كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

قانون الأراضي لعام 1858 وتكوّن طبقة ملاك الأرض (الاقطاعيين) الجدد

د. عبد الله حنا- فينكس

 قبل منتصف القرن التاسع عشر لم تكن تبلورت معالم الأسر الاقطاعية في المدن الرئيسية لبلاد الشام. وكان الشيء البارز في مدن القرن الثامن عشر وأوائل التاسع عشر تحرك عوام المدن ضد الاستغلال الاقطاعي العثماني المتمثل في جمع الضرائب والمصادرات والتعديات المتكررة على الأهالي، وجاءت التغيرات المنوه عنها في منتصف القرن التاسع عشر لتسهم في بداية تغيير معالم المدن وازدياد التمايز الطبقي في داخلها وخمود تحركات العامة مع زوال الباشوات الاقطاعيين وبداية ظهور الدولة الحديثة ذات الملامح البورجوازية.
ومع التطور البطيء لحركة التنوير والنهضة العربية بدأت تظهر بفعل عوامل سنذكرها بعد قليل – في مدن بلاد الشام معالم العائلات، التي سيصبح لها دور في توجيه السياسة المحلية حتى منتصف القرن العشرين وتحديداً حتى سن قانون الاصلاح الزراعي في أواخر الخمسينات.
ولم يكن ظهور وانتعاش وترسخ جذور العوائل الثرية ذات النفوذ والسطوة والجاه حادثاً عرضياً جرى بمحض المضادفة، بل كان وليد التطور والاصلاح المتعثّر، الذي جرى في الدولة العثمانية في القرن التاسع عشر. كما أن تكون طبقة الأسر الاقطاعية تم بفعل عدة عوامل، نوهنا إلى بعضها ونؤكد عليها مرة ثانية وهي: -
1 – اندفاع العلاقات القائمة على تبادل البضائع بالنقود وبداية انحسار الاقتصاد الطبيعي (بضاعة مقابل بضاعة).
2 – ازدياد التبادل بين المدينة والريف، وأجزاء بلاد الشام فيما بينها، وبين بلاد الشام والعالم الخارجي. مما رفع من قيمة المنتجات الزراعية وأثمانها ودفع تلك العائلات لحيازة الأرض وتسجيلها باسمها بَنهم وأساليب رهيبة وشريرة. وكان التكالب على تسجيل الأراضي بأسماء الأسر الصاعدة في طريق جمع الثروة من السمات الأساسية لأجواء المدن في النصف الثاني من القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين.
وجاء قانون الأراضي العثماني لعام – 1858 – ليضفي الصفة الشرعية على الملكية الخاصة الفردية، بعد أن كانت ملكية الدولة للأرض هي القاعدة العامة السائدة. لقد ألغى هذا القانون بصورة شرعية نظام الاقطاعات العسكرية وتبعية الفلاحين لأصحاب "التيمار السباهية" من الفرسان السابقين في الجيش، الذين حصلوا على أراضي التيمار لقاء الخدمة العسكرية في الجيش.
ولكن قانون – 1858 – لم يمنح الأراضي للفلاحين، بل اكتفى بإعطاء مستأجري أراضي الدولة حق شرائها و إلزامهم بدفع مبلغ كبير ثمناً لها. ووسع قانون الأراضي هذا أصناف الأراضي التي أمست ملكاً خاصاً، وساعد على تطوير الملكية الخاصة للأرض وجعلها بضائع متداولة. ومع هذا احتفظ القانون بجملة من القيود المفروضة على استعمال الأراضي، التي كان من شأنها إعاقة المبادرة الاقتصادية.
وبعد صدور قانون الأراضي بقليل صدر في سنة – 1861 – قانون تسجيل الأراضي العثماني "الطابو" لضبط حدود الأراضي وتنظيم جباية ضريبة العشر. وعندها ازداد الصراع العنيف بين القوى الاجتماعية على امتلاك الأرض وكانت الغلبة طبعا لأصحاب النفوذ:
السياسي والديني والعسكري.
ففي ظل سيطرة الدولة العثمانية الاقطاعية الشرقية. فُسّر قانون الأراضي وطبق في صالح "أولي الأمر" من مختلف المراتب والدرجات، ومن في يدهم مفاتيح تسجيل هذه الأراضي في دوائر الدولة العقارية، أو من يملكون الثروة مقدماً، وبإمكانهم رشوة الحكام وتسجيل الأرض أو شرائها اسماً وبأسعار بخسة.
ويذكر أحمد وصفي زكريا سبب انتقال ملكية قرى المرج وبعض قرى الغوطة الشرقية إلى أغنياء دمشق وتجارها ومتنفذيها، أي أرباب الوجاهة، بسبب هجمات البدو وتشدد ملتزمي بدلات الأعشار ورجال الجباية في القرن التاسع عشر مما أجبر الفلاحين الفقراء في الغوطة الشرقية إلى اللجوء لحمى أعيان دمشق ومتنفذيها يبيعونهم قريتهم كلها أو جلها بأثمان بخسة.
وكنا ذكرنا في فصل أشكال الملكية ما كتبه كرد علي من أساليب استخدمتها الأسر الغنية والمتنفذة للاستيلاء على الأراضي بعد الشروع في الطابو عام 1884. وقد انتقلت من جراء ذلك أكثر قرى هذه الناحية إلى أيدي بعض الأسر الدمشقية أمثال:
آل اليوسف والعظم والعابد والجزائري والأيبش والموره لي والبارودي والدالاتي والكيلاني والعجلاني والصمادي والعاني والأيوبي والقوتلي والصواف والجلاد والشلاح والخياط والمملوك ونصري ومردم وقصاب باشي وغيرهم . وكثيراً ما كانت تنتقل ملكية.. الأرض بين فترة وأخرى من أسرة إلى أسرة، أو من فرد إلى فرد تقاسماً أو توارثاً أو شراء، وبذلك صار أهل الغوطة الشرقية أجراء ومزارعين لدى الملاكين في دمشق بعد أن كانوا سادة أراضيهم.
لقد أثار نظام تسجيل الأراضي المبني على سندات الملكية ورسوم التسجيل والاحصاء فزع الفلاحين وتخوفهم وظنوا أنه وضع لتسهيل عملية جباية الضرائب وأخذ الفلاحين إلى الخدمة العسكرية. فالفلاحون لم يعتادوا أن يروا في اجراءات "الدولة العلية" إلّا ابتزاز الأموال وفرض الضرائب ونهب الخيرات ولم يدركوا – وهذا أمر طبيعي – أن الاجراءات الجديدة يمكن أن تساعدهم في الحصول على ملكية الأرض. ولكن وبسبب ضعف التيار البورجوازي الليبرالي في الدولة العثمانية وبسبب تبعثر الفلاحين وتعبهم وجهلهم، لم يدركوا الجوانب الايجابية في قانون الأراضي الجديد وذيله قانون تسجيل الأرض (الطابو).
خلال الثورات البورجوازية في أوروبا تحالفت الرأسمالية الصاعدة في المدينة مع الفلاحين لهدم بنيان النظام الاقطاعي السائد. وفي البلقان الخاضع كالمشرق العربي للسيطرة العثمانية بدأ النهوض القومي في النصف الأول من القرن التاسع عشر، في حين تأخر عصر النهضة العربية إلى النصف الثاني من القرن التاسع عشر. ولاسباب كثيرة سرعان ما تطورت النهضة القومية في البلقان – بلغاريا مثلاً – إلى ثورة وطنية تحررية ذات محتوى اجتماعي مناهض للنظام الاقطاعي العثماني. وهذه الثورة حملت بين جنباتها آمال الثورة البورجوازية في بلد لم تنضج فيه بعد العلاقات الاقتصادية – الرأسمالية. وقد أدى تحرر بلغاريا من النير العثماني على أثر الحرب الروسية التركية 1877 – 1878 إلى قيام الفلاحين البلغار بالاستيلاء على أراضي الملاك الأتراك الأجانب وتوزيعها فيما بينهم. وأخذت بلغاريا تشق طريقها عبر تغيرات اقتصادية اجتماعية ذات صيغة بورجوازية.
أما في مشرق الوطن العربي الخاضع للدولة العثمانية فإن الثورات الفلاحية التي حدثت في القرن التاسع عشر اقتصرت على مناطق معينة – خارج أراضي الميري -. وعلى مجموعات سكانية معينة وهذه الثورات الفلاحية كانت معزولة عن المدينة بسبب ضعف التطور البورجوازي في المدينة. وبُعد بلاد الشام عن أعاصير الثورات البورجوازية كما كان الحال في البلقان.
وفي رأينا إن قومة حلب عام – 1854 – سرعان ما تحولت إلى قوة لضرب التطور البورجوازي في مدينة حلب. والظاهرة نفسها نجدها في الأحداث الطائفية التي عرفتها مدينة دمشق عام 1860 إلى درجة تدفعنا إلى القول أن مثيري الأحداث الطائفية في الجهاز العثماني الحاكم سعوا إلى تنظيم ثورة مضادة للتطور البورجوازي الضعيف والمحصور أصلاً في تجمعات سكانية معينة. ولهذا فإن نسبة القوى الاجتماعية في القرن التاسع عشر ووضع السلطة في الدولة العثمانية لم يكن يسمح بالانتقال من العلاقات الاقطاعية الى العلاقات الرأسمالية أو على الأقل إلى علاقات تسود فيها الملكية الصغيرة في الريف وبخاصة في أراضي الميري.
والاصلاحات العثمانية ذات الطبيعة البورجوازية الليبرالية لم تؤد إلى الانتقال من نمط الانتاج الاقطاعي الشرقي إلى نمط لانتاج رأسمالي معين. بل أن التغير جرى على صورة الانتقال من أحد نماذج العلاقات الاقطاعية العثمانية، التي ذكرناها سابقا في الحديث عن أراضي الميري، الى شكل جديد لتلك الاقطاعية العثمانية يتناسب مع الضغوط العالمية في عصر انتقال البشرية من الاقطاعية الى الرأسمالية ويعبر داخلياً عن مستوى تطور القوى المنتجة المتمثلة في ضعف التطور الرأسمالي وتخلف القوى المنتجة.
وهكذا وبسبب تلك العوامل الخارجية والداخلية جرى الانتقال من أحد أشكال الاقطاعية العثمانية "التيمار، الالتزام، المالكانة" إلى شكل آخر للاقطاعية العثمانية أكثر "تطوراً" وأكثر تلاؤماً مع الأوضاع الداخلية والخارجية المستجدة في القرن التاسع عشر. هذا الانتقال عبر عنه قانون "الأراضي" لعام / 1858 /، الذي جعل تطور العلاقات الاقطاعية الجديدة في حضن نمو الرأسمالية الهامشية والتابعة للغرب الاستعماري ممكناً بصياغة قواعد الملكية الاقطاعية الجديدة وفق مصطلحات اسلامية.
وقد ذكرنا في فصل (أشكال الملكية) أنواع التملك وهي:
أراضي الملك، أراضي الميري، أراضي الوقف، الأراضي المتروكة أو الموات.
وكانت نسبة القوى الاجتماعية وبالتالي السياسة هي التي تحدد عملية انتقال الأرض من شكل لآخر. وعموما كان الاتجاه يسير نحو تقلص أراضي الميري لحساب أراضي الملك، التي تجمعت في أيدي فئة قليلة من الخاصة، والعناصر المتنفذة، التي شكلت الطبقة الاقطاعية في أواخر القرن التاسع عشر ومستهل القرن العشرين.
واستطاعت القوى المتنفذة في مراكز ولايات بلاد الشام وفي مدنها الرئيسية ان تستغل جهل الفلاحين من جهة وتخوفهم من قضية التسجيل، التي ستؤدي إلى مزيد من الضرائب وإلى السوق إلى الخدمة العسكرية، لتقوم بتسجيل مساحات واسعة من الأراضي باسمها. وبسبب صعوبة طرق المواصلات وعدم توفر المال اللازم لدفع رسوم التسجيل – لم يتحرك الفلاح للقيام بهذه العملية التي تكلفه نفقات السفر ورشوة الجهاز الاداري ودفع الرسوم الباهظة بالنسبة لمورده.
وعندما لم يستطع الفلاح تسجيل الأرض التي يعمل بها، فإن مجلس القضاء (المحلي) أو مجلس الولاية سرعان ما كان ينظم عملية مزاودة شكلية لبيع هذه الأرض. والنتيجة أن المزاد (الشكلي) كان يرسو على أحد أعضاء المجلس أو على من هم على صلة مالية أو رحمية بذلك المجلس. وكثيرا ما كان مجلس الولاية أو مجلس القضاء يقيم مزادات بسبب مخالفة قانون الأراضي. وكان من أكثر المخالفات الشائعة تقصير الفلاح في زراعة أرضه خلال ثلاث سنوات متعاقبة، بسبب عجزه عن شراء البذور أو أدوات الفلاحة، فتفرض عليه غرامة على شكل ضريبة اضافية على الأرض أو على شكل رسم تسجيل. وكان من الطبيعي أن الفلاح الفقير كان يفقد ارضه، فتدخل في المزاد وتنتقل إلى أصحاب النفوذ والسلطة والثروة.
ومع أن البنك الزراعي العثماني، المؤسس عام /1888/ كان له فروع في بيروت وحلب ودمشق وقام بإدانة الفلاحين، فإنه لم يؤد إلى تثبيت ملكية الفلاح. فقد بلغ في عام /1912/ عدد الدائنين /70647/ شخصاً استدانوا مبلغ /58708048/ ليرة. أي حوالي /13/ مليون فرنك يذهب معظمها لمستأجري الأراضي الصغار والمتوسطين. ومع أن فوائد البنك الزراعي كانت أقل من فوائد المرابين. فان نحو / 15-30 / بالمئة من الدائنين صودرت حسب تقدير الاقتصادي الألماني الذي عاش في بلاد الشام في تلك الحقبة – أملاكهم وطرحت في المزاد العلني بسبب عدم تمكنهم من دفع ما استدانه.
ومن الأمور المألوفة آنذاك انتقال ملكية هذه الأرض إلى من باستطاعته دفع المال أو تنظيم عملية المزاد بصورة شكلية.
يتضح مما تقدم أن تسجيل الأراضي الزراعية بعد / 1858 / لم يتم في صالح الفلاحين المعدمين والفقراء والمتوسطين، بل تم في صالح أغنياء الريف في حدود ضيقة، وفي صالح أثرياء المدينة وزعمائها وكبار الموظفين والضباط. ممن سماهم كرد علي "أرباب الوجاهة" .
وهذا التملك الجديد للأراضي، وما تدره من أرباح وثروة أحدث خللاً في التوازنات الاجتماعية والسياسية والأسرية، وخلق قوى جديدة صعدت السلم الاجتماعي من الفئات الوسطى، مع ترسخ أقدام الأسر القديمة ذات النفوذ الديني التي امتلكت الأوقاف، أو التي كانت من أصحاب المالكانات.
الحلقة القادمة: عوامل مساعِدة لتكوّن وترسّخ أسر كبار الملاك
*****
عوامل مساعِدة لتكوّن وترسّخ أسر كبار الملاك:
في النصف الثاني من القرن التاسع عشر فقد رجال الدين احتكارهم السابق للثقافة والتربية. وظهرت المدارس العلمانية المتأثرة بالثقافة البورجوازية الغربية. ومدارس ذلك العصر كانت نوعين لهما أثرهما في تخريج الكوادر للدولة وللحياة الاقتصادية، وبالتالي في خلق مراكز قوى سياسية جديدة. هذان النوعان من المدارس هما:
أ – مدارس الدولة العثمانية، التي خرجت الكوادر المدنية والعسكرية. وهذه الكوادر كانت على درجات من النفوذ والمراتب العليا منها تمكنت بواسطتها أيضاً من الاثراء عن طريق سرقة أموال الدولة والرشوة وتسجيل الأراضي باسمها بمختلف السبل.
ب – مدارس البعثات التبشيرية، التي كانت أكثر حداثة وعقلانية وخرّجت الكوادر، التي نشطت في الأعمال الاقتصادية والعمل مع البعثات الدبلوماسية (معظم هؤلاء من المثقفين المسيحيين) وهذه الكوادر كونت بذور التفكير البورجوازي، وأسهم بعضها في حركة النهضة العربية.. وإلى جانب هؤلاء في المدارس التبشيرية بعض أبناء الأسر الثرية المسلمة وعدد من أبناء كبار موظفي الدولة العثمانية. وقد لمع عدد من خريجي هذه المدارس في كوادر الدولة مثل أحمد عزت باشا العابد السكرتير الخاص للسلطان عبد الحميد، الذي تحول إلى أحد كبار الملاك والاثرياء المعروفين، واشترك قسم آخر بنشاط في الحركة الوطنية العربية مثل الدكتور عبد الرحمن الشهبندر الزعيم المرموق للحركة الوطنية في سورية في العشرينات والثلاثينات.
كان التزاوج بين الأسر القوية طريقاً لتحقيق أحلاف جديدة ومراكز قوى جديدة. فالتزاوج كان يجري مبدئياً ضمن أفراد الأسرة للمحافظة على ارثها وعدم تشتت أملاكها. ولكن التزاوج القائم على أساس عقد التحالفات أمسى أيضا ظاهرة بارزة بين الأسر الكبيرة، الدينية وغير الدينية ومع ملاحظة أن الأسر الدينية كانت تتردد في مصاهرة العائلات الأخرى القديمة الثراء أو الحديثة حفاظاً على سمعتها و"دينها".
ومن جهة أخرى كان التجار الأغنياء يسعون إلى الارتقاء من خلال مصاهرة العائلات القديمة السياسية الغنية ذات النفوذ. وذلك ليتمكنوا عن هذا الطريق من تسيير أمور تجارتهم على أحسن سبيل. فالسياسة والاقتصاد صنوان لا يفترقان وان ظهرا شكلاً أنهما بعيدان عن بعضهما في بعض الأحيان. كما لوحظ اتجاه واضح للزواج من بنات العائلات "الاستمبولية" الرفيعة ذات النفوذ والباع الطويل في التوظيف ومنح الالقاب وكسب الجاه أو المزيد منه. وباتت صالونات قصور العائلات الكبيرة هذه تستخدم اللغة التركية إلى جانب العربية، وأخذت الأيديولوجية الاقطاعية العثمانية تترسخ أكثر فأكثر في أوساط تلك الطبقة.
***
ان دراسة تاريخ صعود الأسر الدمشقية إلى قمة السلطة السياسية المحلية والعثمانية تبين تفاعل عملية ديالكتيكية تلقي الأضواء على ترابط الاقتصاد بالسياسة. فالوصول إلى المناصب الادارية الرفيعة وسيلة لتسجيل الأرض بأسماء هؤلاء الموظفين وضمان الثروة وما تقدمه من جاه ونفوذ وسطوة وارتقاء إلى أعلى السلم الاجتماعي الاقطاعي الشرقي العثماني.. واحتلال المراكز الهامة في المؤسسات الدينية تمكن أصحابها من ادارة الأوقاف والوصول عن هذا الطريق إلى تسجيل الأراضي والأملاك وحيازة الثروة والنفوذ القديم التقليدي للعائلات شبه العسكرية (بقايا الانكشارية المحلية) يمكنها من السيطرة على طرق التجارة ومن تسجيل الأراضي وتوسيع رقعة سيطرتها ورهبتها وتحقيق الأرباح التجارية تدفع بأصحابها إلى شراء الأراضي ورشوة الحكام وتسجيل الأراضي بأسعار زهيدة.
وهكذا فالجاه والثروة والمنصب والمقام الاجتماعي تجلب منفردة أو مجتمعة "الخير" والأرض المسجلة في دوائر الطابو، وهذه الأرض الواسعة الشاسعة تغل عليهم واردات وثروة جديدة يستخدمونها لرفاهم أو لزيادة ثروتهم والمحافظة على مناصبهم ورشوة السطات العثمانية وشراء المناصب لأفراد الأسرة الشباب، ودفع الرشاوى للمحافظة على المناصب الوراثية للأسرة، وشراء عقارات جديدة ونهب أراض جديدة وثروة جديدة، وهكذا دواليك.
تلك هي سنّة ذلك النظام الطبقي الاقطاعي العثماني، وسنّة كل نظام يستثمر الانسان فيه أخاه الانسان فالثروات تصب في جبوب الاقلية والبؤس يعم ويخيم على الأكثرية...
وللحفاظ على نفوذ تلك العائلات الثرية، قديماً أو حديثاً، كانت الأراضي تسجل باسم العائلة كوحدة متماسكة وليس باسم فرد من أفرادها. ومن أجل حماية الأراضي كانت العائلة تفضل أن تضع قسما من أملاكها على شكل وقف أهلي يكلف عميد الأسرة بمهمة ادارته وتوزيع أرباحه على أفراد الأسرة. وكانت هذه العملية تدفع الأسرة الغنية إلى التماسك والتضامن والدفاع عن بعضها مادام ثمة رابطة اقتصادية مصلحية تجمعهم، وتزداد هذه الرابطة توثقاً بالتزاوج ضمن أفراد الأسرة بين أبناء وبنات العم للمحافظة على إرث الأسرة من التجزئة والتشتت.
من جهة أخرى نجد أن عددا من الأسر خارج نطاق المدينة تمكنت من تملك أراضي الميري، مستغلة ضعف الدولة وحاجتها إلى قوى عسكرية تحمي طريق الحج وتمنع البدو من مهاجمة قوافل الحجاج كما كان يحدث دائما(13). ومن هذه الأسر آل سويدان، الذين استقروا في حسية جنوبي حمص وكان جد العائلة الآغا ابراهيم سويدان متسلماً على حمص وتمكن في عام /1100/ هـ من امتلاك قرية حسية وتولى مع أحفاده محافظة البادية وحماية طريق حمص تدمر وطريق حمص جبل قلمون حتى أبواب دمشق، وأمسى آل سويدان من كبار ملاك الأرض في جنوبي حمص. وعلى منوال آل سويدان برز أغوات جيرود (آل حديشان الجندل)، الذين كلفوا بحماية طريق دمشق تدمر. كما ظهر الأغوات الدنادشة (آل دندش) في تلكلخ، الذين كلفوا بحماية طريق حمص – طرابلس منذ القرن الثاني عشر هجري.
المتة.. ماهيتها وأماكن انتشارها.. فوائدها وأضرارها
الدمشقيون المسيحيون رواد الفنون والصناعات الدمشقية منذ ألفي سنة
معاصر العنب في "حدتون" وصناعة الدبس
الاقتصاد السوري.. أين كان قبل عام ٢٠١١ وأين أصبح الآن؟
بنغلاديش.. قصة نجاح آخر!
الأعيان والفلاحون في "مقتبس" محمد كرد علي لعام 1910
"أرباب الوجاهة" يستولون على الأرض ويتحولون إلى طبقة إقطاعية "عثمنلية" معادية للتقدم
قمة البريكس الخامسة عشرة والنظام العالمي الجديد
دير الزور وريفها في حديث مع نجار بيتون
حياة عامل في دباغة الجلود ومعمل البلور في دمشق
محمد الجاجة عامل نجارة الميكانيك – حمص
عبد الكريم معلوف النقابي المُتَنَوّر سياسيا في جمص
العمل النقابي في مهنتَيْ النسيج اليدوي والنسيج الآلي - حلب
من عامل مطعم في حلب إلى "قيادي نقابي"
نموذج لعامل ارتقى إلى نقابي مسؤول في عهد البعث- إدلب