كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

دور قوات صافيتا في التصدي للحملة المصرية على ولاية طرابلس الشام(5 نيسان 1832)

دور قوات صافيتا في التصدي للحملة المصرية على ولاية طرابلس الشام(5 نيسان 1832)

The role of Safita's forces in countering the Egyptian campaign against the Wilayat of Tripoli al-Sham (April 5, 1832)

إعداد:

شادي عبده مرعي- فينكس

دكتوراه تاريخ حديث ومعاصر

 جامعة بيروت العربية

الملخّص:

سعى الباحث إلى تتبع مجريات الحملة المصرية على بلاد الشام وصولاً إلى معركة طرابلس(5 نيسان 1832م) التي شاركت قوات صافيتا (العلوية) بقيادة الشيخ صافي(ضاهر) صقر محفوظ(محفوض) بن درويش الشبلي، ملتزم صافيتا وحاكمها بعد أبيه، في التصدي لها بشكل كبير، وتكبدت فيها خسائر فادحة، حيث قضى قائدها (الشيخ صافي) نحبه على أبواب طرابلس.

وذلك، بعد أن تحالف مع والي طرابلس الجديد (المير ميران) عثمان باشا اللبيب(العلوي) غير آبه بترغيب وتهديد إبراهيم باشا له. هذا، وقد تعمدت المصادر التاريخية والمراجع من بعدها، وتابعتها الدراسات والأبحاث في عدم إعطاء المساحة التي تستحقها لهذه القوات (العلويّة) عدداً وعدّة وأسبابا ونتائج، ربما لنقص المعلومات والمصادر، أو انطلاقا من خلفيات سياسية وطائفية.

وهذا ما سيحاول البحث الإضاءة عليه ما قُدّر إليه.

كلمات مفتاحيّة:

الحملة المصرية - قوات صافيتا – محمد علي باشا- إبراهيم باشا- النّصيريون (العلويون) ــ صافي صقر (محفوظ) محفوض ــ بربر آغا ـــ إبراهيم باشا ــ عثمان باشا اللبيب

Abstract:

The researcher sought to review the reasons for the rebellion carried out by the Alawites against the campaign of Ibrahim Pasha (March 31, 1832-April 1835 AD) following the development of events before the first confrontation against the Egyptians took place at the gates of Tripoli in cooperation with the Ottoman army, which fought for the first time in its history in cooperation with them and not against them,  revealing the leaders of This rebellion, its path, and the result that this rebellion led to was defeated, to begin another stage of adaptation to the new Egyptian rule that lasted for ten years until 1840.

مقدّمة الدّراسة:

    يعتبر عهد العثمانيين في طرابلس الشّام أطول العهود الإسلامية التي خضعت لسيادتها، حيث امتدّ حكمهم نحو نيّف وأربعة قرون، باستثناء ثماني سنوات خضعت فيها للحكم المصري(1832- 1840) حين دخلها إبراهيم باشا ابن محمّد علي الكبير سنة (1832). واتّخذها قاعدة عسكريّة أثناء حملته على بلاد الشّام وأقام فيها، وعادت إلى العثمانيّين بعد جلاء المصريّين عنها سنة(1840)، حتى خضعت للاحتلال الفرنسيّ سنة (1918) وبقيت رائدة المدن الساحلية حتى عام (1920)، عندما أصبحت كغيرها من المدن الساحلية جزءاً من دولة لبنان الكبير. وقد أدرك محمد علي باشا أهمية ولاية طرابلس لنجاح حملته في بلاد الشام، لذلك اقتضت خطته العسكرية الزحف نحو طرابلس في الوقت الذي كان إبراهيم باشا يحاصر أسوار عكا، فقد كان سقوط طرابلس مقدمة لسقوط الولايات الأخرى. والجديد الذي سنلقي الضوء عليه في هذا البحث، هو دور قوات صافيتا التي تشكلت بقيادة حاكم صافيتا الشيخ صافي( ضاهر) بن الشيخ صقر المحفوض=المحفوظ) والتي كان يبلغ عدد أفرادها ثلاثة آلاف مقاتل مسلحين بمختلف أنواع الأسلحة الخفيفة كالبنادق والطبنجات والسيوف وغيرها. بالإضافة إلى أكثر من مائة شخص آخر، كانت مهمتهم التأمين الإداري لهذه القوة التي كان ينقصها التدريب والتسليح الجيد، ما عدا ألف فارس كانت جاهزيتهم القتالية جيدة، وعوض عن هذا النقص حماس هؤلاء الرجال وشجاعتهم وانضباطهم.

هذه القوات قد تمّ تجاهلها عمدا،لأسباب وخلفيات شتى، للأسف، فالتاريخ كُتب وما زال يُكتب لنصرة فريق على آخر دون الأخذ بمعطياتٍ تاريخية، ومناهج علمية.

1- أسباب اختيار الموضوع:

كان التجاهل الملحوظ والمتمادي لدور قوات صافيتا في التصدي للحملة المصرية على طرابلس رغم عددها الكبير (4100)(أربعة آلاف ومئة من العلويين)، الدافع الأكبر لكتابة هذا البحث، خصوصا وأنّها تكبّدت خسائر فادحة، واستشهد قائدها على أبواب طرابلس.   سباب

 2-أهمية الموضوع

إن تسليط الضوء على هذه القوات، وتتبع ظروف نشأتها وتشكلها، وتسجيل الأحداث التي شاركت بها خلال مسارها في الدفاع عن طرابلس ضد الحملة المصرية، بعد أن أغفلت هذا الدور معظم المصادر والمراجع والأبحاث التي تناولت هذه الفترة التاريخية، يجسد الجِدَّةَ التي تعطي الأهمية لكل بحث تاريخي، وهذا بحد ذاته دافع مهم يبرر كتابة هذا البحث.

3- أهداف الدراسة

تهدف الدراسة إلى  سدّ النقص الموجود حول الرواية التاريخية الكاملة عن حملة إبراهيم باشا على بلاد الشام، باستكمال تسليط الضوء من جديد على معركة طرابلس (5 نيسان 1832)، بعد تتبع الإشارات التاريخية في مختلف المصادر والمراجع والأبحاث التي توفرت عند الباحث، لإبراز دور مكونات وتشكيلات لعبت دورا متقدما في هذه المعركة، تمّ التعتيم عليها، أو نُظِر إليها شَذْراً، لأسباب أبعد ما تكون عن منهجية تاريخية، أو حتى مقاربة علمية، وإنما لأسباب وخلفيات سياسية وما خلفها من طائفية.

4- حدود الدراسة ( المكان والزّمان)

تمتد حدود الدراسة  المكانية على مساحة ولاية طرابلس العثمانية :" ومقرها طرابلس، وشملت الألوية التالية: طرابلس، حمص، حماة، السلمية، جبلة"(رافق،1974، ص216)

أما الحدود الزمانيةـ فتمتد من بداية القرن التاسع عشر مروراً ببدء الحملة (31 آذار 1832) وصولاً إلى انتهائها بانتصار المصريين (9 نيسان 1832)

5- إشكاليّة الدّراسة:

يطرح هذا المبحث إشكالية أمّاً تقوم بشكل أساسي على تساؤلٍ كبير، وهو:

لماذا لم تأخذ قوات صافيتا المساحة التأريخية التي تناسب دورها في المصادر والمراجع التي تناولت حملة محمد علي باشا على ولاية الشام؟

6- منهج الدّراسة:

 سيعتمد البحث في مقاربته لموضوع الدراسة على المنهج الوصفيّ التّحليليّ (DESCRIPTIVE Analytical RESEARCH) الّذي يصف المادة المدروسة، ثمّ يقوم بتحليلها وفق الأساليب العلميّة المتّبعة في هذا المنهج، حيث ستقوم الدّراسة بتوصيف المشهدية السّياسية والاجتماعية  التي كانت قائمة قبل الحرب المصرية العثمانية الأولى(1831 - 1833)، ومن ثم تتبع أسباب الحملة المصریة على سوریة، وصولاً إلى سقوط طرابلس(5 نيسان 1832) وتشكل قوات صافيتا وتقدمها ومسارها، وبدء المعركة ونتائجها، بالتّتبّع لجزئيّات تاريخيّة بدءاً من (1806م) وصولا إلى نتائج قد تكون مقبولة، من خلال الاطّلاع على الأبحاث والدّراسات الّتي أجريت حول هذا الموضوع، ومن ثمّ القيام بتوصيف دقيق للأحداث الرّاهنة، والشخصيات المعاصرة، من أجل إحكام التّصوّر حول المسألة التاريخية المطروحة للبحث، والهدف من وراء ذلك دراسة الموضوع من مختلف جوانبه قدر الإمكان.

7- فرضيات الدّراسة:

للدراسة عدة فرضيات منها:

  • 1- انشغلت آراء المؤرخين والباحثين حول شخصيات أساسية أربع، وهي: السلطان محمود الثاني، محمد علي باشا، والي طرابلس عثمان باشا اللبيب، متسلم طرابلس مصطفى بربر آغا؛ دون أن تعطي العناية اللازمة لباقي المكونات والتشكيلات التي كان لها دور بارز في معركة طرابلس، ومن أهمها: قوات صافيتا العلوية.
  • 2- لعبت الخلفيات السياسية والمنطلقات الطائفية دوراً كبيراً في تحجيم أدوار البعض، وتقزيم أدوار آخرين.  
  • 3- علينا الإقرار بوجود أزمة حقيقية تستفحل يوما بعد يوم عند أعلب المؤرخين العرب ومن يدور في ميدانهم، من التركيز على ما يرضي على ما يورث كل ضغينة وشقاق، والابتعاد عن كل ما يجمع..
  • 4- كانت معركة طرابلس فاصلة في حملة محمد علي باشا، ليس فقط في انهيار الولايات الأخرى لاحقا، وإنّما أيضا في إعادة تموضع الطوائف، وإعادة رسم خريطة تحالفات جدية ساهمت كثيراً في انطلاق الوعي السياسي والاندماج الاجتماعي والانفتاح الديني عند المسلمين العلويين لاحقا.

8- تساؤلات الدّراسة:

هناك عدّة تساؤلات في هذه الدراسة منها:

  • 1- ما هي أسباب التحالف بين والي طرابلس الجديد عثمان باشا اللبيب ( العلوي) مع قوات صافيتا بقيادة الشيخ صافي صقر المحفوظ؟
  • 2- لماذا لم يرضخ حاكم صافيتا وقائد قواتها الشيخ (صافي المحفوظ) لتهديد وترغيب إبراهيم باشا قائد الحملة المصرية؟
  • 3- كيف انعكس استشهاد الشيخ صافي المحفوظ على أبواب طرابلس على العلويين عامة، وفي صافيتا خاصة؟

9-فصول الدراسة:

المبحث الأول: مجريات الحملة العسكرية المصريّة

تمهيد:

مما لا شك فيه، أن طموح محمّد علي في ضمّ سورية الى مصر، كان واضحاً جليّا، كما أنَّه لم يكتم نيتّه عن السّلطنة العثمانيّة، فقد استغل محمّد علي هروب بعض الفلاحين المصريين إلى عكا ورفض عبد الله باشا والي عكا إعادتهم؛ حيث تكشف :" حادثة هروب الفلاحين المصريين إلى والي عكا عن درجة الظلم والضرائب المسلطة عليهم في عهد محمد علي، ما دفعهم إلى الجلاء من أرضهم هربا من الظلم. وجد الحاكم الجديد ذلك فرصة ذهبية للتوسع وضرب الهاربين وإرجاعهم في الآن بنفسه"(السالم، 2018، ص48) وفي حديث صريح ونزيه مع أحد مستشارية الفرنسيين العسكريين، قال محمد علي:" أنا الآن أهم رجل في الدولة العثمانية كلها، فقد أعدت المدينين المقدستين (مكة والمدينة) إلى المؤمنين الحقيقيين، وأرسلت جيوشي المنتصرة إلى مناطق لم تُعْرف من قبل سلطة السيد الأعظم (أي السلطان العثماني، وإلى مناطق لم تكن قد سَمِعَتْ بعد عن البارود، وسوف يفتح ابني وذراعي الأيمن إبراهيم المورة، وفي اللحظة التي منتوج فيه فيها مهمته بالنجاح سأستدعيه وأعيد هذه الأراضي إلى سيدها الشرعي، سأستدعي قواتي لتعود وأدرب مجندين (جدداً) وأستكمل آلاياتي، وحينئذ سأنتزع باشويَّنَيْ دمشق وعكا.. سوف أكوّن جيشاً عظيماً، ولن أتوقف إلا عند دجلة والفرات" (فهمي، 2001، ص65) لقد بوغت الزائر الفرنسي من صراحة وخطورة هذا الحديث، وقال:" إن الباشا أسر إليه فوق ذلك برغبته في غزو اليمن ومضيق باب المندب واحتلال ميناء (سواكن) على الساحل الغربي للبحر الأحمر، وتغطية كل شبه الجزيرة العربية بقواته ورفع أعلامه على القطيف على الخليج الفارسي" ( Douin، 1923، p79).

1-بدء حملة إبراهيم باشا(23 تشرين الأول 1831م)

في الثالث والعشرين من تشرين الأول سنة 1247ه/ 1831م:" زحفت جيوش إبراهيم باشا باتّجاه بلاد الشّام، وبدأت حصارها لعكّا في عشرين تشرين الثاني من نفس السّنة"( الدمشقي، ١٩١٢، ص48).

2-حصار عكا (4 تشرين الثاني 1831)

عندما بلغ  إبراهيم باشا سوريةَ، استولى على يافا في (17 نوفمبر/تشرين الثاني 1831م) بلا جهد يذكر، ووصل الجيش إلى ضواحي هذه القلعة الرهيبة، وضرب عليها الحصار في 4 نوفمبر 1831(أبو عز الدين، 1929، ص79). سارع الأمير بشير الثاني حاكم لبنان إلى دعم الحملة واضعاً إمكانياته تحت تصرف المصريين، بعد أن هدده محمد علي باشا باجتياح لبنان: وقد تحالف الأمير بشير الثاني مع خديوي محمد علي باشا ، خلال ثلاثينيات القرن المذكور بهدف الانقلاب على الدولة العثمانية والاستيلاء على بلاد الشام(مجموعة مؤلفين،2021، ص265). بعدها مباشرة أعلنت صيدا فصور فبيروت فطرابلس فاللاذقية فالقدس فنابلس الولاء لابن محمد علي، فسمح له ذلك بتركيز جهوده على الاستيلاء على مدينة عكا الإستراتيجية( Gouin، 1926، p22 ).

3-سقوط طرابلس(5 نيسان 1832)

أ-تعيين مصطفى بربر آغا متسلماً على طرابلس

وبعد إحكام الحصار على عكا قام إبراهيم باشا بتعيين مصطفى بربر آغا متسلماً على طرابلس الذي دخلها بتاريخ التاسع من شهر كانون أول سنة ١٨٣١م. وكان أول عمل له تعيين إبراهيم السندروسي قاضياً شرعياً لمحكمة طرابلس لكي يصدر الأحكام الشرعية بحق الله تعالى من دون انحراف ولا ميل عن النهج القويم (سليمان، 2001، ص223).

ب-تعيين المير ميران (العلوي) عثمان باشا اللبيب 1831م:

على أثر هذا تعيين إبراهيم باشا لبربر آغا متسلماً لطرابلس:" تأكد السلطان العثماني محمود الثاني(1785- 1839م) أنّ إبراهيم باشا لديه نوايا توسعية تتجاوز ولاية صيدا (عكا) لذلك عيّن واليا على طرابلس هو (عثمان باشا اللبيب)، وأصدر له الأوامر بالتّصدي لقوات إبراهيم باشا، وأتبع ذلك بقرمانٍ وصف فيه محمد علي باشا بالمتمرد والخارج على أوامره، وهذا ما جعل الرأي العام الإسلامي يتغير تجاه محمد علي باشا إلى الأسوأ، وخاصة في طرابلس ومقاطعاتها، حيث بدأ الأهالي الاستعداد لمواجهة متسام طرابلس وسيده؛ لأن غالبية السكان ما زالت على ولائها للسلطان بصفته حامي الإسلام وخليفة المسلمين"( صقر، مصدر سابق، ص 267). كَثُرتْ مظالم بربر للعلويّين، وفي هذه السنة عيّنت الدولة العثمانية خصمه عثمان باشا اللبيب الذي وصفه إبراهيم باشا بخطاب إلى أبيه بتاريخ 23 رمضان 1247ه بِأنّه:" من أهالي جبال النصيرية ( العلويين) وله كلمة نافذة فيهم، حيث أغرى تلك الجبال واستمالهم إليه وأفسدهم علينا.."( نعيسة،  2004، ص144) وهو كان :"أمين المعادن، وقائممقان سابقا في دمشق، وهو من جبال العلويين أصلاً، وحرّض سكانها ضد إبراهيم باشا، واستمال مشائخها"( صقر، مصدر سابق، ص 273، هامش(2). ولم يكتفِ عثمان باشا بإرسال الرسل والكتب إلى الشيوخ والوجهاء:" بل طلب حضورهم إليه في اللاذقية كي يتأكد من صدق ولائهم وإمكانياتهم العسكرية. وفي الوقت ذاته كان يستعد للتوجه إلى طرطوس حيث تتجمع قواته التي تحضر للهجوم على طرابلس، وحدد توقيت هذا التحرك يوم الاثنين الثالث من شوال، كي يلتقي في جنوب طرطوس مع القوات الصافتلية والطرطوسية والقدموسية والعكاكرة وغيرها، بالإضافة إلى ألفي جندي دولة نظامي كان قد أرسلهم سابقا"(المصدر نفسه، ص 270) والياً على طرابلس بدلاً من مصطفى بربر الّذي انحاز إلى محمد علي باشا والي مصر:" ولما رفض مصطفى بربر التنازل لعثمان باشا عن طرابلس حضر عثمان إلى اللاذقية، وأخذ يعدّ العدّة لمحاربة مصطفى وطرده من طرابلس بالقوة، ومن أجل تقوية موقفه وكسب المزيد من المؤيدين والأنصار، اتّصل بملتزمي مقاطعات اللاذقية وعكّا وطرابلس وأعيان نابلس، وكان من بين الين اتّصل بهم الشيخ صقر المحفوض، الّذي وعد بالمساعدة، وتعهد له بجمع ثلاثة آلاف مقاتل"( عثمان، مصدر سابق، ص44) ولكن عثمان باشا:" لأسباب تتعلق بتجهيز قواته تأخر عن هذا الموعد، وغادر اللاذقية يوم الجمعة السابع من شوال، وكان برفقته (1500) جندي دولة، وسبق وصوله إلى طرطوس ذخيرته وعتاده العسكري الذي أرسله عن طريق البحر بالشخاتير"( نعيسة،  مصدر سابق، ص 242.) وعلى أثر هذا التعيين تأكد السلطان العثماني أن إبراهيم باشا لديه نوايا توسعية تتجاوز ولاية صيدا (عكا) لذلك عين والياً على طرابلس هو (عثمان باشا اللبيب)، وأصدر له الأوامر بالتصدي لقوات إبراهيم باشا، وأتبع ذلك بفرمان وصف فيه( محمد علي باشا) بالمتمرد والخارج على أوامره، وهذا ما جعل الرأي العام الإسلامي يتغير تجاه (محمد علي باشا) إلى الأسوأ، وخاصة في طرابلس ومقاطعاتها، حيث بدأ الأهالي الاستعداد لمواجهة متسلم طرابلس وسيده؛ لأن غالبية السكان ما زالت على ولائها للسلطان بصفته حامي الإسلام وخليفة المسلمين(بازيلي، مرجع سابق، ص220).

ج-موقف أهل طرابلس من تعيين المتسلم بربر آغا:

استقبل أهالي طرابلس متسلمها الجديد (بربر آغا )بفتور، وقام وجهاؤها وأعيانها بإرسال رسل إلى (عثمان باشا) والي طرابلس الجديد، والمقيم في اللاذقية، مطالبينه الحضور إلى طرابلس لاستلامها منهم. وفي (28 شوال1247ه/ 1831) قدم عثمان باشا الى قرية (المني) بالقرب من طرابلس. وكان سبب قدومه من (طرسوس) الى (المني) ان أعیان (طرابلوس) أرسلوا اليه سراً أن يحضر، وهم يسلمونه البلد . فأرسل لهم جواباً في قدومه، فوصلت تلك الكتابات ليد مصطفى اغا بربر، فأمر في قتل أوليك المراسيل، وقبض على القاضى والمفتى وعشرة من أعيان البلد ووضعهم فى القلعه(الشهابي، 1969، ج3، ص840). والبعض من المؤرخين قال أنه: أمر بقتل حامل الرسالة، وألقى القبض على 14 شخصاً بما فيهم المفتي وسجنهم في القلعة( سليمان، مصدر سابق، ص231). كما قام (عثمان باشا) بإرسال الكتب إلى حكام المقاطعات وخاصة حكام: عكار وصافيتا وطرطوس والمرقب وغيرهم طالباً منهم المساعدة العسكرية لطرد (بربر آغا) من طرابلس وتسلمه منصبه الجديد كوالي على طرابلس. استجاب له حاكم صافيتا وبقية حكام المقاطعات، حيث قام حاكم صافيتا (الشيخ ضاهر[1] بن الشيخ صقر المحفوض=المحفوظ) بتجهيز قوة عسكرية مؤلفة من ثلاثة آلاف مقاتل مسلحين بمختلف أنواع الأسلحة الخفيفة كالبنادق والطبنجات والسيوف وغيرها. بالإضافة إلى أكثر من مائة شخص آخر مهمتهم التأمين الإداري لهذه القوة التي كان ينقصها التدريب والتسليح الجيد ما عدا ألف فارس كانت جاهزيتهم القتالية جيدة، وعوض عن هذا النقص حماس هؤلاء الرجال وشجاعتهم وانضباطهم. ولاحقاً في جنوب بلدة طرطوس أمن (عثمان باشا) لبقية القوة أسلحة خفيفة وعدداً من الخيول بحيث أصبح نصفها من الفرسان. وكانوا يستخدمون الجمال والبغال والحمير وغيرها كوسائط للنقل كما كانوا يسوقون معهم قطعان الماشية كالبقر والغنم والماعز وغيرها للمؤنة. أصدر الشيخ صافي أمراً قبيل تحركه من صافيتا باستدعاء وتجهيز ألف مقاتل آخر من الاحتياط والرديف(صقر، مصدر سابق، ص268)

ومن الطبيعي، حسب كلام الأب إغناطيوس طنّوس الخوري، بعد أن قام بربر آغا بتأديب النصيرية (حسب توصيفه):" ثلاث مرات، حينما ثاروا على الدولة، وعبثوا بالأمن؛ لذلك انضموا إلى عثمان باشا اللبيب، متعلّلين بأنهم ينتقمون من بربر" )( الخوري، 1984 ص248، هامش(1)).

د- اتصالات عثمان باشا مع شيوخ وزعماء العلويين:

قام عثمان باشا من مقر إقامته في اللاذقية بالاتصالات مع الشيوخ والوجهاء والأهالي في مقاطعات ولاية طرابلس، وخاصة مع ملتزمي صافيتا (الشيخ صافي) وعكار وطرطوس والمرقب واللاذقية وغيرهم(المصدر نفسه، ص270). وهناك وثائق عديدة تؤكد هذه الاتصالات، منها:

تحارير عثمان باشا متصلة ( متواصلة) إلى ملتزمين مقاطعات إيالة اللاذقية وإيالة طرابلس، مضمونها التبشير والطلب للمواجهة، فملتزم إيالة اللاذقية منهم توجه، ومنهم في مباشرة التوجه. ومن إيالة طرابلس توجه (عثمان آغا) ملتزم طرطوس... والقول أن هذا اليوم متوجه ملتزم صافيتا .... في 19 رمضان سنة 1247ه"( نعيسة،  مصدر سابق، ص143).ـ ومنها، ما جاء في خطابٍ مرسلٍ من إبراهيم باشا إلى أبيه بتاريخ(23 رمضان سنة 1247هـ) وهو: (قام عثمان بدعاية كبيرة عن طريق الاتصالات المباشرة بالأهالي وتوزيع منشورات دعائية لصالحه في مقاطعات ولاية طرابلس، كما طلب لعنده في اللاذقية رؤساء العشائر وأصحاب الاقطاعات في مدينتي اللاذقية وطرابلس وأرسل قوات كبيرة من اللاذقية إلى جبلة وطرطوس. وهذا الباشا من أهالي جبال النصيرية (العلويين) وله كلمة نافذة فيهم حيث أغرى تلك الجبال واستمالهم إليه وأفسدهم علينا ... أما ناحية أرواد فقد التزم أهاليها الحياد)(المصدر نفسه، ص144). لم يكتف عثمان باشا بإرسال الرسل والكتب إلى الشيوخ والوجهاء، بل طلب حضورهم إليه في اللاذقية كي يتأكد من صدق ولائهم وإمكانياتهم العسكرية. وفي الوقت ذاته كان يستعد للتوجه إلى طرطوس حيث تتجمع قواته التي تحضر للهجوم على طرابلس وحدد توقيت هذا التحرك يوم(الاثنين الثالث من شوال) كي يلتقي في جنوب طرطوس مع القوات الصافتلية والطرطوسية والقدموسية والعكاكرة وغيرها، بالإضافة إلى ألفي جندي دولة (نظامي) كان قد أرسلهم سابقاً. ولكن عثمان باشا لأسباب تتعلق بتجهيز قواته تأخر عن هذا الموعد، وغادر اللاذقية يوم (الجمعة السابع من شوال)، وكان برفقته(1500) جندي دولة، وسبق وصوله إلى طرطوس ذخيرته وعتاده العسكري الذي أرسله عن طريق البحر بالشخاتير(المصدر نفسه، ص242).

المبحث الثاني: تشكل قوات صافيتا ومسارها

1-التزام صافيتا للشيخ صقر المحفوظ والد الشيخ صافي(5 رجب 1216ه/1801م)

الشيخ صقر بن محفوض بن درويش الشبلي: من أهم شيوخ هذه عائلة بيت شمسين، وهو معروف في الوثائق الدبلوماسية الفرنسية بالشيخ صقر Sakkar (المحكمة الشرعية، سجل 32، ص 186-187، وثيقة تاريخ 1257/ 1842م) كذلك في سجلات المحكمة الشرعية في طرابلس بالشيخ صقر أو سقر المحفوض (المحكمة الشرعية، سجل 28، ص53، وثيقة تاريخ 1208/ 1794م) وهو الأكثر شهرة في بيت شمسين ويرد ذكره في وثائق الالتزام عام ١٧٩٤م ويتوالى دوره كملتزم المقاطعة صافيتا حتى عام(1808م) حيث يعطي زمام القيادة ظاهرياً إلى ابنه الشيخ دندش، ويبقى مديراً للأمور من وراء الستار، وذلك حتى وفاته في العام(1814م) في مدينة طرابلس(القحط، مصدرسابق، ص55). تولى الشيخ صقر المحفوض التزام مقاطعة صافيتا مدة ثمان وعشرون عاماً تقريباً(1780- 1808م) وتوفي الشيخ صقر عام(1229ه/ 1814م) حيث حلّ (الوسم= مرض) في صافيتا حرسها الله تعالى من جميع العاهات، وتوفي صقر المحفوض في طرابلس الشام، وصار في تلك السنة قلة أدام حتى صار رطل الزيت الحلبي بثلاثة قروش، ورطـل السـمـن بـاثني عشر قرشاً ومـا ينوجد(حسن، 1998، ص46)( راجع حجة التزام صافيتا(وثيقة رقم1)

2-من هو قائدها(الشيخ صافي صقر المحفوظ=المحفوض)؟

الشيخ صافي بن الشيخ صقر المحفوض: لقبه الأساسي في الوثائق هو فخر الأماثل والأقرام، تابع الخط الذي سبقه إليه والده (صقر) وشقيقه (دندش) في التزام صافينا وذلك اعتباراً من العام(1825م) وحتى نيسان(1832م)،  فيما عدا سنة (1829م) التي أعطي الالتزام فيها إلى (جناب علي بك الأسعد) من عكار(المحكمة الشرعية، سجل 46، ص134- 135، وثيقة تاريخ 13 شعبان 1133ه/ 1818م). بلغ أوج قوته في العام(1828م) حين قام بإعطاء النصارى العائدين حديثاً إلى مقاطعة صافيتا وثيقة تثبت تحريرهم وترفيعهم إلى رتبة الخزمتكارية(القحط، مصدر سابق، ص61)

3-تقدم قوات صافيتا ومسارها

تقدمت قوات صافيتا يوم الثلاثاء الرابع من شوال إلى جنوب طرطوس وتمركزت على ضفاف نهر الغمقة، وفوراً قام عثمان باشا من اللاذقية بإرسال الأسلحة لها(صقر، مصدرسابق، 268).

ولا بُدّ من الإشارة إلى الرّسالة التي بعث بها (المسيو جوريل M. Jorelle) موثق العقود والقائم بأعمال القنصلية الفرنسية في بيروت، الى الكونت سيباستياني وزير الخارجية الفرنيسة بتاريخ الثاني من آذار سنة ۱۸۳۲ م الآتي: (تشكل طرابلس نقطة الدفاع الأولى التي سيقاوم فيها (إبراهيم باشا) جيوش القائد العثماني، وقد عززت حاميتها والتي يقال بأن عددها سيتضاعف، وتولى( بربر آغا) شرطة المدينة، وهذا ما حمله على أن لا يقيم في القلعة. أما قضاء صافيتا وعكار فقد أعلنا ولاءهما للسلطان وانضما لعثمان باشا كما انضم إليه أيضاً زعماء النصيرية (العلويين))( منيرو عادل، 1990، قسم أول، ص297). إن موقف التأييد هذا كان موجوداً في مدينة طرابلس ومقاطعاتها برأي جميع المؤرخين والباحثين، إلا أن القنصل تكلم في تقريره هذا عن القسم الشمالي لولاية طرابلس لأهميته(صقر، مصدرسابق، 269) أما قنصل فرنسا في قبرص فيقول : بتقريره المرسل إلى وزير خارجيته الكونت سيباستياني بتاريخ الرابع والعشرين من آذار سنة ۱۸۳۲ م الآتي: (أما المناطق الجبلية المشرفة على طرابلس فهي موالية بمجموعها إلى الباب العالي ومسلمي سورية العارفين مشاعر سلطانهم ينظرون بعين العداء الشديد إلى حملة إبراهيم باشا. ويبدو أن هذا الباشا أوجد لديهم دوافع عديدة وقوية للاستياء، والأمر الأكيد بأن أحداً لا يرغب في أن يكون من رعاياه. والمسيحيون مازالوا يميلون إلى إبراهيم باشا وأبدى الأمير بشير الشهابي استعداده لمساعدته بأربعين ألف رجل) ))( منيرو عادل، مرجع سابق، ص297). في السادس من شوال وصلت قوات المرقب إلى جنوب طرطوس وتجمعت بالقرب من قوات صافيتا. وكان عددها ألف مقاتل بقيادة حاكم المرقب طه (كتخدا)[2] عبد الله آغا، وبدأت باستكمال جاهزيتها القتالية استعداداً للقتال مع عثمان باشا. (صقر، مصدرسابق، ص269) تحركت قوات صافيتا إلى جنوب طرطوس يوم (الثلاثاء الرابع من شوال) وتمركزت على الغمقة، ويوم( الخميس 13 شوال). عقد عثمان باشا اجتماعاً في طرطوس مع (الشيخ صافي صقر) واطلع منه على جاهزية قوات صافيتا، حيث قدم له ما ينقصه من الأسلحة والذخيرة وعدد من الخيول، كما قدم حاكم صافيتا لقوات اللاذقية القادمة مع عثمان باشا عند وصولها إلى جنوب طرطوس ألف رأس غنم ومائة رأس بقر ومائة شنبل برغل ومائة شنبل شعير وعدة مئات من خيش التبن(المصدر نفسه، ص271).

المبحث الثالث: معركة طرابلس

1- إجراءات ما قبل معركة طرابلس:

كانت الدولة العثمانية قد احتاطت في أمرها فعينت (محمد باشا والي الرقة وقائمقام حلب سابقاً والياً على حلب (وسردار سواحل بلاد العرب) وألحقت بـه كلاً من (علوش باشا) و(عثمان باشا) أمين المعادن، و(عثمان خيري باشا) متصرف قيصرية. وأمرت محمد باشا والي (سلسترة) أن يسير بعساكر الرومللي إلى الأناضول كما أخرجت خمسين ألفاً من (نخبة العساكر المدربين) من ناحيتي (كيفە لق) و(طوسقە لق) من بلاد الأرناؤوط. وعينت (عثمان باشا) قائمقام الشام سابقاً والياً على طرابلس لإيجاد قوة عسكرية كافية في هذه البلدة ولتسهيل أعمال الجردة وإعداد العدة لتأمين القيام بفريضة الحج( 10 رجب سنة1287(1831)،المحفوظات الملكية المصرية،ج1، ص145-147). وما أن وصل عثمان باشا والي طرابلس الجديد إلى حلب واتصل بمحمد باشا سردار سواحل بلاد العرب حتى حرر كل منها إلى الشهابي الكبير أمير لبنان يمدحانه ويستميلانه إلى جانب الدولة. ويتضح من أسلوب عثمان باشا وطريقته في الكتابة أنه كان يطلق آمالاً كبيرة فيما إذا نجح في استمالة الأمير. فهو يستهل إحدى رسائله إلى الأمير اللبناني بالعبارات التالية: (صاحب العطوفة والسماحة والمروءة والرأفة أخي حميد المزايا سلطاني وأميري الكريم) ويقول في محل آخر: (إني وإن كنت لم أتشرف بمقابلتكم للآن فإني نظراً لوجودي مدة سبع سنوات بالشام وبلاد العرب وكنت اجتمع بعبد القادر آغا وأحمد آغا ترجمانكم بالشام فنذكركم بالذكر الجميل والسيرة الحسنة ولهذا السبب لم آلو جهداً ولم أؤخر وسعاً في الإطراء بكم والثناء عليكم بالصدق والأمانة والدراية والغطانة وإخلاصكم الشديد للدولة العلية كما برهنتم على ذلك في مواقع كثيرة وأنكم لا تريدون قط الانفصال عن الدولة بحال من الأحوال ولا ترمون إلى ذلك أبداً وقد ذكرت كل هذا للحكومة العثمانية ولا سيما لقايمقام السرعسكر ولدولة السرعسكر خسرو باشا محمد، وإني واعدك بأن أقوم بجميع ملتمساتكم كلما وجدت لدى الحكومة العثمانية)(المحفوظات الملكية المصرية، ج1، ص191- 194)  وكتب محمد باشا والي حلب وسردار سواحل بلاد العرب في هذه الآونة نفسها إلى إبراهيم باشا يرجوه أن يتخلى عن متسلمية طرابلس وأن يستدعي مصطفى آغا منعاً لوقوع الفتنة بينه وبين عثمان باشا وتسهيلاً لسفر المحمل الشامي (23 شعبان سنة 1247(1832): المحفوظات الملكية المصرية،ج1، ص181- 182). وكان العزيز يرى في تعيين عثمان باشا والياً على طرابلس مجرد جس نبض فقط فكتب لابنه إبراهيم (بوجوب طرد كل شخص يأتي إلى الإيالات التي وقعت بيده) وتيقن في الوقت نفسه من ورود الفرامانات السلطانية بإحالة الإيالات الجديدة إلى عهدته(المحفوظات الملكية المصرية،ج1، ص170). وكان عثمان باشا قد قام من حلب على رأس بضعة آلاف مقاتل غير نظامي واتجه بهم إلى اللاذقية. ولدى وصوله إليهـا أرسل (كتخداه= حاكم) إلى عكار ونواحيها ليكرز باسمه وباسم السلطان فيعد الطريق له قبل وصوله (كاتب مصطفى آغا بربر إلى يوحنا بحري ١٣ رمضان سنة ١٣٦٧ (۱۸۳۲): المحفوظات ج١ ص ۱۹۸-۲۰۰). ثم تقدم الباشا نحو طرابلس مركز إيالته واستقر في قرية المنية ووجه منها خطاباً إلى حامية طرابلس ذكرهم فيه بأنهم من رعايا السلطان وطلب إليهم أن ينقادوا لأوامره وكتب بمثل هذا إلى مصطفى آغا بربر(المحفوظات ج ١ ص ٢٤٨ و٢٥٢-٢٥٣).

2- كتاب إبراهيم باشا إلى حاكم صافيتا الشيخ صافي الصقر(1831م) :

بعد أن بلغ إبراهيم باشا أن الدولة العثمانية قد جهزت جيشاً كبيراً بقيادة عثمان باشا اللبيب لتحرير طرابلس، أرسل الكتب إلى حكام الأقضية والألوية محذراً من مغبة التعاون معه أو الإنضمام إليه، ومنها هذا الكتاب الذي يحذر فيه ابراهيم باشا متسلم مقاطعة صافيتا الشيخ صافي الصقر: (فخر المشايخ المكرمين محسوبنا الشيخ صافي الصقر ملتزم مقاطعة صافيتا حالاً زيد قدره. بعد التحية والتسليم المنهي إليكم أنه بهذا الأثناء طرق مسامعنا وصول عثمان باشا إلى اللاذقية عازم على الحظور إلى طرابلس فاقتضى أننا جردنا له بأنه يعود إلى المحل الذي حضر منه وحذرناه وأنذرناه من القدوم وأفهمناه أنه إن تقدم كما بزعمه فيكون افترا على نفسه وصار سببا لايقاد نايرة الحرب واهراق الدماء لأنه بحوله تعالى وقوته ننهض نحن بنفسنا مع عساكرنا الظافرة لمصادمته وتدميره فبناءً على ذلك أصدرنا لكم مرسومنا هذا للايقاظ والتنبيه فالمراد بوصوله واطلاعكم على مضمونه تكونوا ...على صدق الخدمة بحسن الارتباط مع افتخار الأماجد والأكارم متسلمنا بطرابلس حالاً السيد مصطفى آغا ، وإياكم ثم إياكم من الميل لطرف الباشا المومى إليه لأنه عند حلول ركابنا بتلك الأطراف، كل من يكون تحرك من محله ومال لجهة المومى إليه يندم، حيث لا ينفعه الندم فها قد حذرناكم وأنذرناكم وقد اعذر من أنذر والسلام (1247هـ)

التوقيع: الحاج ابراهيم والي جدة وسر عسكر محروسة مصر(وثيقة رقم2)

3-حجم القوات المتصارعة

أ-القوات المصرية:

عقد إبراهيم مجلساً استشارياً مؤلفاً من الأمير (الشهابي الكبير) و(المعلم يوحنا بحري) و(عثمان بك) لدرس الموقف فيقرّ قرارهم :"إرسال الأمير (خليل الشهابي) نجل الأمير(بشير) على رأس ألف مقاتل لبناني إلى طرابلس وإرسال خمسة بلوكات من مشاة الجيش إليها، بالإضافة إلى الأورطة الموجودة فيها، وتعزيز البلوكين الموجودين في بيروت ببلوكين آخرين وأنه بعد ذلك إذا زحف أحد من حلب على طرابلس يقوم (إبراهيم باشا) بنفسه لمجابهته بجيش خاص، وإذا أعلنت الدولة الحرب يزحف اللبنانيون بقيادة الأمير( أمين الشهابي) نجل الأمير (بشير) على دمشق. ويبقى (الشهابي الكبير) في المعسكر العام يدير مصالح البلاد الإدارية ويختم ما يلزم من الأوراق والأوامر بختم(إبراهيم باشا)، وذلك نظراً لإحاطته التامة بأحوال بر الشام وفهمه الكامل لحركات سكان هذا القطر وسكناتهم(إبراهيم باشا إلى محمد علي باشا 19 شعبان سنة 1747 (1832): المحفوظات الملكية، ج1، ص173-177) وكتب الأمير بشير إلى نجله الأمير خليل يستدعيه إليه فقام إلى عكا وتفهم مهمته وعاد إلى الشويفات حيث تجمعت الرجال وأكثرهم من النكديين والتلاحقة والملكيين والخوازنة والحبيشيين فسار إلى طرابلس( رستم، 1966، ج1، ص69)

وكان قد سبقه إليها إدريس بك قائد الألاي الثامن عشر فأصبحت حامية طرابلس ثلاثة آلاف رجل نصفها مصري والنصف الآخر لبناني(المحفوظات الملكية، ج1، ص 231، وفيها أن مجموع الحامية ستة آلاف) بينما قال سليمان أبو عز الدين: وكانت حامية طرابلس مؤلفة من ألف وخمسماية جندي مصري، وألف درزي لبناني يقودهم الأمير خليل ابن الأمير بشير شهاب حاكم جبل لبنان، وخمسماية من النابلسيين( أبو عز الدين، مرجع سابق، ص81) وفي رسالة وجّهها إبراهيم باشا إلى والده محمد علي باشا جوابا على خطابه المؤرخ في (21 رمضان سنة 1247ه) الذي يذكر فيه أنه بناء على اطلاع والده (محمد باشا) في : ترجمةِ عريضةِ عبدكم مصطفى آغا بربر على وصول عثمان باشا إلى اللاذقية، رأيتم أنّه قد نشأت أضرارٌ كبيرةٌ من مجيء الباشا المشار إليه إلى تلك الأنحاء..) فيطمئنُ (إبراهيم باشا) والده، بعد شرح مفصل للتحصينات والعوائق الجغرافية المساعدة، بقوله:" فلو فُرض أن قوة من الأعداءاقتربت من طرابلس، لقابلتها قواتنا الموجودة فيها البالغ قدرها: أربع (أورط)[3] وخمسة بلوكات من المشاة، وبلوك مدفعية، وكذلك قوة المير خليل والشيخ عبد الهادي التي تتراوح بين ألف وخمسماية، وبين ألف وثمانماية، وكذلك متطوعو نابلس والدروز.. وقد أعطيتُ الأوامر لمصطفى آغا باكتتاب الأهالي الذين يصلحون لحمل السلاح واستعماله؛ فلا شك أن الآغا المومأ إليه يتمكن من تجنيد بضع مئات من الجنود، وبإحضار وترتيب ستة من مدافع القلمبرينات والأوبوسات والشرخات، وأننا سنرسل في بحر بضعة أيام مقداراً كافيا من الفشنكات  والخراطيش والبارود والقنابل والكلل.."(27 رمضان 1247ه ، المحفوظات الملكية، ج1، ص218، محفظة 232، رقم 77) ولكن قنصل فرنسة في الاسكندرية المسير روسيتي(Rossetti)، في تقرير له رفعه الى الحكومة الفرنسية في (29 شباط سنة 1832) ، يبسط فيه أموراً هامة عن موقف بربر في الحملة المصرية، وفي موقعة طرابلس، ما عرفه بنفسه وعن كثب :"... وهناك رجل يدعى مصطفى بربر، حاكم سابق لطرابلس، والسبب الأصلي لكل النزاعات مع عبد الله باشا والي عكا، قد أرجعه نائب الملك ( محمد علي باشا ) حاكماً لأيالة طرابلس هذه. وتأهب لمقاومة جيش السلطان،  وأصدر إبراهيم باشا  أمراً الى ابن الامير بشير( الامير خليل) ليسير على رأس ثمانية آلاف مقاتل، لمساعدة مصطفى بربر . وذلك ما يجري حدوثه في هذه الساعة عينها (كذا ...) في طرابلس وجوارها، احتساباً لأول امر يقع بين جيش السلطان وجيش باشا مصر (الخوري، مرجع سابق، ص251)

ب-القوات العثمانية:

في بداية تقرير قنصل فرنسة في الاسكندرية المسير روسيتي(Rossetti) السابق يقول: وان الباشا (عثمان) الذي عينه الباب العالي الحكومة طرابلس، قد وصل دمشق، والصواب (حلب )، وحشد نحو ثلاثة آلاف رجل مشى بهم لاحتلال طرابلس" مصر(الخوري، مرجع سابق، ص251)

كانت قوات عثمان باشا تقدر بحوالي عشرة آلاف جندي بين نظامي وغير نظامي موزعة كالآتي:

أربعة آلاف جندي دولي أرناؤوط وكلهم من الفرسان، وهؤلاء كانوا قد وصلوا إلى اللاذقية على دفعتين: الدفعة الأولى: مؤلفة من ثلاثة آلاف خيال أنت من حلب بقيادة محمد آغا بن حطب. الدفعة الثانية: أنت من حلب أيضاً بعد الدفعة الأولى بفترة قصيرة وبتاريخ التاسع من رمضان سنة ١٢٤٧هـ وعددها ألف خيال بقيادة عثمان باشا الذي هو أصلاً من جبال العلويين( نعيسة،  مصدر سابق، ص314+ 390). قوات الشيخ صافي (ضاهر) صقر المحفوظ حاكم (صافيتا) وهو الذي كان يحرض عثمان باشا على الحضور الى طرابلوس وتعهد له ان يجمع ثلاثة الاف من النصيريه ويملك طرابلوس(الشهابي، مرجع سابق، ج3، ص840) وكان هؤلاء المقاتلون من التفكجية(قناصة، رماة، الجنود حملة البنادق) والفرسان(صقر، مصدر سابق، ص275). حوالي ألفي جندي غير نظامي من عكار تحشدوا في (19) رمضان مع خيولهم في منطقة نهر البارد. حوالي ألف جندي تم جمعهم من أماكن مختلفة وخاصة من اللاذقية بقيادة علوش باشا(المصدر نفسه، ص275). نهض عثمان باشا اللبيب الذي عُيّن حاكما على طرابلس من حلب إلى اللاذقية يقود بضعة آلاف من الخيالة غير النظامية، يصحبها أربعة مدافع ميدان، وأخذ يستنفر الأهلين إلى مقاومة محمد علي وإبراهيم باشا لمروقهم من طاعة السلطان( أبو عز الدين، مرجع سابق، ص80) يقول قنصل فرنسا في بيروت (المسيو جوريل M. Jorelle) في تقريره الذي أرسله إلى وزارة خارجيته بتاريخ الثاني من آذار سنة(1832) الآتي: (في الخامس عشر من شباط غادرت جيوش عثمان باشا اللاذقية باتجاه طرطوس حيث وصلتها في الثامن عشر منه). وفي تقريره إلى وزارة خارجيته بتاريخ الخامس والعشرين من آذار سنة(1832) يقول: (أما عثمان باشا فقد جمع في طرطوس حوالي سبعمائة رجل وسوف ينضم إليهم أربعة إلى خمسة آلاف من سكان الجبال الخاضعة له وهم أعداء للطرابلسيين والمصطفى بربر بشكل خاص، ولقد وصلت طلائعه إلى نهر البارد على بعد ثلاث ساعات من طرابلس)(منيرو عادل، مرجع سابق، قسم أول، ص298+ 305). إن المقصود بهذه القوات التي سوف تنضم إلى عثمان باشا هي في معظمها أو كلها قوات الشيخ صافي (حاكم صافيتا) والمتمركزة على بعد عدة كيلومترات جنوب طرطوس والتي ترغب بالثأر من مصطفى بربر آغا لتصرفاته الهمجية واللا إنسانية في حروبه السابقة في بلاد صافيتا وبقية جبال العلويين(صقر، مصدر سابق، ص276).

3-بدء المعركة:

تقدم عثمان باشا الى طرسوس وارسل البعض من عسكره الى بلاد عكار صحبة )كتخداه( رجل يقال له قاضي (فران) . وهو الذي كان في خدامة سليم باشا المقتول بالشام .. وقد هرب في ذلك الوقت في البعض من العسكر من الشام الى البقاع، فامر الامير بشير الشهابي لهم في ذخيره"(الشّهابي، مرجع سابق، القسم الثالث، ص 840). قال مؤرخون آخرون إن معركة نشبت بين القاضي فران وعسكر المصريين انكسر فيها المصريون وأسر منهم عدد كبير، ثم أتى الأمير خليل ومصطفى بربر آغا وهجما على عسكر عثمان باشا فكسروهم وهربوا إلى حصن الأكراد(نوفل، 1990، ص469). ثم بعده سار الى حلب وحضر صحبة عثمان باشا الى اللادقيه. وفي حضوره الى عكار بلغ الامير خليل نجل الامير بشير الشهابي المقيم بوقته فى طرابلوس قدومه لعكار ارسل اعرض الى ابرهيم باشا الى أوردي عكا. وفى الحال أمر بمسير العساكر وسار بذاته بعشرة الاف من العسكر الجهاديه وعرب الهنادى، وفي (2) ذي القعدة، نهار الاثنين وصل لساحل بيروت، وقد كان وصوله نهار الخميس"( الشّهابي، مرجع سابق، القسم الثالث، ص 840)

في (27) شوال حضر من عكار نحو طرابلس البعض من الخيل فخرج اليهم الامير خليل وانتشب الحرب فيما بينهم فقتل من اهالى عكار ثلاثة زلم ووقع كلّة مدفع على رجل يقال له عمر اغا فقتل. ورجعوا اوليك مكسورين(المصدر نفسه، ص840). وفي (28) شوال قدم عثمان باشا الى قرية المني بالقرب من طرابلس (المصدر نفسه، ص840). كان عثمان باشا ينتظر الإمدادات العسكرية التي وعده بها والي حلب، ولما علم بتحركها، وقوامها أربعة عشر ألف جندي بقيادة باشا مقاطعة (كاراماني)، وباشا مقاطعة قيصر، عزم على دخول طرابلس واحتلالها مهما كلف الأمر(سليمان، مرجع سابق، ص230) ونهار السبت في (29) شوال قدم عثمان باشا نحو طرابلوس وصحبته عسكر اربعة الاف ارناوط دوله واهالى تلك المقاطعات وعمروا المتاريس على التل تجاه البلد ووضعوا مدفعين صغار . فخرج الى قتالهم مصطفى اغا بربر بمايتين من اهالى طرابلوس ومايتين من العسكر الجهاديه النظام فردوهم من الترب الى البوابه . وعند ذلك حضر الامير خليل بعسكره وانتشب الحرب فارتد عسكر عثمان باشا ودام الحرب ثمان ساعات. واتى ستماية نفر من النظام الذين كانوا في المينا صحبة اون باشى فهزموا عثمان باشا الذين كانوا نحو جسر الحديد. وتجمع عسكر عثمان باشا نحو التل وكشفوا عنه الارناوط من المتاريس والمدافع و هجم عليهم اوليك الرجال الذين كانوا من النظام فارتد عليهم جانب من عسكر عثمان باشا نحو الف وخمسماية خيال فافترق منهم نحو خمسين نفراً فقتلوا البعض وقبضوا على الباقي(الشّهابي، مرجع سابق، القسم الثالث، ص841). كانت طرابلس في هذه الفترة تعاني من فقدان القمح وسائر أنواع الحنطة، وعندما علم مصطفى بربر آغا ان ثمة مركبين ينقلان قمحاً وشعيراً إلى عثمان باشا ووجهتهما مرفأ اللاذقية، أنفذ إليها مركباً حربياً مصرياً أجبرهما على العودة إلى مرفأ طرابلس. واستطاع بذلك ان يُخفّف من نقمة المواطنين التي استغلها أخصام بربر، والمناوؤون للحملة المصرية، وراح يستعد للدفاع عن المدينة بمختلف الوسائل سليمان، مرجع سابق، ص230) ثم هجم الامير خليل بعسكره فانكسرت الخيل من السهل وهربت الارناوط من التل وقطعوا منهم خمسة رؤس ورجعوا منهزمين . وتبعهم الامير خليل بعسكر الى مقام البداوى ورجع الى المدينة منصوراً . وقد قتل من عسكره خمسة انفار وانجرح خمسين رجلًا على سلامه . وبعد خلوص الشر سار البعض من النظام فوجدوا في الساقيه اثنين وعشرين نفراً مقتولين والبعض مجروحين فقطعوا روسهم . لان عند ما كان الحرب صاير كان عسكر عثمان باشا الذى يقتل منهم او ينجرح جرح بالغ يرمونه بتلك الساقيه وحين رجعوا منهزمين تركوهم( المصدر نفسه، ص841). من الواضح أن ما حدث كان عبارة عن قتال بين دوريات استطلاع لمعرفة كل طرف قوة الطرف الآخر(صقر، مصدر سابق، ص277) وقبل بدء هجوم عثمان باشا على طرابلس قام باستطلاع قتالي بمجموعة من الخيالة كان معظمها من فرسان صافيتا ذوي الخبرة بطبيعة المنطقة(صقر، مصدر سابق، ص277) استمرت المناوشات حوالي ساعتين. قُتل فيها من قوات عثمان باشا ثلاثة جنود وجرح أكثر من ذلك وخسر المصريون جريحان وفي أعقاب ذلك انسحبت قوات عثمان باشا باتجاه البداوي (منيرو عادل، مرجع سابق، قسم أول، ص307). يوم السبت ٢٩ شوال سنة ١٢٤٧هـ / ٢٦ آذار سنة ١٨٣٢م تقدم عثمان باشا من المنية إلى طرابلس ومعه أربعة آلاف أرناؤوط دولة وأهالي تلك المقاطعات وخاصة مقاطعة صافيتا بقيادة الشيخ صافي(ضاهر) بن الشيخ صقر التي دخلت المدينة بترتيب قتالي جيد ساعدها مع معرفتها السابقة للمدينة تجنب الخسائر(صقر، مصدر سابق، ص278) تمركزت قوات عثمان باشا في التل(حي طرابلسي (الآن) تجاه مدينة طرابلس وجهزوا مدفعين صغيرين وعدد كبير من المتاريس وتمركزت قوات عكار في الزاهرية شمال المدينة. أما قوات صافيتا فتمركزت في منطقة السويقة والقبة وفي مواجهة القلعة من الجهة الشمالية. وتابع طرفا النزاع استعداداتهم القتالية وخاصة قوات عثمان باشا التي كانت قد تقدمت من المنية إلى طرابلس والتي أتعبها المسير وقلة التموين ونصب المتاريس(صقر، مصدر سابق، ص278) ثم أغارت خيالة عثمان باشا على المدينة، ودخلتها لآنها لم تكن ذات أسوار، فتلقتها الحامية بنار آكلة، وألجأتها إلى الفرار، فاغتر الميرالاي ادريس بك قائد الجنود المصرية بانهزام العدو، وتعقّبه بنحو ستماية مقاتل، فطمع بهم عثمان باشا لقلّة عددهم، وكرّ عليهم بجميع قواته، وهزمهم شرّ هزيمة، وحمله الغرور على مهاجمة طرابلس ثانية، فخرجت حاميتها الباسلة للقائه، ففتكتْ بكثيرين من رجاله  ، وبينهم أكثر زعمائهم، وأكرهته على الارتداد إلى معسكره(أبو عز الدين، مرجع سابق، ص81) شارك الشيخ صافي وأخوه الشيخ خضر في هذه المعركة بعد إعادة تجميع قواتهما حيث هاجمت هذه القوات بقسم منها مدينة طرابلس من الجهة الشمالية الشرقية وبقسم آخر شاغلت القوات الموجودة في القلعة ومنعتها من تقديم الدعم بشكل كافي لقوات بربر آغا فساعدت عثمان باشا بنجاح مهمته. كما شاركت في القضاء على قوات إدريس بك التي حاولت مطاردة قوات عثمان باشا. شجع هذا النصر عثمان باشا للعودة إلى المدينة ثانية فأمر بذلك حيث تقدمت قواته إلى التل والسهل ثانية. وكان شيخ صافيتا قد نصحه بإعادة تجميع قواته في منطقة البداوي والمنية بانتظار قدوم النجدات إليه وخوض معركة دفاعية هناك ضد قوات إبراهيم باشا ولكنه رفض(صقر، مصدر سابق، ص281) وفي يوم الاثنين الثاني من ذي القعدة سنة( 1247ه) هرب ليلاً من قوات حاكم صافيتا الشيخ صافي أحد المقربين إليه وهو إبراهيم بشور بمن معه من المؤيدين والتحق بقوات الأمير خليل الشهابي حيث أخذت منه معلومات عن قوات صافيتا وخاصة مقرات قياداتها صقر، مصدر سابق، ص281) واستمرت هذه المعركة (ثماني ساعات)( الخوري، مرجع سابق، ص248). ويقول الأمير حيدر الشهابي:وقتل فى تلك (الكونه= الموقعة) الشيخ (ضاهر صقر المحفوظ حاكم صافيتا، وهو الذي كان يحرض عثمان باشا على الحضور الى طرابلوس وتعهد له أن يجمع ثلاثة آلاف من النصيريه ويملك بهم إلى طرابلوس، وعندما وقع جريحاً، رجع به رجاله لبلادهم فمات في الطريق، ومات من أهالي صافيتا عدّة قتلى ومجاريح، وقد كان توجه (سكّونا= دورية مصرية)  في البحر من طرابلوس نحو اللاذقية، فوجدت في طرسوس مركب (واسق= يحمل) ذخيرة إلى (عثمان باشا) فأخذنه السّكُّونة بريزاً(غنيمة)، ورجعت به إلى طرابلوس(الشهابي، مرجع سابق، ج3، ص840). من الواضح من كلام الأمير حيدر الشهابي أن عثمان باشا كان على اتصال مباشر مع الشيخ صافي ويعتمد عليه، وهو الوحيد بين حكام المقاطعات الذي قتل وأدى مقتله إلى فوضى في الجيش العثماني (صقر، مصدر سابق، ص282) أما خسائر صافيتا فكانت منذ بدء الأعمال القتالية حتى نهايتها حوالي ستين قتيلاً دفن بعضهم في المنية (طرابلس) ومائة وخمسين جريحاً، ومن بين هؤلاء القتلى الشيخ صافي فاستلم القيادة مكانه أخوه الشيخ خضر(صقر، مصدر سابق، ص282)

12-خاتمة واستنتاجات

 في نهاية هذا المبحث الّذي حاولنا فيه الإضاءة على ما تم تجاهله من أحداث مهمة وتفاصيل رئيسية عن معركة طرابلس (5 نيسان 1832) بين الجيش العثماني بقيادة الوالي الجديد (عثمان باشا اللبيب العلوي) الذي تحالفت معه قوات صافيتا بقيادة الشيخ صافي الصقر محفوض ضد الحملة المصرية، حيث انتهت بهزيمة الجيش العثماني ومقتل الشيخ صافي الصقر وتكبدت قوات صافيتا خسائر فادحة. نوجز ما توصّلنا إليه بالنّقاط التّالية، والّتي نعتبرها كإجابات على الإشكاليّات والتّساؤلات الّتي طرحناها في المقدّمة، مع توضيح الفرضيات الابتدائيّة الّتي انطلقنا منها في هذا البحث.

  • 1- كانت هذه المعركة فاصلة في انتصار الحملة المصرية على القوات العثمانية في طرابلس. وكانت أيضاً الباب الثاني بعد فتح عكا، انفتح على انتصار المصريين نهائيا في احتلال لبنان وسورية؟"(العلم، مرجع سابق، ص9 )
  • 2- سقوط طرابلس مقدمة لسقوط الولايات الأخرى: على أثر سقوط طرابلس، رأى ابراهيم باشا ان الفرصة مؤاتية للقضاء على الجيش العثماني، فجد في أثره(سليمان، مرجع سابق، ص232) ولقد أدرك ابراهيم باشا هذه الرغبة، واعتبرها عاملاً إيجابيًا بالنسبة لحملته. لهذا عزم أن يتابع سيره متعقّباً الجيش العثماني، أينما وُجد. ولقد التقاه فعلاً في حمص، ونشبت معركة هائلة بين الجيشين، إلى أن دُحر الجيش العثماني وخلّف وراءه عدداً كبيراً من القتلى(مشاقة، 1908، ص106).
  • 3- أغفل معظم المؤرخين الدور الهام الذي قامت به قوات صافيتا في التصدي للحملة المصرية من منطلقات وخلفيات شتى، ربما كانت السياسة والطائفية وراء ذلك الإغفال المتعمد والمتمادي.
  • 4- كشفت الحملة المصرية على طرابلس اصطفافات الطوائف وانقلاباتها وراء مصالحها مستغلة ضعف الحليف السابق المتجسد في السلطنة ممارسة ديماغوجية( Demagogy) سياسية ودينية ملحوظة، باستثناء العلويين (النصيريين) الذين لم يستغلوا اللحظة التاريخية للانتقام والانقلاب من الخصم التاريخي العثماني وفتح صفحة جديدة مع الفاتح المصري، بل تمترسوا وراء مظلومياتهم وقرروا الانتقام ممن تسبب لها بشكل مباشر وهو (بربر آغا) دون تخطيط استراتيجي مسبق، ودفعوا فاتورة باهظة ثمنا لذلك. 

13-قائمة المصادر والمراجع

الوثائق:

  • 1- وثيقة رقم (1): حجة التزام صافيتا، المحكمة الشرعية : سجل 29، ص 62، وثيقة تاريخ 5 رجب 1216هـ/1801م:
  • 2- وثيقة رقم (2): كتاب ابراهيم باشا إلى حاكم صافيتا الشيخ صافي الصقر(1831م)

المصادر والمراجع العربية:

  • باشا، أحمد تيمور(1950): رسالة لغوية عن الرتب والألقاب المصرية لرجال الجيش والهيئات العلمية والقلمية، منذ عهد امير المؤمنين عمر الفاروق، مطابع دار الكتاب العربي، مصر، ط1
  • حسن، أحمد علي(1998): حمّين خلال ثلاثة قرون، مطبعة إياس، طرطوس، ط1.
  • الخطيب،  مصطفى عبد الكريم(1996): معجم المصطلحات والألقاب التاريخية، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1
  • الخوري، أغناطيوس طنّوس(1985): مصطفى آغا بربر حاكم طرابلس واللاذقية 1767- 1864م، جروس برس، طرابلس، ط1.
  • الدمشقي، الدكتور ميخائيل مشاقة(1912): حوادث الشام ولبنان من سنة ١٧٨٢-١٨٤١، المطبعة الكاثوليكية، بيروت، ط1.
  • رافق، عبد الكريم (1974): العرب و العثمانيون (1516 – 1916)، دمشق، مطابع ألف باء – الأديب، ط1.
  • رستم، أسد(1940-1943م): المحفوظات الملكية المصرية: بيان بوثائق الشام، وما يساعد على فهمها ويوضح مقاصد محمد علي الكبير، جامعة بيروت الاميركية، بيروت، عدد الأجزاء: 4، ط1.
  • السالم، حماه الله ولد (2018):  ‏دراسات في تاريخ العرب الحديث: ‏مراجعات نقدية، ‏‏دار الكتب العلمية،‏ بيروت، ط1.
  • سالم، لطیفة محمد(1990): الحكم المصري في الشام(1831- 1841)، مكتبة مدبولي، القاهرة، ط1.
  • الشّهابي، الأمير حيدر أحمد(1969): لبنان في عهد الأمراء الشهابيين، وهو الجزء الثاني والثالث من كتاب الغرر الحسان في أخبار أبناء الزمان للأمير حيدر أحمد الشهابي، عني بضبطه ونشره وتعليق حواشيه ووضع مقدمته وفهارسه: الدكتور أسد رستم، والدكتور فؤاد أفرام البستاني، منشورات الجامعة اللبنانية، قسم الدراسات التاريخية 17، بيروت، ط1، 3 أقسام، القسم الثالث.
  • منير، إسماعيل وَإسماعيل، عادل(1990): الصراع الدولي حول المشرق العربي: الوثائق الدبلوماسية، القسم 1،ج1(عهد الولاة في الدولة العثمانية1771-1976)، الوجود الروسي في شرقي المتوسط، حملة بونابرت(1771-1832)، تق: إدغار بيزاني، سليم الحص، دار النشر للسياسة والتاريخ، بيروت، ط1.
  • نوفل، نوفل نعمة الله(1990): كشف اللثام عن محيا الحكومة والأحكام في إقليمي مصر وبر الشام، أوج: جرجي يني, قد وحق وأعد ملاحقه وفهارسه: ميشال أبي فاضل؛ جان نخول، جروس برس، طرابلس
  • بنور، فرید(2007): المخططات الفرنسیة تجاه الجزائر(1792 -1830م)، مؤسسة كوشكار، الجزائر ، 2007م.
  • الزّركليّ، خير الدّين(2002): الأعلام، دار العلم للملايين، ط15، 8 أجزاء.
  • سليمان، هلا(2001): أثر الحملة المصرية على بلاد الشام (1831-1840) ولاية طرابلس نموذجا، المؤسسة الحديثة للكتاب، طرابلس، ط1.
  • صقر، منير عبد الحميد(2012): تاريخ صافيتا في العهد العثماني 922- 1337ه/ 1516- 1918م، دار العرّاب، دمشق،  ط2.
  • الضّنّاوي، محمد علي(1985): قراءة إسلامية في تاريخ لبنان والمنطقة من الفتح الإسلامي ونشأة المارونية حتّى سنة 1840م، دار الإيمان للطباعة والنشر، لبنان، ط1.
  • عثمان، هاشم(1997): تاريخ العلويين وقائع وأحداث، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، ط1.
  • عليّان، مصطفى ربحي(2001): البحث العلميّ: أسسه، مناهجه وأساليبه، إجراءاته، جامعة البلقاء التّطبيقيّة، الأردن، بيت الأفكار الدّوليّة، عمّان، ط1.
  • غربال، محمد شفيق(2014): محمد علي الكبير، مؤسسة هنداوي، مصر،ط2.
  • القالش، حسّان(2017): قطار العلويّين السّريع، الوعي السّياسي عند العلويّين، النّشأة والتّطور(1822- 1949)، المؤسّسة العربيّة للدّراسات والنّشر، ط1.
  • القحط، بسام عيسى(2002): مقاطعة صافيتا: التاريخ الاجتماعي والاقتصادي(1790- 1832م)، دار الفتاة، دمشق،ط1.
  • كرد علي، محمّد(1928): خطط الشّام، مطبعة المفيد، دمشق، ط1، عدد الأجزاء: 6.
  • مناع، عادل(1999): أعلام فلسطين في أواخر العهد العثماني(1700-1918م)، مؤسسة الدراسات الفلسطنية، ط1.

المراجع الأجنبية:

  • 1- Amanat, Abbas(2008): Pivot of the Universe: Nasir Al-Din Shah Qajar and the Iranian Monarchy, 1831–1896, UNI VERSI TY OF CALI FORNI A PRESS, Berkeley, Los Angeles, Oxford.
  • 2- Douin, George(1923): Une mission militaire Française auprès de Mohamed Aly: Correspondance des Généraux Belliard et Boyer, SOCIETE ROYALE DE GEOGRAPHIE D'EGYPTE, PUBLICATIONS SPÉCIALES , SOUS LES AUSPICES DE SA MAJESTÉ FOUAD JEn, Cairo.
  • 3- Gouin, Edouard (1926): L'Egypte au XIX e Siècle Mehemet Ali - Ibrahim Pacha - Soliman Pacha, Paris1847.
  • 4- Hiro, Dilip (1985): Iran under the Ayatollahs, Routledge, Routledge & K. Paul, London.
  • 5- Shams El – Din, Osama (2007): Military History of Modern Egypt from the ottoman Conquest to The Ramadan War, School of Advanced Military Studies United totes Army Command and Staff College, Egypt.
  • 6- Tucker, Spencer C (2010): A Global Chronology of Conflict: From the Ancient World to the Modern Middle East, ABC-CLIO, Santa Barbara, California, USA, vol. 3, p. 1140.
  • 7- William, Miller(1966): The Ottoman Empire and Its Successors,( 1801-1927), london.

المراجع المعرّبة:

  • 1- دوسّو، رينيه(د ت): تاريخ النّصيريين، نقله إلى العربية السفير آصف ناصر، الفرات للنشر والتوزيع، بيروت، ط1.
  • 2- وينتر، ستيفان(2018): تاريخ العلويين من حلب القرون الوسطى إلى الجمهورية التركية، ترجمة : باسل وطفة، أحمد نظير الأتاسي، مركز حرمون للدراسات المعاصرة، إسطنبول، تركيا، ط1.

الرّسائل الجامعيّة:

  • 1- درويش، ماهر محمد سعيد(2003): هجرة الشوام إلى مصر خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر وبدايات لقرن العشرين،  رسالة ماجستير في التاريخ بكلية الدراسات العليا في جامعة النجاح الوطنية في نابلس، فلسطين، إشراف: أ د بهجت صبري.
  • 2- ضياء الدين، الطيب محمد(2017): محمد علي باشا وعلاقته بالخلافة العثمانية(1805- 1848)، مذكرة مكملة لنيل شهادة الماستر تخصص تاريخ معاصر،جامعة محمد خيضر بسكرة، الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية.

الصحف والمجلات:

  • 1- مجلّة المجمع العلميّ، ج1، مج3، في 1 ك2 1923م، الموافق 14 جمادى الأولى 1341هـ، ص191.
  • 2- مجلة الإنشاء: زيادة، خالد، ، طرابلس في مطلع القرن التاسع عشر، عصر مصطفى بربر آغا، ، العدد 36241، 1 آذار 1980، ص 33.
  • 3- مجلة النّهضة:  الخيّر، الشّيخ عبد الرّحمن، يقظة المسلمين العلويّين في مطلع القرن العشرين، كتب ذات فائدة، دمشق، ط1، 1996، ض 26. مع الإشارة إلى أنّ هذا الكتاب هو عبارة عن أبحاث منشورة في: السّنة الأولى، العدد الثّالث (كانون الثاني 1938، ص 103) العدد الرّابع(شباط 1938، ص 151) العدد الخامس (آذار 1938، ص 203) العدد السّابع(أيار 1938، ص316) العدد الثّامن ( تموز 1938، ص 369).
  • 4- مجلّة دراسات تاريخية: عامر، الأستاذ الدكتور محمود، المصطلحات المتداولة في الدولة العثمانية، جامعة دمشق، قسم التاريخ، ، العددان 117- 118، كانون الثاني – حزيران لعام 2012م.

نعيسة، د يوسف جميل، المرجع في وثائق تاريخية عن الشام في أثناء حملة محمد علي باشا(1247-1256ه/1831-1840م)، منشورات جامعة دمشق، كلية الآداب، 2004.

فهرس الموضوعات

الملخّص: 1

كلمات مفتاحيّة: 2

Abstract: 2

مقدّمة الدّراسة: 2

1- أسباب اختيار الموضوع: 3

2-أهمية الموضوع. 3

3- أهداف الدراسة 4

4- حدود الدراسة ( المكان والزّمان) 4

5- إشكاليّة الدّراسة: 4

6- منهج الدّراسة: 5

7- فرضيات الدّراسة: 5

8- تساؤلات الدّراسة: 6

9-فصول الدراسة: 6

المبحث الأول: مجريات الحملة العسكرية المصريّة 6

تمهيد: 6

1-بدء حملة إبراهيم باشا(23 تشرين الأول 1831م) 7

2-حصار عكا (4 تشرين الثاني 1831) 8

3-سقوط طرابلس(5 نيسان 1832) 8

أ-تعيين مصطفى بربر آغا متسلماً على طرابلس.. 8

ب-تعيين المير ميران (العلوي) عثمان باشا اللبيب 1831م: 9

ج-موقف أهل طرابلس من تعيين المتسلم بربر آغا: 10

د- اتصالات عثمان باشا مع شيوخ وزعماء العلويين: 12

المبحث الثاني: تشكل قوات صافيتا ومسارها 13

1-التزام صافيتا للشيخ صقر المحفوظ والد الشيخ صافي(5 رجب 1216ه/1801م) 13

2-من هو قائدها(الشيخ صافي صقر المحفوظ=المحفوض)؟ 14

3-تقدم قوات صافيتا ومسارها 14

المبحث الثالث: معركة طرابلس.. 16

1- إجراءات ما قبل معركة طرابلس: 16

2- كتاب إبراهيم باشا إلى حاكم صافيتا الشيخ صافي الصقر(1831م) : 18

3-حجم القوات المتصارعة 19

أ-القوات المصرية: 19

ب-القوات العثمانية: 21

3-بدء المعركة: 22

12-خاتمة واستنتاجات.. 26

13-قائمة المصادر والمراجع. 28

الوثائق: 28

المصادر والمراجع العربية: 29

المراجع الأجنبية: 32

المراجع المعرّبة: 33

الرّسائل الجامعيّة: 34

الصحف والمجلات: 34

[1] - في الوقت صقر،  الذي يذهب به (منير عبد الحميد) في كتابه( تاريخ صافيتا في العهد العثماني 922- 1337ه/ 1516- 1918م)، إلى أنّ حاكم صافيتا هو (الشيخ صافي بن الشيخ صقر المحفوض) مستشهدا بالأمير حيدر الشهابي، الذي نجد بالرّجوع إليه أنّ اسم حاكم صافيتا(الشيخ ضاهر بن الشيخ صقر المحفوض)، (الشهابي، مرجع سابق، ج3، ص840) والإشكال ذاته نجده عند الأب إغناطيوس طنّوس الخوري، حيث يررد الكلام نفسه أنّ المقتول هو (الشيخ ضاهر صقر المحفوظ حاكم صافيتا)( الخوري، مرجع سابق، ص248). و يحسم الجدل بسام عيسى القحط بتفسيره التالي:" والواقع أنه ليس للشيخ (صقر) ولد باسم (ضاهر)، وأن الحاكم في ذلك العام كان الشيخ (صافي الصقر المحفوض)؛، فلا شك أن الخوري اغناطيوس قد التبست عليه قراءة كلمة (صافي) فقرأها (ضاهر) القحط، مصدر سابق، ص63، هامش(1))

[2] - كتخدا لفظ تركي - فارسي أصله كدخدا، معناه: رب الدار، وأصبح فيما بعد لقبا بمعنى: حاكم أو عمدة. أطلق على أمراء الأقاليم في الدويلات الإسلامية التي نشأت في الشرق، وفي العهد العثماني اعتمد هذا اللقب رسميا، فأصبح يطلق بصفة أساسية على كل معاون أو مساعد للموظف الكبير في الدولة، فعلى مستوى السلطنة مثلاً،  كان للصدر الأعظم معاون يعرف بلقب: كتخدا بك أفندي، وعلى مستوى  كل ولاية كان إلى جانب الباشا كتخدا يعتمد بتسيير أمور الولاية في كثير من الأحيان، ورد ذكره في بعض المصادر باسم: كتختا، وأحيانا: كيخيا، أو: كخيا. أما على مستوى الانكشارية، فقد ارتبط هذا اللقب بالمعاون الأول لآغا الانكشارية، وكان يرمز إليه بلفظ كتخداسي، أو قول كتخداسي، له صلاحيات آغاالانكشارية باستثناء لباس الرأس. ألغيت هذه التسمية واستعيض عنها بتسميات أخرى في إطار خطة الإصلاح العثماني التي اعتمدتها الدولة بدءاً من عهد السلطان محمود الثاني 1255ه/ 1839م( الخطيب، 1996، ص364)

[3] - الأوُرطة هي في التركية بالتاء. وتتألف في الرجالة من (ثمانمائة ) جندي في الغالب، أي ثمانية  بلوكات، وقد تكون ألفًا، ورئيسها بيكباشي. وفي الفرسان من ستة وتسعين فارسا إلى مائة وثمانية وعشرين، ويرأسها يوزباشي، وتتكون من أربعة بلوكات لكل واحد منها ملازم، ويقابل الأورطة (الكتيبة)، وهي ما جمع مائة إلى ألف، فتصلح للرجالة والفرسان، أو تخص أورطة الفرسان بالكردوس أو الرعيل، وأورطة المهندسين المتألفة من بلوكين، أي من ثلاثمائة شخص تصلح لها الكتيبة أيضا(باشا، 1950، ص49)