كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

الحلّاق القارئ ونقابته

المشرف على الدراسة د. عبد الله حنا:

مُجري اللقاء الدارس في المعهد النقابي بدمشق محمود الزعبي.
المتحدث: محمود محمد الزعبي من مواليد دمشق عام 1928. مقيم حاليا في جوبر/ محطة النجار.
المهنة: حلاقة رجالية تابعة لنقابة الحلاقين في مدينة دمشق ومحافظتها، التي هي الآن الجمعية الحرفية للحلاقين، بعد صدور القرار 250 تاريخ 1970 القاضي بالتنظيم الجديد. جرى الحديث يوم الخميس في 23/2/1989 – في منزله.
الجد: صانع أحذية. كان وضعه الاقتصادي متدنياً للغاية، وذلك بسبب الوضع الاقتصادي العام آنذاك، حيث غالبية الناس، رجالاً وشباباً وأطفالاً، كانت تنتعل القباقيب بدل الأحذية لرخص ثمنها.
الوالد: كان موظفاً بسيطاً في إحدى دوائر الدولة، راتبه لم يكن يفي بحاجة أبنائه السبعة -والذي أنا واحد منهم- وأضيف إلى ذلك أنه لم أستطع إتمام مرحلة تعليمي الابتدائية. أذكر أنني عندما جئته بجلائي المدرسي فرحاً، حيث ترفعت إلى الصف الثالث الابتدائي أن قالت له جدتي: "يا ولدي، يكفيه مدارس، شو رح يطلع دكتور؟ ضًعْهُ في صنعة إن ما غنته بتستره". ومدرستي آنذاك اسمها "مدرسة أبي عبيدة بن الجراح" في حي الخضيرية بدمشق، وهذا ما حصل فعلاً. فوضعني عند حلّاقه، عزت بقدونس. لم تكتب له الحياة طويلاً [يقصد والده]، توفي وهو شاب ولم تكن له يد في تربية أخوتي.
نتيجة لحرماني من متابعة تعليمي، تعلقت بالقراءة، وكنت قارئاً نهماً، رغم ضعفي الواضح بها. وبدأت أشتري المجلات: المصور، والاثنين، والكواكب، والسينما، جميعهم من القطر المصري. ومن ثم الصحف مثل الأهرام، الجمهورية، لكني لم أرتح لقراءتها. وقد يكون سبب ذلك تدني ثقافتي. وذات يوم اشتريت مجلة المضحك المبكي، التي أعادت حبي للقراءة، وعدت لقراءة الصحف وأذكر منها: "البعث" وكانت يومها (عام 1949) تُحارب بشدة من رجال الدين وبعض قطاع الشعب ذوي الدخل المرتفع بسبب نهجها العلماني، وكانت توصف بأنها جريدة الملحدين، وأن سبب ما جذبني إليها هي زاوية شعرية كانت تسمى "رباعيات"، وأكثر ما كان فيها لشاعر مهجري اسمه حليم دموس، لا زالت عالقة في ذهني بعض أبياته التي يخاطب بها مجموعة الدول العربية آنذاك "السبع":
دخلتم فلسطين وحَسِبناكُم أسوداً
فما لبثتم أن تظاهرتم ديوكاً
إلى أن يقول:
ولو كان في الكلام يشيد عرشاً
لكان العرب أغلبهم ملوكاً
ثم "الأيام" لنصوح بابيل، "الفيحاء" لسعيد التلاوي، "القبس" لمنير الريس، "الإنشاء" لوجيه الحفار، "الشام" لبكري المرادي. والحقيقة أكثر الصحف رسوخاً بذاكرتي هي: "المضحك المبكي"، وذلك الرسم الكريكاتير المنشور بها "حكمة حمار".
أما الكتب والمجلات التي قراتها فهي: "سلسلة كتاب اقرأ"، "سلسلة كتاب المختار"، "سلسلة تاريخ روايات الإسلام جميعها" لجرجي زيدان، "سلسلة الهلال" لجرجي زيدان، "فضيحة في القاهرة" لنجيب محفوظ، "ابراهيم الكاتب" لعبد القادر المازني، "واه إسلاماه لأحمد علي باكير، "طبائع الاستبداد" "عبد الرحمن الكواكبي"، "سلسلة المختارات"، "ماوتسي تونغ"، "سلسلة العربي" من عام 1967 لغاية 1988، الكتب السماوية الثلاث (القرآن الكريم – الإنجيل – التوراة)، وكتب شتى لأفكار عدة لامجال لذكرها.
الأحزاب السياسية:
الكتلة الوطنية: الحزب الوطني. والشهبندريون: نسبة للدكتور عبد الرحمن الشهبندر، ولا أذكر اسم الحزب الحقيقي أو الرسمي له. والشعب، والبعث والعربي الاشتراكي (قبل توحيدهما)، والقومي السوري، والشيوعي، والإخوان المسلمون.
ولم يكن لي رأي واضح مطلقاً بتلك التنظيمات بسبب واقعي المادي المتردي جداً، حيث الأفواه الجائعة التي تنتظرني عند المساء، وكذلك ظروف عملي في الحلاقة والتي بدأت عام 1939 وانتهت في منتصف عام 1977، والذي كان مقدراً لأن يستمر، لو لا حالة مرضية ألمّت بالقلب ولم أستطع الاستمرار حسب رغبة الطبيب المعالج "تيودور شان".
يتميز الوضع في الحي آنذاك ويختلف عنه الآن فيما يلي: كان أبناء الحي وقتها يتميزون بالمودة الصادقة والمشاركة الفعلية في عدة أمور اجتماعية، مطبقين المثل "اللي ما لو سطح بينام على سطح جاره"، بينما نجد الآن عكس ذلك تماماً.
في يقيني أن الريف قبل عام 1958 كان محروماً تماماً من جميع الخدمات، ومطلوب منه تأدية كل الخدمات، وأما عن علاقة الريف بالمدينة، فكانت علاقة البقرة بصاحبها.
أتحدث فقط عن مهنة الحلاقة قبل التنظيم النقابي: كان موجوداً لهذه المهنة "شيخ كار"، وكان يتم اختياره وفق معايير لا تمت بصلة إطلاقاً لتَمَيّزِه باستيعاب مهنته ولا لمقدرته الفكرية، وكان يعاونه في مهمته عدد من الرجال يطلق على كل منهم لقب "الشاويش" يتم اختيارهم من أحياء المدينة. كل حي له شاويش، وهذا الشاويش يتمتع بسلطة تشغيل العمال مقابل أجر يدفعه المعلم والعامل معاً، وعند حصول خلاف بين المعلم والعامل يتدخل الشاويش، فإن لم يتمكن الشاويش من حل هذا الخلاف يرفع إلى شيخ الكار الذي قوله هو الفصل.
وأعود ثانية لأقول: شيخ الكار ليس به معايير فكرية أو مهنية. وأذكر مثالاً على ذلك: شكى أحد العمال شاويشاً لشيخ الكار من ظلم ألمّ به، واستدعي الشاويش ليمثل أمام شيخ الكار، الذي استدرك أنه من غير اللائق محاكمة الاثنين معاً وجها لوجه، فقرر شيخ الكار إبعاد العامل ليستوضح الأمر من الشاويش أولاً. فطلب من العامل أن يذهب إلى محل "برو العطار" في السوق العتيق، ليشتري له بقرش "سبيداج حنكاري". قال العامل سمعاً وطاعة يا سيدي، ولكن إن أذنت لي أن أوضح لك أن اسمه سبيداج هنغاري، وليس حنكاري، تصحيحاً فقط. عندها أجاب شيخ الكار العامل بحدة: "ماذا؟ تعلمني كيف أحكي، طول عمره اسمه حنكاري، عمّا بتتفلسف عليّ كمان، انقلع من خلقتي"! فما قولكم بـ"شيخ الكار" هذا؟
في مطلع عام 1950 انتسبت إلى نقابة عمال الحلاقة بدمشق، وكان يرأسها آنذاك صلاح الصواف، وأمين سرها سعيد الجابي، وبقيت في عضوية الهيئة العامة لها حتى تاريخ 24/11/1954، حيث افتتحت محلاً، وبذلك أصولاً توجب علي الانضمام لنقابة معلمي الحلاقة بدمشق.
كان يرأس النقابة آنذاك جميل العطار، جميل البارودي نائباً للرئيس، فارس الزين أميناً للسر، فوزي القباني، حنين بهيت، عباس الآغا، فوزي خادم الجامع، داوود النحاس، منير حمامية أعضاء. وكان جابي الاشتراكات في النقابة تيسير الشلبي، جميعهم توفوا، عدا اثنين منهم هما فارس الزين ومنير حمامية. وجميع من ذكر إما أميٌّ، وإما دون إتمام المرحلة الابتدائية، تلك هي درجتهم الثقافية. وكان مقر النقابة في حي القنوات بدمشق.
النقابات الأخرى، والتي يضمها اتحاد أرباب العمل والصناع ومقره الحريقة، بناء الباوثدي، شارع طارق بن زياد، هي: نقابة الحلاقين، ونقابة التريكو، ونقابة مالكي السيارات، ونقابة الغزل والنسج، ونقابة اللحامين، ونقابة صناع الأحذية، ونقابة صناع الخبز، ونقابة القراء والمنشدين.
قبل عام 1958 تركز العمل النقابي في المؤسسات الحرفية المتوسطة والصغيرة فقط، وذلك للدفاع عن مصالحهم المهنية تجاه ما يهددها عن عقبات وصعوبات.
التيارات داخل النقابات لا بد منها، وفيما يخص نقابة الحلاقين فكان منها الشخصي ومنها المبدئي، فيما يتعلق بالمهنة. أما الوطني فلا خلاف فيه والكل به سواء، أما السياسي، فكان وبصدق، بعيداً كل البعد، وذلك بسبب الواقع الثقافي، وثانياً واقع أبناء المهنة المادي، إلا القلة القليلة منهم.
الفكر يختلف بين مهنة وأخرى، وبين شخص وآخر، في نقابتنا بالذات كان بعض أعضائها يعتبر نفسه عاملاً عادياً، والبعض الآخر يظن نفسه وكأنه واحداً من أصحاب الخماسية.( )
أما الأجور التي تدفع للعمال، فكانت منها الأسبوعية ومنها الشهرية، وكلاهما كـ"القط الذي يلعق المبرد، يتغذى من دمه وهو يظن أنه يتغذى من دم غيره". أما عن موضوع أحداث شقوق في صف العاملين فحدث ولا حرج، وما أكثرها.
أما عن تقديم هدايا، عيادي الخ... "قيل للبقر يوماً: بعد ذبحكم سوف يكفنونكم، أجابت البقر: خلوا جلودنا علينا ونحن لكم من الشاكرين . كان معلمو حرفتنا يشاركون عمالهم فيما يقدم للعمال من بقشيش، إلا ما ندر منهم كان يترفع عن ذلك. نعم كان لها بعض الأثر، أما الانتخابات فكانت سرية.
لم تكن لدي فكرة ما قبل 1945، أما بعد الوحدة 1958-1961 فكانت فرحة قيام الوحدة تحتضن مشاعر الجميع، وبعد الانفصال بدأت الانقسامات الفكرية، هنا من مؤيد لها، وهناك معارض لها، وبدأ الفارق الطبقي يظهر جلياً، وكانت الغلبة في تلك الحقبة القصيرة من الزمن للصالح الطبقي وليس للنضال القومي.
أول ما أذكره عن التشريعات الصادرة عن الحكومة بخصوص مهنة الحلاقة، هو القرار رقم 46 ش/ع الصادر عن وزارة الاقتصاد الوطني بتاريخ 2/3/1951 والذي ينص على تنظيم مهنة وأوقات العمل المسموح بها. 
المتة.. ماهيتها وأماكن انتشارها.. فوائدها وأضرارها
الدمشقيون المسيحيون رواد الفنون والصناعات الدمشقية منذ ألفي سنة
معاصر العنب في "حدتون" وصناعة الدبس
الاقتصاد السوري.. أين كان قبل عام ٢٠١١ وأين أصبح الآن؟
بنغلاديش.. قصة نجاح آخر!
الأعيان والفلاحون في "مقتبس" محمد كرد علي لعام 1910
"أرباب الوجاهة" يستولون على الأرض ويتحولون إلى طبقة إقطاعية "عثمنلية" معادية للتقدم
قمة البريكس الخامسة عشرة والنظام العالمي الجديد
دير الزور وريفها في حديث مع نجار بيتون
حياة عامل في دباغة الجلود ومعمل البلور في دمشق
محمد الجاجة عامل نجارة الميكانيك – حمص
عبد الكريم معلوف النقابي المُتَنَوّر سياسيا في جمص
العمل النقابي في مهنتَيْ النسيج اليدوي والنسيج الآلي - حلب
من عامل مطعم في حلب إلى "قيادي نقابي"
نموذج لعامل ارتقى إلى نقابي مسؤول في عهد البعث- إدلب