كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

من نسّاج إلى قائد نقابي "يميني" يمسك العصا من منتصفها

كلمة المشرف عبد الله حنا
أجرى الدارس سليمان مخول أربع لقاءات (دراسات)، ننقلها متتالية مبتدئين بنموذجين من النقابيين:
• النموذج الأول: قائد نقابي تأثر بالأفكار اليمينية في الأربعينات، وحالياً ترك العمل النقابي، وهو شفيق الشيخ فتوح.
• النموذج الثاني: نقابي متأثر بالأفكار التقدمية، ويعمل بتاريخ لقاء مخول به موظفاً عادياً في اتحاد نقابات حمص، وهو جميل الشيخ عثمان.
***
رأي المشرف في
شفيق الشيخ فتوح
من نسّاج إلى قائد نقابي "يميني" يمسك العصا من منتصفها ..
إلى موظف في شركة نفط العراق، فمتقاعد مُنْعَمْ
مُجري اللقاء الدارس: سليمان مخول, الذي نشرنا مقدمته في حلقة سابقة .
كتب الدارس سليمان مخول :
ذهبت إليه بعد أن حصلت على عنوانه مفصلاً من اتحاد عمال حمص. وجدته هادئاً متزناً. رحّب بي أشد ترحيب واستقبلني وأغلق دكانه (يعمل حالياً بعد أن تقاعد في بقاليته بالغوطة) وأدخلني منزله، خاصة بعد أن عرف أني مندوب اتحاد العمال. وبيّنت له غرضي وعلى أني صحفي، نقوم أنا ورفاقي الصحفيون بإعادة تاريخ الحركة العمالية من جديد من الينابيع الأصلية، وهم الينابيع الأصلية كما بينت له. أحسسته بأننا عدد من الصحفيين تلقينا مهمات كل واحد منا يذهب إلى محافظة ويتقصى أخبار الحركة النقابية، هكذا دخلت معه بالموضوع.
اهتم كثيراً، وعرف أن الاتحاد العام يهتم بأمثاله، واعتبر لقائي معه هذا كأنه حكيم نعود إليه لاستشارته ببعض الأمور، وبعد أن مدحته حتى أنه أعطى لموضوعي أهميته القصوى في نفسه، واعتبره عملاً جليلاً كبيراً يساهم به، وينزل اسمه في كتب التاريخ. وانفرجت أساريره عندها واطمأن إليّ خاصة بعد أن أعطيته وعدا بألا أكتب إلا ما يمليه عليّ ويريد أن أكتبه.
كما أني قلت له: "يا عم، السؤال الذي لا ترغب الإجابة عليه أرجو أن تقول لي فوراً: لا أحب، وأنا أغيّر فورا السؤال. لكن أرجوك لا تلف على السؤال، وغرضي في ذلك كتابة ما هو صحيح وموثّق، وليس إدانتك لا سمح الله". نظر إليّ نظرة قريبة إلى الإشفاق، وقال: "والله يا ابني سأحدثك بكل صدق ولو كان صدقي يؤدي في إلى نهايتي، لأني صرت على حافة قبري. ولماذا أُضللك أو أكذب عليك يا ابني، شبعنا كذب على حالنا، وأنا لدي وثائق طُلبت مني كثيراً، وطُلب مني صور عنها ورفضت. أما أنت أراك متحمساً كثيراً وجاداً في موضوعك، سأقوم بتزويدك بكافة المعلومات عن النضال العمالي والحركة النقابية، ليس في نقابتنا أو محافظتنا فقط، بل على مستوى القطر كله".
قلت له: "متى ومن أين نبدأ؟" أجاب: "متى تريد ومن أين تريد؟" قلت له: "ممكن الآن؟" قال: "تفضل واسأل ما تريد".
وبدأ حديثه على النحو الآتي:
قال: "قبل البدء بأي كلام، أشكر الاتحاد العام لنقابات العمال على هذه اللفتة الكريمة منه، وهذه المبادرة والتي تعتبر بحق من إنجازات الاتحاد العام ونضال حقيقي. نعم إنه نضال حقيقي في أن تعودوا إلى الوراء لنعرف ماذا عمل أجدادنا، وبماذا أخطأوا، وكيف نعمل الآن، ونستفيد من الأخطاء السابقة. أرجو أن تنقل تحياتي إلى جميع العاملين في هذا المضمار وأنا بين يديك، اسأل ما تشاء".
- سؤال: من هو شفيق الشيخ فتوح؟
"أنا من مواليد مدينة حمص عام 1920، والدي إبراهيم، كنا نسكن في بيت متواضع في حي باب السباع، أنا الابن الأكبر لوالدي.
تعلمتُ المرحلة الابتدائية في مدرسة الاستقلال في باب السباع، وكان اسمها المدرسة الخيرية، وهي واحدة من المدارس القليلة التابعة للدولة في ذلك الوقت. أنهيت المرحلة الابتدائية في عام 1933. في نفس العام توفي والدي وأصبحت أنا المسؤول الأول عن العائلة.
عمي المحامي كان مزارعاً، وهاجر إلى قرية القصير وعاش هناك، وله أولاد هناك، وتوفي هناك، واسمه عبد الرحمن. عمي الثاني مصطفى، كان مزارعاً، وله ولد واحد في المهجر.
أما عن أخوتي جميعهم أصغر مني سناً وهم على التوالي:
- عزت: عمره حوالي 65 عاماً. كان يعمل بمهنة نحّاس، وبعدها اشتغل في شركة نفط العراق التي أصبحت اسمها بعد التأميم "الشركة السورية لنقل النفط الخام"، وما زال على قيد الحياة، طبعا تقاعد من الشركة.
- محمد: عمل في البداية في مهنة النسيج اليدوي عامل نسُاج، ثم وظفناه مع أخيه في شركة نفط العراق، وحاليا متقاعد، وعمره 63 سنة.
- سيف الدين: عمره حوال 56 سنة. يعمل في شركة سكر حمص، ولا زال.
- ***
تزوجت عام 1950 من زكية سويد، مواليد 1934. متعلمة. ست بيت (لا تشتغل) . وسكنت مع العائلة حتى عام 1983 حتى استلمت بيتي هذا من الجمعية. الدار كانت بباب السباع، شارع الشيخ سعد، وهي عبارة عن دار عربية مؤلفة من عدة غرف عشنا بها أنا وأخوتي ووالدتي التي توفيت عام 1973. لي أختان تزوجتا. أي كنا نقطن في هذه الدار حوالي ثلاثين شخصاً. وكنا مبسوطين والحالة المالية يعني ساترها الله. لي تسعة أولاد، ثلاثة ذكور وست بنات، وهم:
- إبراهيم: مواليد 1953 يحمل شهادة الدراسة الثانوية، موظف في مالية حمص وعازب.
- عبد العليم: مواليد 1955 صف تاسع موظف في شركة توسيع المصفاة في مهنة لحام كهرباء (شركة تشيكية).
- عبد المنعم: مواليد 1960 صف تاسع غير موظف عازب.
- ناديا: مواليد 1951 معلمة متزوجة من نزار شاهرلي- موظف في مديرية أوقاف حمص يحمل الشهادة الإعدادية.
- وفاء: مواليد 1959 معلمة متزوجة من أيمن السقا موظف في جامعة البعث شهادته معهد متوسط.
- سناء: مواليد 1962 معلمة عازبة.
- هدى: مواليد 1963 معلمة متزوجة من توفيق كروما معهد متوسط تدريسي- معلم.
- نجوى: مواليد 1965 معلمة عازلة.
حالتي المادية حالياً جيدة والحمد الله، وعندي بقالية، الحقيقة هي ليست للربح أكثر من كونها لتقضية الوقت، ولي راتب تقاعدي يكفيني ويزيد.
هذه صورة مفصلة عن كل حياتي منذ ولادتي حتى الآن. من ناحية تعليمي نسيتُ أن أقول أنه لو لا وفاة الوالد لتابعت دراستي بالرغم من ضيق الحال وكنت من المتفوقين. وأساتذتي تعلقواً بي كثيراً و شجعوني على متابعة الدراسة".
وجواباً على سؤالي عن المدارس الموجودة بحمص أجاب:
"كان يوجد في مدينة حمص عدد لا بأس به من المدارس الابتدائية الخاصة والعامة للدولة. أما الإعدادية والثانوية أذكر أنه كان ثلاث مدارس. التجهيز (باب المسدود)، ومدرسة الانكليز/الإنجيلية حالياً بباب السباع، ومدرسة الغسانية على ما أظن.
أما عن الثقافة لأولاد الفقراء والذين لا تسمح لهم الظروف للدراسة كان هناك شبه مدارس، وليست مدارس، يعني كان واحد يسجل طلاب عنده في البيت ويعلمهم القرآن الكريم، كان اسمهم الكُتّاب، وكانوا يقتنعون بكل شيء أجور تدريب الطلاب".
ولدى سؤالي عن المهنة التي تعلمها وكيف صار نقابياً، أجاب: "أول عمل قمتُ به، كان يوجد معمل نسيج آلي في حمص (ظهر المغارة) وصاحبه عبد الكريم الحسيني. ذهبت إليه وعملت عنده بأجرة قدرها 22 قرشاً في اليوم. وبعد أن تعلمتُ المهنة -أي بعد سنتين من دخولي إلى المعمل أي في عام 1936- أصبحت أشتغل على القطعة بمهنة عامل (نسّاج)، وكنت آخذ على كل متر 3،5 ق.س، وكنت أشتغل تقريباً بحدود 25–30 متر في اليوم، وعدد ساعات العمل كان يصل أحياناً إلى 16 ساعة، أي كانت أجرتي اليومية حوالي ليرة سورية واحدة. وهذه الأجرة كانت تكفينا أنا ووالدتي وأخواتي ونوفر قسماً لابأس به في الشهر، مثال: كان رطل الطحين بـ 5 قروش وكيلو اللحمة بحدود 30 ق.س.
في عام 1938 تأسس في الحارة معمل للنسيج لأبو الخير المصري، ونظراً للجيري (أي الجيرة ) طلب مني أن أشتغل عنده. انتقلت إلى معمله بنفس المهنة وبراتب 20 ل.س بالشهر، ثم ترقيت وأصبحت رئيس قسم الميكانيك في المعمل، وزاد راتبي حتى 25 ل.س، طبعاً بعد عدة سنوات. وبقيت عنده حتى عام 1947، وهو نفس عام تفرغي للعمل النقابي.
طبعاً في هذا العام سٌرّحت من العمل كوني أعمل بالنقابات، وأخذني الاتحاد على عاتقه وأعطاني نفس راتب المعمل طيلة وجودي بالعمل النقابي، أي حتى عام 1957. المعمل كان عبارة عن خمس ماكينات يعمل فيها على ورديتين من 20-30 عامل. كان فيهم الملقّي، المسدّي، النسّاج، عامل لفافة المواسير، الميكانيكي الخ... الحقيقة كان العمل قاسياً، وأقسى منه المعاملة السيئة التي كنا نتلقاها من صاحب المعمل، وكان حقناً مهضوماً، وساعات عمل طويلة، وشروط عمل قاسية، وأجور قليلة. عند هذا الواقع فكرنا بتأسيس نقابة من أجل الدفاع عن مصالحنا. الفكرة لم ترد من ذاتنا، بل وردتنا من زملاء لنا أكبر منا بالسن والمصلحة، أمثال جميل كاخي الذي أصله تركماني وقطن في حمص، ومطيع شمس الدين، ومطيع الحبال، وبدر الدين بدر الذين كانوا يعملون في معامل نسيج آلية لبيت عوف وبيت السمان، وهم كذلك وردتهم الفكرة من النقابات المجاورة، ونقابة النسيج الآلي في كل من دمشق وحلب".
قبل أن ندخل في تشكيل نقابتكم، أرجو توضيح النضالات العمالية في الثلاثينات أو حتى في العشرينات كما سمعتها من رفاق أكبر منك. أجاب: "الحقيقة حتى عام 1938لم يكن هناك نقابات بالمعنى الحقيقي والمنظم، وإذا كنت صريحاً معك أنه حتى الاستقلال لم يظهر من نشاط نقابي بشكل جدي والسبب يعود إلى إن أصحاب المعامل والعمال يجدون نفسهم في نفس الخندق في صراعهم مع الاستعمار الفرنسي ومقارعتهم له سواء عن طريق الصدام المسلح أو عن طريق الإضرابات ومحاربة البضائع الأجنبية، أي أنه لا يمكن القول أن النضال العمالي كان مفصولاً عن النضال للتحرر الوطني من سيطرة الاستعمار. كنا نلاحظ بعض الإضرابات العمالية هنا وهناك لكنها كانت تذوب فوراً عندما يرد خطر الاستعمار.
لم يكن هناك صناعات كبيرة مثل اليوم لتجمع عدداً كبيراً من العمال حتى يفكرون في الإضراب ويكون مسموعاً أو معروفاً. كانت المشاكل تحتدم وتحتقن بين العمال وأرباب العمل ونحن لا نسمع بها لكونها صغيرة أولاً، وكونها تُحلّ بالطرق القمعية عن طريق ( سلطات ) الانتداب ثانياً. عندما يحدث إضراب، كان لأصحاب العمل نفوذ يجلب دورية من الشرطة ويأخذون عامل واحد إلى السجن، ويتحول الإضراب عن هدفه ويصبح المطالبة فقط بالإفراج عن رفيقهم المسجون مقابل التخلي عن المطاليب التي خرجوا من أجلها، أي أن الخلافات بين العمال وأرباب العمل كانت دوماً تحل على حساب العمال ولصالح أرباب العمل.
لم يكن هناك قوانين تحمي العامل والعمل أو تسمح بتشكيل نقابات. كانت العلاقات العثمانية والعرف والعادة هي السائدة في ذلك الوقت. كانت "بوسة الإيد"، والاعتذار من المعلم، وأخذ الجاه و "ما عاد يعيدا واسمحلو هالمرة وأنا بكفلو"، وفركة الأذن، إلى ما هناك من هذه الأساليب التي كانت سائدة وقتها. حتى رب العمل إذا كان طيباً وكانت معاملته حسنة -طبعا إلى حد- للعمال، كان يُحارب من قبل أرباب العمل [الآخرين] بشدة، ولا يتركونه كما هو، بل فوراً يعاكسونه ليصير مثلهم.
كانوا يقولون مثلاً لرب عمل يحسن معاملة عماله: "مالك يا فلان، ألست رجلاً"، هيك بتترك العمال يطمعون فيك، يا أخي بطمعون فيك معليش، بس نحنا ماذا نقول لعمالنا، إنت عم تحاربنا لأنك تثير علينا عمالنا! ما خرجك تكون صاحب معمل ولا صاحب مصلحة". وهكذا دائماً يسعون لأن يكون مثلهم، والحقيقة يصبح مثلهم، إلا قلة قليلة ونادرة أحياناً".
***
هناك سؤال آخر عن الثلاثينات، هل كان هناك أحزاب في تلك الفترة؟ وما كان دورها؟ وما هي علاقتها بالطبقة العاملة؟
"الحقيقة القضية كانت تتعدى الواقع بل تتعدى الخيال، وكان المستعمرون الأجانب يحاولون دب الرعب والهيمنة في نفس كل منا، سواء عن طريقهم مباشرة أو عن طريق من يعتمدون عليه. والانتهازيون في بلدنا كانوا كُثر، أغلبهم الإقطاعيون والذين يخافون على مصالحهم من التجار السماسرة. كانوا يبيعون الوطن إلى فرنسا مقابل الشيء البسيط من السلطات والصلاحيات وعلى من؟ على أبناء شعبهم ووطنهم.
الحقيقة كنت في بداية شبابي أسمع بثورات هنا وهناك، أسمع بثورات بالشام وبحلب وبحمص، الحقيقة كان الثوار أغلبهم من أبناء طبقتنا العمال والفلاحون من الريف. كان في حمص عدة أحزاب، منها حزب الشعب، الكتلة الوطنية، الحزب الشيوعي، الحزب القومي، عصبة العمل، الحزب الوطني السوري، الإصلاح، الاتحاد الوطني. كل هذه الأحزاب كانت وطنية غايتها هي التحرر من الاستعمار الفرنسي، وكل هذه الأحزاب كانت جدية، وأغلب قادتها كانت تشارك الثوار ضد فرنسا أو حتى كان شرط كل من يدخل مثل هذه الأحزاب يجب أن يكون ضد فرنسا ومستعد للعمل في أي وقت ضد فرنسا مهما كان الثمن.
قادة الأحزاب أنفسهم كانوا جميعهم متفقين بأنه يجب التخلص من الاستعمار بأي شكل، وكانوا يدعون إلى الاستقلال. حتى كان العمال في النهار يشتغلون بالورشات وبالليل يقاتلون مع الثوار، وكان البعض من أرباب العمل يقاتلون أيضاً مع الثوار.
***
لنعد إلى حديثنا كيف شُكلت النقابة. قلنا أن الفكرة وردت من إخوان أكبر منّا سناً. لم يكن هناك قانون عمل في تلك الفترة أي في بداية الأربعينات. كان يوجد مرسوماً اشتراعياً صادراً عن المفوض السامي، والقاضي بتشكيل نقابات، حيث كان بموجب هذا المرسوم الاشتراعي يجتمع المؤسسون ويتقدمون بطلب ترخيص لتشكيل النقابة. وفعلاً دُعيت إلى بيت أحد الزملاء، وكان الحاضرون أكثر من 50-60 شخصاً، وكان الاجتماع -الله أعلم- ببيت علاء الدين السباعي. وهناك تناقشنا من أجل تشكيل نقابة، ووضعنا الأسس والأهداف لها، ورفعنا طلباً موقعاً من الهيئة من أجل ترخيص النقابة، ومن ثم قمنا بانتخاب مكتب مؤقت يتولى أمور التشكيل مؤلف من السادة:
- جميل كاخي: رئيساً.
- مطيع الحبال: عضواً وأمين صندوق.
- مطيع شمس الدين: عضواً و أمين سر.
- علاء الدين السباعي: عضواً ونائبا للرئيس.
وهكذا تمّ تشكيل النقابة في عام 1943. وعندي صورة عن قرار الترخيص، وكذلك صورة عن هويات النقابيين. كان أعضاء مكتب النقابة 12 عضواً ينتخبون لمدة سنة واحدة. في السنة الثانية، نصفهم يقدم استقالته وينتخب بدلاً عنهم، والذي لا يرغب بتقديم الاستقالة يتم بالقرعة إقالته من النقابة ويتم انتخابه من قبل الهيئة. وبالنسبة لنقابتنا، تم انتخاب نصف أعضاء المكتب، وكنت أنا من جملة أعضاء المكتب، واستلمت رئيس النقابة بدلاً عن جميل كاخي. كان يُنتقى المرشح عندما يكون قادراً على متابعة النضال للحركة العمالية، والعمال لم يكونوا متأثرين بأي مفاهيم إلا المفاهيم التي تخدم مصالحهم في انتخاب عضو النقابة. أي أن الأحزاب لا تتدخل، ولا اعتبارات للأمور العشائرية أو الطائفية أو غير ذلك. كنا في مكتب النقابة ندرس أوضاع العمال من النواحي الصحية أولاً، ثم المعاشية ثانياً، وبعدها الاجتماعية. وكنا دائماً نطالب أرباب العمل بدفع أجور للعمال أيام الإضراب. والإضراب لم يكن فردياً على مستوى معمل واحد أو ورشة واحدة. كان إضراباً منظما يضم جميع العمال المنتسبين للنقابة. كان الإضراب دائماً إما من أجل زيادة أجور العمال أو خفض ساعات العمل. الحقيقة بين عامي 1944-1945 كنا نحارب نحن العمال على ثلاث جبهات: الأولى: ضد الاستعمار الفرنسي، والثانية: ضد الحكومة الرجعية التي صنعها ويدعمها الاستعمار، والثالثة: ضد أرباب العمل من أجل المطالبة لتأمين البعض من حقوق العمال.
في عام 1945 دُعينا من أجل حضور المؤتمر التأسيسي لاتحاد نقابات العمال العالمي، وكان يومها السيد صبحي الخطيب رئيس اتحاد عمال سوريا. وقد ذهب مع الوفد السوري من حمص إلى مؤتمر اتخاد نقابات العمال العالمي السيد جميل عثمان من نقابة المطاعم والفنادق ممثلاً عن العمال. بعد عودة الوفد من المؤتمر تمت المطالبة بعقد مؤتمر لاتحاد العمال في سوريا. وكان على رأس المطالب إصدار تشريع عمالي في القطر. وحضر المؤتمر في الجلسة الختامية فارس بيك الخوري آنذاك، ووعد بوضع مشروع قانون عمل. كما حضر المؤتمر مصطفى العريس كمندوب عن اتحاد العمال العالمي، وهو من لبنان. كان المؤتمر التأسيسي لاتحاد العمال العالمي، انتخبه كممثل عن الشرق الأوسط بأغلبية ساحقة.
وفعلاً تم وضع مشروع قانون عمل، وقدم للبرلمان من أجل إقراره، لكنه فُقد اثناء العدوان على البرلمان في 29 أيار.
ثم عُقد المؤتمر السادس للاتحاد العام في سوريا في أيار عام 1946. حضره وزير الاقتصاد الوطني خالد العظم. وبنهاية المؤتمر قمنا بمظاهرة من جامعة دمشق إلى مبنى البرلمان، وقدمنا المطالب إلى البرلمان، وكان أهمها ضرورة وضع تشريع عمالي يؤمن حقوق العمال والطبقة العاملة. وفعلاً، ونتيجة لنضال الطبقة العاملة، وبعد الاستقلال، تمكنا من إلزام الحكومة بوضع القانون، وفعلاً صدر قانون العمل 279 لعام 1946. ببساطة يمكن القول أنه قبل الاستقلال وبموجب المراسيم الاشتراعية التي كانت تصدر عن المندوب السامي الفرنسي، فقد كان يحق للمحافظ ترخيص تشكيل النقابات، وكان فعلاً يتم ذلك. وبعد الاستقلال أصبح النضال مشتركاً بين عمال القطر ككل، من أجل إصدار قانون يحل محل المراسيم الاشتراعية، وذلك لينظم عمل النقابات ويصون حرية العمل النقابي. وفعلاً في 13 حزيران 1946 صدر القانون الذي يضم 255 مادة بإحدى وعشرين فصلاً".

بعد صدور قانون 279 بدأ العمل على تنظيم الحركة النقابية على ضوء القانون وتشكيل النقابات من جديد.

المتة.. ماهيتها وأماكن انتشارها.. فوائدها وأضرارها
الدمشقيون المسيحيون رواد الفنون والصناعات الدمشقية منذ ألفي سنة
معاصر العنب في "حدتون" وصناعة الدبس
الاقتصاد السوري.. أين كان قبل عام ٢٠١١ وأين أصبح الآن؟
بنغلاديش.. قصة نجاح آخر!
الأعيان والفلاحون في "مقتبس" محمد كرد علي لعام 1910
"أرباب الوجاهة" يستولون على الأرض ويتحولون إلى طبقة إقطاعية "عثمنلية" معادية للتقدم
قمة البريكس الخامسة عشرة والنظام العالمي الجديد
دير الزور وريفها في حديث مع نجار بيتون
حياة عامل في دباغة الجلود ومعمل البلور في دمشق
محمد الجاجة عامل نجارة الميكانيك – حمص
عبد الكريم معلوف النقابي المُتَنَوّر سياسيا في جمص
العمل النقابي في مهنتَيْ النسيج اليدوي والنسيج الآلي - حلب
من عامل مطعم في حلب إلى "قيادي نقابي"
نموذج لعامل ارتقى إلى نقابي مسؤول في عهد البعث- إدلب