كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

التمرّد العلويّ خلال حملة إبراهيم باشا على ولاية طرابلس

التمرّد العلويّ خلال حملة إبراهيم باشا على ولاية طرابلس

(31 آذار 1832- نيسان 1835)

إعداد:

الشيخ شادي عبده مرعي

دكتوراه تاريخ حديث ومعاصر

 جامعة بيروت العربية

الملخّص:

سعى الباحث إلى استعراض أسباب التمرّد الذي قام به العلويون ضد حملة إبراهيم باشا (31 آذار 1832- نيسان 1835م) متتبعا تطور الأحداث قبل حصول المواجهة الأولى ضد المصريين على أبواب طرابلس بالتعاون مع الجيش العثماني الذي قاتل لأول مرة في تاريخه بالتعاون معهم وليس ضدهم، كاشفاً عن قادة هذا التمرّد، ومساره، والنتيجة التي آل إليه هذا التمرد بالهزيمة، لتبدأ مرحلة أخرى من التأقلم مع الحكم المصري الجديد الذي دام عشر سنواتٍ حتى عام (1840).

كلمات مفتاحيّة:

النصيريون (العلويون) ــ صقر محفوض ــ بربر آغا ـــ إبراهيم باشا ــ عقمان باشا اللبيب ـ بيت ياشوط ـ الشماسنة ـ العشائرـ الليدي أستير ستانهوب  

Abstract:

The researcher sought to review the reasons for the rebellion carried out by the Alawites against the campaign of Ibrahim Pasha (March 31, 1832-April 1835 AD) following the development of events before the first confrontation against the Egyptians took place at the gates of Tripoli in cooperation with the Ottoman army, which fought for the first time in its history in cooperation with them and not against them, revealing the leaders of This rebellion, its path, and the result that this rebellion led to was defeated, to begin another stage of adaptation to the new Egyptian rule that lasted for ten years until 1840.

مقدّمة الدّراسة:

كان القرن التّاسع عشر قرناً ثورجيّا بالمعنى الاصطلاحيّ المتعارف عليه في حياة العلويّين، الّذين كانوا وما زالوا يرون أنفسهم قد خضعوا تحت الحكم العثماني للاستعباد، لأسباب دينيّة، أو مادّيّة، وفي بعض الأحيان لدوافع انتقاميّة.

ولم تكن العلاقة بشكل عام على ما يرام بين العلويّين (النّصيريّين) والسّلطنة العثمانية، فلطالما سعوا للتّخلص من سطوتها كلّما سنحت لهم الفرصة..

وحسب زعمهم، فقد امتلكوا كل مشروعية لمناهضة لحكم العثماني الذي ابتدأت مسيرته معهم بمجازر ما زالت صورها السوداوية راسخة في الذاكرة الشعبية، وربما رأوا في العصيان والخروج عليه تعبيرا عن الحالة الناقمة على أوضاع معيشية صعبة، وربما لم يجدوا فيه ما يرضي مصالحهم.

والأسباب الكامنة وراء ذلك كثيرة، ولكن العنوان الأبرز لها هو الظلم الذي مازال مرتسما في الذاكرة الشعبية عند العلويين ذكريات مؤلمة وأحاديث موجعة..

وفي جواب علامة العلويين الشيخ سليمان الأحمد (1870- 1942م) ، عضو المجمع العلمي بدمشق، على سؤال رئيس المجمع محمد كرد علي،  عن أسباب ذلك قال:" كان أهل الحاضرة (اللاذقيّة) في هذا القرن يعدُّون ما يفعله جهلة العلويّين(النّصيريّة) بفتيا علماء الدّين، فَيَعْصِبُوْنَهُ بهم لدى الحكام ويغرونهم بهم وبالرّؤساء، ويحرّضونهم على الفتك بهم بكلّ واسطة، وكان الدّين أعظم الوسائط الّتي توصل بها إلى هذه الوحشيّة والبربريّة") كرد علي، 1928، ج3، ص 108).

ضمن هذه التوصيفات الثلاثة: الاستعباد، والفقر، والتطلع نحو الخلاص؛ جاء التمرد المستمر للعلويين النّصيريين.

وبعيدا عن مصداقيّة هذه المآسي، وبغض النظر عن تفسيرها أو تبريرها، إلاَّ أنَّها لم تكن كافية عند العلويّين كما يبدو للتّآمر على السّلطنة عندما تعرضت لحملة (غدر انقلابيّة) قادها إبراهيم باشا(1789- 1848) بن محمّد علي حاكم مصر(1769- 1849 م) على بلاد الشام، حيث كان موقف العلويين مفاجئا؛ إذْ أنَّ سِياق الأحداث يقتضي استغلال الحملة المصرية للانقضاض على الحكم العثماني المتهاوي، من باب الانتقام أقله بما يتناسب من الكم الهائل من المرويات عن معاناتهم تحت بطشه؛ لكن الذي حصل كان صادماً، إذ أنَّ بيت شمسين ( الشماسنة) الذين كانوا يسيطرون على صافيتا أخذوا:" يمهّدون لتنظيم مقاومة لقدوم إبراهيم باشا، ولكن القائد المصري، ببطشه النادر مثيله حتى في الشرق، أُحيط علماً بتلك المؤامرات الداعية للاستقلال، فكان جنوده المدرّبون جدّاً، والطرقات الّتي أنجزها: عوامل ساعدته على القيام بعمل حاسمٍ؛ فدمّر كل القلاع في الداخل، وقطع رؤوس زعماء الشّمسيين"( دوسّو، د ت، ص183).

وقد أطلقتُ على هذه الحملة أنها ( انقلابية) ليكون المشهد واضحا؛ إذ أرسل محمد علي باشا سنة (1827م) رسالة إلى السلطان العثماني يقول فيها: " إنّني أضع نفسي وابني في خدمة السلطنة والدين الإسلامي".( الضّنّاوي، 1985، ص 319)

ثم يستغل الظروف الدولية التي كانت تعاكس السلطنة حينها، بدءا من حربها المستمرة مع روسية منذ عام (1568م)، إذ استطاعت روسية حينها بموجب اتفاقية أدرنة (14 أيلول 1829م) احتلال:  دلتا الدانوب، وأنابا، ونوفوروسياسك، وبوتي، وآخالتسيخه، وآخالكالاكي. وفي الوقت نفسه استقلت  اليونان عن الإمبراطورية العثمانية(1829) بعد حرب ضروس مع العثمانيين، ثم تحتل فرنسا الجزائر (1830م) ما أدى إلى تغييرات حدودية كبيرة.

وفي 23 تشرين أول 1831 زحفت جيوش إبراهيم باشا باتّجاه بلاد الشام، وبدأت حصارها لعكّا في 20 تشرين الثاني من نفس السنة.

1- أسباب اختيار الموضوع:

هناك سبب وحيد كان وراء اختياري هذا الموضوع، وهو أنّه جديد لم يلق عليه الضوء بشكل علمي كافٍ، بل تم تناوله بمعزل عن الآراء الأخرى المعنية مباشرة بالشريحة الطائفية المعنية بهذا البحث( أعني العلوية)؛ لذلك رأيت من واجبي أن أكشف عن موقفها ( كوني فرد من أبنائها) بقدر ما أهتدي إليه.

1- 

  • 2- سباب

 2-أهمية الموضوع

تكمن أهمية هذا الموضوع في السبب الكامن وراء اختياره؛ إذ هو جديد يقدم مادة تاريخية للنقد والتحليل والمراجعة، بعد تقصي موقف الجماعة المستهدفة فيه، وبذلك يكون ربما قد فتح بابا تأريخيا للكشف عن معطيات مهمة نوعا ما من زاوية لم ينظر إليها سابقاً.

3- أهداف الدراسة

تهدف الدراسة إلى تسليط الضوء على الموقف المفاجئ الذي اتخذه العلويون من حملة إبراهيم باشا على ولاية طرابلس(31 آذار 1832- نيسان 1835م)، هذا بعد تتبع الأحداث التي سبقت هذه الحملة، للتدليل على الأسباب الكامنة وراءه، متتبعا مسار الأحداث، التي قادت إلى  تمردٍ دفع العلويون ثمنه باهظاً.

4- حدود الدراسة ( المكان والزّمان)

تمتد حدود الدراسة  المكانية على مساحة ولاية طرابلس العثمانية :" ومقرها طرابلس، وشملت الألوية التالية: طرابلس، حمص، حماة، السلمية، جبلة"(رافق،1974، ص216)

أما الحدود الزمانيةـ فتمتد من بداية القرن التاسع عشر مروراً ببدء الحملة (31 آذار 1832) وصولاً إلى انتهائها بانتصار المصريين (نيسان 1835)

5- إشكاليّة الدّراسة:

يطرح هذا المبحث إشكالية أمّاً تقوم بشكل أساسي على تساؤلٍ كبير، وهو:

لماذا لم يستغل العلويون النصيريون الحملة المصرية على بلاد الشام لتصفية حساباتهم المؤلمة ضد الحكم العثماني الذي كان جاثما على صدرهم منذ ما يقارب (315) سنة (1516- 1831) حسب زعمهم؟

6- منهج الدّراسة:

 سيعتمد البحث في مقاربته لموضوع الدراسة على المنهج الوصفيّ التّحليليّ (DESCRIPTIVE Analytical RESEARCH) الّذي يصف المادة المدروسة، ثمّ يقوم بتحليلها وفق الأساليب العلميّة المتّبعة في هذا المنهج، حيث ستقوم الدّراسة بتوصيف المشهدية السّياسية والاجتماعية  التي كانت قائمة قبل وصول حملة إبراهيم باشا إلى سورية(1831م)، بالتّتبّع لجزئيّات تاريخيّة بدءاً من (1806م) وصولا إلى نتائج قد تكون مقبولة، من خلال الاطّلاع على الأبحاث والدّراسات الّتي أجريت حول هذا الموضوع، ومن ثمّ القيام بتوصيف دقيق للأحداث الرّاهنة، والشخصيات المعاصرة، من أجل إحكام التّصوّر حول المسألة التاريخية المطروحة للبحث، والهدف من وراء ذلك دراسة الموضوع من مختلف جوانبه قدر الإمكان.

ولهذا المنهج أساليب مختلفة، نقوم باستخدام بعضها:

  • 1- أسلوب المسح (الدّراسات المسحيّةSURVEY): ويقوم على:" جمع بيانات ومعلومات دقيقة عن متغيّرات قليلة لعدد كبير من الأفراد"(عليان، 2001، ص49). ويهدف هذا الأسلوب إلى:"
  • - وصف الوضع القائم لظاهرة بشكل تفصيليّ ودقيق.
  • - مقارنة الظّاهرة موضوع البحث بمستويات ومعايير يتمّ اختيارها للتّعرّف على خصائص الظّاهرة المدروسة.
  • - تحديد الوسائل والإجراءات الّتي من شأنها تحسين الوضع القائم" (م ن، ص49).
  • 2- أسلوب دراسة الحالة(CASE STUDY): ويقوم هذا الأسلوب:" على جمع بيانات كثيرة وشاملة عن حالة فرديّة واحدة أو عدد محدّد من الحالات؛ وذلك بهدف الوصول إلى فهم أعمق للظّاهرة المدروسة، وما يشبهها من ظواهر، حيث تجمع البيانات عن الوضع الحاليّ للحالة المدروسة، وكذلك عن ماضيها وعلاقاتها من أجل فهم أعمق وأفضل للمجتمع الّذي تمثّله" (م ن، ص50).
  • 3- أسلوب تحليل المحتوى(CONTENT ANALYSIS): ويقوم هذا الأسلوب:" على وصف منظّم ودقيق لمحتوى نصوص مكتوبة، أو مسموعة، من خلال تحديد موضوع الدّراسة وهدفها، وتعريف مجتمع الدّراسة الّذي سيتمّ اختيار الحالات الخاصّة منه لدراسة مضمونها وتحليله" (م ن، ص50).  

7- فرضيات الدّراسة:

للدراسة عدة فرضيات منها:

  • 1- كانت مظالم مصطفى بربر هي الدافع الأكبر بعد انشقاقه لصالح إبراهيم باشا في وقوف العلويين ضد الحملة المصرية.
  • 2- جاء تعيين عثمان باشا اللبيب ( العلوي) بديلا عن بربر آغا ليزيد من اندفاعة العلويين للاقتصاص من بربر آغا، وبالتالي مواجهة الجيش المصري الغازي.
  • 3- علينا الإقرار بوجود أزمة حقيقية داخل المجتمع العلوي الذي كان مفككاً عشائرياً بين جماعات إقطاعية متخاصمة فيما بينها، ما أدى إلى فشل تمردهم بشكل أساسي، إضافة إلى مهارات الجيش المصري القتالية، وتخلي العثمانيين عن مساندتهم، أو عدم قدرتهم على إمدادهم بما يكفي من عتاد وسلاح للصمود في وجه المصريين.
  • 4- كانت مرحلة الحكم المصري القصيرة التي دامت نحو عشر سنوات هي المرة الأولى التي يتعرضون فيها لحكم سياسي مباشر يختلف عمّا اعتادوا عليه من سلطات العثمانيين التي كانت تحكم مناطقهم بالوكالة، عن طريق الولاة وحكام المناطق والملتزمين لتحقيق غايتين رئيسيتين تتمثلان بجمع الضرائب والأموال الأميرية، والحفاظ على الأمن وردع حركات التمرد ، حيث جاءت إصلاحات إبراهيم باشا على المستويات الإدارية والقضائية والاقتصادية فضلا عن العسكرية مزلزلة المجتمع العلوي الذي اعتاد الحياة القروية المختلفة، ومؤثرة في تكوين هوية جماعية جديدة للعلويين.

8- تساؤلات الدّراسة:

هناك عدّة تساؤلات في هذه الدراسة منها:

  • 1- ما مدى الرغبة في الانتقام من مصطفى بربر آغا لدى العلويين والتي دفعتهم للوقوف ضد المصريين؟
  • 2- ما هو تأثير تعيين عثمان باشا اللبيب ( العلوي) بديلا عن بربر آغا المنشق عن العثمانيين لصالح المصريين؟
  • 3- ما هي أسباب فشل هذا التمرد؟
  • 4- ما هي الظروف التي أجبرت العلويين على التأقلم مع الحكم المصري الجديد؟ وكيف انعكست أنماط الحكم المستجد على حياتهم بشكل عام؟

9- مصطلحات الدراسة:

النصيريون (العلويون) ــ صقر محفوض ــ بربر آغا ـــ إبراهيم باشا ــ عقمان باشا اللبيب ـ بيت ياشوط ـ الشماسنة ـ العشائرـ الليدي أستير ستانهوب  

10- الدراسات السابقة:

هناك عدة دراسات تناولت هذا الموضوع، منها ما هو مرجع عربي، ومنها ما هو معرب أو بلغة أجنبية:

  • 1- باللغة العربية :
  • - صقر، منير عبد الحميد(2012): تاريخ صافيتا في العهد العثماني 922- 1337ه/ 1516- 1918م، ،  دار العرّاب، دمشق،  ط2.
  • - عثمان، هاشم(1997): تاريخ العلويين وقائع وأحداث، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، ط1.
  • - القالش، حسّان(2017): قطار العلويّين السّريع، الوعي السّياسي عند العلويّين، النّشأة والتّطور(1822- 1949)، المؤسّسة العربيّة للدّراسات والنّشر، ط1، .
  • - القحط، بسام عيسى(2002): مقاطعة صافيتا: التاريخ الاجتماعي والاقتصادي(1790- 1832م)، دار الفتاة، دمشق،ط1.
  • 2- الدراسات المعربة:
  • - دوسّو، رينيه(د ت): تاريخ النّصيريين، نقله إلى العربية السفير آصف ناصر، الفرات للنشر والتوزيع، بيروت، ط1.
  • - وينتر، ستيفان(2018): تاريخ العلويين من حلب القرون الوسطى إلى الجمهورية التركية، ترجمة : باسل وطفة، أحمد نظير الأتاسي، مركز حرمون للدراسات المعاصرة، إسطنبول، تركيا، ط1.
  • 3- الدرسات الأجنبية:
  • - Capar, Ali)2013): The History of Nusayris ('Alawis) in Ottoman Syria, 1831-1876, A thesis submitted in partial fulfillment of the requirements for the degree of Master of Art in History, University of Arkansas , May 2013.

 

11-فصول الدراسة:

الفصل الأول: مسار الأحداث قبل وصول حملة إبراهيم باشا(1831)

تمهيد:

عاش العلويون في ظل الحكم العثماني بجبال اللاذقية قبل بزوغ مطلع القرن التاسع عشر في عزلة تامة دامت ثلاثة قرون إلاّ قليلاً تقريباً: "غلَّفها صمتٌ موحشٌ لم يتسلّل منه لا حسّ ولا خبر" ( عثمان، 1997، ص39).

وكان أهل السنة المجاورين للنصيرية:" ينظرون إليهم نظر الازدراء، وهم في جبالهم يعدّون قوة يحسب حسابها، وإذْ كانوا طوع إرادة مشايخهم ورؤساء قبائلهم، كانت سلطة الدولة عليهم قليلة. وإذا كتب للدولة ان أحرزت بعض سلطان عليهم في الشواطئ البحرية أو في الأماكن القريبة من ضفاف العاصي من جهة الداخل، فإن أعالي الجبال كانت معتصمهم ، وربما كان فيها أماكن لم تدسها حوافر الخيول التركية لوعورة مضايقهم" (كرد علي، م س، ج3، 105)

إلى حين تعيين مصطفى آغا بربر (1767- 1835م):" متسلماً لطرابلس سنة 1803م، حتَّى أخذت الأحداث تدقُّ بابهم ( أي باب العلويّين) بعنفٍ، واستفاقوا ليجدوا أنفسهم ضحايا مجازر جديدة اختلفت أسبابها هذه المرة، فبعد أن كانت قديما، عقائدية – دينية، أصبحت اليوم مادّيّة، أو بدافع الانتقام"( عثمان، م س، ص39).

ولجبال العلويين قاعدتان: شمالية وجنوبية:

القاعدة الشمالية: هي :" القسم الشمالي من جبال الساحل السوري، بالإضافة لقسمها الشرقي، فكان يُعرف بجبال الكلبيّة أو بلاد الكلبية نسبة للقبيلة الساكنة فيه، ويبدو أنّ العثمانيين ومن قبلهم المماليك، قد قسموا هذا الجبل الواحد إلى قسمين على مبدأ : فرّقْ تسد"( القحط، 2002، ص54، هامش (1)). وكاد أن يكون فيما مضى هذا القسم الشمالي :" بشبه عزلة تامة عن البلدان المجاورة، وعن الحكومة؛ لأن مراكز السلطة فيه كلها في المدن الساحلية ماعدا مركز (صهيون ــ بانياس) لكن سكانه مثل سكان بقية المراكز الساحلية مسلمون سنيُّون، والعداوة كما لا يخفى، كانت على أشدها بين الأخوين المسلمين العلويّ والسّنّيّ؛ فكان ابن القرية عندما تضطره المصالح إلى زيارة مراكز الحكومة يعرض كرامته الشّخصيّة والمذهبيّة إلى الهوان بأيدي الجهلاء من إخوانه أبناء المدينة، وهكذا كان شأن ابن المدينة في القرية،  والحكومة في ذلك العهد كانت حكومة إرهاق موظفوها كادوا أن يكونوا كلهم أنانيين"( الخيّر، 1996، ص 26).

  • - القاعدة الجنوبية:" جنوب نهر (الحصين ــ قيس) "( القحط، م س، ص37) هي صافيتا، وحاكمها أو ملتزمها كان يُسمّى ويلقّب بِـ( شيخ الجبل)" ( الخيّر، م س، ص 54). وكان هذا القسم الجنوبي من البلاد:" متعرضا أكثر من القسم الشمالي للاحتكاك مع البلدان المجاورة ومع الحكومة يومئذ ولهذا التعرض سبب هو أن مركز الحكومة في قضاء صافيتا كان في الدريكيش قلب البلاد الجنوبية، وسكان هذه القصبة هم مسلمون علويون أي من نفس الأكثرية الساحقة في سكان البلاد فكان ابن قرى صافيتا ــ زعيما كان أو فلاحاً لا يجازف بكرامته الشخصية إذا حضر إلى مركز الحكومة"( م ن، ص 26).

وقد بدأت المواجهات مع جيش إبراهيم باشا في القسم الجنوبي بزعامة حاكم صافيتا، حتى مقتله سنة (1832) ثم انتقلت إلى القسم الشمالي حتى 1835.

 

التوزيع العشائري للعلويين:

ينقسم السكان في جبال العلويين إلى عشائر التي وجدوا فيها ضرورة ماسة لوجودهم، إذْ كانوا": في حاجة إلى رئيس ليردّ عنهم غضب الحكومة، وظلم عمّالها، وتعدّي أفراد العشائر الأُخرى عليهم، والعشيرة التي بدون رئيس، كانت تُصاب بأسْواءٍ منوّعة، وكان أذى عمّال الحكومة، وملتزم الضريبة العشرية، يصبّ عليها من كل صوبٍ، لذلك كان كثير من الأفراد يندمج بعشيرة من عشيرته ليحتمي برئيسها، ورجالها من مصائب الزمان"( الشريف، 1994، ص 115). 

هذه العشائر هي أربع: "عشيرة الخياطين، وعشيرة الحدادين، وعشيرة المتاورة، وعشيرة الكلبية"(م ن ص 116).

وإنّ لكل عشيرة منها :" فروعاً، ولكل فرعٍ مقدماً"(م ن).

  • 1- عشيرة الخياطين: "التي ترتبط بها العبدية(نسبة إلى جدّها عبد الله : م ن، ص 118.) ، والفقاورة(نسبة إلى قرية فقرو في قضاء مصياف : م ن، ص 118.)، والحلبية"( دوسّو، م س،  ص 181).
  • 2- عشيرة الحدادين: "ولهذه العشيرة عدة فروع: بنو علي، بيت ياشوط، مهالبة، بشالوة، ركاونة، عتارية، بيت الحداد، شماسنة" "( الشريف، م س، ص 118). 
  • 3- عشيرة المتاورة: " ولهذه العشيرة عدّة فروع: المتاورة، الجواهرة، الصوارمة، النميلاتية، الدراوسة، البشارغة، العراجنة، المحارزة"(م ن، ص120)
  • 4- الكلبيّة: ولها عدّة فروع:" الكلبية، والرّشاونة، والقراحلة، والرسالنة، وبيت محمد ( الشلف)، وجرود، وجلقية، ونواصرة"( م ن، ص121).

وإلى هذا وذاك ثمّة ظاهرة أُخرى:" تتمثل في أنّ بعض العائر العلويّة قد تفوّقت على غيرها لناحية امتلاكها تقاليد حربية، وخبرة في القتال والغزوات، ما أهّلها لتصدر المشهد العام في بعض المراحل، وأشهر تلك العشائر المحاربة ـ إنْ صحّت التّسمية ـ هي عشيرة الشّماسنة، والمتاورة ، والرّسالنة"( القالش،  2017، ص 37).

كتابة الدّم:

نشأت علاقة خاصة كانت ظاهرة بين العشائر العلوية المحاربة وبين جيرانهم المسيحيين:" إذْ كان يجمع ما بين تلك العشائر وجيرانهم المسيحيين نوع من الميثاق أو العهد يضمن حماية المسيحيين واعتبارهم جزءا من العشيرة، وهو ما كان يُسمّى بِـ(كتابة الدّم) أو كما يصفه محمد الهواش بِـ( المبدأ التضامني الشهير: أكّالين دم، حطّاطين دم)( هواش، 1997م، ص 89، 90.) وكانت عائلات ( سعادة والحلو واليازجي)( اللاذقي، 2013، ص 161، 339، 344). في صافيتا ومشتى الحلو مرتبطة بهذا العهد مع عشيرة الرسالنة وزعمائها من آل الهوّاش، واستمرّت تلك العلاقة التي تحوّلت إلى صداقة تاريخية حتّى أربعينيات القرن العشرن""( القالش،  م س، ص 37).

 

المشهدية عند العلويين في مطلع القرن التاسع عشر:

في بداية هذا القرن:" كان الرسالنة العائلة النصيرية الأقوى، فادّعوا أنّ لهم حقوقاً في مصياف، حيث توجد قلعة منيعة على مدخل أحد أفضل المضائق المؤدية إلى الجبل. وكانت القلعة في قبضة الإسماعيليين وقد صدّوا عدّة هجمات عليها""( دوسّو، م س،  ص 182).

وفي العام 1808م كان نصيريان، قد سبق أن التحقا بخدمة أمير مصياف الإسماعيلي:" مكلفين باغتيال الأمير، وفي اليوم المتفق عليه نفّذا الأمر وقتلا الأمير طعناً بالخناجر"( م ن، ص 182).

في تلك الأثناء كان عدد من النصيريين:" رابضين في الجوار، فانقضّوا على السكان، وقتلوا عددا كبيرا منهم، ونهبوا المدينة ثم استولوا على القلعة"( م ن، ص 182).

أرسل الباشا والي دمشق فوراً إلى المنطقة :" فرقة قوامها من أربعة إلى خمسة آلاف رجل، قاوم الرسالنة ثلاثة أشهر، ثم اضطروا للانسحاب"( م ن، ص 182).

حاولت الكتائب التركية أن تتوغل أكثر في البلد:" لكن هؤلاء المتشددين من أبناء الطائفة دافعوا ببسالة، فاقتصرت إنجازات الجيش التركي على السلب والنهب وإضرام النيران في ثلاث أو أربع قرى من قراهم؛ حينئذٍ استدعيت الفرقة التركية على الفور"( م ن، ص 182).

الصدام بين الشّيخ صقر محفوض وبربر آغا (1806):

الشَّيخ صقر المحفوض هو الشيخ صقر بن محفوض بن درويش الشبلي (ت 1814م)، وهو معروف في الوثائق الدبلوماسية الفرنسية بالشيخ صقر( (Sakkar وكذلك في سجلات المحكمة الشرعية في طرابلس بالشيخ صقر أو سقر المحفوض (المحكمة الشرعية : سجل 38، ص 53، 1208هـ/ 1794م). وهو الأكثر شهرة في بيت شمسين:" ويرد ذكره في وثائق الالتزام عام ۱۷94 م ويتوالی دوره كملتزم لمقاطعة صافيتا حتى عام ۱۸۰۸ م . حيث يُعطي زمام القيادة ظاهريا إلى ابنه الشيخ دندش، ويبقى مديراً للأمور من وراء الستار، وذلك حتى وفاته في العام 1814 في مدينة طرابلس" ( القحط، م س، ص55).

التزم الشيخ صقر مقاطعة صافيتا سنة 1804م:" بواسطة وكيله الشيخ سليمان بن إبراهيم اليازجي، بمبلغ (43820.25 قرشاً أسديّاً) يساوي(37) كيساً بعملة ذلك الزمان"( عثمان، م س، ص40).

ولأسباب غير معروفة:" امتنع الشيخ صقر عن دفع الأموال الأميرية عن العام 1806م، فاعتبر مصطفى بربر هذا التصرف خروجاً عن الطاعة يستوجب المعاقبة والتأديب"(م ن، ص40).

وحتى يتمّ له ذلك :" طلب النجدة من الأمير بشير الشهابي (1767- 1850)، ومن الشيخ جرجس باز(1768- 1807) مساعد أولاد الأمير يوسف شهاب(1748- 1790م)؛ فأرسل إليه الأمير بشير عسكراً من الشوف انضم إليه عند وصولهم إلى طرابلس: أهل بلاد جبيل والضنية وباقي تلك المقاطعات وأهالي عكار وأصحاب وادي الروايد – بلاد الحصن – وبلغ مجموع العسكر نحو ثلاثة آلاف، توجهوا إلى بلاد صافيتا"( م ن، ص39)..

وعندما أحسّ الشّيخ صقر بخروجهم إليه أرسل إلى الملاّ إسماعيل ( كبير أغاوات الدالاتية) المُقيم بحماة، خمسين كيساً، وطلب النجدة منه، كما أرسل كتباً بهذا لمعنى إلى كلّ من يحيى بك العظم (متسلم حماة) ، ومحمد باشا أبو المرق (باشا يافا) وساري عسكر الحجاز الذي كان موجوداً عند الملا إسماعيل بحماة"( م ن، ص40).

وقام هؤلاء بالاتصال بمصطفى بربر:" فرفض ذلك، وتابع العسكر سيره إلى بلاد صافيتا، وحالما وصلوا إلى أطراف البلاد، شرعوا بحرق غلالها، وكانت الدنيا صيفاً، فأتت النار على أموال لا تُحصى""( م ن، ص40).

ولمّا تبيّن للشيخ صقر تقاعس الملا إسماعيل عن نجدته، أرسل أحد أولاد عمّه إلى الشيخ جرجس باز، وكلّمه في الصلح، فاستقبله الشّيخ جرجس استقبالاً حسناً، وأصدر أمراً إلى عسكره بالكفّ عن الحريق، وأصلح ما بين مصطفى بربر والشيخ صقر تحت 250 كيساً""( م ن، ص40). وكان جرجس باز :" خشي خذلان العسكر له؛ لذلك سعى إلى هذا الصلح""( م ن، ص40).

حملة كنج يوسف الباشا على علويي بلاد صافيتا( حزيران 1808م):

لم يكد العلويون يتنفسون الصعداء بعد الصلح مع بربر آغا حتّى دهمتهم مصيبة ثانية أشدّ وأدهى:" ففي حزيران عام 1808م، قام والي الشام كنج يوسف باشا بحملة على علويي بلاد صافيتا، انتقاما لمقتل الأمير مصطفى اليزيدي على يد بيت رسلان (أولاد عمّ الشيخ صقر المحفوض)" "( م ن، ص41).

وعندما وصلت عساكره إلى صافيتا:" شرعت في نهب أموال العلويين، وحرق زروعهم وأغلالهم، وسبي الحريم والأولاد، وخرّب الدّور والقرى، واستولى على برج صافيتا وهدّموه""(م ن، ص40).

وفي محاولة للدفاع عن النفس:" هاجم العلويون مع الشيخ صقر المحفوض العساكر، لكنّ هجومهم فشل، واضطروا إلى الفرار، وقامت عساكر الشام بمحاصرة قلعة مصياف وقلعة القدموس وسواها من الحصون، ودام الحصار ما يقرب من شهرين""( م ن، ص40).

ولمّا ضاق الخناق على الشيخ صقر:" أرسل أخاه وولده إلى يوسف باشا، وعرضوا عليه مالاً في مقابل رفع الحصار، فقبض عليهم، وقيّدهم بالأغلال، وعذّبهم عذابا شديداً، وتعهدوا له بستمائة كيس، فقبل منهم، ورفع الحصار، وعاد من حيث أتى""( م ن، ص41).

وفي سنة ١٢٢٣(1808-1809):" مرّ ببلاد النصيريين طبيب إنكليزي فقتله الرعاع هناك، فصدرت الأوامر بالقبض على القتلة؛ فأرسل سليمان باشا والي صيدا عسكرًا بزعامة مصطفى بربر، فاكتسح ديارهم وقتل سبعين رجلًا من كبارهم، وحشا رؤوسهم تبنًا وبعث بها إلى الباشا، ثم امتنع النصيرية عن أداء المال فأرسل عليهم مصطفى بربر فنكل بهم وقتل خمسة وأربعين من رجالاتهم فأخلدوا إلى الطاعة. وكان من مقتل الطبيب وسيلة إلى الغارة على ضعاف الرعايا في زمن أصبح فيه شنّ الغارات صناعة يحترفها أناس مخصوصون في خدمة متغلب من المتغلبين"(كرد علي، م س، ج3، 43)

حملة بربر آغاد لتأديب نصيرية بلاد المرقب والقرداحة (1811م):

تتابع مسلسل العنف والحملات العسكرية ضد العلويين بمعدل حملة كل عام أو ثلاثة أعوام:" بحجة عدم دفع المال الأميري، والخروج على النظام والطاعة، والقيام بأعمال شقاوة.. والحقيقة أنَّ المسألة لم تكن مسألة خروج عن النظام والطاعة وأعمال شقاوة، وإنما ردّة فعل على واقع اجتماعي متخلف في غاية البؤس؛ لأن الحكومة عندما كانت تشن الحملات العسكرية لتطويع العلويين، كانت تتبع معهمسياسة الأرض المحروقة، تحرق غلالهم، وتقطع أشجارهم وكرومهم، وتنهب مواشيهم وممتلكاتهم، وتسبي النساء والأطفال، وتهدم البيوت والقرى، وتتركها قاعاً صفصفاً غير صالحة للسكنى والحياة؛ لذلك كان العلويون يلجأون إلى الأعمال التي تراها الدولة أعمال شقاوة تحت ضغط الحاجة"( عثمان، م س، ص41).

ففي سنة (1226ه/1811م) ، أصدر سليمان باشا(والي صيدا والشام) أمراً إلى:" مصطفى آغا بربر( وقتئذٍ المتسلم طرابلوس الشام) بأن يسير في العساكر لتأديب النصيرية القاطنين في بلاد المرقب، فسار المذكور إليهم بجملة من العساكر، وجرى بينهما حروب كثيرة مدة أربعة أشهر، فلم يقدر على تملكهم. حيث صعوبة تلك البلاد التي لم تكن تسلك بها الخيل ولا تجوزها العساكر. وكابدت عساكر مصطفى آغا مشقة عظيمة من زود البرد والأمطار. حيث أن قد كان عند وصوله أحرقوا تلك القرايا التي تملّكوها من أطراف البلاد، وجعلوا إقامتهم بتلك المدة في الخيام. وقد كان أول الشتى وزادت الامطار والأرياح. ثم أرسل مصطفى بربر يستنجد من سليمان باشا أن يأمر متسلم حماه بالمعاونة له، فحضر متسلم حماه بعسكر نحو الفين. وحين وصوله أمره مصطفى بربر أن يهجموا على قرية النصيرية. وكان يقال لها عين الكروم. وقد كانت موعرة المسالك، صعبة الطرقات، ولم يقدر عسكر حماه أن يجوزها. وغضب مصطفى بربر على عسكر حماه، وأمر المتسلم بالرجوع، ولم يعود يقبله. فرجعوا و ضاقوا مشقة زايدة، من كثرة الأمطار، وتزايد الأنهر الذي جازوها عند رجوعهم. وقد هلك منهم عدة أناس ودواب في الأنهر، وذهبت أثْقالهم وأحمالهم، ورجعوا إلى حماه بسوء حال، وبقي مصطفى بربر مثابراً أمام بلاد النصيرية إلى أن سلموا له، وارتضا منهم بمالا يسيرا لا يبلغ جزوا من تلك الأكلاف الذى نفدت منه على ذلك التدبير. وبعد أن سلمت مقاطعة قرداحا وتلك الايالات الى مصطفى اغا بربر. رجع الى اللاذقية واعطى نظام تلك الاماكن. ثم رجع الى مدينة طرابلوس‏"( الشّهابي، 1969، القسم الثالث، ص 573.)

وفي هذه السّنة :" تظاهر بالعصيان أهل مقاطعة القرداحة ( النصيرية) في أعمال اللاذقية، فمشى عليهم بربر وحاربهم، وقطع منهم سبعة وشعرين رأسا وأرسلهم إلى عكا، فانوضعت في عكا ثلاثة أيام للفرجة، وبعدها أرسلها الوزير سليمان باشا للباب العالي"( الخوري، ١٩٨٥، ص 40).

مذبحة بيت ياشوط ( الأحد 3 كانون الأول 1815م/ محرم 1231هـ)

قُتِل في مقاطعة بيت ياشوط، بجبال العلويين:" عشيق الليدي أستير ستانهوب، الكولونيل ڤانسون- إيڤ بوتان(وقع خطأ في لفظ الاسم هكذا: فنسان كيفل بوتان.) ، أحد ضباط بونابرت، وكان بمهمة تجسسية يتفقد خلالها قلاع وحصون الصليبيِّين كقلعة حصن الأكراد، وقلعة صهيون، وقلعة مصياف، وقلعة المرقب، وغيرها" ( م ن ص 129).

فمن هي هذه الليدي؟ ومن هو هذا الجاسوس الفرنسي؟

الليدي هستر ستانهوب(lady hester Lucy Stanhope )(12 آذار1776- 23 حزيران 1839م): من عائلة نافذة في  بريطانيا، فخالها هو وليام بت السياسي المعروف والذي شغل منصب رئيس الوزراء البريطاني، وجدّها هو اللورد حاثام، ووالدها تشارلز ستانهوب، إيرل ستانهوب الثالث، من زوجته الأولى الليدي هستر بت(الغول، (28/8/2021م))

ودار السّت: هو المنزل الذي اتخذته الليدي أستير ستانهوب«Lady Hester Stanhope » (۱۷۷۹-۱۸۳۹ ) مقرا لها في بلدة جون؛ والليدي أستير هي إبنة أحد كبار اللوردات الإنكليز، العالم الموصوف شارلز ستانهوب« Charles Stanhope » ( ۱۸۱۹ - ۱۷۵۳ )( قزي، 2001، ص 78).هذا المنزل:" هو المقر الذي أطلقت منه الليدي أستير ستانهوب ـ في زمن الانكشارية ـ رصاصة الفتنة على الجبل"( م ن، ص 78).

وجاءت الى صيدا في السادس من كانون الثاني (يناير) من عام 1814م، حيث:" أمّن لها المطران أثناسيوس جناحاً في دير مار الياس في منطقة عبرا القريبة من صيدا، ولكن بعد اجتياح الطاعون المنطقة، انتقلت إلى بعلبك ثم أهدن وبشري، فطرابلس بضيافة مصطفى آغا بربر الذي استجاب لطلب الوالي سليمان، فانتقم لها بعد فقدان صديقها الكولونيل بوتين في اللاذقية بتدمير 32 قرية"(الغول، 2018)

أمّا من هو ڤانسون- إيڤ بوتان (Vincent-Yves Boutin)؟

ولد في يناير 1772 في قرية صغیرة (لوروبوترو) ((Bottereau-Loroux  الواقعة بضواحي(نانت (Nantes )(على المجرى الأدنى لنهر اللوار. ونشیر بأن بوتان هو اللقب فاسمه الشخصي هو فانسون، وأبوه ایف ،وأمه "بیرین غیت " Guillet Perrine وله خمسة إخوة تتمتع عائلته بمكانة معتبرة في "اللوار" فهي تنتمي إلى الطبقة البرجوازیة الصغرى والمثقفة(بنور، 2007م، ص 355.)

قتل إذا هذا الجاسوس، فتأثّرت الليدي أستير لمقتله:" ووجّهت رسائل ملحّة إلى سليمان باشا(والي صيدا) وكانت تربطها به علاقة حميمة، وحرّضته على الانتقام لمقتله، واستجاب سليمان باشا لطلبها، وأرسل الأوامر المشدّدة إلى مصطفى بربر للانتقام من العلويّين" ( عثمان، م س، ص42).

وفيها حضر أمر شريف من الباب العالي:" إلى سليمان باشا أن يوجه عساكر على بلاد النصيرية وعلى بلاد صافيتا، والسبب في ذلك أنّه كان مارَّا على الطريق رجل من أشراف الانكليز قصده التّنزه والفرجة على البلدان. فقتلوه أناس من النصيرية من مقاطعة بيت ياشوط، فانعرض إلى الدولة العلية بذلك فحضرت أوامر كما ذكرنا. فأمر سليمان باشا إلى مصطفى آغا المتسلم وقتيذٍ مدينة طرابلوس من قبله ووجّه معه العساكر وأمره أن يقوم الى اللاذقية وينتقم من تلك العصاة فتوجه حالا مصطفى بربر برجاله حسب الأوامر وداس بعسكره تلك الأراضي. فحدث جملة مواقع بينه و بين شيعة النصيرية القاطنين بتلك الاقطار. وراح منهم جملة قتل. ونهب عساكره تلك الأماكن وأحرقوا الزروع وقطعوا الأشجار وقتلوا وسبوا النساء والأولاد.

وبقي مصطفى آغا في اللاذقية خمسة أشهر، إلى أن مهّد تلك الأرض، وسلّموا له الجميع. وأحرق تلك الأوعار التي على جانب الطريق. ثم رجع إلى طرابلوس و رجع عسكر سليمان باشا الى عكا" ‏"( الشّهابي، م س، ص 630)

الفصل الثاني: المشهدية عند العلويين عند وصول إبراهيم باشا إلى طرابلس(9 كانون الأول 1831م):

لم يصل العلويون في تلك الأثناء إلى مستوى يجعلهم طائفة أو جماعة مسلحة ذات تقاليد قتالية وحربية راسخة كالدروز مثلا، بالرغم من التنامي المُطرد لقوتهم:" وذلك يعود بالدرجة الأولى إلى انقسام هذه الجماعة، التي كانت تعيش في ظروف الفقر والجهل إلى عدة تجمعاتٍ.." "( القالش،  م س، ص 43).

وكانت طبيعة العلاقة مع العثمانيين :" قد بدأت تتغير دون أن تستقر على شكل واضح؛ إذ تأثرت بالأوضاع السياسية وحالة من القلق التي كانت تعيشها الدولة العثمانية. هكذا مثلا، كانت قوة الزعماء العلويين المتزايدة، ماديا وعسكريا، قد فرضت على العثمانيين تغيير طريقتهم في التعامل معهم في بعض المناسبات، خاصة وأن قوتهم تلك كانت قد بدأت تتخطى حدود مناطقهم"( م ن، ص44).

إضافة إلى أن الدعاية المنظمة ضد الأقليات غير السنية التي استخدمها والي مصر محمد علي قد بلغت أوجها في عشرينيات القرن التاسع عشر :" ما جعله يبالغ في تقير قوة العلويين والدروز أمامه، ويدعي أنّهم يتعاونون مع اليونانيين"( وينتر، 2018، ص 102، 103.).

كان يحكم جبل العلويين:" زعماء محليون الذين كانوا يدفعون  الجزية إلى الباشا والي طرابلس"( دوسّو، م س،  ص 183).

وكانت هذه المناطق :"مزدهرة بزراعاتها المتنوعة ومثيرة للتنافس، وتبيّن الرّسالنة أنّ نفوذهم أخذ بالتراجع وكان خصومهم بيت شمسين (الشماسنة) يسيطرون على صافيتا، ويمهّدون لتنظيم مقاومة لقدوم إبراهيم باشا"(م ن، ص183).

لم يتأخر العلويون في مؤازرة العثمانيين في صد الجيش المصري، بل لبوا ذلك بحماسةٍ:"

 وفيما يميل البعض إلى تفسير ذلك كدليل على ولاء الإقطاعيين العلويين للسلطنة العثمانية، وهو ما ليس واضحاً أو حاسما هنا، لا يمكن تجاهل سبب آخر أكثر مباشرة ووجاهة يكمن في رغبة ذاتية تتعلق بصافي المحفوض والعلويين أنفسهم، وتتلخص في أمرين هما:

الرغبة في الثأر، وحماية النفس؛ فالمعركة التي كانوا يستعدون لها لم تكن ضد المصريين فقط، بل ضد بربر آغا، عدو العلويين الأبرز في تلك الفترة من الزمن، والذي ارتبط اسمه بكثير من المظالم وأعمال الانتقام التي ارتكبها ضدهم على مدى ثلاثة عقود منذ أن سلمه العثمانيون  حكم طرابلس في 1803، قبل أن ينشق عن السلطنة وينتقل إلى المعسكر المصري مع وصول إبراهيم باشا" "( القالش،  م س، ص 44).

 

بدء حملة إبراهيم باشا:

في الثالث والعشرين من تشرين الأول سنة 1247ه/ 1831م:" زحفت جيوش إبراهيم باشا باتّجاه بلاد الشّام، وبدأت حصارها لعكّا في عشرين تشرين الثاني من نفس السّنة"( الدمشقي، ١٩١٢، ص48).

وبعد إحكام الحصار على عكّا:" قام إبراهيم باشا بتعيين مصطفى بربر آغا متسلّما على طرابلس الذي دخلها بتاريخ التاسع من شهر كانون أول سنة 1831م، وكان أول عمل له تعيين إبراهيم السندروسي قاضيا شرعيا لمحكمة طرابلس"( سليمان،  2001، ص223.)

تعيين المير ميران العلوي عثمان باشا اللبيب 1831م:

على أثر هذا تعيين إبراهيم باشا لبربر آغا متسلماً لطرابلس:" تأكد السلطان العثماني محمود الثاني(1785- 1839م) أنّ إبراهيم باشا لديه نوايا توسعية تتجاوز ولاية صيدا (عكا) لذلك عيّن واليا على طرابلس هو عثمان باشا اللبيب، وأصدر له الأوامر بالتّصدي لقوات إبراهيم باشا، وأتبع ذلك بقرمانٍ وصف فيه محمد علي باشا بالمتمرد والخارج على أوامره، وهذا ما جعل الرأي العام الإسلامي يتغير تجاه محمد علي باشا إلى الأسوأ، وخاصة في طرابلس ومقاطعاتها، حيث بدأ الأهالي الاستعداد لمواجهة متسام طرابلس وسيده؛ لأن غالبية السكان ما زالت على ولائها للسلطان بصفته حامي الإسلام وخليفة المسلمين"( صقر، 2012، ص 267).

كَثُرتْ مظالم بربر للعلويّين، وفي هذه السنة عيّنت الدولة العثمانية خصمه عثمان باشا اللبيب الذي وصفه إبراهيم باشا بخطاب إلى أبيه بتاريخ 23 رمضان 1247ه بِأنّه:" من أهالي جبال النصيرية ( العلويين) وله كلمة نافذة فيهم، حيث أغرى تلك الجبال واستمالهم إليه وأفسدهم علينا.."( نعيسة،  2004، ص144.) وهو كان :"أمين المعادن، وقائممقان سابقا في دمشق، وهو من جبال العلويين أصلاً، وحرّض سكانها ضد إبراهيم باشا، واستمال مشائخها"( صقر، م س، ص 273، هامش(2).).

ولم يكتفِ عثمان باشا بإرسال الرسل والكتب إلى الشيوخ والوجهاء:" بل طلب حضورهم إليه في اللاذقية كي يتأكد من صدق ولائهم وإمكانياتهم العسكرية. وفي الوقت ذاته كان يستعد للتوجه إلى طرطوس حيث تتجمع قواته التي تحضر للهجوم على طرابلس، وحدد توقيت هذا التحرك يوم الاثنين الثالث من شوال، كي يلتقي في جنوب طرطوس مع القوات الصافتلية والطرطوسية والقدموسية والعكاكرة وغيرها، بالإضافة إلى ألفي جندي دولة نظامي كان قد أرسلهم سابقا"( م ن، ص 270).

 والياً على طرابلس بدلاً من مصطفى بربر الّذي انحاز إلى محمد علي باشا والي مصر:" ولما رفض مصطفى بربر التنازل لعثمان باشا عن طرابلس حضر عثمان إلى اللاذقية، وأخذ يعدّ العدّة لمحاربة مصطفى وطرده من طرابلس بالقوة، ومن أجل تقوية موقفه وكسب المزيد من المؤيدين والأنصار، اتّصل بملتزمي مقاطعات اللاذقية وعكّا وطرابلس وأعيان نابلس، وكان من بين الين اتّصل بهم الشيخ صقر المحفوض، الّذي وعد بالمساعدة، وتعهد له بجمع ثلاثة آلاف مقاتل" ( عثمان، م س، ص44).

ولكن عثمان باشا:" لأسباب تتعلق بتجهيز قواته تأخر عن هذا الموعد، وغادر اللاذقية يوم الجمعة السابع من شوال، وكان برفقته (1500) جندي دولة، وسبق وصوله إلى طرطوس ذخيرته وعتاده العسكري الذي أرسله عن طريق البحر بالشخاتير"( نعيسة،  م س، ص 242.).

 

اجتماع عثمان باشا مع صافي صقر محفوض:

عقد عثمان باشا مع الشيخ صافي صقر اجتماعاً في طرطوس يوم الخميس 13 شوال 1247ه/15 أذار 1832م:" واطّلع منه على جاهزية قوات صافيتا حيث قدّم له ما ينقصه من الأسلحة والذخيرة وعدد من الخيول "( م ن، ص 242). كما قدّم حاكم صافيتا لقوات اللاذقية :"القادمة مع عثمان باشا عند وصولها إلى جنوب طرطوس ألف راس غنم، ومائة رأس بقر، ومائة شنبل برغل، ومائة شنبل شعير، وعدة مئات من خيش التبن"( صقر،  م س، ص 271.). 

مقتل صافي صقر محفوض ( 29 شوال 1427هـ/ السبت 31 آذار 1832م):

جرت معركة فاصلة بين عثمان باشا وبربر آغا:" انتهت بهزيمة عثمان باشا وسقوط الشيخ صافي صقر المحفوض جريحاً، فحمله رجاله إلى مسقط رأسه قرية بيت شمسين، لكنه مات في الطريق" ( عثمان، م س، ص44).

بعد هذه المعركة خضعت منطقة اللاذقية وسائر بلاد الشام لحكم محمد علي باشا والي مصر

متاجرة الضباط المصريون بالبنات العلويات:

تهافت الضباط المصريون بعد دخول اللاذقية على شراء البنات العلويات والمتاجرة بهنّ:" وهذا ما أثار نقمة وكيل قنصل فرنسا باللاذقية، وخاصة بعد أن التجأت إليه بنت علوية فاشتراها وأطلقها، وكتب إلى إبراهيم باشا، قائد الحملة المصرية في بلاد الشام، بما يجري على يد ضباطه، وقدم له جدولاً بأسماء البنات العلويات اللواتي ابتعن لبعض ضباط الجيش، ووجه أصابع الاتهام إلى أيوب آغا بلوكباشي ورئيس التفكجية"(بادياني، 2010، ج1، ص451).

اهتمّ إبراهيم باشا بهذه الشكوى :" وطلب إلى قائد الجيش التحقيق فيها، وأمره بإعدام المشكو منه حال ثبوت التهمة عليه، كما أمره بإعادة البنات العلويات إلى ذويهن"( عثمان، م س، ص45، نقلاً عن المحفوظات الملكية المصرية، إعداد الدكتور أسد رستم ج4، ص 176).

يذكر تلحمي أنه خلال التمرد: "استعبد الجنود المصريون بعض النصيريات مع أن الاستعباد محظور في الإسلام وقد فعلوا هذا بعد فتوى المغربي التي صدرت في عشرينيات القرن التاسع عشر والتي سمحت باستعباد النصيريين"( TALHAMY, 2010, p183.)

التسوية مع آل الشيخ  صقر المحفوض :

لم يخرج بعد مقتل الشيخ صقر المحفوض زعماء لمواجهة المصريين، بل توجد حجة التزام  لصافيتا من والي طرابلس إلى الشيخ خضر بن صقر المحفوض:" الذي تلا أخيه (صافي الصقر) في التزام مقاطعة صافيتا بعد دخول المصريين ، أي أعوام 1832- 1833، وفيما بعد حتى إلغاء إبراهيم باشا لقانون الالتزام في عام 1835م" "( القحط، م س، ص63)، مما يدل على حدوث تسوية مع إبراهيم باشا، مباشرة بعد مقتل الشيخ صافي في السنة نفسها، دخلت معه صافيتا قاعدة القسم الجنوبي من الساحل في مرحلة سبات مؤقتة، لتنتقل الصراعات إلى القسم الشمالي الذي سنجد أن فجر انتفاضات لاحقة ضد الحكم المصري الجديد.

ثورة النصيرية ضد إبراهيم باشا من جديد:

بالرغم من الموقف المشرف الذي اتّخذه إبراهيم باشا، تجاه رفضه بيع البنات العلويات؛ فإنّه وقع في خطيئة قاتلة: "هي محاولته إضعاف سلطة المشايخ والزعماء العلويين، وفرض ضرائب جديدة" (عثمان، م س، ص45)، ولو استعملت في سياستها المداهنة:" وأبقت المشايخ، وكل زعيم في مركزه إلى أن امتلكت قلوب الشعب، وأمنت جانبه، ونالت ثقته كما تجري عليه سياسة إنكلترا، وكل أمة مرتقية؛ فلمّا تستوثق من الشعب، وتتأكد من حبّه لها، تقلبُ ظهر المجن(أي تَحَوَّلَ من الصداقة إلى العداوة)على الزعيم المستبد، وتنبذه، فلو اتّخذت هذه السياسة لكانت العاقبة أسلم ، ولكنها طالما استولت على البلاد، أخذت بقطع الرأس وأبقت الجسد تحت المعالجة"( الدمشقي،1908، ص 115).

لذا كان أول من شهر عصيانه:" وامتنع عن دفع الرسوم إلى الحكومة: النّصيريّة، فاضطرّتِ الهيئة الحاكمة إلى الاكثار من الجند في البلاد، وخَضْدِ شوكة العصاة(خضَد شوكة فلان: كسر حِدَّته وغَلَبَه)، وأرسل شريف باشا عصابة من لبنان لإخضاع الثائرين الّذين اعتصموا بجبال اللاذقية وفازوا بالغلبة على رجال الحكومة(م ن، ص115).

ولمّا علم شريف باشا بما حل برجاله:" جمع فرقة من الجيش المنظم، وأرسلها إلى الثوار، وأكرههم على الطاعة والسكينة"( م ن، ص116.).

وبدأ تدفق العسكر المصري على اللاذقية، وبعد الظفر على الثوار في جبالها:" جاء دور المدينة حيث تم إلقاء القبض على بعض الأهالي الذين ساعدوا الثوار واشتركوا في نهب أموال الحكومة وبعض العساكر" ( عثمان، م س، ص46).

وبالرغم من أنّ إبراهيم باشا:" تمكن من إخماد نار الثورة في جبال اللاذقية، والسيطرة على الوضع، وإلقاء القبض على عدد من الثوار وزجهم في السجون، فأن الدول الغربية بقيت تتآمر عليه في لبنان وسوريا وفلسطين، مثيرة المشاكل والصعوبات في وجهه، ولم يجد من يسانده ويقف إلى جانبه غير الأمير بشير الشهابي، لذلك عينه حاكما على كل الثغور السورية، من حيقا إلى اللاذقية، بما في ذلك صفد وطبرية والناصرة وملحقاتها، وطلب إليه إعادة النظام في هذه الأماكن (عثمان، م س، ص46).

انتهاء التمرد (نيسان 1835م):

استمر تمرد العلويين:" حتى منتصف أبريل عام 1835، حيث لم يساعد العثمانيون ولم يرسلوا ما يكفي من المواد لتعزيز المقاومة النصيرية ضد الحكم المصري. وبعد ثمانية أشهر من الصراع المستمر، نُزع سلاح العلويين وجرى تجنيدهم"( Capar, 2013, p57.).

بعد قمع التمرد:" أمر إبراهيم باشا باعتقال كل متمرد نصيري من أجل السيطرة على مدى ملاءمته للجيش، ولنزع أسلحتهم. لقد تم تجنيد حوالي 4000 نصيري وأجبر الكثير منهم على مغادرة الجبال. بالإضافة إلى ذلك، فقد دمر المصريون قراهم وآبارهم، وقطعوا أشجار الفاكهة ونهبوها"(L. Tibawi, 1969,p 74.)

12-خاتمة واستنتاجات

 في نهاية هذا المبحث الّذي حاولنا فيه الإضاءة على مختلف حيثيات التمرد العلوي النصيري (31 آذار 1832- نيسان 1835م)  ضد الحكم المصري في سورية، والذي جاء نتيجة تراكمات تاريخية، وترافق مع أحداث جديدة، لم تفسح المجال لإمكانية إيجاد صيغة من التعاون أو التأقلم بين الطرفين، إلاّ بعد ثورات وصراعات دفع فيها الطرفان خسائر فادحة. 

نوجز ما توصّلنا إليه بالنّقاط التّالية، والّتي نعتبرها كإجابات على الإشكاليّات والتّساؤلات الّتي طرحناها في المقدّمة، مع توضيح الفرضيات الابتدائيّة الّتي انطلقنا منها في هذا البحث.

  • 1- لم يستغل العلويون النصيريون الحملة المصرية على بلاد الشام لتصفية حساباتهم المؤلمة ضد الحكم العثماني الذي كان جاثما على صدرهم منذ ما يقارب (315) سنة (1516- 1831) حسب زعمهم، فكانت الرغبة في الانتقام من مصطفى بربر آغا العدو الأبرز لهم ، والذي انقلب لصالح محمد علي، العامل الأساس والسبب الأقوى الذي يمكنه تحمل تفسير هذا الوقوف المتحمس بشراسة للاقتصاص منه، وبالتالي مواجهة الحملة المصرية الذي كان يشكل رأس حربة فيها.

بجملة واحدة مختصرة :كانت مظالم مصطفى بربر هي الدافع الأكبر بعد انشقاقه لصالح إبراهيم باشا في وقوف العلويين ضد الحملة المصرية.

  • 2- جاء تعيين عثمان باشا اللبيب ( العلوي) بديلا عن بربر آغا ليزيد من اندفاعة العلويين للاقتصاص من بربر آغا، وبالتالي مواجهة الجيش المصري الغازي. وقد كان لعثمان باشا دورا مؤثراً وعاملاً قوياً في استمالة زعماء العلويين ومشايخهم للوقوف في صفهم، والقتال لأول مرة في تاريخهم صفا إلى صف مع عدوّهم العثماني التقليدي.
  • 3- فشل هذا التمرد في نهاية المطاف رغم تحقيقه انتصارات كثيرة، وتكبيده الجانب المصري خسائر فادحة، حيث يجب علينا الإقرار بوجود أزمة حقيقية داخل المجتمع العلوي الذي كان مفككاً عشائرياً بين جماعات إقطاعية متخاصمة فيما بينها، ما أدى إلى فشل تمردهم بشكل أساسي، إضافة إلى مهارات الجيش المصري القتالية، فلم يكونوا بمستوى جيش كالجيش المصري الذي يمتلك مهارات فائقة وتخلي العثمانيين عن مساندتهم، أو عدم قدرتهم على إمدادهم بما يكفي من عتاد وسلاح للصمود في وجه المصريين .
  • 4- كانت مرحلة الحكم المصري القصيرة التي دامت نحو عشر سنوات هي المرة الأولى التي يتعرضون فيها لحكم سياسي مباشر يختلف عمّا اعتادوا عليه من سلطات العثمانيين التي كانت تحكم مناطقهم بالوكالة، عن طريق الولاة وحكام المناطق والملتزمين لتحقيق غايتين رئيسيتين تتمثلان بجمع الضرائب والأموال الأميرية، والحفاظ على الأمن وردع حركات التمرد ، حيث جاءت إصلاحات إبراهيم باشا على المستويات الإدارية والقضائية والاقتصادية فضلا عن العسكرية مزلزلة المجتمع العلوي الذي اعتاد الحياة القروية المختلفة، ومؤثرة في تكوين هوية جماعية جديدة للعلويين.

 

13-قائمة المصادر والمراجع

الوثائق:

  • - المحكمة الشرعية : سجل 38، ص 53، 1208هـ/ 1794م.

المصادر والمراجع العربية والأجنبية والمعرّبة:

المصادر العربية:

  • بادياني، محمد حسن(2010): العلويون هم أتباع أهل البيت فتاوى مراجعهم وشرح نص بيانهم، مؤسسة البلاغ للطباعة والنشر والتوزيع‏، عدد الأجزاء:14، ط2.
  • الخوري، أغناطيوس طنّوس(1985): مصطفى آغا بربر حاكم طرابلس واللاذقية 1767- 1864م، جروس برس، طرابلس، ط1.
  • الدّبس، يوسف(2017): الموجز في تاريخ سورية، مؤسسة هنداوي، مصر، ط2.
  • الدمشقي، الدكتور ميخائيل مشاقة(1912): حوادث الشام ولبنان من سنة ١٧٨٢-١٨٤١، المطبعة الكاثوليكية، بيروت، ط1.

: (1908): كتاب مشهد العيان بحوادث سوريا ولبنان، طبع بمصر.

  • رافق، عبد الكريم (1974): العرب و العثمانيون (1516 – 1916)، دمشق، مطابع ألف باء – الأديب، ط1.
  • زيدان، جرجي(2011): تراجم مشاهير الشرق في القرن التاسع عشر، مؤسسة هنداوي، مصر، ط2، جزآن.
  • الشّهابي، الأمير حيدر أحمد(1969): لبنان في عهد الأمراء الشهابيين، وهو الجزء الثاني والثالث من كتاب الغرر الحسان في أخبار أبناء الزمان للأمير حيدر أحمد الشهابي، عني بضبطه ونشره وتعليق حواشيه ووضع مقدمته وفهارسه: الدكتور أسد رستم، والدكتور فؤاد أفرام البستاني، منشورات الجامعة اللبنانية، قسم الدراسات التاريخية 17، بيروت، ط1، 3 أقسام، القسم الثالث.
  • اللاذقي، إلياس صالح(2013): آثار الحقب في لاذقية العرب، تحقيق إلياس جريج، دار الفارابي، بيروت، ط1.

المراجع العربية:

  • 1- بنور، فرید(2007): المخططات الفرنسیة تجاه الجزائر(1792 -1830م)، مؤسسة كوشكار، الجزائر ، 2007م.
  • 2- جحا، شفيق وَ عثمان، بهيج وَ البعلبكي، منير(1950) : المُصوّر في تاريخ لبنان، دار العلم للملايين، بيروت، ط1، عدد الأجزاء:9.
  • 3- الزّركليّ، خير الدّين(2002): الأعلام، دار العلم للملايين، ط15، 8 أجزاء.
  • 4- سليمان، هلا(2001): أثر الحملة المصرية على بلاد الشام (1831-1840) ولاية طرابلس نموذجا، المؤسسة الحديثة للكتاب، طرابلس، ط1.
  • 5- الشريف، منير(1994): المسلمون العلويون من هم؟ وأين هم؟ مؤسسة البلاغ، بيروت، ط1.
  • 6- صفير، الخوري بطرس ف(د ت): الأمير بشير الشهابي: طرائف عن حياته وأحكامه وأخلاقه، عُني بطبعه على نفقة المؤلف الخوري لويس كرم.
  • 7- صقر، منير عبد الحميد(2012): تاريخ صافيتا في العهد العثماني 922- 1337ه/ 1516- 1918م، دار العرّاب، دمشق،  ط2.
  • 8- الضّنّاوي، محمد علي(1985): قراءة إسلامية في تاريخ لبنان والمنطقة من الفتح الإسلامي ونشأة المارونية حتّى سنة 1840م، دار الإيمان للطباعة والنشر، لبنان، ط1.
  • 9- عثمان، هاشم(1997): تاريخ العلويين وقائع وأحداث، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، ط1.
  • 10- عليّان، مصطفى ربحي(2001): البحث العلميّ: أسسه، مناهجه وأساليبه، إجراءاته، جامعة البلقاء التّطبيقيّة، الأردن، بيت الأفكار الدّوليّة، عمّان، ط1.
  • 11- غربال، محمد شفيق(2014): محمد علي الكبير، مؤسسة هنداوي، مصر،ط2.
  • 12- القالش، حسّان(2017): قطار العلويّين السّريع، الوعي السّياسي عند العلويّين، النّشأة والتّطور(1822- 1949)، المؤسّسة العربيّة للدّراسات والنّشر، ط1.
  • 13- القحط، بسام عيسى(2002): مقاطعة صافيتا: التاريخ الاجتماعي والاقتصادي(1790- 1832م)، دار الفتاة، دمشق،ط1.
  • 14- قزي، ناصيف(2001): سفر العودة ..وبعد، ن. قزي، لبنان، ط1.
  • 15- كرد علي، محمّد(1928): خطط الشّام، مطبعة المفيد، دمشق، ط1، عدد الأجزاء: 6.
  • 16- مناع، عادل(1999): أعلام فلسطين في أواخر العهد العثماني(1700-1918م)، مؤسسة الدراسات الفلسطنية، ط1.
  • 17- هواش، محمّد عزيز(1997): عن العلويّين ودولتهم المستقلة، الشّركة الجديدة للمطابع المتّحدة، الدّار البيضاء، المملكة المغربيّة، ط1.

 

المراجع الأجنبية:

  • A. L. Tibawi(1969) : Modern History of Syria(Including Lebanon and Palestine) , Macmillan, St Martin's Press.
  • Capar, Ali(2013): The History of Nusayris ('Alawis) in Ottoman Syria, 1831-1876, A thesis submitted in partial fulfillment of the requirements for the degree of Master of Art in History, University of Arkansas .
  • TALHAMY, YVETTE(2010): The Fatwas and the Nusayri/ Alawis of Syria ,Taylor & Francis, Ltd .

المراجع المعرّبة:

  • 1- دوسّو، رينيه(د ت): تاريخ النّصيريين، نقله إلى العربية السفير آصف ناصر، الفرات للنشر والتوزيع، بيروت، ط1.
  • 2- وينتر، ستيفان(2018): تاريخ العلويين من حلب القرون الوسطى إلى الجمهورية التركية، ترجمة : باسل وطفة، أحمد نظير الأتاسي، مركز حرمون للدراسات المعاصرة، إسطنبول، تركيا، ط1.

الرّسائل الجامعيّة:

  • - درويش، ماهر محمد سعيد(2003): هجرة الشوام إلى مصر خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر وبدايات لقرن العشرين،  رسالة ماجستير في التاريخ بكلية الدراسات العليا في جامعة النجاح الوطنية في نابلس، فلسطين، إشراف: أ د بهجت صبري.

الصحف والمجلات:

  • 1- مجلّة المجمع العلميّ، ج1، مج3، في 1 ك2 1923م، الموافق 14 جمادى الأولى 1341هـ، ص191.
  • 2- مجلة الإنشاء: زيادة، خالد، ، طرابلس في مطلع القرن التاسع عشر، عصر مصطفى بربر آغا، ، العدد 36241، 1 آذار 1980، ص 33.
  • 3- مجلة النّهضة:  الخيّر، الشّيخ عبد الرّحمن، يقظة المسلمين العلويّين في مطلع القرن العشرين، كتب ذات فائدة، دمشق، ط1، 1996، ض 26. مع الإشارة إلى أنّ هذا الكتاب هو عبارة عن أبحاث منشورة في: السّنة الأولى، العدد الثّالث (كانون الثاني 1938، ص 103) العدد الرّابع(شباط 1938، ص 151) العدد الخامس (آذار 1938، ص 203) العدد السّابع(أيار 1938، ص316) العدد الثّامن ( تموز 1938، ص 369).
  • 4- مجلّة دراسات تاريخية: عامر، الأستاذ الدكتور محمود، المصطلحات المتداولة في الدولة العثمانية، جامعة دمشق، قسم التاريخ، ، العددان 117- 118، كانون الثاني – حزيران لعام 2012م.

نعيسة، د يوسف جميل، المرجع في وثائق تاريخية عن الشام في أثناء حملة محمد علي باشا(1247-1256ه/1831-1840م)، منشورات جامعة دمشق، كلية الآداب، 2004.

المواقع الإلكترونيّة:

  • 1- جريدة (الاقتصادية) السّعوديّة:

الدايل، أ. عبد الله، قَلَبَ له ظَهْرَ المِجَنّ،  الاثنين 4 آذار 2019، تمّت مشاهدته(1/12/2021م):https://www.aleqt.com/2019/03/04/article_1553616.html

  • 3 – جريدة النهار العربي:

الغول، زكريا، قصة الليدي هستر ستانهوب ... "ملكة الشرق" التي عشقت لبنان ودفنت في ترابه،(28/8/2021م)، تمّت مشاهدته(1/12/2021):

https://www.annaharar.com/arabic/makalat/opinions/27082021090302562

  • 4 الموقع الرّسميّ للمجمع العلميّ العربيّ بدمشق، الأستاذ محمّد كرد علي، تمّت مشاهدته(12/ 10/ 2020م):

http://www.arabacademy.gov.sy/ar/page16212/%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B3%D8%AA%D8%A7%D8%B0-%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D9%83%D8%B1%D8%AF-%D8%B9%D9%84%D9%8A

فهرس الموضوعات

كلمات مفتاحيّة: 2

Abstract: 2

مقدّمة الدّراسة: 3

1- أسباب اختيار الموضوع: 5

2-أهمية الموضوع. 5

3- أهداف الدراسة 5

4- حدود الدراسة ( المكان والزّمان) 6

5- إشكاليّة الدّراسة: 6

6- منهج الدّراسة: 6

7- فرضيات الدّراسة: 8

8- تساؤلات الدّراسة: 9

9- مصطلحات الدراسة: 9

10- الدراسات السابقة: 9

11-فصول الدراسة: 11

الفصل الأول: مسار الأحداث قبل وصول حملة إبراهيم باشا(1831) 11

تمهيد: 11

التوزيع العشائري للعلويين: 13

المشهدية عند العلويين في مطلع القرن التاسع عشر: 15

الصدام بين الشّيخ صقر محفوض وبربر آغا (1806): 15

حملة كنج يوسف الباشا على علويي بلاد صافيتا( حزيران 1808م): 17

حملة بربر آغاد لتأديب نصيرية بلاد المرقب والقرداحة (1811م): 18

مذبحة بيت ياشوط ( الأحد 3 كانون الأول 1815م/ محرم 1231هـ) 20

الفصل الثاني: المشهدية عند العلويين عند وصول إبراهيم باشا إلى طرابلس(9 كانون الأول 1831م): 22

بدء حملة إبراهيم باشا: 24

تعيين المير ميران العلوي عثمان باشا اللبيب 1831م: 24

اجتماع عثمان باشا مع صافي صقر محفوض: 26

مقتل صافي صقر محفوض ( 29 شوال 1427هـ/ السبت 31 آذار 1832م): 26

متاجرة الضباط المصريون بالبنات العلويات: 26

التسوية مع آل الشيخ  صقر المحفوض : 27

ثورة النصيرية ضد إبراهيم باشا من جديد: 27

انتهاء التمرد (نيسان 1835م): 29

12-خاتمة واستنتاجات. 29

13-قائمة المصادر والمراجع 32

الوثائق: 32

المصادر والمراجع العربية والأجنبية والمعرّبة: 32

المصادر العربية: 32

المراجع العربية: 33

المراجع الأجنبية: 35

المراجع المعرّبة: 35

الرّسائل الجامعيّة: 35

الصحف والمجلات: 36

المواقع الإلكترونيّة: 37