كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

هل يظن محمد السادس أنه أذكى من ياسر عرفات و معلمه السادات من قبل؟

محمد وزيري- فينكس 

تتزاحم في رأسي آلاف الأفكار و التواريخ و الأحداث و الشخصيات و المشاهد و الوثائق و المعاهدات... و كلها سلاسل يشد بعضها بعضا حتى أوصلتنا إلى ما نحن فيه اليوم، فلا يسمح المقام و الزمان بأن أذكر كل شيء، و لكن سأذكر ما جادت به الذاكرة دون أي انتظام..
لنجب أولاً: ماذا حقق السادات من التطبيع؟
عام 1976 عندما وسوس شيطان الهوى لأنور السادات بالتهيئة لاتفاق سلام شامل مع العدو الصهيوني، كان يواجه عثرة واحدة و هي وجود حافظ الأسد في سوريا، باعتباره شريك نصر أكتوبر الذي (تشرف) السادات بقيادته. فكان رأي الأسد حينها ملخصا في قولين هما: الرفض و التحذير، و عندما لم يفلح الأسد في كبح رعونة السادات عما يخطو إليه، جرب معه أخيرا و آخرا أسلوب التحذير من أن السلام مع العدو لن يخدم إلا العدو، و لن يجلب للأمة سوى مزيد من الخراب [ راجع مقال "يا حافظ تعال معي إلى إسرائيل" - جمعه الأخ جعفر البكلي ].. فعلام حصلت "إسرائيل" و علام حصل السادات؟!..
إن "اليهود" تاريخيا هم ملوك الديالكتيك، و ذووا باع طويل في المماطلة و إطالة الأحداث حد الملل حتى يضجر خصومهم فيسقطوا في فخ التسليم. لذلك أخذوا من "كامب ديفيد" كل شيء و لم يمنحوا المصريين شيئا! 
لقد نصت معاهدة كامب ديفيد الموقعة عام 1979 على إنهاء حالة الحرب مع مصر و الخروج من سيناء، و لكن العدو لم يترك سيناء إلا أرضا قفرا موحشة بالألغام غير صالحة للاستغلال، و لم تدخل إلى اليوم في خانة الهدوء الكلي و لا النسبي، بل موقع تجارب حرب دائم و منطقة استغلال لدعم الجماعات الوظيفية. و إذا كانت مصر تتعامل في وثائقها الرسمية مع العدو الإسرائيلي بعبارة "صديق"، فإن العدو إلى اليوم لم يُزِل مصر من خانة "عدو"!
و لما كانت موقعة تأميم السويس هي الحدث العظيم الذي هزت أخباره العالم و ارتعدت له فرائص العدو، و كان هو الثدي العظيمة التي يرضع منها أكثر من 50 مليون مصري حليب عزته و كرامته، فقد عرف العدو كيف يعيد السويس إلى ما قبل حادثة 56 العظيمة. أي أن تصبح ممرا دوليا يسمح للجميع بالعبور بمن فيهم "إسرائيل". فخرجت السويس للمرة الثانية من يد المصريين بعد أن ملكوها لأكثر من 25 سنة.
و لقد عودنا العدو على أنه يفكر ببعد النظر، لكننا لا نتجاوز حد الأنوف دائما ، لذلك فرض على مصر أن يكون مضيق تيران ممرا مائيا دوليا يضمن الملاحة، لذلك فتيران و صنافير اليوم في يد السعودية (صوريا)، و لكنهما في يد "اسرائيل" واقعيا و عمليا.
لقد تضمنت المعاهدة أيضا إقامة حكم ذاتي للفلسطينيين في الضفة و غزة، فأين هي الضفة و أين غزة؟! 
و لقد تضمنت المعاهدة أيضا حل مشاكل اللاجئين.. و لكن منذ ذلك الحين لم تزدد مشاكل اللاجئين إلا تعقيدا و تشريدا و قضما للحقوق.!
و نصت المعاهدة على إنشاء مناطق واسعة منزوعة السلاح، و لقد رأينا كل المناطق منزوعة السلاح بينما "إسرائيل" وحدها هي من تملك 600 رأس نووي! 
إذن ما الذي حققه السادات لمصر؟! 
أصبحت مصر بلا سويس، و بلا تيران، و بلا صنافير، و فاقدة للسيادة الحقيقية على سيناء، و أصبحت تمتلك الغاز و لا تتملكه، و سلاح صدئ و جيش مهزوم فاقد لأي دور إقليمي سوى الارتزاق و خوض معارك آل سعود. و انتشار المجاعة و الفقر و الفساد و انهيار العملة و تردي الاقتصاد و التعليم و الأخلاق و فقدان الريادة العربية و الإسلامية و انهيار شركات التصنيع و انتشار الجهل و الأمية و الشعوذة و عودة الفوارق الطبقية بشكل مهول... و ذاك -و أكثر-  هو نتاج التطبيع مع العدو..
أما عن ياسر عرفات فإن الحديث عن مغامرته السياسة لا يساوي قيمة الحبر الذي سأكتب عنها به. إذ إنني أخجل من إطلاق صفة (معاهدة) على معاهدة تم توقيعها تحت شتيمة بعبارة "وقع يا ابن القحبة"، التي أطلقها حسني مبارك عام 93 بصوت غاضب على عرفات بعدما تردد... فوقع! 
و لكن بما أننا ندردش هنا، فلا ضرر ولا ضرار.
لقد حذر الكثيرون ياسر عرفات من خطر أي خطوة تجاه الإسرائيليين في ما يخص السلام، لأنهم ماكرون، و سيكون ألعوبتهم التي يشترون بها ما تبقى من فلسطين للعبور إلى نوافذ المشرق كله.. و على رأس من حذروه: القذافي و علي عبد الله صالح و حافظ الأسد خاصة الذي كان حريصا دائما على تقصي أخبار عرفات و توجيهه و الاستماع إليه بالتفصيل، لأن فلسطين في عقيدة البعث أولى من الجولان..
و لكن عرفات -رحمه الله- ركب هواه، و ركبه الأعداء للوصول إلى مآربهم، فساقوه إلى "أوسلو" صاغرا، و سلموا شكيمته إلى حسني مبارك الذي لم يكن أكثر من بيدق آخر فوق رقعة شطرنج الكبار.. 
لذلك سترون أيضا ان عرفات لم يتعلم الدرس من السادات، و ذهب إلى المسلخ برجليه، فحققت "إسرائيل" كل شيء، بينما هو و معلمه لم يحققا أي شيء على الإطلاق .! 
لقد نصت معاهدة أوسلو على تحويل "م ت ف" من تنظيم للمقاومة إلى تنظيم للمساومة و تنظيم الحفلات و السهرات الشعبية، بعد أن وافق عرفات على نزع سلاحها و حذف عبارات العنف ضد العدو و استبدالها بعبارات (السلام.
و نصت المعاهدة على أن تكون "م ت ف " هي الممثل الشرعي و الوحيد للفلسطينيين، لماذا؟! لأنها فقد شرعيتها أصلا و تمت قولبتها داخل القالب الصهيوني و وفق مصالحه.
و نصت المعاهدة على أن تأخذ اسرائيل حوالي 80٪ من أراضي فلسطين، بينما تأخذ فلسطين 20٪ من فلسطين..! فأخذت إسرائيل 90% بينما عرفات لم يأخذ حتى 2% إلى اليوم.
تنص المعاهدة على أن تكون إسرائيل هي التي تمتلك مشروعية حمل السلاح، و لا حق للفلسطينيين في ذلك..!...الخ 
و في المقابل دبجت إسرائيل ورقة الاتفاقية بعبارات لا قيمة لها من قبيل اعترافها بحق العودة و تحديد الاستيطان و حل مشكل اللاجئين.. الخ..
المشكلة أن عرفات و معه من معه لم يحققوا شيئا حتى في ما تعده اسرائيل ليس ذا قيمة! فأين هي غزة اليوم و أين الضفة و أين حق الفلسطينيين في العودة و تقرير المصير... الخ؟! 
إن الشاهد عندنا هنا هو أن الهرولة إلى التطبيع يستحيل أن تأتي إلا بمزيد من الخراب و الاستسلام، بينما ثمن المقاومة قد يكون مكلفا و لكنه يبقي القضية حية و يبقي الأوطان قائمة، بينما ثمن التطبيع يكون دائما هو نهاية الأوطان..
 فلماذا لم يتعظ محمد السادس و كل من سار على دربه  من بعران الخليج مما حصل في الماضي؟!
هل يظن أنه أذكى ممن سبقوه الى هذا الطريق الشيطاني؟! 
يا محمد السادس : كيف تصدق بأن أمريكا تعترف لك بتملك ما لا تملك هي أصلا؟!! ثم إن اعتراف أمريكا بمغربية الصحراء، لا يختلف عن اعترافها ب "إسرائيلية" الجولان السوري، فكلاهما لا يساوي قيمة فرنك واحد، لأن أمريكا أثبتت تاريخيا أن العهود عندها مثل عهود بني إسرائيل مع موسى، توقعها ليلا و تنقضها نهارا.. و عليك أن تتعلم من التاريخ. 
و إن النبيه و الضليع في السياسة سيتفطن إلى أن اعتراف أمريكا بمغربية الصحراء ليس جزءا من الحل، بل هو زيادة في تعقيد الأزمة، لأن أمريكا لم تحل قضية في العالم أبدا، و لن تفعل، لأن ذلك لا يخدم مصالحها، و أمريكا لا تمثل العالم، بل تمثل نفسها. و ليست ملزمة بالالتزام بأي اتفاق في العالم، حتى مع الأقوياء الفاعلين، فكيف بالمغرب و هو مفعول به؟!
إنني لست متفاجئا بهذا الاعتراف التبادلي و التطبيع المقابل، لأنني أسلت عنه الكثير من المداد. و لكن الذي فاجأني هو السرعة المخيفة و المرعبة التي تجري بها الأمور، و هذا التهافت و التبرير الخالي حتى من أدوات التبرير المعقولة!
و لذلك و بحسب هذه السرعة إليكم ما سيحدث: 
✓ سيتورط المغرب في اتفاقيات غير عادلة، بحيث سيفتح سوقه مطلقا في وجه رأس المال اليهودي، و يصبح محطة سياسية لقتل أي تغيير سياسي لصالح الأمة في المنطقة كلها، باعتبار المغرب هو ملتقى الطرق و مركزها ..
✓ و في المقابل لن يحصل المغرب على اعتراف أممي بأن الصحراء مغربية! و لن يحصل على دعم دبلوماسي أمريكي واضح في هذه المسألة، بل ستعيد أمريكا هذا الملف إلى قعر المجر و تكتب فوقه بخط عريض، [ قيد المداولة الدولية].. و اشربوا ماء الأطلنتي!
✓ سيستنزف المغرب أكثر في ميزانيته الحربية على السراب، لأن السياسة الصهيونية تتبع -و ستبقى- مبدأ " فرق تسد"، و هو ما كتبت عنه فيما مضى، أي ستجعل كل الحذر الوهمي من المغرب تجاه الجزائر التي تمتلك جيشا ذا عقيدة قومية معادية للاحتلال بجميع أصنافه. و سيستنزف سياسيا و اقتصاديا و ماليا في مسألة الصحراء دون أن يحسم جدلها البيزنطي إلا و قد استفاق على الغوص في مستنقع الملعوب بإسفيلهم أمميا..
✓ سيغرق المغرب في القروض الدولية عامة و اليهودية خاصة، و سيعجل ذلك بانهيار اقتصاده و سقوطه في يد شركات الاستنزاف الدولي ..
✓ بعد عشر سنوات سيضطر المغرب إلى شراء الكهرباء التي -أصلا- ينتجها هو..
✓ سيضطر المغرب إلى شراء مشتقات الفوسفات بربح للشركات يصل إلى 120٪ بعدما كان يشتريها موازنة بين التنقيب و البيع و الشراء..
✓ سيكسد القطاع الفلاحي أكثر مما كسد، بعد مؤامرة "المخطط الأخضر"، و يتم تدمير التربة و عدم قدرتها على الإنتاج إلا بالسماد الإسرائيلي و البذور الإسرائيلية. و ستعجز عن إنتاج مزروعات كثيرة مهمة. 
✓ سيسقط قطاع التربية و التعليم كله في شرك الرأسمالية التي ستحوله إلى قطاع لزرع الأفكار الصهيونية و "الليبرالية الجديدة" التي من أهم غاياتها تدمير هوية المجتمعات و إفقادها الأصالة و البوصلة، و تحويل المجتمع و الطاقات الذكية إلى ماكينات تشتغل من أجل الخبز دون قيم. 
✓ سيجبر المغرب على تغيير أغلب القوانين التشريعية التي تحفظ للمجتمع أعرافه الدينية و التقليدية مما سيعجل بانتشار وجه آخر للرذيلة بجميع أنواعها السافلة.
✓ سيتم سن قوانين زاجرة لكل من سولت له نفسه المس ب "إسرائيل" حتى لو بفكرة، و إن لم تسن قولا فستسن فعلا. 
✓ ستكثر جرائم الاغتيال و الاستدراج لضحايا الموساد سواء كانوا مغاربة أو أجانب، بعدما ستتوسع رقعة نشاطه العملي.
✓ ستنهار قيمة الدرهم، عكس ما يتوقع الأغبياء الذين يظنون أن التطبيع هو مفتاح الجنة الرأسمالية.
✓ و في الأخير ستصبح مكانة "الحكم الملكي" بلا قيمة، و سيتحول النظام السياسي في البلد إلى حكم صوري يحرس متاع أسياده في أرضه التي لم يعد يملك فيها إلا بطاقة الهوية و الكثير من العبيد! و ستدعم أي حركة للتخلص منه بعد انتهاء  دوره لتبدأ مرحلة جديدة من الاستغلال... و بهذا أزداد و نزداد جميعا يقينا بأن النظام السياسي الحاكم في البلد لا يهمه من البلد إلا مقدار ما سيربح منه، فهبوا و استفيقوا أيها المغاربة، فقد طمى الخطب حتى غاصت الركب!....
يتبع