كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

الضرائب الزراعية في الدولة العثمانية

د. عبد الله حنا- فينكس

كان نظام الضرائب في الدولة العثمانية – كما هو في كل زمان ومكان – يتوافق مع طابع الاقتصاد الاقطاعي، الذي هزته العلاقات السلعية – النقدية، ونشوء عناصر الرأسمالية في الزراعة والصناعة. اتصف النظام الضريبي العثماني، انطلاقا من أسلوب الانتاج السائد بانعدام وحدة النظام الضرائبي، وبسيادة الأشكال والأساليب التقليدية في جباية الاتاوات، وبتغلب الرسوم المباشرة وعلى رأسها ضريبة الأرض المزروعة (وبتعبير أدق ضريبة الأشجار المثمرة والأرض المزروعة) التي تراوحت بين ربع ونصف المحصول، وبالتعسف في تحديد حجم الضرائب. وكانت الصفة التي تميز نظام الضرائب هذا هي عدم التساوي الطبقي في دفع الرسوم فالشيوخ والأمراء وموظفو الدولة الكبار هم أشخاص ذوو امتيازات. معفون من الضرائب.
كما منح قسم من الاقطاعيين حق الحصانة الضرائبية (33). ورجال الدين كانوا أيضا معفين من الضريبة والسخرة الحكومية وعدد من الرسوم(34). وعندما كان يتعاظم نفوذ أصحاب الأملاك كانوا يسعون لتقليص الضرائب على مقاطعاتهم على حساب جبايتها من مناطق أخرى. أما في داخل المقاطعات فقد كان أصحابها يحاولون توزيع الضرائب بحيث يقع العبء الأكبر على الفلاحين والملاكين الصغار.
وكان من المحتم أن يقوي هذا من استياء الفلاحين ويدفعهم للتمرد في الأماكن التي تسمح ظروفها بالثورة، ولاسيما في الجبال.
كانت ضريبة الاعشار من أشد الضرائب التي أثقلت كاهل الفلاحين واستوفيت هذه الضريبة عينا أو عن طريق التلزيم. وقد فكرت الحكومة العثمانية مرارا في تبديل أسس هذه الضريبة بهدف زيادة واردات الدولة. وصدرت الارادة الملكية سنة / 1695 / بجعل الالتزام دائميا ثم ألغي التلزيم واستبدل بضريبة مقطوعة بنسبة متوسط المحصول خلال الثلاث سنين أو الخمس سنين الأخيرة. وبما أن هذا الأسلوب لم يؤد إلى زيادة واردات الخزينة العثمانية فقد عادت الحكومة إلى أسلوب التلزيم. وكان الملتزم أشد وطأة من رجال الحكومة في جمع مقدار التلزيم البالغ / 12.63% / من المحصول. لأن هدفه تجسد في الحصول على أكبر كمية ممكنة من الربح وتعويض ما أنفق للرشاوي وغيرها حتى حصل على الالتزام. وقد أدت طريقة التلزيم إلى ظهور طبقة جديدة من صفوف الاقطاعيين وأحيانا الفلاحين الأغنياء كانت تعيش في نعيم نظام الالتزام وما تجنيه من أرباح.
لقد كانت ضريبة الأعشار على الحاصلات أشد الضرائب وطأة على الفلاح. فكثيرا ما زاد المال المجبى من الفلاح ضعفي ما يجب عليه أداؤه أو اكثر وذلك عدا ما يضاف إلى الأعشار من الزوائد للسماسرة والملتزمين وأرباب النفوذ. ووقع في كثير من الأرجاء أن قطع الفلاحون أشجارهم تخلصا من العشر لأن الدولة كانت تتقاضى (تجبي) الأعشار عن الأرض سواء أثمرت أم لم تثمر .
ومع ذكر ضريبة الأعشار لا بد من الإشارة إلى (الخراج) الذي ألغي في / 7 / آيار 1855 و (الخراج) هو مقدار من المال أو الحاصلات فرض على الأرض التي فتحها المسلمون عنوة أو صلحا وبقيت في يد أهلها. وهذه الأراضي كانت تبقى ملكا لهم يتوارثونها وليس لأحد أن يأخذها منهم. ويبقى الخراج متوجبا على هذه الأرض حتى ولو أسلم أهلها .
ولكن التاريخ يعرف أحداثا كثيرة حاول فيها الفلاحون دافعو الخراج أن يحوّلوا أرضهم من أرض خراجية إلى أرض عشرية تدفع العشر وهو أخف وطأة من الخراج. وشهد التاريخ العربي الإسلامي صراعا حادا بين الدولة وفلاحي الخراج، الذين أسلموا وطالبوا بدفع العشر.
وعندما قام الباب العالي بإلغاء الخراج سنة / 1855 / وتحويل الأراضي الخراجية إلى أراض عشرية، تنازلا أمام الدول الغربية وتوسيعا للخدمة العسكرية لكي تشمل المسيحيين، استاء المحافظون من رجال الدين من السماح (للكفار) بالالتحاق في الجيش وبحمل السلاح على أن هؤلاء (الكفار) امتنعوا أنفسهم عن الخدمة في الجيش التركي. وأعفى الباب العالي في آخر المطاف المسيحيين من الخدمة في الجيش، واستبدلها بضريبة خاصة عرفت بـ (البدل العسكري) الذي لم يكن في جوهره إلا خراجا ولكن تحت اسم آخر .
كان من آثار إلغاء الخراج ان الأرض الزراعية أصبحت بمجموعها تدفع العشر، الذي جُبي عن طريق الالتزام ومع أن الالتزام ألغي بموجب قانون / 1839 / واستبدل بمبدأ تولي الموظفين للجباية مباشرة، إلا أن الصعوبات العملية والمالية أدت إلى اعادته سنة 1842 (40).
فضريبة الأعشار. كما نرى، هي من أقدم الضرائب الزراعية، وكانت تستوفى في الأصل عن الأراضي العشرية فقط بنسبة / 10% / من المحصول الزراعي و / 20% / من المحصول الطبيعي. ثم شملت الأراضي الخراجية ابتداء من الجيل التاسع عشر (1855) م وأصبحت نسبتها / 13 و 12% / وزعت كما يلي :
/ 10.5% / الضريبة الأهلية وتعود لصندوق المالية أو للديون العمومية في بعض المناطق التي تذهب إلى جيوب الرأسماليين الأجانب الذين أسهموا أيضا في استثمار الفلاح بهذا الشكل المباشر.
/ 1.5% / لصندوق المنافع يقوم المصرف الزراعي بجبايتها فيحتفظ بالواحد ويدفع النصف لوزارة المعارف. فإذا علمنا أن المصرف الزراعي لم يكن يمنح القروض إلا لأصحاب الأملاك تبين لنا شكل آخر من الاستثمار الاقطاعي للفلاحين يقوم بشكل غير مباشر عن طريق الدولة.
/ 63% / للتجهيزات العسكرية أي لأجهزة القمع أداة الاقطاعية والاستعمار.
قدم لنا يوسف موسى خنشت صورة حية عن كيفية جمع الملتزم لضريبة الأعشار في منطقة القلمون شمال دمشق، ننقلها كما رواها :
بعد أن ينتهي الفلاح من أعمال التذرية التي تلي (الدراس) ويصبح الحب خاليا من النفايات، يأتي ملتزم العشر أو أحد مستخدميه وبيده (الرشيم) وهو قطعة من الخشب حفرت عليها كلمة (يا كريم) أو (يا حافظ) أو (بركة) أو اسم الملتزم.. فإذا ألقاها على القمح ظهرت الكلمة المذكورة مقروءة جليا في القمح والقصد من ذلك ضبط الحنطة ومنع الفلاح من سرقة شيء منها قبل أن يأخذ الملتزم حصته العشرية، وكانت / 12.50% / (الأصح 12.63%) وبعد مدة قد تطول عدة أيام يرجع الملتزم ومعه الكيال الذي يكيل القمح. وعندما ينتهي الكيل أو القسمة يأخذ الملتزم ما يحق له ويلتفت إلى كومة القصل ويمد يده إلى قلبها ويحركها ويقبض منها شيئا وينظر إليه فيرى ما يتخلله من حبوب الحنطة فيطلب حقه منها.
وبعد أن يتفقوا على شيء فيعطونه أكثر مما يستحق تجنبا لشره ولا سيما إذا كان الملتزم أحد المشايخ أو الوجهاء. وبعد ذلك يمكن للفلاح أن ينقل غلاله إلى بيته.
وفي هذه الأثناء أو بعدها يأتي (ناطور) البيادر والناطور العمومي أي الذي يحرس البعل والسقي والبساتين والمزروعات ويأتي الحواط والشاوي. أي ناطور الماء والمنادي الذي يذيع ما يتفق عليه المشايخ في شؤون البلد الخاصة والعامة مثل (ادفعوا مال ميري) أو (لا أحد يروح مشرق يا فلاحين) خوفا من غزوات العربان. فهؤلاء يأخذون أجرتهم السنوية بنسبة ما للفلاح من ساعات الماء أو الفدان.
ثم يأتي اللحام والحداد والنجار والبيطار والسكاف يأخذون حقهم من الحنطة حسب الاتفاق المسبق. ثم الحلاق والحمامي يأخذان حقهما بحسب (الرؤوس).
ثم يأتي بعدهم رجال من قبل الشيخ أي المختار الذي ينتمي الفلاح إليه فيأخذ من البيدر ما يفرض على كل فلاح مثله، بنسبة ماله من الأراضي وهي حصة الشيخ من (المشيخة) أي مرتبة السنوي. وكذلك يأخذ من الشعير لعلف خيل ضيوف البلد..
وأخيرا يتوارد فقراء البلدة والشحاذون من الأعراب والنور وغيرهم من الغرباء فيأخذون (نصيبهم).
*****
  لنترك يوسف الحكيم قاضي التحقيق في اللاذقية (1912-1914) يروي كيف كان يكره الفلاحون على التزام العشر وماذا يحل بهم، كتب الحكيم:
كان استيفاء عشر الحاصلات الزراعية في ذلك العهد قائما على أساس وضع عشر كل قرية بالمزاودة العلنية في موعد الحصاد. فإذا لم يتقدم راغب فيه، بسبب الجدب وغيره، التزمه أهل القرية بالبدل المخمن في السنة السابقة على وجه التكافل والتضامن.
وذات يوم تقدم إلى بعض القرويين بعريضة تتضمن أن ذويهم وعددهم ثلاثون، ملقون في السجن منذ أيام لا كراههم على التزام عشر القرية ببدلها السابق، مع أن الموسم السابق كان خصبا، التزم عشره أصحاب الثروة والنفوذ من ملاك القرى الاقطاعيين، فجنوا من التزامهم أرباحا طائلة. فلا يجوز في سنة الجدب والقحط أن يتحمل فقراء الفلاحين الغرم، بعد أن فاز الأغنياء وحدهم بالغنم.
ولدى سؤال قيادة الدرك عن أمر هؤلاء القرويين المعتقلين، أجابت أن احضارهم من قريتهم واحتجازهم في دار الحكومة، تحت نظارة الضابطة، قد جرى بموجب أمر شفهي أصدره المتصرف، بناء على طلب المحاسب (رئيس المالية في اللواء) فرفعت العريضة إلى المتصرف استوضحه جلية الأمر، فأجابني: أن القضية تتعلق بالمحافظة على مال الدولة، فلا يحق للنيابة العامة التدخل فيها.
فأعدت إليه السؤال مشفوعا بإيضاح المسؤولية القانونية المفروضة على النائب العام، مما يضطرني إلى دخولي السجن وافتقاد حالة السجناء وإطلاق سراح كل سجين لم يصدر بحقه حكم مكتسب القطعية أو مذكرة توقيف صادرة من مرجعها القانوني، ولما بقي سؤالي بدون جواب ذهبت بنفسي إلى المتصرف وكررت عليه قولي، على مسمع من المحاسب، الذي حضر انئذ مجلسنا وأضفت إلى حديثي: ان كان صاحب السعادة في شك من صحة قولي، فليأمر خطيا لا شفهيا ببقاء المتظلمين قيد التوقيف، فترتفع عن عاتقي المسؤولية القانونية في أقل تقدير.
عندئذ أسرع المحاسب إلى الكلام، وكأنه خشي انقياد المتصرف إلى الحقيقة أو اشراكه في اصدار أمر التوقيف الخطي، فقال: اذا سارت الحكومة على رأي النائب العام، خسرت خزانة الدولة الكثير من حقوقها العشرية، فمن أين تأتي حينئذ بنفقات الجيش ورواتب الموظفين، دع عنك الاصلاحات الكثيرة: فأجبته: أن القوانين النافذة ضمنت حق الحكومة وحق الأفراد، فإذا خالفتهما الحكومة، وهي القدوة الصالحة لاحترام القوانين، ولدت في نفوس الأهلين اليأس والعصيان، فتزداد نفقاتها في سبيل حفظ الأمن والنظام.
عندئذ ختم المتصرف المناقشة، واعدا بالإفراج عن الشاكين وابتسم ابتسامة لم تسلم من الشك في صدق صاحبها.
وفي اليوم التالي، وقعت أمرا خطيا إلى الضابطة العدلية ومدير السجن بإطلاق سراح أولئك السجناء القرويين، فامتثلا الأمر بعد أن وردت برقية من دفتر دار الولاية (رئيس ماليتها) إلى المتصرف هذا نصها:
شكواكم من تدخل النائب العام في قضية ضريبة العشر، تدل على أنكم حجزتم في هذا السبيل على الأهلين حريتهم فأوضحوا واقع الحال ولا تأتوا عملا مخالفا للقانون.
وعلى هذا الوجه اتضح للشعب ولمفكريه خاصة أن دوائر المالية نفسها لم تعدم أمناء على شرفها وصيانتها من العبث بالقوانين، وان كان عدد هؤلاء الأمناء قليل جدا لأن الكرام قليل.
ومن الضرائب المباشرة التي ارهقت أيضا كاهل الفلاحين ضريبة (بدل الطريق) وكانت تؤدي بالعمل مدة معينة في إنشاء الطرق العامة ثم أجيز استبدالها بتقديم عدد معين من الحيوانات أو بالتعهد بإنشاء مسافة معينة من الطريق وفقا لأحكام قانون سنة / 1286 / هـ وبعد ذلك صدر قانون سنة / 1332 / هـ الذي فرض دفع مبلغ معين بدلا من العمل وأرغم المكلف على العمل عند الامتناع عن الدفع (43).
ومن الضرائب المباشرة أيضا ضريبة (الويركو) وهي ضريبة فرضت بموجب خط كولخانة / 1839 / م وقسم الويركو إلى قسمين:
1 – ويركو التمتع وفرض على التجار بنسبة تراوحت بين / 30 / إلى / 40 / من الألف من مجموع الربح السنوي.
2 – ويركو الأملاك وبموجب نظام رجب سنة / 1861 / خول أئمة ومختاري القرى توزيع ضريبة الويركر على قراهم ثم تحصيلها ولا يخفى أن عملا كهذا وضع في يد الأئمة والمخاتير سلطة قوية مكنتهم من السيطرة على الفلاحين عن طريق اعفاء هذا الشخص من الضريبة وارهاق غيره حسب سياستهم المحلية التي وضعت في منتصف القرن التاسع عشر، ويمكن أن ندخل في عداد الضرائب المباشرة أيضا ضريبة البدل العسكري أو (الاعانة الجهادية) التي وضعت في منتصف القرن التاسع عشر وطالما أن الخدمة العسكرية في الجيش العثماني كانت شاقة ومرعبة فإن الفلاح كان يبيع الغالي والنفيس من أجل تسديد هذه الضريبة.
ومن أجل التغلب على أزمتها المالية المستعصية نتيجة الديون الأجنبية المتراكمة عليها بسبب الفوائد المركبة، حاولت الحكومة المركزية العثمانية زيادة الضرائب لاسيما على المنتجات الزراعية. وقد رزح الفلاح تحت عبء الضرائب الكثيرة المتزايدة المسلطة على رقاب الشعب ولا سيما الجماهير الكادحة اذ بلغت هذه الضرائب في بعض الأدوار سبعا وتسعين ضريبة ورسما اتبعت في جبايتها أبشع أنواع الشدة والتعسف (40/1).
ولأخذ فكرة عن هذه الضرائب أوضح تلك الضرائب، التي كانت تعصر الفلاح عصرا نقدم فيما يلي لوحة كاملة لميزانية ولاية سورية (دمشق – حمص – حماه – البقاع – حوران – شرق الأردن) حسب أبواب الإيرادات والمصروفات في سنة / 1307 / مالية / 1891 / م، لكي تتوضح الصورة الكاملة لمقدار الضرائب عامة والضرائب الزراعية خاصة، ولكي نرى أيضا أوجه صرف هذه الضرائب المجباة في معظمها من الفلاحين، كما هو واضح في الجدول التالي لميزانية / 1891 /: (40 /2 )
نوع الايرادات قروش
ويركو الأملاك والعقار 10687852
ويركو التمتع 944764
البدل العسكري 1356669
رسم الأغنام 50021779
رسم جمال 515680
رسم حيوانات 305
بدل أعشار (التزام) 10587957
حاصلات الأعشار (أمانة) 100035
رسم غابات وطوابع وأخشاب 22751
رسم معادن 22750
عائدات الأملاك والطابو 364982
ايجارات الأملاك الأميرية 34465
عائدات المحاكم 385576
رسوم متنوعة 446932
حاصلات متفرقة 158628
المجموع 30674625
نوع المصروفات قروش
المحاكم الشرعية 456096
دائرة الداخلية 2222165
دائرة العدلية 858180
دائرة المالية والنافعة 2299843
أسهم متنوعة 486728
حصة الخزينة الشاهانية 459753
الحربية والجيش 11747821
الدرك والشرطة والعساكر 5073389
أفراد البوليس 293236
دائرة الصحة 200000
البحرية 5434106
مصروفات متنوعة 7793452
المجموع 37424769
إذا أنعمنا النظر في جدول الإيرادات يتبين لنا أن ضرائب الأملاك والعقار وبدل الأعشار كانت تؤلف ثلثي ايرادات الولاية في حين شكل رسم الأغنام حوالي السدس. ومعنى ذلك أن الفلاحين هم الذين تحملوا العبء الأكبر من الضرائب المرهقة لكواهلهم. وهذه الضرائب هي في الواقع جزء من الريع الاقطاعي، أي الريع – الضريبة التي جبتها الدولة الاقطاعية "العليا" بصفتها المالك الأعلى للأرض. أما الشكل الآخر للريع الاقطاعي، فهو عبارة عن المبلغ الذي يجبيه الاقطاعي وملاك الأرض من الفلاحين، الذين يعملون في أرضه. وسنتكلم عن هذا الريع بعد قليل.
كما شكلت مصروفات الجيش والبحرية والدرك والعساكر والموظفة / 60% / من مجموع المصروفات ويلي هذه مصروفات المالية والداخلية. ومعنى هذا أن الريع الضريبة المجباة من الفلاحين كانت تذهب بالدرجة الأولى إلى جيوب كبار الموظفين في الدولة الاقطاعية العثمانية.
أما مصروفات الجيش الخامس فلم تتجاوز / 12 / مليونا ويعود ذلك إلى مساهمة ميزانيات بلاد الشام الأخرى كولايتي حلب وبيروت ومتصرفيتي القدس ودير الزور في مصروفات الجيش الخامس.
من هذا الجدول تظهر بوضوح مأساة الفلاحين وغيرهم من القوى المنتجة في المدينة، الذين قدموا القسم الأكبر من الضرائب ولم يحصلوا على أي مردود أو أية فائدة. فباب المصروفات يشير إلى انعدام الخدمات العامة (فيما عدا نسبة ضئيلة جدا للصحة والنافعة) التي تمولها الدولة وعلى الرغم من ضآلة هذه الخدمات فإنها تركزت في المدن لصالح الفئات العليا من السكان. أما الأكثرية الساحقة من الجماهير المسحوقة في الريف والمدينة فلم يكن نصيبها غير الاهمال والحرمان وسوط جابي الضرائب.
ولم تكن مصروفات دائرة الداخلية (2222165) قرشا تنفق من أجل توطيد دعائم الأمن المفقود. بل صرفت من أجل تأمين قوة عسكرية قادرة على إجبار الأهالي على دفع الضرائب وتركهم بعد ذلك فريسة للجهل والمرض والقلق والفوضى والتشليح ونهب الجوار أو البدو. كما أن نفقات أجهزة الادارة كانت تذهب في معظمها للموظفين والمتنفذين.
وقصارى القول فإن مصروفات ولاية دمشق، شأنها شأن سائر ولايات الدولة العثمانية نصف المستعمرة، كانت تذهب سدى لا يجمعها أي جامع مع الخدمات الصحية والتعليمية والثقافية وغيرها الضرورية لحياة القوى المنتجة دافعة الضرائب، التي لا تحصل على شيء مقابل ما تقدمه لدولتها (العلية).
ان ميزانية ولاية سورية هذه تؤكد الحقيقة المعروفة عن جوهر الدولة العثمانية التي تقول أن السلطان المالك الوحيد للأرض كان بحاجة إلى جهاز حكم، بحاجة إلى أعوان مساندين ، ولذا فإن السلطان كان مضطرا لتوزيع فوائض منتجات الأراضي المزروعة على بطانته وجهازه العسكري.
ومعنى ذلك أن (الدولة العلية) (العثمانية) بصفتها مالكة لوسائل الانتاج – الأرض – تمثلت بثلاث فئات هي:
1 – السلطان وحاشيته.
2 – العسكريون التيماريون وغيرهم. وبعد إلغاء التيمار تكونت هذه الفئة من المدنيين والعسكريين، الذين شكلوا قمة السلطة في الولايات من الباشوات والاغوات.
3 – رجال الدين والعلماء. بما فيهم رجال الدين المسيحي. فقد ملك مثلا رجال الدين من الطائفة المارونية على أعتاب الحرب العالمية الأولى أكثر من ربع الأراضي في لبنان وكان لهم أكثر من مئتي دير.
وقد تقاسمت هذه الفئات السلطوية، الريع العقاري وفائض الانتاج فيما بينها. أما الفلاح الذي ألف أكثرية رعايا المجتمع العثماني فلم يكن مالكا للأرض التي يزرعها إلا في النادر بل هو حائز لها.
والواقع اننا ازاء طبقتين رئيسيتين في المجتمع العثماني:
1 – الطبقة المسيطِرة المستثمِرة (السلطان وحاشيته – العسكريون – رجال الدين).
2 – الطبقة المُسيطَر عليها المستثمَرة (الفلاحون) وكذلك الحرفيون والصناع وسائر الفئات المنتجة في المدينة.
واتخذ الاستثمار طابعا جماعيا، أي استثمار طبقة لطبقة، . ولكن ذلك لا يعني انعدام استثمار فرد من الطبقة العليا لفرد من الطبقة الدنيا، بل ان هذا الاستثمار وجد سبيله دائما إلى الحياة.
وما دامت الطبقة المسيطِرة تقيم في المدن بعيدا من الأرياف (بعكس أوروبا الغربية) فإن فائض الانتاج كان يتمركز في المراكز الادارية والعسكرية، مما عرقل التطور اللاحق للأرياف تبعا لعدم تحول فائض الانتاج إلى سلع في مكان منشئه.
وكانت المدن – عمليا – في الاقتصاد العثماني، هي التي تفيد من قسمة العمل على حساب الأرياف. وهذا واقع أساسي كان سببا، من جملة أسباب أخرى للركود الاقتصادي للأرياف العثمانية.
 
 
المتة.. ماهيتها وأماكن انتشارها.. فوائدها وأضرارها
الدمشقيون المسيحيون رواد الفنون والصناعات الدمشقية منذ ألفي سنة
معاصر العنب في "حدتون" وصناعة الدبس
الاقتصاد السوري.. أين كان قبل عام ٢٠١١ وأين أصبح الآن؟
بنغلاديش.. قصة نجاح آخر!
الأعيان والفلاحون في "مقتبس" محمد كرد علي لعام 1910
"أرباب الوجاهة" يستولون على الأرض ويتحولون إلى طبقة إقطاعية "عثمنلية" معادية للتقدم
قمة البريكس الخامسة عشرة والنظام العالمي الجديد
دير الزور وريفها في حديث مع نجار بيتون
حياة عامل في دباغة الجلود ومعمل البلور في دمشق
محمد الجاجة عامل نجارة الميكانيك – حمص
عبد الكريم معلوف النقابي المُتَنَوّر سياسيا في جمص
العمل النقابي في مهنتَيْ النسيج اليدوي والنسيج الآلي - حلب
من عامل مطعم في حلب إلى "قيادي نقابي"
نموذج لعامل ارتقى إلى نقابي مسؤول في عهد البعث- إدلب