كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

محمد الجاجة عامل نجارة الميكانيك – حمص

المشرف على الدراسة د. عبد الله حنا- فينكس:

محمد الجاجة
عامل نجارة الميكانيك – حمص، وصل للصف الثالث الإبتدائي بحمص..
انتسب للنقابة 1949، قرأ رواية الأم لمكسيم غوركي
قصة انتسابه للحزب الشيوعي وخطيبا في احتفالات أول أيار 1954
مع حياة زاخرة بالعمل المهني والنقابي والملاحقة والسجون
مُجري اللقاء الدارس: غزوان خزام
المتحدث: محمد الجاجة، من مواليد حمص – جورة الشياح – عام 1927. مكان أخذ الحديث: حمص في منزل النقابي. جرى اللقاء به بتاريخ: 6/3/1989
كتب الدارس نقلا عن المتحدث:
المهنة: نجارة الميكانيك، أي على آلات النجارة وليس في النجارة. وهذه الآلات هي: المنشرة، رابوخ، منقرة، فارة، فريزة....
انتسبت إلى نقابة عمال النجارة في أواخر عام 1949، على أثر انهيار حكم حسني الزعيم. وعُقد أول مؤتمر للنقابة في ذات العام حيث تم فصل نقابة العمال بالمهنة عن أرباب العمل. وفي هذا المؤتمر انتُخب مكتب للنقابة من تسعة أعضاء، غالبيتهم من العمال الذين يعملون بأجر على آلات النجارة ولا يملكون سوى قوة عملهم. وكان عدد هؤلاء العمال الذين يعملون على الآلات أي نجاري الميكانيك بحدود أربعين عاملا من أصل 100 عامل إجمالي عدد العمال النجارين في تلك الفترة.
عمل الجد: جدي كان يسكن في مدينة حماة ويعمل اسكافيا، وكان أولاده ومنهم والدي وهو ثاني أولاد جدي البالغ عددهم ثلاثة ذكور، جميعهم يعملون في ذات المهنة، ويعملون لدى جدي الذي كان يملك دكانا في سوق الطويل بحماة. ونظرا لكون جدتي من أصل حمصي، تزوج والدي من أقرباء جدتي، ونقل سكنه إلى حمص في عام 1922. وعمل والدي في صرافة العملة في باب السوق تحت قصر رغدان. حيث كان يقف أمام صندوق في الساحة تحت قصر رغدان ويقوم بعملية الصرافة وتبديل العملة البالية. وفي عام 1936 تشارك مع أحد الأشخاص وفتح مقهى على ضفاف العاصي في منطقة الميماس، واستمر في عمله بالصرافة حتى توفي عام 1959.
ويقول النقابي: أفضل أن أتحدث لك عن سيرة حياتي بالتفصيل ولك أن تأخذ ما تشاء، فوافقت وسجلت أقواله التالية:
أنا واحد من أصل أسرة تعداد الذكور فيها خمسة وترتيبي بينهم الثالث. الأكبر عمل مع والده بالصرافة واستقل عنه عندما بلغ السادسة عشرة من عمره، ليعمل في الصرافة أيضا إنما لحسابه الخاص ولم يحصل من العلم سوى الصف الثاني الابتدائي. الأخ الثاني درس لغاية الصف الثالث حيث ترك المدرسة ليسهل لي طريق الدخول إليها وعمل آنذاك في مهنة نجارة الميكانيك.
أنا الثالث درست أيضا لغاية الصف الثالث وتركت المدرسة بعدها، وكان ذلك عام 1939، لأسهّل أيضا على إخوتي الأصغر مني دخول المدرسة وكان عمري آنذاك سبعة عشة عاما. وخرجت للعمل في مهنة نجارة الميكانيك، وقد حاولت تغيير هذه المهنة ووضعني والدي عند أحد أرباب العمل ممن يصنعون المرايا. ولكنّ رب العمل اشترط آنذاك كي يعلمني المهنة وأسرارها مقابل أن أدفع له ثلاثمائة ليرة سورية، وأن أعمل لديه ثلاث سنوات بدون أجر. وبالطبع رفض والدي هذه الشروط، مما اضطرني للعمل لدى أحد متعهدي نقل الحجارة، من منطقة الوعر إلى سكة الحديد التي يقوم على إنشائها الانكليز. وكان عملي هو تحميل الحجارة بالسيارة ومرافقتها لتفريغ حمولتها في منطقة العمل بالسكة الحديدية. وكنت أتقاضى أجرا يوميا مقداره خمسون قرشا سوريا فقط وذلك بسبب حداثة سني، في حين أن العمال الكبار كانوا يتقاضون ليرة سورية كاملة باليوم. غير أن المبلغ الذي كنت أتقاضاه يعتبر كبيرا جدا باالنسبة لما كنت أتقاضاه في مهنة النجارة، التي لم أتقاض لقاء عملي فيها أكثر من عشرة قروش في الأسبوع. وكنت أساعد عائلتي بخمسة قروش، وأتصرف بخمسة القروش الأخرى. أما عندما أصبحت أتقاضى خمسين قرشا باليوم من عملي في نقل الحجارة، أصبحت أدفع لوالدي أربعين قرشا وأتصرف أنا بعشرة قروش. وبقيت أعمل بنقل الحجارة مدة ستة أشهر تركت بعدها بسبب انتهاء العمل، وعدت لأعمل في نجارة الميكانيك لدى رب عمل جديد مقابل ليرتين سوريتين كنت أتقاضاهما في الأسبوع.
وفي عام 1944 انتقلت من حمص إلى طرابلس، حيث عملت في نجارة الميكانيك، وأتقاضى ثلاث ليرات سورية باليوم، بينما أخي الأكبر الذي كان معي يتقاضى في ذات العمل خمس ليرات في اليوم، وذلك كونه معلما وأنا مساعدا. واستمريت في هذا العمل حتى انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945، وعدت بعدها إلى حمص لأعمل من جديد في ذات المهنة ولدى رب عمل جديد، مقابل خمسة عشر ليرة سورية بالأسبوع. وفي عام 1948 طلبت شركة نفط العراق الأي بي سي عددا كبيرا من عمال النجارة فدخلت بالشركة بصفة معلم كريد ثلاثة (درجة ثالثة)، مقابل أجر قدره ست ليرات سورية باليوم. وفي عام 1949 انتهى العمل، وسُرّحنا وقبضت تعويضا مقداره مائة ليرة سورية. وعدت من جديد للعمل في القطاع الخاص لقاء أجر مقداره خمس وعشرون ليرة سورية في الأسبوع، واستمريت في عملي هذا حتى أيام الوحدة بين سوريا ومصرعام 1959، حيث تركت العمل بسبب الملاحقة السياسية والتجأت إلى لبنان.) (وكنت أتقاضى آنذاك 35 ليرة سورية بالأسبوع وهو أكبر أجر يتقاضاه عامل نجارة ميكانيك في ذلك الحين.
{في اليوم الأول من عام 1959 شنّت المخابرات السلطانية في الجمهورية العربية المتحدة خملة إعتقلات شملت آلاف الشيوعيين وأصدقائهم وألقتهم في غياهب السجون دون محاكمة سوى التعذيب والطلب منهم كيل الإتهامات للحزب الشيوعي. ولهذا التجأ محمد الجاجة إلى لبنان. وهنا في المانيا وأنا أخضّر هذه الأوراق النقابية إتصلت هاتفيا بأحد الحماصنة الهاربين إلى بيروت ومنها إلى ألمانيا الديموقراطية خيث درس الطب واستقرّ به المقام فيها. سألته عن محمد الجاجة فأثنى عليه ثناء عطرا وقال أنه عاش معه ومجموعة من الهاربين من حمص إلى بيروت في غرفة واحدة، وكان في منتهى التهذيب والتواضع ويذهب يوميا للعمل في بيروت ويعود مساء إلى الغرفة للمبيت. المشرف}
في 29 أيلول عام 1961 عدت إلى سوريا من لبنان واعتقلت في طريق العودة وبقيت في المعتقل مدة ستة أشهر. وبعد أن طلع أمر إطلاق سراحي عدت للعمل في ذات المهنة وبأجر أسبوعي مقداره اربعون ليرة سورية. وبعد 8 آذار 1963 تركت العمل مرة أخرى بسبب الملاحقة السياسية. ولم أعد للعمل بالمهنة إلا في عام 1970 استمريت بها حتى عام 1972، حيث أصبت بحادث عمل قطعت بنتيجته يدي اليمنى، الأمر الذي منعني نهائيا عن العمل.
الكتب التي قرأتها وسمعت بها: كتاب "الأم" لمكسيم غوركي وتأثرت جدا بكتاب مؤلفه من عائلة مسوح واسم الكتاب "الكتاب الأول" وأذكر منه الجملة التالية: من يسرق في السعودية رغيف خبز لإطعام أولاده تقطع يده، ومن يسرق الذهب والفضة يسمى صاحب جلالة. وكانت قراءتي للكتاب المذكور في عام 1948 وهذا لعب دورا كبيرا في تحول أفكاري الطبقية السياسية.
وكنت أقرا الصحف والمجلات المصرية مثل: المصوّر – الاثنين – الأخبار
أما التجمعات السياسية التي كنت أسمع بها في مقتبل عمري هي: الكتلة الوطنية، وعصبة العمل القومي. وكنت أشعر أن الكتلة الوطنية هي ضد فرنسا ولذلك كنت أتعاطف معها.
المواد الأولية المستخدمة في المهنة: كانت هي الأخشاب بأنواعها ويأتي بها إلى رب العمل النجارون، الذين يأتون إلى المنشرة مع أخشابهم ويصنعونها هناك. وكُنّا نحن نقوم بأعمال التفصيل والنشر والتهيئة على الآلات. وكان النجارون يأخذونها بعد التصنيع لتركيبها في البيوت. وكانوا يدفعون لرب العمل أجرا مقابل العمل المنَفّذ.
نشاطاتي النقابية: بعد زوال ديكتاتورية حسني الزعيم وفي عام 1950 (الصواب 1949- ملاحظة من فينكس)، تنادينا نحن العمال لإحياء النقابة التي كانت مجمّدة، وقمنا بتوجيه دعوة للعمال فقط بدون أرباب العمل، وانتخبنا أول مكتب للنقابة. كما كانت هذه أول مرة فصلنا فيها تنظيم العمال النقابي عن أرباب العمل. علما بأن أول تنظيم نقابي لهذه الحرفة تم ّعلى أثر قانون العمل رقم 279 الصادر عام 1946 وكان يضم العمال وأرباب العمل.
وكان تصنيف العمال آنذاك يتمثل في التالي:
رب العمل وهو صاحب المنشرة
المعلمين وهم الذين يتقنون الصنعة ويقومون بتنفيذ الأعمال في البيوت
الصناع والأجراء
ولم يكن هناك فارق كبير بين دخول المعلمين والصناع، رغم أن الصناع كانوا يتقاضون أجرا أسبوعيا، بينما المعلمين، أي النجارين، يتقاضون أجرا مقطوعا من أصحاب البيوت. وعدم الفرق هذا ناجم عن المبالغ الكبيرة التي يأخذها أصحاب المناشر (أرباب العمل).
ونتيجة فصل تنظيم العمال النقابي قام أرباب العمل (أصحاب المناشر و المعلمون) بتشكيل نقابة مستقلة سميت نقابة أرباب العمل وترأسها في تلك الفترة مطانيوس عواد، بينما ترأست أنا مكتب نقابة العمال، وكان ذلك عام 1950 في عهد أديب الشيشكلي. وأهم مطاليب نقابة العمال في تلك الفترة تركزت في التالي:
تحديد يوم العمل بثمان ساعات
عطلة أسبوعية مأجورة
وكانت نقابتنا تقوم بجولات على المناشر والورش في البيوت بواسطة العربيات السود، التي كنا نستأجرها ونخالف أرباب العمل الذين يشغلون عمالهم أكثر من ثمان ساعات باليوم أو يشغلونهم يوم الجمعة (يوم العطلة الأسبوعية). وقد استندنا في ذلك إلى قرار لجنة تحديد الأجور المُشكّلة في حمص والتي كان يمثل فيها:
مندوب عن العمال
مندوب عن أرباب العمل
مندوب عن وزارة الاقتصاد
وكان ممثلو نقابات العمال وأرباب العمل ينتخبون من نقاباتهم لمدة عام ثم تجدد ويصدر بها قرار من وزير الاقتصاد. وقرارات هذه اللجنة كانت تعتبر بمثابة حكم قضائي. في تلك الفترة وفي عهد الشيشكلي ورغم الحكم الديكتاتوري، فقد شهدت الحركة النقابية نشاطا ملحوظا ومارست عملية الانتخاب بحرية كاملة رغم حضور مندوب الأمن العام. ولكن كانت توجد مادة في قانون العمل رقم 48 تنص على أن يكون عضو النقابة حسن السيرة والسلوك، وهذا مما أدى إلى فصل كل عامل لا يرضى عنه الأمن العام. وكثيرا ما كان يجري الشطب على المرشحين الناجحين بالانتخابات بحجة هذه المادة، أو يطلب إلى مكاتب النقابات إعادة انتخاب البديل عنهم. فمثلا وجه كتاب بطلب فصلي أنا وعبد الجليل جداع في عام 1953، وطُلب إلى مكتب النقابة دعوة الهيئة العامة وانتخاب بديلا عنا وفعلا دعيت الهيئة العامة، غير أنها أعادت انتخابنا نحن الاثنين مرة ثانية، وأصرت وزارة الاقتصاد والأمن العام على فصلنا، واجتمعت الهيئة العامة مرة أخرى وانتخبنا للمرة الثالثة. وتقدم مكتب النقابة بمذكرة إلى وزير الاقتصاد مباشرة تتضمن الاحتجاج على قرار دائرة الاقتصاد بحمص. وتحت ضغط العمال وتضامن النقابات الأخرى اضطر وزير الاقتصاد الموافقة على نتائج الانتخابات.
ونظراً لتكرار مثل هذه الواقعة في العديد من النقابات، جرت مظاهرات في حلب مما اضطر مجلس النواب إلى إلغاء هذه المادة في عام 1955.
كان عدد النقابات والعمال المنتسبين إليها يتزايد باستمرار، حتى وصل عدد النقابات بحمص في عام 1958 إلى 42 نقابة في المؤسسات الكبيرة والقطاع الحرفي الصغير، وذلك مقابل 18 نقابة كانت عام 1950.
إن زيادة عدد النقابات والمنتسبين إليها خلال تلك الفترة يعود لعدة أسباب أهمها:
زيادة وعي الطبقة العاملة ونشاط الأحزاب التقدمية المشجع للعمل النقابي
المنافسة مع الرجعية المحلية وأحزابها، التي كانت تسعى للهيمنة على الحركة النقابية خوفا من نشاطها المتزايد وتأثيرها في المستقبل
سعي الرجعية للإبقاء على ممثليها في قيادات العمال، وخاصة مكتب اتحاد عمال حمص، وفي الحالات التي كانت تشعر بها الرجعية بعدم إمكانية نجاحها كانت تلجأ إلى:
الاعتماد على القانون 48 لإبعاد النقابيين الطليعيين
ب - خلق نقابات وهمية
ج - فصل بعض النقابات عن الاتحاد تحت حجج مختلفة، ومنها عدم تسديدها للاشتراكات إلى اتحاد المحافظة. ومثال على ذلك فصل أربع نقابات عن الاتحاد وهي: نقابة عمال النجارة، الخياطة، البناء، ونقابة عمال الحطة والزنار.
وعند فصل النقابات الأربعة الآنفة الذكر تضافرت النقابات الأخرى معها، وجرى تحالف بقيادة نقابة عمال النفط، مما أجبر الاتحاد على إلغاء هذا الفصل. وبعد ذلك رسم التحالف خطة لإبعاد الرجعيين عن قيادة الاتحاد وعلى راسهم شفيق الشيخ فتوح، رئيس الاتحاد آنذاك، وهو من أزلام حزب الشعب ومرتبط برئيس الاتحاد العام في سوريا صبحي الخطيب. وقد جرت مساومات كثيرة لشق هذا التحالف بإعطاء الشيوعيين ثلاث مراكز بالاتحاد، وذلك بهدف خلق خلافات بين النقابات أساسها نزاع بين الأحزاب السياسية التقدمية الناشطة ضمن النقابات آنذاك. وقد رفض هذا العرض من قبل الشيوعيين وعقد اجتماع لممثلي النقابات، وتمّ التمكّن من خلال معركة انتخابية من شغل مقعدين في مكتب الاتحاد، شغلهما أكرم دحدوح وعبد الكريم معلوف، وبذلك تمت المحافظة على التحالف رغم بقاء شفيق الشيخ فتوح على راس الاتحاد. ولم تنته المعركة هنا بل استمر التحالف التقدمي بالعمل على اجتثاث وجود الشيخ فتوح من الاتحاد نهائيا عن طريق القاعدة الانتخابية في نقابة النسيج الآلي، وبالفعل تم إسقاطه في انتخابات نقابته عام 1956. وجرى الاجتماع يومها في مقهى المنظر الجميل. وعلى أثر ذلك تضامن عدد من النقابات المتعاطفة مع الشيخ فتوح وانسحبوا من الاتحاد وشكلوا بدعم من صبحي الخطيب اتحادا مستقلا أسموه الاتحاد التقدمي، ووظفوا شفيق الشيخ فتوح بوظيفة إدارية بالاتحاد المذكور. غير أن التحالف بين القوى التقدمية استمر بالعمل مع النقابات التي أنجزت لتشكيل الاتحاد التقدمي من أجل إعادتها إلى اتحاد حمص، وتم النجاح في ذلك عام 1957، بعد أن تم إسقاط صبحي الخطيب في انتخابات الاتحاد العام ونجاح قائمة التحالف بين القوى الوطنية والتقدمية
دور النقابات الوطني الطبقي في تلك المرحلة:
في الشركات الكبرى جرت عدة إضرابات قام بها العمال مثل نقابات: الأي بي سي، السكر، الكهرباء، المصابغ، وذلك من أجل زيادة الأجور. وكان الإضراب آنذاك ممنوع شريطة أن تأخذ النقابات حكما قضائيا من هيئة تحديد الأجور في المحافظة، وعندما يرفض أرباب العمل تنفيذ الحكم يحق للنقابات أن تعلن الإضراب، غير أن معظم النقابات في ذلك الحين كانت تلجأ إلى الإضراب دون انتظار راي لجنة تحديد الأجور، وذلك بهدف الإسراع بإصدار الحكم لصالح العمال. ومثال على ذلك الإضراب الذي دعت له نقابة عمال المصابغ:
كان محددا للجنة تحديد الأجور أن تجتمع في الساعة السادسة مساءً في دار الحكومة لإصدار الحكم. ونتيجة لورود أخبار تفيد بأن لجنة تحديد الأجور لن تصدر قرارا لصالح العمال، فقد قامت نقابة عمال المصابغ بالدعوة إلى مسيرة مشت من شركة المصابغ إلى دار الحكومة حيث تجتمع اللجنة وهي تهتف بمطالبها، وبذلك أُرغمت اللجنة على إصدار القرار المناسب للعمال.
وقد ساهمت أنا شخصيا بإنجاح بعض الإضرابات. في عام 1956 أضرب عمال الآي بي سي إضرابهم المشهور من أجل تحسين ظروف عملهم ورفع أجورهم، وكان الرأي العام العمالي والسياسي الوطني والتقدمي متعاطفا مع عمال الأي بي سي. غير أنه وفي ذات الفترة أضرب عمال السكر من أجل مطالب محقة إلا أن الإضراب كان بتحريض من قبل الرجعية والمحامي إحسان مسوح الذي كان له ارتباطات مشبوهة، الأمر الذي كاد أن يؤثر على نتائج إضراب عمال الأي بي سي وتجزئة الرأي العام المتعاطف معهم. وقد تمّ تدارس الوضع بين مجموعة من قيادات النقابات، وتقرر التوجه إلى نقابة عمال السكر والعمال المضربين وشرح الموضوع والطلب إليهم تأجيل إضرابهم نُصرةً لعمال الأي بي سي وحتى يتم نجاح مطالبهم، وبعد جهد كبير ونتيجة الاجتماع الذي عقد في فندق بسمان وحضره عدد من القادة النقابيين ونقابة عمال معمل السكر، فقد تم النجاح في تأجيل الإضراب. ومن هنا قامت الرجعية بنشاط محموم استهدفت منه النيل من سمعة القادة النقابيين التقدميين الذين ساهموا في إنجاح إضراب عمال الآي بي سي وتأجيل إضراب عمال السكر، واتهامهم بالعداء لعمال السكر.
مثال آخر: في ذات الفترة تقريبا أضرب عمال الكهرباء من أجل تحسين ظروف عملهم وزيادة أجورهم، وهددوا بقطع الكهرباء عن المدينة. كان عدد من القادة النقابيين مع الإضراب، ولكن ليس مع شعار قطع التيار الكهربائي، حيث أن تجربة إضراب عمال الأي بي سي بيّنت ضرورة كسب الرأي العام، ونظرا لكون قطع التيار سيؤثر على الرأي العام ضد مصلحة عمال الكهرباء، فقد بُذلت مساعي كبيرة لإلغاء قرار عمال الكهرباء بقطع التيار الكهربائي. وتمّ النجاح في ذلك، كما نجح إضراب عمال الكهرباء، وتحققت مطالبهم نتيجة تضامن بقية النقابات معهم، رغم اعتقال عدد كبير من القادة النقابيين آنذاك وزجهم في السجون.
وأذكر أنه تضامنا مع المعتقلين وإضراب عمال الكهرباء، وجرت الدعوة من قبل القيادات النقابية للتجمع في اتحاد عمال حمص، وبعد التجمع ساروا إلى دار الحكومة وطالبوا بإطلاق سراح المعتقلين. وأمام الضغط العمالي قرر المحافظ الإفراج عن المعتقلين ودعوتهم إلى دار الحكومة للانضمام إلى رفاقهم النقابيين المتجمهرين هناك. إن هذه الأمثلة تُبيّن درجة وعي الطبقة العاملة آنذاك لأهمية تضامنها ووحدة نضالها.
أما على صعيد النضال الوطني فأذكر الأمثلة التالية:
في عام 1954 أو 1955 تم خطف أحمد بن بيلا من قبل السلطات الفرنسية في الجزائر، وعلى أثرها تداعى النقابيون إلى اجتماع في دار الاتحاد بحمص وقرروا الخروج بمظاهرة كبرى استنكارا لخطف أحمد بن بيلا والمطالبة بالإفراج عنه، وبالفعل تمت المظاهرة وكان لها صدى كبيرا ليس على نطاق حمص فقط، وإنما على صعيد سوريا كلها، وتناولها الإعلام السوري والعربي والعالمي.
مثال آخر: وهو مثال معروف، وهو حادث نسف انابيب النفط الذي نفذه عمال الآي بي سي بحمص عام 1956 تضامنا مع شعبنا العربي في مصر ضد العدوان الثلاثي آنذاك. ولدى وصول نبأ نسف انابيب النفط إلى النقابات الأخرى العاملة في حمص، خرجت جماهير العمال الواسعة بمظاهرات كبيرة تأييدا لعمال النفط بموقفهم الرائع والمشرف.
حادثة تستحق الذكر: على أثر نسف أنابيب النفط تعطل عمل المتعهد أحمد الشرباتي الذي يعمل لديه أعداد كبيرة من العمال (المذكور كان وزيرا للدفاع في سوريا عام 1948). وإثر ذلك قام بتسريح العمال الذين يعملون لديه في التعهد، الذي ينفذه لصالح شركة نفط العراق. أمام هذا الأمر وقفت نقابة عمال الآي بي سي وتضامنت معها النقابات الأخرى ضد تسريح هؤلاء العمال، وأجبرت شركة نفط العراق على إعادتهم للعمل في المشاريع التي ينفذها أحمد الشرباتي واعتبارهم ضمن ملاك شركة نفط العراق.
الاحتفال بأول أيار عام 1954:
دُعيت لاحتفال مركزي عقد في دمشق في أحد المقاهي الصيفية ( لا أذكر إسمه) 
{كاتب هذه السطور كان حاضرا في احتفال أول أيار المذكور. والمقهى يقع بين محطة الحجاز غربا وبناية الهاتف الآلي شرقا. وأذكر من بين الخطباء ابن بلدتنا ديرعطية محمد الجاموس وهو من نقابة عمال البناء بدمشق. المشرف}
وألقيت فيه كلمة باسم عمال حمص، وكان هذا على ما أعتقد أول احتفال علني بأول أيار في سوريا. وقمت بعدها مباشرة وباسم نقابة عمال النجارة وشاركني عبد الكريم معلوف باسم نقابة عمال البلاط بالتقدم إلى المحافظ بطلب الموافقة على إقامة مهرجان خطابي في مقهى المنظر الجميل بحمص، احتفالا بذكرى الاول من ايار، وتسلمت الموافقة من المحافظ وكان نصها على الشكل التالي: "مع الموافقة شريطة ألا يتضمن الاحتفال أي تظاهرة أو تجمع أو خطابة". ولما طلبت من المحافظ التفسير، أجابني بأن أحتفل بقلبي. فقمنا بإرسال نص الموافقة تلك إلى جريدة النور، ونشرت يومها في الصفحة الأولى تحت عنوان: سؤال واستفهام. وقمنا نحن ممثلي النقابتين المذكورتين وبدعم من بعض المحامين التقدميين.
{هم محامون شيوعيون تحاشى الجاجة أو الدارس ذكر كلمة الشيوعية في وقت كانت هيمنة المخابرات السلطانية باسم حزب البعث تكم الأفواه وتمجد النظام الشمولي. المشرف}
بالضغط على المحافظ، فوافق ولكن بالشروط التالية:
أن يغلق باب مقهى المنظر الجميل
أن لا تستخدم مكبرات الصوت على الساحة العامة بحمص
أن تخضع الكلمات لمراقبة ومشاهدة الأمن العام
وافقنا على ذلك وأقمنا المهرجان. وتحدث فيه آنذاك إضافة لكلمتي كل من: راتب جبنة – المحامي خالد كالو والشاعر قصي أتاسي، وذلك بوجود عبد الهادي الساعاتي، ممثل الأمن العام. ورغم تشطيب أجزاء كبيرة من الكلمات من قبل الأمن العام، ورغم وجود ممثلهم في المهرجان، فقد تحدثنا بما نشاء ولم نتقيد بالشروط. وكان هذا المهرجان أول مهرجان علني يعقد في حمص احتفالا بالأول من أيار.
في عام 1962
معلوم أنه خلال فترة الوحدة السورية المصرية، تمّ تقييد العمل النقابي والتشديد على كافة النشاطات النقابية. وفي عام 1962 ونتيجة لصدور المرسوم 50 تم دمج نقابتي عمال النجارة والموبيليا في نقابة واحدة. وجرت انتخابات تأسيسية للنقابة الجديدة، وقد نجح التحالف الرجعي الناصري آنذاك. وكان عدم وصولي إلى مكتب النقابة بفارق صوت واحد.
لقد شهدت الحركة النقابية خلال فترَتَيْ الوحدة والانفصال، حالة انحسار كبير نتيجة الظروف السياسية التي قيّدت الحركة النقابية والعمالية بشكل عام.
حادثة طريفة أدت بي إلى الانتساب إلى الحزب الشيوعي السوري:
خلال عهد أديب الشيشكلي وبعد انتخابي في نقابة عمال النجارة، حضرت مؤتمر نقابة عمال البناء. ويومها نجحت القائمة التي رشحها مؤتمر العمال السوريين.
وعلى اثر انتخابات نقابة عمال البناء التي جرت بمنتهى الحرية والديموقراطية واستنادا لأحكام المادة 48 من القانون 279 أصدرت السلطات قرارا بإلغاء الانتخابات. فقمت بتقديم كتاب باسم نقابة عمال النجارة أحتج بها على هذا الإلغاء ومطالبا بتثبيت نتائج الانتخابات التي جرت في نقابة عمال البناء. فما كان من كمال الخوري الذي كان آنذاك رئيسا لدائرة الاقتصاد بحمص إلا أن استدعاني وبلغني بأن القائمة التي نجحت هي شيوعية، وطلب منّي أن أسحب كتابي الذي تقدمت به وأُخبِر الأمن العام بأن لا علم لي بأن المرشحين شيوعيون. فخرجت على الفور من عنده، وبدلا من أن أذهب إلى الأمن العام، توجهت إلى شخص أعرفه وطلبت منه أن يصلني بالحزب الشيوعي، وكان لي ما أردت.
وأخيرا ارجو أن أكون قد قدّمت شيئا أفيد به من يتتبع تاريخ الحركة العمالية والنقابية في سوريا.
ولهؤلاء مني التحية والشكر.. النقابي: محمد الجاجة
{يستحق محمد الجاجة الإنسان المخلص المتواضع أرفع وسام. وهو من أؤلئك الجنود المجهولين الذين يغشون الوغى و يعفون عند المكرم. ولا اعلم ماذا حلّ بالعامل النقابي الجاجة، وهل لا يزال في هذه الدنيا؟ وإذا كان الأمر كذلك فسأسعى لدى ذهابي إلى سورية في ربيع 2016 أن التقي به، ولا حول ولا قوة إلا بالله. – المشرف}
المتة.. ماهيتها وأماكن انتشارها.. فوائدها وأضرارها
الدمشقيون المسيحيون رواد الفنون والصناعات الدمشقية منذ ألفي سنة
معاصر العنب في "حدتون" وصناعة الدبس
الاقتصاد السوري.. أين كان قبل عام ٢٠١١ وأين أصبح الآن؟
بنغلاديش.. قصة نجاح آخر!
الأعيان والفلاحون في "مقتبس" محمد كرد علي لعام 1910
"أرباب الوجاهة" يستولون على الأرض ويتحولون إلى طبقة إقطاعية "عثمنلية" معادية للتقدم
قمة البريكس الخامسة عشرة والنظام العالمي الجديد
دير الزور وريفها في حديث مع نجار بيتون
حياة عامل في دباغة الجلود ومعمل البلور في دمشق
محمد الجاجة عامل نجارة الميكانيك – حمص
عبد الكريم معلوف النقابي المُتَنَوّر سياسيا في جمص
العمل النقابي في مهنتَيْ النسيج اليدوي والنسيج الآلي - حلب
من عامل مطعم في حلب إلى "قيادي نقابي"
نموذج لعامل ارتقى إلى نقابي مسؤول في عهد البعث- إدلب