كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

"مطبعة طرطوس".. أبواب مفتوحة على عزّ قديم وآمالٍ بالاستمرار

 رزان عمران-خاص فينكس:

لا يستغرق الوصول إلى مطبعة "مصطفى فْخير" في طرطوس القديمة وقتاً طويلاً، فسواء دخلتَ المدينة الأثرية من منفذها الشمالي أو الجنوبي، وأياً كانت الأزقة التي تسلكها، ستنتهي بالساحة التي تطل عليها المطبعة من اعلى دَرَج حجري طويل يميزها عن المحلات المجاورة.

لم تأت تسميتها ب "مطبعة طرطوس" ارتباطاً بالمكان فحسب، بل لأنها كانت كذلك فعلاً، المطبعة الوحيدة في المدينة منذ خمسينيات القرن الماضي، أيام مالكها الأول الراحل "فؤاد شريتح" الذي عمل "فْخير" لديه قبل أن يشتريها عام ١٩٨٤، مدفوعاً بحبّه للصنعة التي اختارها مصدراً للعيش، فحافظ على اسم المكان البسيط والمعبِّر.

يقول فخير لـ"فينكس": "لم يكن لدى المالك السابق أبناء ذكور، لذا شعرتُ عندما توفي بأنني المعنيّ باستمرار العمل. علّمت الصنعة لاحقاً لولديّ الاثنين دون أن أفرض عليهما الالتزام بالكار، ثم اختار كل منهما مجال العمل الذي يحبه بعيداً عن المطبعة، لاسيما عندما تكاثرت مطابع المدينة مواكبةً أحدث التطورات".مطبعة طرطوس1

عاصَر فخير، المولود عام ١٩٤٧، مراحل تطور الطباعة بدءاً من صفّ الحروف الرصاصية، والتعامل اليدوي مع كل ورقة على حدة، وصولاً إلى ماكينات عقد السبعينيات، وهي عماد المطبعة حالياً. تتربع الطابعة المروحية من ماركة "هايدلبرغ" مكان الصدارة في المحل المتواضع، وخلفها آلة قص الورق. ليست الآلات الأكثر عصرية، لكنها كانت كافية لانجاز الاعمال التي تخصصت بها المطبعة طيلة العقود الماضية، من مطبوعات الدوائر الحكومية إلى دفاتر الفواتير والإيصالات والبطاقات، وصولاً إلى رسائل تخرّج عدد كبير من المحامين والأطباء الذين ذاع صيتهم في طرطوس لاحقاً.

على رفوف خزانة قديمة، يحتفظ فخير بنسخ من جميع الكتب التي طبعها، والتي تحمل اسم مطبعته أسفل الأغلفة الأمامية. يحتفظ كذلك بفواتير قديمة تعود إلى منتصف الثمانينيات، وتظهر فيها أسعار المواد المستخدمة في تلك الأيام: ألفا ليرة لكل ماعون ورق، و٢٥٠ ليرة لكيلو الحبر. يسارع بطبيعة الحال إلى المقارنة بالأسعار الحالية، فسعر الماعون حالياً ١٥٠ ألف ليرة وكيلو الحبر الأسود ١٣ ألفاً. يقول: "تراجع العمل بسبب الحرب، ومثل كثيرين، اضطررت لرفع أسعار مطبوعاتي تحت وطأة غلاء المواد الأولية، فدفاتر الإيصالات التي كنت أبيع العشرة منها ب ٤٠٠ ليرة يصل سعرها اليوم إلى ٢٠ ألفاً، وفوق ذلك لا يشتريها أحد".مطبعة طرطوس2

العمل قليل، وهدير الآلات قلما يُسمع في المطبعة هذه الأيام، رغم ذلك، يلتزم فخير بدوام يومي منذ الصباح إلى ما بعد الظهر. يقول: "هذا مقر عملي سواء طرق زبون بابي أم لا، وتواجدي هنا أفضل من الجلوس في المقهى. الموضوع مرتبط بالالتزام والسمعة، ومهما غاب الزبائن أعرف أن ثمة عمل ما آتٍ، فجميع من يقصدني يفعل ذلك بدافع من الثقة بسمعة المطبعة".

وفي حين خصصت بلدية طرطوس العديد من صناعيي المدينة القديمة بمحلات في المنطقة الصناعية، أبقت المطبعة على حالها دون تغيير مصنفة إياها معلماً تراثياً. على هذا الصعيد، يستذكر فخير اهتمام السياح قبل الحرب برؤية مطبعته "أيام ما كان فيه أجانب". يضيف: " يحب السياح المعالم القديمة، أما الجيل الجديد فلا يعرفني. قد يستثمر ولداي هذا المكان مستقبلاً ويحدّثونه، لكن لا أدري من سيهتم بتشغيل .هذه الآلات من بعدي