كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

مروان حبش: قرارات التأميم.. (بترول العرب للعرب).. الدولة البعثية هي التي تقود النشاط الاقتصادي وتنميه

الدولة البعثية الحقيقية هي التي تقود النشاط الاقتصادي وتنميه وتحافظ على الثروات الوطنية.

           

كانت الاشتراكية إحدى الأسس التي قامت عليها ثورة الثامن من آذار، وانطلاقا من ذلك صدرت خلال السنوات الثماني الأولى من عمرها مراسيم تأميم شملت القطاعات المصرفية والصناعية والاستخراجية (النفط وغيره من الثروات المعدنية) والتجارة الخارجية، بهدف تحقيق قطاع عام رائد يقود الاقتصاد الوطني، ويرفد خطط التنمية، ويقلل من استغلال رأس المال للأيدي العاملة، والتدخل في الشأن السياسي والقرار الاقتصادي.

أكدت الدساتير الثلاثة التي صدرت بعد الثورة ضرورة ملكية الدولة لقطاع عام، حيث نصت المادة الأولى من الدستور المؤقت لعام 1964على أن «القطر السوري ٍجمهورية ديمقراطية شعبية اشتراكية، ونصت الفقرة الأولى من المادة 25 بأن «ملكية الدولة تتمثل بالقطاع العام الذي يتحمل المسؤولية الكبرى في خطة التنمية ويملك المرافق العامة ووسائل النقل الكبرى ووسائل الإنتاج المتعلقة بالحاجات الأساسية للشعب».

وأكدت الفقرة 1 من المادة 12 من الدستور المؤقت لعام 1969 على أن «الاقتصاد في الدولة، اقتصاد اشتراكي مخطط، حيث تنتفي معه جميع أشكال الاستغلال». ونصَّت الفقرة الأولى من المادة 13 على «ملكية الشعب، وتشمل جميع الممتلكات والثروات العائدة للمجتمع، كالثروات الطبيعية والمرافق المنشأة من قبل الدولة، والمؤسسات المؤممة وتتولى الدولة استثمارها والإشراف على إدارتها لصالح مجموع الشعب». واليوم ما زلنا نعيش في ظل الدستور الدائم لعام 1973(*) الذي ينصُّ في الفقرة الأولى من المادة 13 على أن «الاقتصاد في الدولة اقتصاد اشتراكي مخطط يهدف إلى القضاء على جميع أشكال الاستغلال»، وينصُّ على ملكية الشعب: وتشمل الثروات الطبيعية والمرافق العامة والمنشآت والمؤسسات المؤممة، أو التي تقيمها الدولة وتتولى الدولة استثمارها والإشراف على إدارتها لصالح مجموع الشعب. ورغم أننا ما زلنا نعيش في ظل الدستور الدائم، نسمع أصواتاً يسارية، من بعثيين وغيرهم، تنادي بالخصخصة للقطاع العام، أو إعطاء إدارته لشركات خاصة، كما أن الحال قد وصلت بالقطاع العام إلى الإهمال والفساد وأصبح لا شأن له في لعب الدور القيادي.

من أجل معرفة ما كان قادة البعث والثورة يطمحون في الوصول إليه بالمجال الاقتصادي، ولماذا أقدموا على تأميم واسع شمل العديد من المجالات، ومدى جديتهم في الممارسة من أجل انسجام ممارستهم مع المواد الواردة في الدساتير المذكورة، كانت الأسئلة التالية:

   التأميم بعد الثورة

س- ينتقد بعض اليساريين ومن بينهم بعض البعثيين، أيضا، قرارات التأميم التي صدرت إبّان فترة الوحدة وبعد الثامن من آذار 1963، ومن بين هؤلاء من يطالب بالخصخصة، ما هي الدوافع التي أدت بقيادة الحزب والحكومة إلى إصدار قرارات التأميم؟

   ليس التأميم، أي نقل ملكية بعض المنشآت أو المشاريع العامة، أمراً تختص به أنظمة الحكم الاشتراكية، بل تلجأ إليه الدول ذات النظام الرأسمالي، أيضا، مع اختلاف الدوافع أو الفلسفة الكامنة خلف هذا الموضوع.

إن التأميم في المفهوم الرأسمالي، وإن انصبّ على بعض المرافق العامة الأساسية وبعض أوجه النشاط الاقتصادي، ليس من أهدافه إحداث تغيير في العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وإن دافعه (التأميم)، إما للحد من انتشار الأفكار الاشتراكية أو للتخلص من وطأة الأزمات والمتاعب التي تواجهه، أحياناً، وكذلك فإن المشاريع العامة التي تنشئها الدولة ذات النظام الرأسمالي تكون نتيجة لعزوف الرأسمال الخاص عنها.

فالولايات المتحدة الأميركية، الدولة الأكثر ليبرالية اقتصادية والأكثر بعداً عن التدخل في الشأن الاقتصادي، أنشأت عام 1936في عهد الرئيس روزفلت مشروع وادي التينسي بإقامة السدود عليه لضبط مجراه، وتنظيم الملاحة فيه، وإنتاج الطاقة الكهربائية منه وتوزيعها وبيعها، وإصلاح الزراعة في الأراضي التي تحاذي النهر.

   كما أن الرئيس جون كندي هدد بتأميم القطاع الأهم في الصناعة الأميركية، وهو قطاع صناعة الحديد والصلب، وذلك عندما حاول مالكو هذا القطاع رفع أسعار منتجاتهم وتوجيه السياسة العامة لصالحهم.

   أما في بريطانيا العظمى، فقد لجأ حزب العمال عند استلامه السلطة بعد الحرب العالمية الثانية إلى تأميم بعض المشاريع المهمة في مجال الخدمات ومشاريع إنتاجية واستهلاكية كالمناجم والمواصلات والكهرباء والماء.... وتدخلت الدولة في خفض سعر الخدمة وتحسين شروط تقديمها للجمهور.

ونصت الفقرة التاسعة من مقدمة الدستور الفرنسي الصادر عام 1946:على أن «كل مشروع يتميز بصفة المرفق العام، أو يتمتع باحتكار فعلي يجب أن تؤول ملكيته للأمة».

وفي المادة 24 من الدستور السوري لعام 1950 ما نصه: «للدولة أن تؤمم بقانون كل مؤسسة أو مشروع يتعلق بالمصلحة العامة مقابل تعويض».

   نقلت الدولة السورية، منذ فجر الاستقلال، ملكية الخطوط الحديدية والبرق والبريد والهاتف إليها، وصدر في عام 1951، قانون بتأميم شركات الكهرباء وشركات المياه والنقل المشترك بالحافلات.

إن ذلك التأميم في سورية قد كان في السياق نفسه للتأميم في الدول ذات النظام الرأسمالي، أما التأميم الذي حدث في فترة الوحدة كان في سياق المفهوم الاشتراكي الذي ينطلق من فلسفة تقضي إجراء تغيرات جذرية في العلاقات الاقتصادية والتركيب الطبقي وتوسيع القطاع العام، ليكون له الدور القيادي في خطط التنمية الاقتصادية، ومن هذا المنطلق صدرت، خلال فترة الوحدة قوانين تأميم للمشاريع الأجنبية كالمصارف وشركات التأمين والمشاريع الوطنية الكبيرة ذات الأهمية الخاصة للاقتصاد الوطني.

حدثت ردة فعل على التـأميم في فترة الانفصال، وصدرت المراسيم التي تقضي بإلغائه، ولكن سرعان ما تراجعت الحكومات عن بعض قراراتها نتيجة للمواقف السياسية للأحزاب المعارضة وعلى رأسها حزب البعث، إذ قام القادة العمال من بعثيين وناصريين بقيادة العمال لإضرابات أدت إلى اشتباكات مع قوى الأمن، ولم تنته تلك الإضرابات إلا بعد أن أعيد تأميم بعض الشركات، إذ أعيد تأميم الشركة الخماسية والمطاحن، والمصارف الأجنبية، تأميما كاملاً، وأعيد تأميم المصارف العربية تأميماً جزئياً.

  

مفهوم البعث لدور الدولة في النشاط الاقتصادي

   بعد ثورة الثامن من آذار، واستلام الحزب للسلطة، كان لا بد له، كحزب اشتراكي، من أن يطبق فلسفته ومفهومه لدور الدولة في النشاط الاقتصادي.

   إن للدولة، حسب مفهوم البعث، دوراً يقوم على فلسفة اجتماعية واقتصادية، ويرتكز إلى أسس علمية، وخطط اقتصادية ملائمة لتطور المجتمع، وتهدف منطلقات الحزب الاشتراكية، كما حددتها منطلقاته النظرية، إلى إزالة الاستغلال وتحقيق العدالة الاجتماعية وتحقيق اقتصاد وطني هدفه الرفاه للشعب وتأمين مستقبل للأجيال الوافدة التي يجب أن تجد مكاناً لها في سوق العمل.

   وعلى الدولة، من منظور البعث، أن تنزل إلى ميدان الحياة الاقتصادية وتعمل على تنسيق التعاون بين رأس المال العام ورأس المال المشترك ورأس المال الخاص لتحقيق المؤشرات التي تهدف الخطط الاقتصادية الوصول إليها.

   إن دور الدولة، إذاً، لا يرتكز إلى الفكرة التي ترى أن دورها الاقتصادي يقتصر على القيام ببعض الخدمات العامة وتحقيق العدالة بين المواطنين عن طريق توزيع مداخيل الموازنة والسياسة الضريبية.

   من هذه الرؤية كان على الدولة _وسورية دولة نامية لا طريق لتطورها إلا بالتخطيط الاشتراكي_ أن توجه النشاط الاقتصادي نحو المشاريع الحيوية الضرورية وتراقبه حتى لا ينحرف عن الأهداف المرسومة له في الخطط، وحتى لا يقضي على عنصر العمل أو يستغله، وحتى يبتعد عن الارتجال والأعمال والمشاريع المتفرقة التي لا رابط بينها ولا هدف لها إلا الربح السريع.

   إن التخطيط في مفهوم البعث، وكما هو معروف، هو الأداة التنظيمية والتوجيهية والتنسيقية لمجابهةالمشكلات والتطورات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المترابطة والمتشابكة والمتفاعلة معاً في المجتمع، وهو، أيضاً، تعبئة طاقات ومقومات المجتمع لبلوغ أهدافٍ عقد المجتمع عزمه على بلوغها بإرادته المستمرة.

والتخطيط في النظام الاشتراكي، خاصة، يتصف بالشمول لأنه يربط كل أوجه النشاط الاقتصادي لبلد معين بعضها ببعض، وهذا يوجب أن تتركز في يد الدولة تحديد معدلات النمو في كل جانب، لضمان عملية التقدم ولتفادي وجود اختناقات.

ولكي يصبح التخطيط الشامل أمراً ممكناً يحقق المؤشرات التي يهدف إليها، ويستطيع تخطيط الإنتاج تخطيطاً دقيقاً، ويحرك موارده الاقتصادية نحو استخدامات اقتصادية واجتماعية لتحقيق التنمية الاقتصادية، لا بد من وجود قطاع عام يملكه المجتمع وتديره الدولة، ويرفد عملية التنمية الاقتصادية ويوفر الموارد المالية لتمويل إنشاء مشاريع التنمية الحيوية وتسريعها، ويَحِدُ من قوانين السوق قدر الإمكان لإنجاح عملية تنفيذ الخطط، وينهي الركائز السياسية للقوى الرأسمالية، ويحرر صغار التجار من براثن الكبار، ويحقق أهداف التنمية المستدامة.

والقطاع العام يتكون من مصدرين، التأميم لمنشآت قائمة، وإنشاء مشاريع جديدة، والقطاع العام، الذي يعني ملكية الشعب لوسائل الإنتاج وسيطرته عليها، يعطي للدولة دورها في توجيه حركة المجتمع الاقتصادية نحو تحقيق أهداف التنمية الاقتصادية، كما أنه يعتبر، وفق المفهوم الاشتراكي، الدعامة الأولى التي تستند إليها بقية الدعائم التي تساهم في بناء الاشتراكية.

من هذا المنطلق، كان التأميم بعد ثورة الثامن من آذار، أي أنه ليس ردة فعل، أو انتقاماً من أصحاب المشاريع، وهو ليس غاية بحد ذاته، بل وسيلة أساسية للسير نحو الاشتراكية، وهو في الوقت نفسه يبطل استغلال رأس المال للعمال، كما يبطل دوره في الشأن السياسي للدولة.

س _ ماذا حلّ بأصحاب الشركات والمصانع والمساهمين فيها عندما أممت المنشآت الصناعية؟

هرّب الرأسماليون أموالهم للخارج في فترة الوحدة، ولم يعيدوا إدخالها إلى الوطن في فترة الانفصال، واستغلوا أموال المصارف المؤممة، أي أموال الدولة، لنشاطهم الاقتصادي، كما أن البعض منهم أنشأ مشاريع وهمية أو سجّل مشاريع صغيرة جداً بأنها مشاريع كبيرة برأسمالها وبعدد عمالها ليستجر من المصارف قروضاً كبيرة.

هكذا كان واقع الحال حين قامت ثورة آذار، كما أن هؤلاء الرأسماليين من تجار وصناع، وبتحالفهم مع بعض الأصوليين من رجال الدين وباستغلالهم لصغار التجار والكسبة، عمدوا، وفي أكثر من مدينة، إلى استثمار قوتهم الاقتصادية لمنع الثورة من المضي نحو أهدافها، أي عمدوا إلى استغلال رأس المال للتأثير على القرار السياسي.

بعد ثورة الثامن من آذار، أعيد تأميم ما كان مؤمماً في فترة الوحدة، إذ أممت تأميماً كاملاً جميع المصارف العاملة في سورية والشركات الصناعية الكبرى، وخاصة في قطاع الغزل والنسيج، وأممت تأميماً جزئياً بعض الشركات الأصغر.

وفي تاريخ 2/1/1965، أي، مع البدء بوضع مؤشرات الخطة الخمسية الثانية 1966- 1970، صدرت قرارات تأميم كامل لبعض الشركات، وتأميم جزئي للشركات المتوسطة.

وصدر في شهر شباط من العام ذاته مرسوماً تشريعياً، وبموجبه، حصرت الدولة بيدها تجارة الاستيراد والتصدير.

وبموجب المرسوم التشريعي 35 تاريخ 18 شباط 1965، أممت حوالى 40 مؤسسة من مؤسسات استيراد الأدوية.

وساهمت الدولة بتوزيع وبيع المواد للمواطنين بالمفرق و بسعر تشجيعي، وكسر احتكار التجار بفرض الأسعار، وكان ذلك بإحداث المؤسسة العامة الاستهلاكية بتاريخ 1/3/1965.

وفي 14/3/ 1965صدر مرسوم تشريعي يقضي بتأميم جميع شركات المحروقات والزيوت الأجنبية والوطنية العاملة في سورية، وكذلك، أُممت محالج الأقطان، وأنشئت مؤسسة عامة لحلج وتسويق القطن السوري.

   وفي 1970 صدر مرسوم بالتأميم الكامل لكل الشركات المؤممة جزئياً، وهذا التأميم يتزامن مع البدء بوضع مؤشرات الخطة الخمسية الثالثة للأعوام 1971- 1975.

لقد قام التأميم الذي بدأ في2/1/1965، على أساسين، الأول: رأسمال المنشأة، والثاني: عدد عمال المنشأة، كما هو مسجل في سجلات وزارتي الصناعة والاقتصاد، ولكن احتيال بعض الصناعيين وتواطؤ بعض المسؤولين معهم للحصول على قروض، شمل التأميم منشآت لم تتوفر فيها الأسس التي اتُخذت للتأميم، ولقد أعيدت تلك المنشآت إلى أصحابها بعد استثنائها من مراسيم التأميم.

س _ من المعروف أن الثورة صادرت، أيضاً، بعض المخازن في مدينة دمشق، ما أسباب ذلك؟

بعد صدور قرارات التأميم، عمد بعض المتنفذين المعادين للثورة طبقياً وسياسياً بتحريض صغار التجار والكسبة في دمشق لتنفيذ إضراب عام بتاريخ 23 /1 / 1965 أغلقت فيه أسواق المدينة، ورغم كل الحوارات التي جرت بين أعضاء من مجلس قيادة الثورة وأعضاء من غرفة تجارة دمشق، أصر هؤلاء على موقفهم بغية إسقاط نظام الحكم إن استطاعوا، أو تحقيق بعض المكاسب السياسية كحد أدنى، ونتيجة لموقفهم المتعنت قام أعضاء من الحزب بفتح متاجر بعض المحرضين بالقوة، كان من نتيجة ذلك أن تراكض التجار والكسبة لفتح مخازنهم، ونتيجة لهذا الإضراب، أيضاً، صدر المرسوم التشريعي 23 تاريخ 25/1/1965 والمرسوم التشريعي 26 تاريخ 26/1/1965، وبموجبهما صودرت بعض المشاريع والمخازن التجارية المملوكة لكبار المحرضين كعقوبة لهم.

إن هذه التدابير كانت مؤقتة غايتها التنبيه والتحذير، ولقد ألغيت تلك التدابير بموجب المرسوم التشريعي 42 تاريخ 1/3/1965، وأعيدت المشاريع والمخازن التجارية لأصحابها.

س: هل التأميم ركيزة في سياسة البعث الاقتصادية؟

وأخيراً، لا بد من العودة للتأكيد بأن اعتناق مبدأ التأميم، بالنسبة لحزب البعث، كحزب اشتراكي، هو أساس للسير في الطريق نحو بناء الاشتراكية، وبموجب مراسيم التأميم أصبحت قطاعات اقتصادية متكاملة في ملكية الشعب وإدارة الدولة، كالمصارف، وشركات التأمين، والمطاحن، وشركات استيراد وتوزيع المحروقات، وشركات استيراد الأدوية، وصناعة حلج الأقطان وتسويقها، وصناعة الغزل والنسيج، والتجارة الخارجية... الخ، وأصبح القطاع العام يقود جميع مجالات النشاط الاقتصادي، ويستطيع أن يوجه هذا النشاط وفق المخطط العام للتنمية الشاملة.

ونصّت مراسيم التأميم على أن تدفع الدولة للمعسرين من صغار المساهمين الذين كانوا يعتمدون في معيشتهم على ريع هذه الأسهم قبل صدور المراسيم، وذلك على أساس القيمة الاسمية ولقد استرد هؤلاء قيمة أسهمهم بالكامل.

   س _ هل من فكرة أكثر توضيحاً عن الأسباب التي دفعت بقيادة الثورة إلى تأميم المصارف؟

تُعدُّ المصارف في بلد ما من أهم الأجهزة وأخطرها، فهي تمثل الوعاء الذي يستقطب مدخرات المواطنين وودائعهم لتذهب منه إلى شتى نواحي الإنتاج والاستثمار.

كانت رؤوس أموال المصارف العاملة في سورية قليلة، ومجمل نشاطها يتركز في التوظيف ويعتمد بشكل رئيس على التسليف والدعم الذي تستمده من المصرف المركزي وودائع المواطنين، وكانت قلة من الأفراد -أصحاب النفوذ الاقتصادي أو السياسي- هي المستفيدة من أموال المصارف في سورية وتنفق في غير طريق التنمية وتطوير إمكانيات القطر الاقتصادية.

إن هذا الأسلوب في التسليف قاد إلى إفساد فئة كبيرة من الشخصيات ومن السياسيين المحترفين، ومكّنت المصارف من السيطرة عليهم ليكونوا في خدمة مصالحها ومخططاتها وتسيير سياسة القطر الاقتصادية وتوجيهها لصالح فئة معينة.

إن الاشتراكية من مبادئ حزب البعث، وهي المبادئ التي التزمت بها ثورة آذار، ولتحقيق هذا الهدف لا بد من برامج وخطط لتنمية القطر، وهذا يتطلب توجيه الثروة المالية توجيهاً سليماً لتنفيذ تلك البرامج.

ويتطلب الاقتصاد الموجّه الاشتراكي، أن تقوم الدولة بتخطيط ومتابعة جميع عمليات الادخار والاستثمار وتوجيهها لخدمة الصالح العام ورفع المستوى المعيشي للمواطنين.

لهذه الأسباب صدر المرسوم التشريعي رقم 37 تاريخ 2/5/1963 القاضي بتأميم جميع المصارف العاملة في الجمهورية العربية السورية.

س _ كانت إحدى الشركات الأميركية الخاصة قد منحت، قبل ثورة آذار، امتيازاً للتنقيب عن النفط في إحدى المناطق في محافظة الحسكة، ولكن المجلس الوطني للثورة ألغى امتيازها المذكور، ما أسباب ذلك الإلغاء؟

يعود تاريخ عمليات التنقيب عن البترول في سورية إلى عام 1892 عندما قامت شركة ألمانية بحفر آبار تبعد حوالى 30 كم عن مدينة الإسكندرونة، وأيضاً في منطقة المقارن على الحدود السورية _ الأردنية ولم تعثر الشركة على النفط.

منحت الحكومة السورية عام 1955 شركة تسمى"منهل" حق التنقيب عن البترول، وثبت عام 1956 وجود البترول في مناطق امتياز الشركة التي حفرت ست آبار، أربع منها منتجة، ومضت سنوات عديدة دون أن تستثمر الشركة النفط المكتشف، بسبب الدخول في مفاوضات غير مثمرة، رافقتها من الشركة عراقيل متعمدة بقصد أن تسلم سورية برأي الشركة والقبول بشروطها، وهذه العراقيل أدت إلى عدم مد الخزينة بمبالغ مالية كانت بحاجة إليها. في عام 1959 استلمت الهيئة العامة للبترول العمل في حقل كراتشوك وحلت محل شركة منهل المنحلة.

وفي عام 1960وقّعت الهيئة عقداً مع الاتحاد السوفييتي للكشف عن البترول في التركيب الجيولوجي بمنطقة رميلان وغرب كراتشوك ومنطقة عليان والتراكيب الجيولوجية الأخرى في محافظة الحسكة.

اطّلعت قيادة الثورة على كل المراحل التي مرت بها المفاوضات، كما درست كل تفاصيل شروط شركات التنقيب، وخاصة شركة منهل قبل حلها، كما اطلعت على رأي الخبراء السوريين بهذه الشروط، وانتهت القيادة إلى قرار مفاده ضرورة المحافظة على هذه الثروة القومية وهي ليست ملكاً لهذا الجيل فحسب، بل، وللأجيال اللاحقة، أيضاً، وبما أنها كذلك، يجب عدم استنزاف هذه الثروة من ناحية، وعدم تسرب أرباحها إلى خزائن الشركات الاحتكارية وخزائن الدول الأجنبية وبنوكها من ناحية ثانية.

من هذا المنطلق، أصدر مجلس الرئاسة بتاريخ 22 / 12 /1964مرسوماً تشريعياً ينصُّ على:   مادة 1 _ يمنع اعتباراً من نفاذ هذا المرسوم التشريعي:

إعطاء أي امتياز لاستثمار الثروات المعدنية والبترولية في أراضي الجمهورية العربية السورية، لأي شخص طبيعي أو اعتباري.

مادة 2 _ ينشر هذا المرسوم التشريعي في الجريدة الرسمية ويعتبر نافذاً من تاريخ صدوره.

إن قيادة الثورة بمرسومها المذكور تكون قد وضعت شعار الحزب «بترول العرب للعرب» في التطبيق، على أمل أن تكون هذه الخطوة تجربة رائدة لكل الحكومات العربية، كما أن الحزب وضع في حسبانه مواجهة كل الصعوبات والعراقيل التي ستنشأ عن استثمار المواد المعدنية والنفطية وطنياً، كما أكد الحزب على ضرورة الاستعانة بالخبرات العربية وبيوت الخبرة الأجنبية المستقلة، ريثما تعود بعثات الشباب السوري للتخصص من الخارج.

ومما أقره الحزب أيضاً، أنه في حال نقصان الموارد لاستثمار هذه الثروات يجب إشراك الشعب في استثمارها عن طريق قرض وطني مضمون من الدولة.

ويمكن القول: إن تجربة سورية في استثمار بترولها، حتى نهاية عام 1970،كانت تجربة رائدة في العالم الثالث، فسورية كانت البلد الوحيد من الدول النامية التي تستثمر بترولها بنفسها، بدءاً من استخراجه وحتى بيعه في الأسواق الخارجية ومقايضته بمنتجات إستراتيجية تحتاجها خطط التنمية.

س - اعتبر شهر آب 1966 بداية معركة البترول بين سورية وشركة نفط العراق المعروفة بشركة الـ I.B.C

ماذا كانت المطالب السورية من هذه الشركة؟

يرتبط تاريخ الامتيازات النفطية في البلاد العربية بتاريخ الاستعمار ويؤلف حلقة من أقسى حلقاته، ومن أجل الشركات النفطية أُنشئت دول، وفُرضت أنظمة، وشُكلت حكومات، كما أن تلك الشركات كانت تفرض بالقوة شروطها بهدف تحقيق أرباح خيالية على حساب حقوق الشعوب.

بعد الحرب العالمية الأولى قسمت الدولتان المستعمرتان بريطانيا العظمى وفرنسا الوطن العربي، وخاصة الأجزاء التي تَبَيّن أن أرضها تزخر بالثروة البترولية، أو تستخدم كمناطق مرور للبترول نحو البحر.

وبعد انتهاء ما عرف بالحرب البترولية بين الدولتين المستعمرتين، وكان نتيجتها تنازل فرنسا عن ولاية الموصل للعراق الواقع ضمن دائرة النفوذ البريطاني مقابل حصة لها في بترول كركوك مقدارها 23,7 % ،على أن تسمح فرنسا بمرور خط أنابيب النفط من كركوك إلى ميناء طرابلس عبر الأراضي السورية.

وقّعت السلطة الفرنسية المنتدبة باسم الحكومة السورية عام 1931 اتفاقاً مع شركة نفط العراق إل(I.B.C)، وهي جزء من شركة النفط البريطانية وشركة شل الإمبراطورية، وكان الاتفاق مجحفاً بحق سورية من حيث مساسه بالسيادة الوطنية، ومن حيث حرمان سورية من أي حق أو نصيب مادي، ومما ورد في بنود الاتفاقية المذكورة، أن للشركة الحق في:

_ إنشاء خط واحد أو عدة خطوط من الأنابيب تمتد من العراق حتى نقطة نهائية تقع على شواطئ البحر الأبيض المتوسط، عبر الأراضي السورية.

_ إنشاء وصيانة مكاتب ومحطات للضخ، وورشات، ومستودعات، وصهاريج لتخزين البترول والماء، وجسور، ومساكن للمستخدمين، وخطوط حديدية وتراموايات وأسلاك أو جرارات للنقل جوية أو تحت الأرض، وعوامات، ووسائل نقل برية أو مائية أو جوية ومطارات وأسلاك كهربائية جوية أو تحت الأرض وخطوطا برقية وهاتفية وتجهيزات لاسلكية برقية أو لاسلكية _ هاتفية ومصافٍ ورحبات للخزانات ومستشفيات ومحطات لتوليد القوة المحركة وخطوط لأنابيب البترول والغاز والماء ظاهرة كانت أو مدفونة أو مغمورة، وأعمال أخرى مرتبطة بها مشابهة لها (سواء كانت من الأنواع المبينة أعلاه أم لم تكن) وسيعبر عن جميع هذه العمليات بلفظ المشروع.

_ إعفاء هذا المشروع من جميع الرسوم والضرائب.

_ على الحكومة السورية تقديم الحماية والتسهيلات كافة دون مقابل، كما عليها تأجير الأراضي للشركة خلال فترة الامتياز ببدل اسمي، إلا ما كان منها قرب المدن فبأسعار قيمة الإيجار المخمّنة للأراضي المجاورة، وعلى الحكومة استملاك الأراضي الخاصة ونزع ملكيتها إذا اختارتها الشركة.

طرأت على هذه الاتفاقية بعض التعديلات، من ناحية العائدات التي بلغت عام 1952 وبعد إنشاء خط بانياس حوالى ست ملايين ليرة سورية، يضاف إليها ست ملايين أخرى كفرق القطع.

بتاريخ 4 حزيران 1955 تقدم نائبان بعثيان إلى المجلس النيابي بمذكرة كان قد أعدها الحزب _ وكانت الأولى من نوعها _ تشمل دراسة علمية شاملة عن القضية البترولية في سورية، وكان الهدف من ذلك أن يدرس المجلس القضية على أساسها.

وكانت هذه هي المرة الأولى التي يواجه المجلس فيها مشكلة علاقة سورية مع شركات البترول التي تمر أنابيبها عبر أراضيها، وأظهرت المذكرة الغبن الكبير، الذي تلحقه شركات البترول بالبلد، كما أنها تضمنت الوقائع التي تدعم الحق السوري، سواء مع شركة نفط العراق أم مع شركة التابلاين، «تمر أنابيب هذه الشركة عبر الأراضي السورية في محافظتي درعا والقنيطرة لتصب في ميناء صيدا».

أوضحت الدراسة المذكورة طرق حساب مناصفة الأرباح، وأن الرسوم المستحقة يجب أن تدفع وفق العرف الاقتصادي الهندسي، أي على أساس وحدة الطن الكيلو متري لا على أساس وحدة الطن كما هي الحال الآن.

وتبين الدراسة أن ما يجب أن تتقاضاه الخزينة السورية من شركة نفط العراق هو 177 أو 179 مليون ليرة سورية، وفق الطرق التي يتم على أساسها الحساب، وطالبت الدراسة بتطبيق الأسس نفسها على شركة التابلاين.

وتطرقت الدراسة إلى المفاوضات السابقة لتعديل الاتفاقية وإلى امتيازات شركتي تمرير النفط، وأكدت على حاجة اقتصاد سورية وجيشها إلى إنشاء مصفاة للبترول.

في يوم الأحد 28 آب 1966، أعلنت الحكومة السورية عن مذكرة وجهت إلى شركة نفط العراق I.B.C، طالبت فيها الحكومة بحق سورية الكامل من الأرباح المتحققة من مرور أنابيب نفط الشركة عبر أراضي سورية، وأوضحت أن غبناً خطيراً لحق بخزينة الدولة نتيجة الحسابات الخاطئة التي كانت تقدمها الشركة بشأن العائدات.

كما وضّحت المذكرة أن سورية خسرت مئات الملايين من الليرات السورية منذ توقيع اتفاقية عام 1955، وطالبت الحكومة الشركة بأن تدخل فوراً في مفاوضات لمحاسبة الشركة عن الفروق الضخمة التي ضاعت على الخزينة خلال السنوات العشر الماضية نتيجة لما كانت تقدمه الشركة من حسابات لا تنطبق على الواقع، وأن ما تدفعه الشركة عن عائدات المرور يبلغ نصف ما يستحق عليها.

بعد احتجاج ومماطلة من الشركة للتهرب من المواجهة، بدأت يوم السبت 10 أيلول المفاوضات المكثفة بين وزير المال ومدير عام الشركة.

إن قيادة الحزب وحكومة الثورة، حينما أثارتا موضوع المفاوضات، وأجبرتا الشركة على دخولها، كانتا تقدران سلفاً أبعاد هذه الخطوة، وأعدتا للأمر عدته.

ولذا من الضروري أن يكون الشعب على دراية كاملة بما يدور في المفاوضات، وذلك نظراً لأهمية الموضوع وخطورة شركات النفط على أمن وسلامة الوطن، ولباعها الطويل في تخطيط وتنفيذ انقلابات لمصلحتها، من هذا المنطلق نشرت الحكومة يوم 29 أيلول في الصحف التفاصيل الكاملة لمجرى المفاوضات وتطورها، ومما نشرته الحكومة "الشركة تسرق حقوق سورية منذ 1931، وهي مطالبة الآن بإعادتها، كما نشرت الصحف لمحة عن اتفاقية 1931، والطريقة الحسابية التي اتبعتها الشركة، وأوردت لمحة عن اتفاقية 1951، والمنطق القانوني لإعادة النظر فيها عام 1955.

تتابعت المفاوضات، وفي يوم الاثنين 10 تشرين الثاني 1966 أبدى وفد الشركة خلال الاجتماع عن وصول المباحثات إلى مرحلة حرجة، بينما أكد الوفد السوري تمسّكه باسترداد حقوق الخزينة كافة وعدم السماح بأية مماطلة، كما قدم، وبناء على مبدأ مناصفة الأرباح التي قامت على أساسها اتفاقية 1955، الوثائق والبراهين الدالة على أن الطريقة الحسابية المعقولة هي تلك التي تحقق هذا المبدأ.

ماطلت الشركة ولم تعط جواباً ايجابياً يكفل الحق السوري خلال المهلة التي طلبتها وكانت نهايتها يوم الثلاثاء 22 تشرين الثاني.

ومن منطلق أن ترابنا لا يمكن أن يكون قيداً لنا، وأن أرضنا هي عامل حرية وليست عامل عبودية، نفذت الحكومة توجيه قيادة الحزب بقطع المفاوضات مع الشركة يوم 23 تشرين الثاني، كما حرصت القيادة والحكومة على أن تتفهم الحكومة العراقية المطالب السورية، وأن العائد المالي سيكون لمصلحة البلدين، وقد أكد نائب رئيس الوزراء العراقي بزيارته لدمشق في الأسبوع الثالث من شهر تشرين الثاني دعم العراق لموقف سورية.

ولأن الشركة استمرت بالمماطلة، قرر مجلس الوزراء السوري بالقرار 853 تاريخ 8 كانون الأول تنفيذ الحجز الاحتياطي على الأموال المنقولة وغير المنقولة لشركة نفط العراق.

س _ ما هي آثار قرار الحجز على أموال الشركة، وهل كانت القيادة ترغب في التصعيد؟

كان للقرار صداه: الجمود في بورصة لندن، والذهول في المحافل الدولية وامتناعها عن التعقيب، واتخذت الشركة قرارها بوقف ضخ النفط، وكان من بين أهدافها من تلك الخطوة:

1 _ ممارسة ضغط اقتصادي على سورية.

2 _ استعداء الحكم والشعب في العراق على الحكم في سورية، بذريعة حرمان العراق من موارده النفطية.

3 _ ممارسة ضغط سياسي واقتصادي على العراق.

كانت القيادة السورية تدرك أن الشركة ستلجأ للضغط بواسطة العراق التي تشكل عائدات النفط 82% من ميزانيته، لذا، وبعد التطورات التي حدثت، أبلغ رئيس مجلس الوزراء السوري رئيس وزراء العراق عن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة، وفي جلسة طارئة لمجلس الوزراء العراقي بتاريخ 10 كانون الأول حمّلت الحكومة العراقية الشركة مسؤولية توقف عمليات الضخ، وبأن العراق يحتفظ بحق مطالبة الشركة بدفع العائدات كافة، وعاد رئيس الوزراء العراقي ليؤكد دعمه لسورية، وإقراره بعدالة حقوقها التي يجب أن تحصل عليها من الشركة.

كانت القيادة السورية ترى أن الشعب العربي يستطيع بيع بتروله للدول الصديقة، وأن الاحتكارات البترولية لم تعد «إمبراطورية كلية القدرة» وعلى هذه الشركات أن تفهم روح القرن العشرين.

على إثر هذه التطورات، ولمجابهة ما يمكن أن تحيكه الشركة والدول التي خلف الاحتكارات النفطية، قررت القيادة تشكيل لجنة عليا للبترول برئاسة رئيس الوزراء مهمتها:

_إقامة اتصال دائم مع المنظمات العاملة في قضية البترول العربي.

_ التوعية الشعبية وعقد ندوات توجيهية في سائر مدن وقرى القطر.

بدأت الشركة تمارس حرب أعصاب من خلال الطرح عن نيتها تمديد خط من كركوك إلى ميناء الإسكندرونة عبر جبال طوروس في تركيا، وتمديد خط آخر بديل من كركوك إلى البصرة، وطرح آخر بتمديد خط من كركوك إلى ميناء العقبة.

في خطاب للأمين العام للحزب رئيس الدولة الدكتور نور الدين الأتاسي في حمص خلال حفل تخريج دفعة جديدة من طلاب الكلية الحربية بتاريخ 1 كانون الثاني 1967، أكد على المضي في المعركة النفطية حتى تحقق أهدافها، كما كشف عن التحركات الرجعية التي أتت في هذا الوقت منسجمة مع مخططات شركة نفط العراق لضرب مواقع الثورة.

وفي يوم 8 كانون الثاني، عاد الأمين العام للحزب ليؤكد أمام وفود شعبية ضخمة من لبنان الشقيق أمّت دمشق مؤيدة لموقفها، إذ قال: «يجب على شركة النفط أن تخضع لإرادة الجماهير وأن تعيد ما سرقته أو ترحل، وإننا نطالب بحقنا كاملاً، ولا بد من إنهاء عهد الاستثمارات والاحتكارات البترولية».

وأوضح الأمين العام المساعد للحزب اللواء صلاح جديد بتاريخ 25 كانون الثاني، في موسكو في الجمعية السوفييتية للصداقة مع العالم: «بأن الوطن العربي هو المنطقة الأولى والكبرى لاحتكارات البترول، وأن الأنظمة الرجعية هي التي تحمي هذه الاحتكارات».

كل هذا _ مع تمسك سورية بحق شعبها، وبأن لا حلول لموضوع العائدات إلا الحلول التي تؤمن مصالح الشعب _ أجبر الشركة على الرضوخ، وأعلنت بتاريخ 1 آذار 1967 قبولها بمطالب سورية، ووقّعت اتفاقيات جديدة، واستفادت كل من العراق ولبنان من طريقة الحساب الجديدة وزادت عائداتهما من مرور أنابيب النفط، كما طبقت الأسس نفسها على الاتفاق بين سورية وشركة التابلاين الأميركية.

س: كيف كان موقف الدول العربية والأجنبية عندما مرت سورية بأزمة مع الشركة؟

حمّل رئيس وزراء لبنان (فرع من الخط يصب في ميناء طرابلس) الشركة، مسؤولية ما قد يلحق لبنان من ضرر نتيجة موقفها المتعنت.

وأعلن الرئيس جمال عبد الناصر في الاحتفال بعيد النصر يوم 23 كانون الأول عن إيمان الجمهورية العربية المتحدة بسلامة الموقف السوري من شركة النفط البريطانية، وكان رئيس الوزراء المصري قد أكد يوم 20 كانون الأول في مجلس الأمة دعم الـ"ج .ع . م" موقف سورية وتأييد مطالبها من الشركة.

كما أيدت الجزائر والعديد من الدول والحركات التقدمية واليسارية العربية والعالمية الموقف السوري، وعلى رأسها الاتحاد السوفييتي والدول الاشتراكية، بينما أبدت واشنطن قلقها البالغ من الخطوة السورية، وأعلنت مراقبتها للموقف العام.

تتالى دعم منظمات المجتمع المدني في الأقطار العربية لموقف سورية، من عمال البترول في سورية والعراق ولبنان، ومن مؤتمر المهندسين في العراق، ومن مجلس وزراء الإعلام العرب.

   س _ يكثر الحديث عن المعجزة الماليزية، كيف يمكن تقييم تلك التجربة، وهل كان بإمكان سورية تحقيق مثل ما أنجزته ماليزيا؟

إن ما يحدث في ماليزيا من تطور وعلى ضوء الأرقام والمعطيات المعروفة، يمكن أن يسمى معجزة بالنسبة للبعض، ولكنها معجزة لا تختص بها تلك الدولة، إنما بمقدرة أي شعب، إذا توفرت له الخطط الطموحة ذات الأهداف الواضحة والممكنة التحقيق، والإدارة الكفوءة والإرادة الصادقة، ووفق ظروفه الخاصة أن يحقق معجزته، وسورية بلد متعدد الموارد ويمكنه النهوض بتنمية (معجزة) يصل بها إلى الآمال المرجوة.

كان من الممكن أن تفضي منجزات 8 آذار إلى مراحل متصاعدة يتحقق بها العديد من مقررات مؤتمرات الحزب، لقد أقر المؤتمر القطري الاستثنائي الثاني في حزيران عام 1965 منهاجا مرحليا حدد مؤشرات التطوير على جميع الأصعدة، وعلى ضوء هذه المؤشرات تم وضع الخطتين: الخمسية الثانية والخمسية الثالثة، ولقد كان الطموح كبيراً في الخطة الخمسية الثالثة التي كان سيتم تنفيذها ما بين 1971 _ 1975.

   كانت الخطة تهدف إلى:

• ترسيخ القواعد المادية للتطور الاقتصادي والاجتماعي في القطر، عن طريق التعبئة الشاملة لجميع الطاقات الإنتاجية.

• تعديل بنية الاقتصاد الوطني باتجاه إقامة اقتصاد زراعي صناعي متطور يكون أساساً قوياً للانطلاق نحو تحقيق تنمية ذاتية مستمرة، وتأمين زيادة في صافي الدخل الجغرافي قدرها 8.2 % سنوياً لمضاعفة الدخل القومي خلال فترة أقصاها 9 سنوات.

• استكمال بناء القاعدة الاقتصادية والسير بخطوات حثيثة في تنفيذ المشاريع والإعداد البشري والمادي والتنظيمي لاستثمارها وتطويرها.

   إن الخطة حددت المعالم لإقامة صناعة إستراتيجية ثقيلة «أفران صهر الحديد _ معامل إنتاج أدوات الإنتاج _ معامل الصناعة الميكانيكية _ معامل اسمنت للاستهلاك والتصدير _ معامل للغزل والنسيج بمواصفات عالية الجودة.

   وكانت تهدف، أيضاً، إلى التصنيع الزراعي، تصنيع 50% من القطن السوري (نسيجا وغزلاً). معامل لتعليب الخضار والفواكه، معامل للسكر، كهربة القطر وربط مواقع الإنتاج بطرقات، وربط القطر بشبكة خطوط حديدية.

وأعطت الخطة أهمية كبرى للثروة النفطية واكتشاف مناطق الأمل، واستثمار هذه الثروة وطنياً واستهلاكها بشكل عقلاني، انطلاقا من أنها ليست ثروة لجيلنا بل هي ثروة للأجيال اللاحقة أيضاً.

وهدفت الخطة إلى مكننة الزراعة وتطوير الإنتاج الزراعي وتوسيع مساحات الأرض المروية من مياه سد الفرات، وتنمية الثروة الحيوانية وتحقيق الأمن الغذائي، وزيادة الدخل القومي.

كما أكدت تلك الخطة على التنمية البشرية، وربط التعليم بالتنمية والتركيز على المعاهد المتوسطة الفنية وتوريد خريجيها للمصانع كمراقبين وعمال، واستيعاب العمالة الوافدة إلى سوق العمل.

وركزت الخطة على العلو من شأن المرأة وضرورة مشاركتها في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في القطر.

كما أكدت على تطبيق اللامركزية في الحكم وتوسيع صلاحيات المجالس المحلية في المدن والبلدات والقرى.

هذا ما كانت تطمح إليه الخطة الخمسية الثالثة، إضافة إلى إعطاء أولوية كبيرة لبناء جيش حديث وكفوء لتحرير الأرض المحتلة.

ولكن ولأكثر من عامل ومن أبرزها انقلاب 16 تشرين الثاني 1970، و تدفق أموال النفط "البترو_ دولار"، والتضخم غير التنموي الذي أحدثته، وتوجهها "الأموال" إلى قطاع العقارات والقطاعات الاستهلاكية الأخرى جَمّد، إنْ لمْ نقل دمّر، كل الطموحات التي كانت قد حددتها تلك الخطة.

ولنا أن نردد ما كتبه الخبير الاقتصادي العربي نادر فرجاني في كتابه الهجرة إلى النفط «إنها نقمة النفط وليست ثروة النفط»، ويقصد الخبير المذكور أن تلك الأموال دمّرت التنمية في عدة أقطار عربية.

من المعروف أنّ لكل شعب خصوصيته وأصالته التي تتراكم عبر خبراته التاريخية، والشعب في سورية لديه تراكم من الخبرات، كما أن القطر السوري، بما يملك من موارد بشرية ومادية، يمكنه تحقيق معجزته في حال:

  • · اتخاذ إجراءات سياسية واقتصادية واجتماعية، باعتبارها إجراءات تقدمية وضرورية بالمعنى الدقيق لطبيعة الإجراءات.
  • · تحديد معارك من أجل بناء الوطن والإنسان: معارك الحرية والديمقراطية والتنمية، وأن تكون معارك بمسؤولية ورؤية علمية.
  • · مشاركة الشعب بشكل فعّال في التغيير وتحويل الأهداف إلى حقيقة، ما أمكن ذلك.
  • · الإسراع في التحول الاجتماعي واستنبات مفاهيمه وتصوراته وتحقيق أهدافه وتأكيدها بوعي علمي صحيح وبروح النقد والعقلانية.

قد يكون في المحددات التي وردت بعض المغالاة والتضخيم، ولكنها من أجل تنمية واقع متحرك في مواجهة سلبياته نفسها، ومحاولة لتأكيد المفاهيم والتصورات التنموية، وامتزاج الوعي التنموي والثقافة التنموية بنضال الشعب بشكل عميق.

وفي الختام لا بد من التأكيد بأن ثورة البعث كانت جادة في تنفيذ خططها في التنمية واستثمار موارد القطر ضمن إطار أهداف الشعب الوطنية والقومية، وكان التأكيد على إعمار الجبهة قبل حرب 1967 جزءاً من خطة التنمية، وفي ظلال شعار (الجيش للحرب والإعمار).

* كتب الأستاذ مروان حبش بحثه هذا قبل عام 2011, ويقصد بالدستور الدائم الحالي, هو الدستور الدائم, الذي وضع في عهد الرئيس حافظ الأسد, في سبعينات القرن الماضي.

المتة.. ماهيتها وأماكن انتشارها.. فوائدها وأضرارها
الدمشقيون المسيحيون رواد الفنون والصناعات الدمشقية منذ ألفي سنة
معاصر العنب في "حدتون" وصناعة الدبس
الاقتصاد السوري.. أين كان قبل عام ٢٠١١ وأين أصبح الآن؟
بنغلاديش.. قصة نجاح آخر!
الأعيان والفلاحون في "مقتبس" محمد كرد علي لعام 1910
"أرباب الوجاهة" يستولون على الأرض ويتحولون إلى طبقة إقطاعية "عثمنلية" معادية للتقدم
قمة البريكس الخامسة عشرة والنظام العالمي الجديد
دير الزور وريفها في حديث مع نجار بيتون
حياة عامل في دباغة الجلود ومعمل البلور في دمشق
محمد الجاجة عامل نجارة الميكانيك – حمص
عبد الكريم معلوف النقابي المُتَنَوّر سياسيا في جمص
العمل النقابي في مهنتَيْ النسيج اليدوي والنسيج الآلي - حلب
من عامل مطعم في حلب إلى "قيادي نقابي"
نموذج لعامل ارتقى إلى نقابي مسؤول في عهد البعث- إدلب