كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

العمل النقابي في مهنتَيْ النسيج اليدوي والنسيج الآلي - حلب

المشرف على الدراسة د. عبد الله حنا- فينكس:

مُجري اللقاء الدارس: زهير شومان
المتحدث: نديم بن بشير توتونجي، من مواليد حلب 1923، ومكان أخذ الحديث في منزله يوم الأحد 29/1/1989.
كتب الدارس في المعهد النقابي بدمشق:
كان يعمل بشير توتنجي في مهنة النسيج اليدوي منذ عام 1936 وحتى عام 1947، حيث انتقل إلى مهنة النسيج الآلي التي تتبع إلى نقابة النسيج اليدوي وكان يترأسها المتوفي عبد الرحمن جبولية.
أما جده فكان يعمل بائع ملبوسات وأقمشة مقصّبة فلاحية في سوق الجاج.
أما والده فكان يعمل بصفة عامل مطحنة، يذهب صباحا ولا يعود حتى المساء، ولا يوجد تحديد لساعات العمل إلا عندما يصرفه المعلم، وأقل دوام كان في حينه 12 ساعة تقريبا، ولا يوجد فترات راحة ولا عطل أسبوعية ولا استراحات مرضية ولا عطل رسمية، باستثناء عيد الفطر وعيد الأضحى. وكان والده فقيرا لا يملك سوى أجره اليومي، ولا حتى سكنا يأوي فيه، وكانت تربيته لولده الوحيد الذي هو النقابي المذكور تهدف إلى تعليمه منذ الصغر وهو في الرابعة من عمره، وكان يعمل على إرساله إلى (الخوجة) للتعليم.
ومن ناحية الكتب التي كان يرغب بقراءتها فهي من نوع الكتب الخيالية مثال الزير سالم – عنتر بن شداد – حمزة البهلوان – سيف بي زيزن – ألف ليلة وليلة – كركوظ عواظ -. وكان يرتاد المقهى للاستماع للحكواتي الذي كان له الفضل بالتأثير به لقراءة مثل هذه الكتب. وقد درس حتى حصل على الابتدائية في عام 1936.
كان يقرأ جريدة الشباب التي كانت موالية للحزب الوطني وكان يشرف عليها عبد الرحمن كيالي وسعد الله جابري. وكانت سياسة الجريدة تعمل وفق إرادة وتوجيهات الحزب الوطني، كما كان يقرأ جريدة النذير الموالية لحزب الشعب وبإشراف يحي منير ورشدي كيخيا ووفق توجيهات وسياسة حزب الشعب.
أما في المرحلة الثانية من عمره فقد كان مواظبا على قراءة كتب رواية الهلال المصرية التي كانت تتحدث عن النضال الوطني والثورات الشعبية في مصر، مما أثر فيه وأشعل جذوة الحماس والنضال وخاصة بعد قيام ثورة عرابي وفشلها بسبب هجوم بريطانيا على الاسكندرية من البحر. هناك أيضا جريدة النداء التي كانت تتكلم عن النضال وتشعل الحماس في نفوس قرائها، وهي أكثر مرونة من جريدة النذير والشباب وكان خطها وطنيا أكثر من غيرها.
حزب الكتلة الوطنية هو الحزب الوحيد الذي كان في تلك المرحلة وكان يقوده الشباب الوطنيون ...
***
لقد كان عمله منذ بداية نزوله إلى ميدان العمل في مهنة النسيج اليدوي والآلي، وفي عام 1976 انتقل إلى وظيفة محاسب في نفس المهنة. تأمين المواد الأولية كان يقع على عاتق رب العمل فقط، وكان يعمل عنده بالأجر ويحاسب عن الوحدة التي ينتجها. ومن لا يعمل لا يتقاضى أي أجر حتى ولو كان السبب عدم قيام رب العمل بتأمين العمل له، فإنه سوف يقعد ولا يتقاضى أجره حتى يقوم رب العمل بتأمين المواد، ليقوم هو بالتالي بتصنيعها. وقد كان لرب العمل الحق وحده في تسويق الإنتاج وفي الربح وكل شيء في حين إقتصرت مهمة العامل الإنتاج فقط.
لقد كانت توجد خلافات كثيرة بين المعلّم والصانع وكان يتدخل فوراً شيخ الكار أو ريس الصنعة ويقوم بحلها. كما كانت هناك خلافات أيضا بين المعلمين تدور حول أسعار المنتجات وحول قيمة الأجر التي تعطى للعامل المنتج. وكان هناك تنافس فيما بينهم للحيازة على الصانع المنتج الجيد. وكان في ذلك الوقت لا يستطيع الصانع الانتقال من مكان عمل إلى آخر، إلا إذا كان يحمل شهادة عامل جديد، لأن العادة أنه لن يستقبله أي رب عمل إذا لم يكن حائزا على هذه البطاقة التي تشهد بأمانته وأخلاقه وإخلاصه في العمل.
من ناحية ثانية كان يأتي رب العمل في بعض الأحيان ويرى بضاعته ومنتجاته ممزقة ومشروطة. وكان العمال يتفقون فيما بينهم على الصمت النهائي وعدم إعطاء أي تفصيل عن الموضوع وكأنهم لا يعرفون شيئا، وكثيرون من المعلمين يخافون تصرفات بعض الصناع في الإنتاج، مثال ما ذكر آنفا. وعندما كان يقع أي خلاف بين رب العمل والصانع حول الأجرة التي تخالف العادة والعرف السائد المتفق عليه في الصنعة، كان يتدخل ريس الصنعة ويقوم بحل الخلاف حسب العرف السائد.
هناك أيضا توجد طبقات لأرباب العمل، فهناك الطبقة الغنية والمتوسطة والفقيرة. ومن أرباب العمل الكبار يوجد حج سامي صائم الدهر وعبد القادر صائم الدهر. وكانت الخلافات تحصل بين أرباب العمل الكبار والوسط من نفس المهنة حول مبدأ تشغيل العمال وقيمة الأجر الذي يعطى للصانع. فقد كانت الطبقة الكبيرة لا تريد من الطبقة الأدنى أن تقوم بتشغيل العمال بغية استغلالها لنفسها فقط، وتتحكم بالأجر الذي تريد إعطاءه للعامل. وظلت الأمور على هذه الحالة حتى إقامة نقابة لأرباب العمل، التي اصبحت تحل الخلافات بين أرباب العمل. وكان الأمر الوحيد الذي اتفق عليه أرباب العمل فيما بينهم أنه في حال تسريح العامل من عمله، فيجب على أرباب العمل الآخرين عدم تشغيله حتى لا يشتد أو يقوى عوده وعندها يطالب بحقوقه، ومتى طالب بحقوقه أصبح في هذه الحالة "مشاغبا" ولن يستقبله أي رب عمل نظرا لإطلاق هذه الصفة عليه، ويخبرون بعضهم بعضا بأن هذا العامل مشاغب ويقطع رزقه في هذه الحالة.
ابتداء من عام 1937 بدأت هجرة الريف إلى المدينة نظرا لظهور المصانع الكبيرة مثال الشركة السورية للغزل، والشهباء للإسمنت والأهلية للإسمنت أيضا، هذه الشركات التي بدأت تعتمد في تشغيل مصانعها على اليد العاملة الريفية لأنها أرخص من اليد العاملة في المدينة. كما أن هناك شركة حج سامي صائم الدهر وشركة شبارق وأبناؤه ومعمل التبغ وشركة الكهرباء وشركة السكك الحديدة ودائرة البلدية. أصحاب هذه المؤسسات كانوا يشغلون لديهم أصحاب الواسطة الكبيرة المتنفذين والمستفيدين من قبل الفرنسيين.
بالنسبة لشيخ الكار، فكان يتمتع بسمعة جيدة ونفوذ قوي، وخاصة أثناء حلّه لبعض الخلافات كما أنه يتمتع بخبرة جيدة في مهنته.
***
لقد انضم النقابي نديم توتونجي إلى نقابة النسيج اليدوي في عام 1947 بسبب ظهور الوعي لديه وقناعته بأنها تنظم عمال المهنة الواحدة وتدافع عن حقوقهم. وكانت النقابة تخضع وتسير بتوجيهات الحزب الذي ينتمي إليه رئيس النقابة، أو أنها تخضع لأكثرية الأعضاء في مكتب النقابة الذين ينتمون إلى حزب واحد. وكانت تُدفع الاشتراكات شهريا دون أن تقدم النقابة أية خدمات اجتماعية للعمال. وهذه الإشتراكات كانت تُصرف على مقر النقابة وكرواتب للمتفرغين. وهؤلاء المتفرغون كان ارتباطهم في الغالب سياسيا بالأحزاب التي ينتمون إليها. وقد تألفت قيادة النقابة من الصناع اي العمال، والمثقف منهم هو الذي يُلِمّ بالقراءة والكتابة فقط. ووقفت هذه النقابة بشكل دائم بمواجهة نقابة أرباب العمل. ومن النقابيين الذين يعرفهم المتحث التوتنجي فهم: عبد الرحمن جبولية وأحمد ماضي وعلي زيتوني من نقابة النسيج اليدوي. أما نقابة النسيج لآلي التي كان يتراسها أحمد نحاس فضمت في عضويتها عبد الرزاق قضم وجميل عيار ومصطفى بارود الذين كانوا أقطاب المهنة بالنسبة للنسيج الآلي وكانوا يلمون بالقراءة والكتابة.
وبالنسبة لباقي النقابات فقد كانت توجد في تلك المرحلة: نقابة الغزل – نقابة الحجارين – نقابة المحركات الانفجارية – نقابة النجارين – نقابة المطاحن – نقابة البلاستيك – نقابة الريجي – نقابة السكك – نقابة عمال الدولة والبلديات. وكانت نقابة الغزل من أنشط النقابات الرئيسية في النضال ضد أرباب العمل وضد الرأسمالية، وكانت تعمل على تنظيم الإضرابات والمظاهرات المطالبة بالشكل الظاهري بمطالب اقتصادية، لكنها في المضمون ذات مغزى سياسي، ومعظم هذه المظاهرات تنظم بتوجيهات من الأحزاب التي ينتمي إليها رئيس النقابة أو الأعضاء الأكثر عددا. وقد حدث ذات مرة أن استمر الإضراب عن العمل في نقابة الغزل، حتى تم إسقاط الوزارة لعدم قدرتها على حل مطالب العمال. وكان رئيس اتحاد عمال حلب العامل مصطفى جلب، وهو عامل قندرجي، وكان يعمل بتوجيهات الحزب الوطني. وقد كانت نقابة الغزل هي النقابة الوحيدة التي تمد وتقوي الاتحاد نظرا لتمتعها بضخامة عدد عمالها، وكانت تعتبر أكبر تجمع عمالي وأكثر وعيا من بقية عمال النقابات الأخرى. لقد تركز العمل النقابي قبل عهد الوحدة في المؤسسات الكبيرة كالنسيج الآلي – السورية والشهباء للغزل – شركة سامي صائم الدهر – شركة الحمامي – شركة شبارق للغزل ايضا، ونظرا لضخامة عدد عمال هذه التجمعات استمدت النقابات قوتها واستمراريتها، وبالتالي تم تقوية اتحاد عمال المحافظة أيضا. لقد ظهر تياران داخل النقابات في عهد الوحدة، الاتحاد القومي من جهة وحزب الشعب والكتلة الوطنية من جهة اخرى، واللذين أُلغِيَ عملهما ونشاطهما ولم يعد لهما وجود علني، إلا بعد حكم الانفصال الذي ساهم وسمح لهما بإعادة نشاطهما فيما بعد.
لقد كانت النقابة تتمتع بوعي طبقي عالي يسوده الاتجاه الاشتراكي، باستثناء 20%، حيث كان أصحاب هذه النسبة مؤيدين للأفكار
***
حاليا يعيش هذا النقابي باستقرار ونضال ذاتي ينبع من وجدانه وضميره ويعمل حاليا بمشفى الشهيد عبد الجبار شيحان العمالي بحلب بصفة محاسب طعام ومحاسب تأمينات.
وملاحظاته تتلخص بأن النقابات حاليا تقوم بعمل وظيفي فقط. أما في السابق فقد كانت مقرات النقابات تغصّ بالعمال بشكل دائم، وذلك لطرح بعض الأمور والمشاكل، أو بلقاءات متكررة بين اللجان النقابية والنقابة والعمال. 
المتة.. ماهيتها وأماكن انتشارها.. فوائدها وأضرارها
الدمشقيون المسيحيون رواد الفنون والصناعات الدمشقية منذ ألفي سنة
معاصر العنب في "حدتون" وصناعة الدبس
الاقتصاد السوري.. أين كان قبل عام ٢٠١١ وأين أصبح الآن؟
بنغلاديش.. قصة نجاح آخر!
الأعيان والفلاحون في "مقتبس" محمد كرد علي لعام 1910
"أرباب الوجاهة" يستولون على الأرض ويتحولون إلى طبقة إقطاعية "عثمنلية" معادية للتقدم
قمة البريكس الخامسة عشرة والنظام العالمي الجديد
دير الزور وريفها في حديث مع نجار بيتون
حياة عامل في دباغة الجلود ومعمل البلور في دمشق
محمد الجاجة عامل نجارة الميكانيك – حمص
عبد الكريم معلوف النقابي المُتَنَوّر سياسيا في جمص
العمل النقابي في مهنتَيْ النسيج اليدوي والنسيج الآلي - حلب
من عامل مطعم في حلب إلى "قيادي نقابي"
نموذج لعامل ارتقى إلى نقابي مسؤول في عهد البعث- إدلب