كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

عدنان بدر حلو: مشتى الحلو والسياحة

لم يكن فيها أي خدمات سياحية أو حتى شبه سياحية فلا مطاعم ولا فنادق ولا مقاهي ولا غيره.
وعندما بدأت بعض العائلات الحلبية بالقدوم للاصطياف لم يكن هناك سوى بيت أو بيتين يمكن استئجار غرفة أو غرفتين مفروشتين لديهما.. أذكر منهما بيت المرحوم طنسي الابراهيم في حارة الملزق.
مع ذلك عندما ننظر إلى المشتى الآن نجد أنها قد قطعت شوطا كبيرا جدا في مجال الخدمات السياحية، فقامت فيها مؤسسات استثمارية غير قليلة كالفنادق والمنتزهات والمطاعم والمقاهي التي تضاهي ما هو قائم في معظم البلدات السياحية اللبنانية. ويمكن القول إن السياحة انتقلت من مستوى الاستفادة مما هو متوفر إلى مستوى الاستثمار الاقتصادي وتوظيف رؤوس أموال لا يستهان بها.
كان هذا الاستثمار سيتطور أكثر باتجاه الاستثمارات الكبيرة كبناء مجمعات سياحية كبيرة لولا عاملين:
الأول: هو غياب المساحات الكبيرة التي تحتاجها مثل هذه الاستثمارات. وهذا أمر كان يمكن التغلب عليه نسبيا سواء بالامتداد نحو "العصابة" ما بين الجنين وبيت عركوش أو منطقة جبل المشتى وشرقها أو منطقة القشعات وجنوبها وشرقها.
والثاني: هو موجة اللجوء السكني التي طغت على السياحة إلى المشتى في ظروف الحرب الحالية، ما خفف من الانفاق السياحي الترفيهي لصالح الإنفاق السكني واللجوء لشراء المساكن أو استئجارها، وهذا ما أعطى الأولوية في الاستثمار للبناء السكني على حساب الاستثمار في الرفاه السياحي.
يضاف إلى كل ما تقدم طبيعة السلطة الإدارية القائمة على رضا المركز كبديل عن رضا الشارع ما يضعف إلى حد كبير دوافع سعي الموظفين الإداريين (حتى الذين "ينتخبون" بلديا) للحرص على كسب رضا أهالي البلدة والحفاظ عليه وتنميته بالأعمال والخدمات التي لا هدف لها سوى المصلحة العامة. كما يضاف إليه غياب الاستثمارات العائدة للدولة والقطاع العام في تطوير البنى التحتية وبالذات في مواضيع المشاريع المائية التي كان يجب الحرص فيها على رعاية الينابيع وعذوبة مياهها، وبناء سدود صغيرة لحماية مصادر المياه الجارية والجوفية من جهة ولتشكيل بحيرات سياحية صغيرة من جهة أخرى، بدلا من تبديدها وتركها نهبا للتلوث القاتل. وكذلك مشاريع معالجة النفايات التي تعتبر أكبر مشكلة بيئية تهدد المنطقة كلها.
ويضاف أيضا وأيضا غياب النشاط الأهلي التطوعي وغياب المناخ السياسي الذي يشجع عليه.
رغم ذلك لا نستطيع إلا الاعتزاز بالمستوى المتقدم الذي وصلته بلدتنا الجميلة، والذي يعود بمعظمه لمستوى أهلها الوطني والاجتماعي. وقد برهنت خلال السنوات السبع الماضية على أنها بالفعل نموذج للتعايش الوطني الذي نتمناه لبلادنا كلها.