كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

سورية الحديثة والحياة الحزبية

مروان حبش- فينكس
ككل ظاهرة اجتماعية- سياسية، نجد للحزب تعريفات عديدة ولكنها غير متناقضة، ومن ذلك يقول البعض:
- إن الحزب تنظيم سياسي للعناصر السياسية النشيطة في المجتمع يتنافس سعياً إلى الحصول على التأييد الشعبي مع جماعة أو جماعات أخرى تعتنق وجهات نظر مختلفة، كما يعرفه "نيو مان"، ويؤكد بأن كل حزب في معناه الجوهري يعني الاشتراك في تنظيم معين والانفصال عن آخرين، بواسطة برنامج محدد.
ومما يُقال من تعريفات، أيضاً:
- إن الحزب تنظيم يسعى إلى وضع ممثليه المعلنين في مواقع الحكم، كما يعرّفه "جاندا"
- إن الأحزاب السياسية هي اتحادات منظمة رسمياً ذات غرض واضح ومعلن يتمثل في الحصول أو الحفاظ على السيطرة الشرعية سواء بشكل منفرد أم بالتآلف أو بالتنافس الانتخابي مع اتحادات مشابهة على مناصب وسياسات الحكم في دولة ذات سيادة، حسب تعريف "كولمان وروزبرج".
- ويقول الدكتور أسامة الغزالي حرب:
يقصد بالحزب السياسي وجود "اتحاد أو تجمع من الأفراد، ذي بناء تنظيمي على المستويين القومي والمحلي، يعبر في جوهره عن مصالح قوى اجتماعية محددة، ويستهدف الوصول إلى السلطة السياسية أو التأثير عليها بواسطة أنشطة متعددة خصوصاً من خلال تولي ممثليه المناصب العامة سواء عن طريق العملية الانتخابية أو دونها".
إن هذه التعاريف للحزب تفترض، بالضرورة، مناخاً ديمقراطياً لتستطيع الأحزاب ممارسة نشاطها وتحقيق أهدافها، وإجراء انتخابات نزيهة يستطيع الشعب من خلالها منح ثقته للحزب أو الأحزاب التي يريدها أن تتولى قيادته لمرحلة زمنية محددة.
إن سورية الحديثة شهدت منذ نهاية الحكم العثماني أشكالاً متعددة من أنظمة الحكم، ومن الحياة الحزبية السياسية، بدءاً من عهد الاستقلال الأول، مرحلة الملك فيصل "تشرين الأول 1918 _ 24 تموز 1920 " حيث جمعية العربية الفتاة وحزبها حزب الاستقلال العربي، وحزب العهد، وحزب الاتحاد السوري، والحزب الوطني السوري، وحزب التقدم، والحزب الديمقراطي، مروراً بمرحلة الانتداب الفرنسي التي انتهت في 17 نيسان 1946 ووجود أحزاب: حزب الشعب الذي أسسه الدكتور عبد الرحمن الشهبندر، و "الكتلة الوطنية" التي قادت النضال ضد الانتداب ووجهت سياسة البلاد آنذاك، والحزب الشيوعي، إضافة إلى أحزاب صغيرة كحزب الوحدة، وحزب الإصلاح، وحزب الاتحاد الوطني، والحزب الملكي، وحزب الأمة الملكي.
وتشكلت في سورية، بعد معاهدة 1932 مع فرنسا، أحزاب جديدة، ك "الحزب الدستوري الحر" ""حزب نواب شمال سورية "حزب الائتلاف" حزب نواب جنوب سورية"، "حزب الجبهة الوطنية المتحدة" "عصبة العمل القومي" "الحزب السوري القومي" وبعد انتخابات تشرين الثاني 1936 ومع بداية عهد "الكتلة الوطنية" في الحكم، تأسست "الجبهة الشعبية" ثم ظهرت "الكتلة الدستورية" مقابل "الكتلة الوطنية".
وبعد الاستقلال أعلن رسمياً عن تأسيس "حزب البعث العربي"، وانتهت الكتلة الوطنية إلى حزبين هما "الوطني" و "الشعب" وظهرت "الكتلة الجمهورية"، و"الحزب التعاوني الاشتراكي"، و"جماعة الإخوان المسلمين"، و"الحزب الاشتراكي العربي" الذي اندمج مع حزب البعث باسم حزب البعث العربي الاشتراكي في أواخر 1952.
بعد حرب 1948 بدأت مرحلة الانقلابات بدءاً بانقلاب حسني الزعيم في 30 آذار 1949 وإقدامه على حل الأحزاب، ثم جاء انقلاب سامي الحناوي 14 آب 1949 حيث استعادت الأحزاب المرخصة ممارسة نشاطها، ثم كانت ما عرف بحركة العقداء برئاسة العقيد أديب الشيشكلي في 19/12/ 1949وإزاحة سامي الحناوي من رئاسة الأركان، وتعهد العقداء بعدم التدخل في القضايا السياسية وترك أمر البلاد في أيدي الشرعية البرلمانية، وأعقبه الانقلاب الثاني لأديب الشيشكلي في 2/12/ 1951 وحل جميع الأحزاب في 6 نيسان 1952 – ما عدا الحزب السوري القومي - وتأسيسه حزباً سياسياً أسماه "حركة التحرير العربي" بالتعاون مع بقايا حزب محلي في حلب هو "الحزب العربي القومي" الذي كان قد أنشأه ظافر الرفاعي، ودامت هذه الفترة حتى سقوط الشيشكلي في 25 شباط 1954وعودة النشاط الحزبي والحياة السياسية الديمقراطية التي امتدت حتى 22 شباط 1958.

وعادت سورية في عهد الوحدة إلى نظام حكم الفرد وتأسيس الحزب الواحد "الاتحاد القومي" وهي مرحلة انتهت في 28 أيلول 1961 بانقلاب عسكري فصلت فيه سورية عن مصر، سمح خلالها لبعض الأحزاب السابقة بممارسة نشاطها السياسي، واستمرت هذه المرحلة المضطربة سياسياً حتى 8 آذار 1963، إذ ألغيت الأحزاب باستثناء الأحزاب القومية التي ناهضت العهد الانفصالي واستمرت في نشاطها حتى 18 تموز 1963، ومنذ ذلك بدأت مرحلة حكم الحزب الواحد بقيادة حزب البعث العربي الاشتراكي، وبعد انقلاب تشرين الثاني 1970 بدأت مرحلة حزب الحكم السلطوي.