بانياس1
وبيّن يونس أنه كان لاختلاط سكان الريف مع سكان المدن، في النصف الثاني من القرن العشرين، أثر كبير في تغيير عاداتهم الرمضانية، وطبعاً اتسمت هذه التغيرات بمزيد من البذخ من ناحية الأطعمة والمشروبات، إذ أصبحنا نشاهد التمور بديلاً عن منتجات أرضنا من التين اليابس وصار العرقسوس والتمر هندي إلى جانب المتة كمشروبات معوضة للسوائل بالنسبة للصائمين، وبالنسبة لمن سكنوا في مدينة بانياس أدخل شراب الخرنوب كمرطب منعش بعد الإفطار، ولكن أكثر ما يميز الإلفة الاجتماعية في هذه المنطقة خلال شهر رمضان هو ولائم (التفطير)، إذ يقوم أحدهم بدعوة الناس إلى طعام الإفطار وذلك بعد إقامة صلاة المغرب في بيته كنوع من البركة.
وترى السيدة ميالة خضور، ربة منزل من ريف بانياس، أن أجمل ما في رمضان الأجواء الحميمية المفعمة بالروحانيات، إذ تحرص دائما خلال هذا الشهر من كل عام لدعوة أبنائها وأحفادها وأخوتها لتناول الفطور في بيتها، مؤكدة أن الشوربات والسلطات من الأصناف المتواجدة يومياً على مائدة الإفطار، بالإضافة إلى الوجبة الرئيسية وبعض أنواع الحلويات التي اقتصرت هذا العام على بعض الحلويات التي تقوم بصناعتها في البيت.
ويؤكد العم أبو العبد أن اغلب أهل قريته ملتزمون بفروض هذا الشهر الكريم من صيام، وصلاة، وتلاوة للقرآن الكريم، حتى بين صغار السن ممن يحرص أهاليهم عادة على حثهم للصيام، منوهاً ببعض العادات التي مازال أهل القرية محافظين عليها تتمثل بتبادل صحون الطعام بين الأهل والجيران وكثرة الزيارات بين الأقارب والجيران، والدعوات على وجبة الإفطار، التي من شأنها زيادة الألفة والمحبة والسهرات حتى موعد السحور.
ويقول عاطف عاقل عن طقوس شهر رمضان في قريته، يستقبل أهل القرية الشهر بكثير من الفرح والسرور رغم الظروف الصعبة التي يعيشونها نتيجة الغلاء واستشهاد الكثير من شباب القرية، إلّا أنهم مازالوا متمسكين بعادات وتقاليد هذا الشهر الكريم، لأنه يشكل فرصة لتعميق العلاقات الأسرية والاجتماعية، لافتاً إلى أن معظم أهل القرية يقضون أوقاتهم بعد الإفطار بقراءة القرآن والدعاء والتسامر وشرب الشاي والقهوة والمتة.
وينعكس ارتفاع الأسعار بشكل واضح على التقاليد الرمضانية، وهذا ما أكدته السيدة نبيلة علي، وهي ربة منزل، إذ تجد صعوبة في توجيه الدعوات للأقارب والأصدقاء للإفطار هذه السنة، إلا أنها لن تتخلى عن عادة تبادل أطباق الطعام بينها وبين جيرانها.
ويوافق عدنان محمد موظف من القدموس السيدة نبيلة فيقول: للأسف بسبب ارتفاع الأسعار وضيق الحالة المادية جعلت الكثير من أبناء الساحل عاجزين عن توفير الاحتياجات الضرورية في شهر رمضان، فتراجعت قائمة رمضان وانخفضت نسبة استهلاك الكثير من الاحتياجات التي كانت حتى سنوات قليلة ماضية على سلم الأولويات.
وتؤكد الخالة أم مصطفى أن شهر رمضان هذا العام هو أصعب ما مر عليها، من حيث ضيق الحالة المادية وجنون الغلاء الذي غيب أكثر الوجبات الشهية عن مائدتها حتى أنها تتردد في إرسال "السكبات" للجيران قبل الإفطار، لأن معظم طبخاتها لم تعد مدللة، وصارت خالية من اللحوم، وتضيف رغم أن الحال من بعضه، لكني لن أرسل سكبة إلا إذا أرسلوا لي، لأرد الصحن ممتلأً فقط.