كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

مهرجان عاشوراء في ديار علّامة الشعب الشيخ الجليل كامل خليل في القرن الماضي

محسن سلامة- فينكس

كنّا أطفالاً في الأربعينيّات من القرن الماضي وحتّى الثمانينيّات منه ننتظر بشغف شديد موعد مهرجان عاشوراء في ديار علّامة الشعب الشيخ الجليل كامل خليل (خال أمّي) قرية حمّام قنية ناحية برمانة المشايخ.
وكنّا الأطفال الأقرباء نحضر قبل أسبوع من الموعد المحدّد نسهر أجمل الليالي على قراءات القرآن الكريم والأناشيد الدينيّة.
ويكون للربابة الدور البهيّ عزفاً وغناء بصوت شجيّ يمسّ شغاف الروح والقلب. الشيخ إبراهيم حسن القادم من باشيشي إحدى قرى بانياس الساحل صوته، وصوت الربابة لا يزالان مع جريان الدماء في شرياني ووريدي خمر سعادة وبهجة وفرح.
وتحضر الحلوى اللذيذة من كلّ صنف ولون صنعتها الأيادي الماهرة من مدينة مصياف.قد تكون صورة ‏أوسو بوكو‏
ويتسلّل القمر من النوافذ المشرعة نحو السماء إلى تلك المجالس بلونّه الفضيّ، فيأخذ بالقلوب والألباب والعقول إلى عوالم من سحر الحياة والفرح والسرور.
وفي اليوم المحدّد للعيد يستيقظ الشيخ كامل قبل الفجر ولا نسمع ونحن نيام إلّا صوته: حيَّ على الفلاح حيَّ على خير العمل
ثمّ يستيقظ الجميع لاستقبال الرجال والأطفال القادمين من جميع القرى المجاورة بلباسهم الريفيّ البهيّ التقليديّ الجميل الأنيق.
وقد يبدأ البعض من الشباب بتشكيل حلقات الدبكة على صوت المزمار والطبل في بهجة قلّ نظيرها في حياتهم، وفي مكان بعيد قليلاً عن ديار الشيخ، ثمّ يدخل الجميع من الرجال والشباب بيت الشيخ الواسع الذي أُعِدَّ لاستقبالهم يتّسع للمئات، وبعد ساعة من الزمان يخرج الشيخ كامل من المجلس وعشرات الأطفال بانتظاره أحرّ من الجمر كما عودّهم في السنين السابقة يحمل قفّة شهيرة كبيرة مصنوعة من القشّ سنابل القمح اليابسة ملأى بالنقود (الليرات الحجريّة الفضيّة الثمينة).
ويتحلّق حوله الأطفال في حشد جميل كبير يمدّون إليه الأيادي، فيعطي كلّ يد ممدودة قبضة من تلك الليرات، يبقى الساعة على هذا المشهد يتصبّب العرق منه كأنّه كؤوس خمر، متوهّج الجبين والخدّين والعينين إلى أن ينتهي من آخر طفل، فأكون بانتظاره وحيداً فيكون لي حصّة الأسد من تلك الليرات، ثمّ يبدأ الطعام من القدور العملاقة المليئة بلحم الخراف المطبوخ بالبرغل مع الحمّص الشهيّ، وقد طُبِخَت بأيدٍ ماهرة زوجة الشيخ كامل من آل حرفوش الكرام، وقد يأخذ الكثير منهم ما لذّ وطاب من ذلك الطعام والحلوى إلى أسرته مع كيلة من تين الشيخ في كرم مجاور للديار لا بدّ من زيارة ذلك الكرم في النهاية. ويمضي ذلك النهار كأجمل يوم في عمر البشريّة.
رحم اللّه العلّامة الشيخ الجليل كامل خليل كان من أهمّ رجالات الثورة السوريّة مع الشيخ صالح العليّ، أُصيب في أكثر من معركة برصاص الاحتلال الفرنسيّ الغاشم، مات وما زالت رصاصة من العدوّ في فخذه الأيسر، روى لي قبل أن يموت بأشهر أنّه رمى في كمين أعدّه مع رفاقه الثوّار على طريق حمّام واصل بغلاً فرنسيّاً محمّلاً بالعدّة والعتاد ورآه يهوي على الأرض، وهرب بين الجبال مع رفاقه، رحم اللّه رجال اللّه رجال هذه الأمّة الذين حموا ترابها وسماءها وأهلها وكان النصر العظيم عيد الجلاء.
عاشوراء هو اليوم الذي رفع اللّه فيه إدريس مكاناّ عليّاً، ونجّى فيه إبراهيم من النار، وأخرج نوحاّ من السفينة، وأنزل التوراة على موسى، وفدى إسماعيل من الذبح، وأخرج يوسف من السجن، وردّ على يعقوب بصره، وكشف عن أيّوب الابتلاء، وأخرج يونس من بطن الحوت، وفلق البحر لموسى وقومه ونجّاهم من فرعون، وغفر لمحمّد ما تقدّم وتأخّر من ذنوبه.
عاشوراء هو اليوم الأوّل من محرّم قُتِلَ فيه الحسين بن عليّ بن أبي طالب حفيد رسول اللّه في أرض كربلاء بالعراق من أهمّ الذكريات الأليمة في تاريخ المسلمين.
لا تزال هذه المناسبة تُقام كلّ عام في دار ولده الشيخ النبيل الجليل إبراهيم كامل خليل بالتعاون مع أحفاد الشيخ كامل جميعاً في القرية "حمّام قنية".