كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

من ثورة استقلال سورية.. حدث في حماة عام 1945- ح10

خالد محمد جزماتي- فينكس:

الـعـمـلـيـات الـقـتـالـيـة
عند قراءتنا لتاريخ أمتنا العظيمة، نجد أن قيود التخلف الاجتماعي وأمراضه القاتلة ـ تقضي عليه الدعوات الى الوحدة الوطنية القائمة على أهداف تحررية فيها يزأر شباب الأمة لتحقيقها واختصار زمنها بانفجار ضيائها لتحقيق النصر على العدو الغاشم بسلاح متواضع، لا يعرف سوى الله كيف حصل عليه الثوار وما عانوه من عوائق وصعوبات..
ولقد تحدثنا في الحلقات السابقة عن الحالة العامة والوحدة الوطنية التي حققها أهل حماة و أريافها بشكل لم يحدث مثله في تاريخ المحافظة سوى المعارك التي جرت في العام 599 الهجري، حين تصدى أهل حماة بقيادة ملكها المنصور (و بدعم من ملك بعلبك وملك حمص) لجيوش الفرنجة بالقرب من قرية "بعرين" القائمة جنوب غربي حماة، وهزموهم شر هزيمة، ثم تكرر هجوم الفرنجة على حماة بعد عشرة أيام وجرت المعركة الفاصلة بالقرب من سور حماة الجنوبي وانكسر المهاجمون الفرنجة أمام السور وهربوا..من ثوار حماه 1945
وقد تكرر المشهد عندما تمت هزيمة الفرنسيين في المكان نفسه آواخر شهر أيار 1945 والذي تمت تسميته (تــل الـشـهـداء)....
الحوادث قبل معركة الأحد 27 أيار 1945:
منذ اعلان الاضراب العام في حماة يوم 19 أيار 1945، لم تهدأ الطائرات الفرنسية عن التحليق فوق المدينة لاسكشاف تحركات الثوار، و أيضاً قام الفرنسيون بمحاولات عدة لدعم وحداتهم العسكرية عن طريق ارسال جنودهم بواسطة سياراتهم العسكرية الثقيلة من حمص وأحياناً من حلب، وكان المحافظ وقائد الدرك يأمران وحدات الشرطة والدرك بمنع دخول تلك السيارات الى حماة وثكنة الشرفة... وبتاريخ 25 أيار 1945 اجتمع محافظ حماة وقائد الدرك، بالكولونيل قائد الثكنة بناء على طلب الأخير، في إحدى قاعات محطة القطار، حيث طلب القائد الفرنسي منهما السماح للفرنسيين باسترجاع محطة القطار سلمياً و تمركز فصيل عسكري فرنسي فيها، فأجابه: ماذا نستطيع أن نفعل بعشرين ألفاً من البنادق الحربية التي هي بأيدي أهل المدينة وأنصارهم من بلدات المحافظة وعشائرها الثائرة، وهكذا تم الرفض بشكل قاطع وعاد الوفد الفرنسي خائباً الى الثكنة واستمر الحصار...
بعد ذلك قام الفرنسيون قبل فجر يوم السبت 26 أيار 1945 بإطلاق الرصاص وبعض القذائف على محلة الجراجمة وحي المدينة (حي المدينة ذو أغلبية مسيحية.. لأخذ العلم)، و رد الثوار على الرصاص بالرصاص، وكان حي الجراجمة والمدينة يتمركز فيهما الثوار من كل المناطق وخاصة أنصار بلدة السلمية.. وفي الصباح رصد الثوار نزول ستة جنود من الثكنة الى طرف حي الجراجمة الغربي لتفقد مضخة الماء القائمة على نهر العاصي والتي تضخ الماء من النهر الى الثكنة، فاعترضهم بعض الأهلين غير المسلحين، فقاموا بالاعتداء عليهم وجرحوا أحد المدنيين، فسارع الثوار الى الاشتباك معهم، فهربوا وتواروا عن الأنظار ثم انسحبوا ليلاً الى معسكرهم...
وبعد ساعات من تلك الحوادث توسط الفرنسيون الميجر "دردن" البريطاني طالبين الاجتماع بالمحافظ خالد الداغستاني وقائد الدرك لتقديم الاعتذار عن نزول بعض الجنود الى محلة الجراجمة والتسبب بتلك المناوشات وجرح أحد المواطنين من تلك المحلة (اسم المواطن أحمد بن أديب عرعور) و أحد أفراد الشرطة المدعو "رفاعي زيبا"، و أيضا تعهد بعدم الهجوم على محطة القطار، وتقدم برجائه الى المحافظ بالعمل على منع الثوار اطلاق النار على معسكر الفرنسيين في ثكنة الشرفة.. وهكذا انفض الاجتماع، ولكن كما عهدت جميع شعوب الأرض أن المستعمر الغربي لا عهد له ولا ذمة....!
مـعـركـة الأحـد 27 / أيار / 1945
بعد ذكر بعض الأحداث التي جرت قبل يوم الأحد 27 /5/ 1945، أيقن قادة الثورة في حماة أن الفرنسيين يبيتون أمراً خطيراً لينالوا من حماة وثوارها ومحافظها ودركها وشرطتها، فتوالت اجتماعاتهم، وخاصة أن الكثيرين منهم خاضوا ثورات 1925 و 1936 وثورة العراق 1941، وأيضا التمرس في التعامل مع المتعاونين مع سلطات الانتداب، و أروع مثال ما قام به سعيد الترمانيني وعثمان الحوراني ومنير الريس وجميل العلواني وأحمد سليم الوتار وعبد الرحيم الغزي وعبد الحسيب الشيخ سعيد وعبد القادر المصري وبدر الدين الحامد وقدري الكيلاني وعمر يحيى الفرجي وغيرهم، وذلك خلال حياتهم المليئة بالتضحيات الوطنية..
بعد محاولات القادة الفرنسيين خداع محافظ حماة وقادة الثورة لكسب الوقت، ترامى الى سمع الثوار أن قافلة من الجيش الفرنسي خرجت من مدينة حمص متوجهة الى حماة تحمل الجند والعتاد العسكري مع المؤن اللازمة للمحاصرين في ثكنة الشرفة، فسارع الثوار وبأروع انضباط وتنظيم وطاعة لقيادتهم، الى التمركز عند مدخل المدينة الجنوبي، و انتشروا في جميع مداخل المدينة والتي تؤدي الى الثكنة العسكرية المحاصرة.. و قبيل غروب يوم الأحد وصلت القافلة المؤلفة من: شاحنتين كبيرتين محملة بالجنود والمؤن والذخائر تحرسهما مصفحتين، الى مدخل المدينة فتصدى لهم المجاهدون بنار حامية وبدأ القتال وظهرت ملاحم البطولة، وما أن سمع الأهلون دوي الرصاص، هرعوا جماعات وفرادى، صبية ونساء، شباباً وشيوخاً، ويذكر الجميع بطولة السيدة بدرية الكيلاني يرافقها مكرم الكيلاني حرصاً عليها حين توجهت الى أرض المعركة...
و لما اشتد أوار المعركة خرجت من معسكر الشرفة سيارتان مصفحتان لنجدة القافلة الفرنسية في جنوب المدينة، وبدأت تقصف الثوار من الخلف، ثم قامت المدفعية المتمركزة في الثكنة بقصف المدينة وأحيائها بشكل عشوائي، ومع ضعف السلاح لدى المجاهدين بالمقارنة مع سلاح العدو المستعمر فقد انتصرت إرادة القتال لدى الثوار بعد حوالي ساعتين من القتال، فقد دمر الثوار مصفحة من المصفحتين اللتين خرجتا من الثكنة المحاصرة للدعم، و أحرقوا أخرى من القافلة القادمة من حمص، وفيها جرت ملحمة جهاد عظيمة الشأن، فقد قام شاب من نشامى عرب التركي يدعى محمد بن فرحان الأميرة بالهجوم على المصفحة لتدميرها ولكن أصابته شظايا قنبلة يدوية عطلت الرؤيا لديه، فلما شاهد رفيقه من عرب التركي ذلك انتخى نخوة عربية، حيث اقتحم المصفحة واعتلاها وقتل جميع من كان فيها... وفي تلك الساعات من الزمن الرائع جاءت النجدات الكبيرة من جميع البلدات والعشائر ودخلت المدينة وهي مثقلة بالعتاد والسلاح.. و انسحبت سيارة فرنسية واحدة وهربت باتجاه حمص، فلما رآها الحماصنة أيقنوا أن الثوار انتصروا في معركة حماة، فهبت ثورتهم في اليوم التالي أي يوم الاثنين 28 أيار 1945...
وفي اليوم التالي لمعركة يوم الأحد أمر المجاهد عبد الرحيم الغزي فريقاً من كشافته بدفن الجنود الفرنسيين، وأثناء ذلك قامت المدفعية الفرنسية وطائراتها بقصف المدينة بشدة فوقعت احدى قنابلها على منزل المرحوم نبهان بن رشيد الغزي وهو شقيق المجاهد عبد الرحيم الغزي، فتم تدمير المنزل القائم في تل الدباغة وكان من الضحايا بالاضافة الى رب المنزل ابنه صبحي وابنته سعاد، وجرحت زوجته وابنه محمد...
و في الحي نفسه تم تدمير منزل الشهيد محمد حمشو واستشهدت زوجته... وكان فريق الهلال الأحمر في الحي بقيادة الأستاذ عبد الكريم العطري الذي يسعف الجرحى ويهرع الى محاولة التعامل مع البيوت المهدمة من القصف وتقديم المساعدة للمتضررين...
و تتابع الأحداث ففي يوم الثلاثاء 29 أيار 1945 أمر قائد الدرك في حماة بالسيطرة على مطار معردس جنوب جماة لمنع العبث بموجوداته العسكرية، وأيضا قام الثوار بالتصدي للحملة التي جاءت من الغرب، وكانت تهدف الى فك الحصار عن الثكنة، فسارع المجاهدون للتصدي لها، واستسلم الضابط المتطوع في الجيش الفرنسي صلاح الدين الحسيني ووضع نفسه تحت تصرف المحافظ وقائد الدرك...
و من تداعيات معارك يوم الأحد واليوم الذي تلاه قيام المدفعية الفرنسية بحرق مواسم القمح والشعير عن طريق القصف اللئيم لما خسروا معركتهم يوم الأحد، وأيضا من المفيد ذكره قصة استشهاد البطل حسين الشقفة أبو عبد القادر، حيث أبى الانسحاب من أمام الحملة التي خرجت من الثكنة لدعم الحملة التي قدمت من حمص، حيث بقي يقاتل حتى نفذت ذخيرته، وسقط شهيدا نبيلا.
يتبع