كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

د. عبد الله حنا: قانون الأراضي لعام 1856

قانون الأراضي لعام 1856 يرمم الإقطاعية بثوب جديد، ويخلق طبقة إقطاعية جديدة المسماة بالأعيان، التي تقاسمت النفوذ مع الطبقة الوسطى أيام الدولة العربية الحديثة 1918 – 1920.

أرسى قانون الأراضي العثماني لعام 1858 بمضمونه شبه الرأسمالي وصياغته بتعابير اسلامية قواعد الملكية الإقطاعية الجديدة، وفق مصطلحات إسلامية، وأدى إلى تبلور طبقة الإقطاعيين، التي عاشت في حضن الرأسمالية الهامشية والتابعة للغرب الاستعماري.
تمخّض قانون الأراض عن تبلور أربع شرائح إقطاعية واجهتها الدولة العربية الحديثة هي:
1 - الأسر المرتبطة بالمؤسسة الدينية المتولية للأوقاف المحتكرة للنظاميين القضائي والتربوي. ومع أن نسبة القوى الاجتماعية كانت آخذة في النصف الثاني من القرن التاسع العشر بالتغيير، إلا أن نفوذ العائلات الدينية بقي قوياً بسبب امتلاك قسم منهم للثروة وتسلمهم الوظائف الدينية وأحياناً المدنية, واتصالهم بطوائف الحرف اقتصادياً وروحياً. وأهم من ذلك هو تحويلهم الأرض ذات الملكية العامة إلى ملكية خاصة بهم وتحوّلهم إلى فئة إقطاعية. والسمة المميزة لهذه العائلات هو انغلاقها على نفسها وعلى مؤسساتها الدينية وارتباطها الوثيق بالسلطة المركزية الإقطاعية العثمانية والازورار - مع بعض الاستثناء- عن حركة النهضة والتيارات الداعية إلى الإصلاح والحكم الذاتي اللامركزي.
وهذه الأسر الدينية ذات السمات الإقطاعية كانت ضد الدولة العربية الحديثة، ورحبت علنا أو ضمنيا بجيش الاستعمار الفرنسي، الذي خلّصها من هذه الدولة العربية العلمانية.

2- الأسر ذات الجذور الانكشارية المحلية الممتهنة للأعمال شبه العسكرية (الأغوات). وقد ركزت هذه العائلات اهتمامها على العمل في تجارة الحبوب والمواشي وتعاملت مع المرابين وعملت في الربى. ومعظم أفراد هذه الأسر ربط مصالحه بمصالح العاصمة استنبول وكانوا بعيدين عن النهضة العربية وعلى خلاف مع الحركة الوطنية (الإصلاحية). ومن الطبيعي أن يقفوا ضد الدولة العربية واصبحوا أحد أعمدة الاستعمار (الانتداب)

3 - كبار الموظفين من مدنيين وعسكريين الذين سعى الأمير فيصل لاستمالتهم وسرعان ما انفضّوا من حوله. وهؤلاء هم الأعيان السائرين عموما مع المنتصر.
4 - الأسر التجارية العريقة أو الحديثة العهد بالتجارة، وأهم ما ميّز أفراد هذه العائلات ارتباطها بالتجارة الداخلية والإنتاج المحلي فأمسوا بسبب ارتباطهم بالاقتصاد المحلي (الوطني) أكثر التصاقاً بالسوق الداخلية وتحسساً بمتطلبات هذه السوق ومصالح الإنتاج المحلي. ولذلك فإنهم كانوا على اتصال بالعامة وطوائف الحرف. وقد تزعّم شباب هذه العائلات ذوو العقول الديناميكية المتنورة نسبياً حركات الإصلاح في المدن الشامية وتطلعوا إلى بناء دولة حديثة.
هذه الأسر هي ما عُرف بالخاصة ويمكن تصنيفها في جناحين:
- يمين عثملي معاد للتطور، دعم قسم من شبابه الحركة النهضوية والدولة العربية.
- يسار عموده الفقري الطبقة الخاصة المؤلفة من أبناء التجار وعدد من شباب الأعيان، ورفدهُ مثقفون من مختلف المشارب متحدرون من العامة.
وهذا اليسار كان القلب النابض للدولة العربية الحديثة بعد 1918، والمعبّر عن الطموحات النهضوية للطبقة الوسطى، وهو الذي رفع راية النضال الوطني المناهض للاحتلال الفرنسي باسم الانتداب.
وهو (أي يسار طبقة الخاصة (العائلات التجارية)، الذي بثّ الحياة في حركة النهضة العربية وحركة التنوير الديني وقاد حركة الإصلاح واللامركزية وتطلع بأبصاره إلى الاستقلال عن الدولة العثمانية ودعا بحذر إلى التغيير. وكان مع الإبداع والمشجعين عليه.
ولكن الحركة الإبداعية انبثقت من صفوف العامة وتحديداً من صفوف من فتحت أمامه أبواب مدارس الإرساليات أو البعثات إلى أوروبا. ومن صفوف هؤلاء برز معظم رواد النهضة ودعاة التطور والتغيير والنُخب المتوهجة من المصلحين الذين عاشوا في واحات محاطة ببوادي وصحارى الجهل والتخلف وعالم الغيب.
***
خلاصة (أو زبدة) ما اوردناه سابقا هو أنّ:
مراحل تملك الأرض أو التصرف بها مفتاح فهم ماجرى قبل قيام الحكومة العربية في دمشق (كما كانت تُسمى رسميا) وأثناءها وما بعدها ومثال ذلك ما يلي:
مرّت أراضي الميري (ملك الدولة) في العهد العثماني بثلاث مراحل من الاستثمار الإقطاعي اختلفت في شكلها وأساليب إدارتها مع بقاء جوهر الاستغلال الإقطاعي العثماني للفلاحين واحدا لم يتغير إلا بصورة سطحية، وهي:
مرحلة الإقطاعيات الحربية المعروفة بنظام التيمار والزعامات.. مرحلة نظام الالتزام.. نظام المالكانة, الذي ساد في أوائل القرن الثامن عشر واستمر حتى منتصف القرن التاسع عشر وتحديدا حتى صدور قانون الأراضي العثماني عام 1858، ودوره في إنجاب كبار الملاك ومنهم الأعيان وأصحاب العمائم.
ويرجع نفوذ آل العظم في بلاد الشام في أواسط القرن الثامن عشر إلى
حصولهم على أراضي وسط سورية على شكل مالكانة. مما مكّنهم من جمع ثروات طائلة.
كما يلاحظ أن معظم المتنفذين في الدولة العثمانية سجلوا الأملاك أوقافا لهم ولذراريهم خوفا من المصادرة. وكان الوقف الذري وسيلة باسم الشرع لحماية أملاك الأعيان والأسر الدينية التي استأثرت بالأوقاف من المصادرة وإضفاء نوع من "القدسية" على ملكيتها حتى تصفية الوقف الذري عام 1949.
وقد سألتُ عددا من رجال الدين وفي مقدمتهم الصديق وزميل الدراسة في الصف الخامس الابتدائي العلامة في الفقه المرحوم الشيخ الدكتور وهبة الزحيلي، السؤال التالي: هل يوجد في القرآن والسنة إشارة إلى الوقف الذري؟ فأجاب بالنفي.. معنى ذلك أنّ الحكام بالتعاون مع الفقهاء أوجدوا قصّة الوقف الذري والبسوها عباءة اسلامية، واضفوا عليها هالة من القدسية الدينية لحماية منهوباتهم او مسروقاتهم سواء كانت "حلالا" أو حراما.
وهذا شبيه بما يقوم به اليوم من ينهبون المال العام وغيره ويحوّلوه ارصدة إلى البنوك الغربية ليتنعموا به.. فسبحان من يغيّر ولا يتغيّر...

المتة.. ماهيتها وأماكن انتشارها.. فوائدها وأضرارها
الدمشقيون المسيحيون رواد الفنون والصناعات الدمشقية منذ ألفي سنة
معاصر العنب في "حدتون" وصناعة الدبس
الاقتصاد السوري.. أين كان قبل عام ٢٠١١ وأين أصبح الآن؟
بنغلاديش.. قصة نجاح آخر!
الأعيان والفلاحون في "مقتبس" محمد كرد علي لعام 1910
"أرباب الوجاهة" يستولون على الأرض ويتحولون إلى طبقة إقطاعية "عثمنلية" معادية للتقدم
قمة البريكس الخامسة عشرة والنظام العالمي الجديد
دير الزور وريفها في حديث مع نجار بيتون
حياة عامل في دباغة الجلود ومعمل البلور في دمشق
محمد الجاجة عامل نجارة الميكانيك – حمص
عبد الكريم معلوف النقابي المُتَنَوّر سياسيا في جمص
العمل النقابي في مهنتَيْ النسيج اليدوي والنسيج الآلي - حلب
من عامل مطعم في حلب إلى "قيادي نقابي"
نموذج لعامل ارتقى إلى نقابي مسؤول في عهد البعث- إدلب