كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

نسبة القوى الطبقية أيام الدولة العربية في دمشق 1918 - 1920

د. عبد الله حنا- فينكس:

أتى في طليعة الظروف الداخلية، التي رافقت تأسيس الدولة العربية الوطنية (1918 – 1920) وضع وتنظيم القوى الطبقية في سورية واستقصاء ظواهر النضال المحتوم من أجل السلطة بين القوى الاقطاعية والبرجوازية الشابة.
وقف في البدء قسم كبير من الاقطاعيين ضد الاحتلال الفرنسي، وقاد بعض الاقطاعيين النضال ضد الاحتلال الاستعماري (10). ويرجع السبب في ذلك إلى خوف الاقطاعية السورية من قيام – جنود الثورة الفرنسية – بتوزيع الأراضي على الفلاحين كما جرى في فرنسا. ولكن السلطات الاستعمارية الافرنسية (15) سرعان ما قدمت الضمانات للاقطاعية وبرهنت لها أن – جيوش الشرق – لم تعد الوارث للتقاليد المجيدة لجنود الثورة البرجوازية الديمقراطية الفرنسية بل هم جنود الاستعمار والامبريالية، جنود كل حركة رجعية ومتخلفة. وهكذا أخذت القوى الاقطاعية التي وقفت في البدء ضد الاحتلال الافرنسي تنتقل تدريجيا إلى شريك للاستعمار في استثمار الجماهير الشعبية ولا سيما الفلاحين. وتحولت إلى خادم مطيع ينفذ ما يؤمر به ويعيش على فتات مائدة النهب الاستعماري. وقد ساعد تخلف الجماهير الفلاحية وفقرها الشديد وجهلها الفظيع، الاقطاعيين في حرية المناورة والمساومة وفي مقاومة كل حركة جماهيرية فلاحية تنادي بشعارات اجتماعية أو وطنية.
هكذا كان موقف الاقطاعية اما البورجوازية التجارية، التي تمركزت في دمشق، وحلب فقد شاركت في قيادة الحركة الوطنية.. وعلى الرغم من ضعفها الاقتصادي الشديد فإن أمالها ومطامحها لم يكن لها حدود وعلى هذا الأساس دخلت معترك النضال من أجل استقلال سورية ومن أجل توحيد القوى الوطنية المختلفة. وسعت للحد من نفوذ القوى الاقطاعية، المستعدة للمساومة مع الاستعمار داخل الحركة الوطنية والى أضعاف سيطرتها على أجهزة الدولة الناشئة. وكان للبرجوازية التجارية مصلحة في توحيد أجزاء سورية الشمالية (سورية ولبنان) وسورية الجنوبية (فلسطين) وشرقي الأردن وخلق سوق وطنية موحدة. تستطيع الوقوف أمام النهب الاستعماري الانكليزي والافرنسي.
كان المثقفون من طلاب ومعلمين وأطباء ومحامين وهم ينحدرون بغالبيتهم من الطبقة البرجوازية، من أنشط القوى الوطنية وأكثرها حركة وأقلها ميلا للمساومة والتراجع أمام المستعمرين. كما قام الضباط العرب الذين خدموا في الجيش التركي سابقا بدور ملحوظ.
ومع أن قيادة الحركة الوطنية تمركزت في أيدي البرجوازية الناشئة وبعض أقسام الاقطاعية فإن القوى الأساسية للحركة تألفت من جماهير المدن والفلاحين. ولا يخفى أن النضال المسلح الذي قاده الاقطاعيون الكبار والصغار تألف بسداه ولحمته من الجماهير الفلاحية الحاقدة على احتلال الغزاة والحالمة بتحسين أوضاعها المعاشية.
أما في لبنان فقد ساندت الفئات العليا فيه من كبار الملاك وبرجوازية الكومبرادور المتمركزة في بيروت الغزو الاستعماري الفرنسي وسعت لتوطيد أركانه عن طريق استغلال المشاعر الدينية وتأجيج النعرات الطائفية لصرف الجماهير الشعبية عن النضال الوطني.
وبالرغم من قوة العناصر الموالية للاستعمار الافرنسي أو المخدوعة به، فقد وجدت في أعقاب الحرب ثلاث قوى معادية للاستعمار الافرنسي وهي:
1 – المثقفون المتأثرون بأفكار النهضة العربية في القرن التاسع عشر (17).
2 – موظفو العهد العثماني الذين خافوا أن يجردهم الحكم الجديد امتيازاتهم. ولكنهم كانوا على استعداد للمساومة، وهذا ما حدث فيما بعد، والسير مع الاستعمار الفرنسي فيما اذا ضمنت مصالحهم (18).
3 – قسم ضئيل من البرجوازية البيروتية اللبنانية المرتبط بالاقتصاد المحلي، وله مصلحة في توثيق العلاقات مع سورية الداخلية وتوسيع أعماله التجارية (19).
هذه القوى هي التي أرسلت باسم "مجلس ادارة لبنان" في حزيران سنة 1920 مذكرة إلى عصبة الأمم المتحدة طالبت فيها باستقلال لبنان وانضمامه إلى سورية (20).
ومع أن القوى الاجتماعية المعادية للاستعمار في أعقاب الحرب العالمية الأولى لم تكن ضعيفة إلا أن انقسامها وتفككها وعدم استطاعة أية قوة اجتماعية قيادة الحركة الوطنية، والتبعثر المكاني لهذه القوى واختلاف أهدافها وتطلعاتها والتناقضات داخل الحركة الوطنية، وموقف فيصل الخائف المتأرجح والفاقد الأمل بالشعب كل هذه العوامل أدت إلى ضعف الحركة الوطنية والقومية وسهلت على المستعمرين انزال الضربات المتتابعة بالحركة الوطنية والقضاء على مواقعها الواحد تلو الآخرى.