كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

العلّامة الشيخ عبد اللطيف ابراهيم يردّ على مسائل للسيّد أنس الشقفة (حماة)

د. يوسف عيسى

 هذا المقال يردّ العلامة الشيخ عبد اللطيف ابراهيم (1904- 1994) فيه على مسائل للسيّد أنس الشقفة (حماة).
بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيم
فضيلة الأستاذ الشيخ عبداللطيف ابراهيم (حفظهُ اللهُ) آمين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أتشرّف بأن أعرض على فضيلتكم:
إنه قد كثر اللفظ في الآونة الأخيرة، وانتشر الكثير من القال والقيل حول عقائد الطائفة العلوية الشيعية، وقد تحدّثتُ في الأمر مع أحد زملائنا هنا من أبناء الطائفة، وهو السيّد غسان خليل، فأحالني بدوره على فضيلتكم حتى تبيّنوا لي ما خفيَ عني في هذا الكتاب، دفعاً لكلّ شكّ، وتبياناً للحقائق كما هي.
فحبّذا لو تكتبون لي مشكورين، موضٍحينَ عقيدة الطائفة الكريمة وخاصة في الأمور التالية:
1- أولآ: في الأصول وخلافها مع السُنّة والجعفرية.
2- ثانيآ: أهم خلافاتها في الفروع مع السُنّة والجعفرية.
3- ثالثآ: عقيدة العلوية في الرجعة وحقيقتها وكيفيتها وزمنها.
4- رابعآ: عقيدة العلوية في الغَيبة، حقيقتها وكيفيتها.
5- خامسآ: عقيدة العلوية، وكيفيتها.
6- سادسآ: عقيدة العلوية في التقية، حقيقتها، ومتى تجوز؟
7- سابعآ: عقيدة العلوية في تفسير القرآن الكريم، وكيف؟ ومتى؟
8- ثامنآ: عقيدة العلوية في الجفر، وحقيقة القول فيه؟
9- تاسعآ: مكانة الصحابي الجليل: سلمان الفارسي في عقيدة الطائفة، وما ترون ضرورة لإيضاحه، دفعاً للفتنة وسداً لباب الإشاعة، وخاصة لوحدة المسلمين (جزاكم الله عنا وعنهم جميعاً كل خير) والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الداعي لكم بكل خير
أنس الشقفة (حماة)
جواب العلّامة الكريم الشيخ عبد اللطيف ابراهيم ( ق) على هذه المسائل
بسم الله الرحمن الرحيم
حضرة الأخ الكريم، السيد أنس الشقفة (حماة) أدام الله سلامتكم.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.... وبعد
فقد وصلني كتابكمُ الكريم، المشتمل على عدة مسائل، تطلبون الإجابة عنها.
فشكراً لكم ولزميلكم السيد غسان خليل على حسن ظنكم وثقتكم.
ولا يسعنا، وإن كنا لسنا أهلاً لذلك، إلّا أن نجيبكم حسب معرفتنا القليلة، سائلين المَولى سبحانه أن يحفظنا من:
سهوات الجِنان وهفوات اللسان إنه سميعٌ مجيب.
1- أولاً: سألتم عنِ الاختلافِ بيننا وبين السُنّة والجعفرية في أصول الدين وفروعه؟
وأنتم تعلمون أننا لسنا بحاجة إلى هذه الأبحاث في هذا العصر، وقد تنوّرتِ العقول وتحرّرتِ الأفكار وظهرتِ الحقائق لمن يريد اتِّباعها.
ولا أعتقد أنّ أحداً من المسلمين (ونحن مُحاطون بأعداء العروبة والاسلام)، لا يحبّ الوئام والوفاق، ويكره النزاع والشقاق. لأننا كلنا (والحمد لله) نعتقد:
بدين واحد وهو: دين الإسلام.
ونبي واحد هو: محمّد (ص)
وكتاب واحد هو: القرآن الكريم.
وقِبلة واحدة هي: الكعبة المشرَّفة.
ونشهد لله سبحانه: بالوحدانية.
ولمحمّدٍ: بالرسالة.
ونؤمن بأنّ كلّ ما جاء به من عند ربه: حق وصدق.
وكل من ينكر ذلك فهو: خارج عنِ الاسلام.
وأنّ المذاهب الإسلامية:
الجعفرية والزيدية والحنفية والشافعية والحنبلية والمالكية، وكل ما وافق منها: كتاب الله وسُنٍة رسوله بالدليل الصحيح- الصريح لايجوز لأيّ مسلمٍ كان أن يخالفه متعمّداً.
ومَن خالفه متعمّداً: فقد باءَ بغضبٍ منَ اللهِ ومأواهُ جهنّم.
2- ثانياً: سألتمُ عنِ الاختلاف بيننا وبين الجعفرية؟
فأقول:
إنه لا خلاف بيننا وبين الجعفرية قطعاً. لأننا جعفريون. نأخذ بمذهب الإمام جعفر الصادق.
وأنّ كل علويّ: جعفري، وكل جعفريّ: علوي.
باعتبار:
أنّ مذهب عليّ: مذهب جعفر.
ومذهب جعفر: مذهب عليّ.
فسؤالكم عنِ الاختلاف بين العلويّ والجعفريّ: خطأ.
وإذا وُجِدَ بيننا واخواننا السُنّة بعض الاختلاف في الفروع فإنّ اتفاقنا معهم لايضرّ باختلافنا في الفروع، ما دام اختلافاً فرعياً، يعود إلى تعدّد وجهات النظر ولا يمسّ بجوهر الدين.
3- ثالثاً: وسألتمُ عن عقيدة العلويّين.
وإليكمُ هذا (الكُتيّب) بياناً عن عقيدتهمُ الصحيحة- الصريحة ومنه تعلمون أنهم:
شيعة جعفرية إمامية اثناعشرية: من صميم العُروبة والاسلام.
رغماً عن أراجيف المرجفين وأباطيل المبطلين، الذين لا همّ لهم إلا توسيع شقّة الخلاف بين المسلمين وزرع الحقد والبغضاء في قلوبهم.
4- رابعاً: وسألتم عنِ الغَيبة وحقيقتها وكيفيتها، وعنِ الرجعة وحقيقتها وكيفيتها وزمنها؟
إنّ كلّ ما نعلمه عن غيبة الإمام الثاني عشر المنتظر سببها: خوفه من دولة الباطل والطغيان، ولكنه حيٌّ، موجودٌ في الأمصار، غائبٌ عنِ الأبصار.
يظهر في آخِر الزمان، فيملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما مُلئت جوراً وظلماً.
وأما ظهوره ورجعته: فهي من الأسرار الخفيّة التي تفرّد اللهُ بعلمها.
وقد قرأتُ في كتاب (الوشيعة) لموسى جاد الله- المطبوع في مصر عام 1355، تعرّض فيه لنقد عقائد الشيعة ومن جملتها: الرجعة.
فردّ عليه سماحة العلّامة المجتهد السيّد محسن الأمين الحسيني، بكتاب سمّاه: (نقض الوشيعة في نقد عقائد الشيعة ). نذكر من ما يلي في صفحة 473:
أجاب السيّد الحميَري سواراً القاضي بحضرة المنصور (كما رواه الشيخ المفيد في الفصول). قال سوار: يا أمير المؤمنين، السيّد يقول بالرجعة، فقال: أقول بذلك على ما قاله الله تعالى:
*ويومَ نحشرُ من كلّ أمّةٍ فوجآ * فمن يكذّبُ بآياتنا فهم يوزعون*
وقال:
*وحشرناهم فلم نُغادر منهم أحداً*
فعلِمنا أنّ هناك حشريْن: خاصاً وعامّاً.... إلخ.
يريد بالخاص: الرجعة.
وبالعام: القيامة.
وقرأتُ في موضعٍ آخر: أنّ رجلاً من الحاضرين قال له:
ياسيّد، هل لك أن تعيرَني ديناراً إلى يوم الرجعة، فأردّها لك مائة دينار؟
فقال له السيّد آتني بكفيلٍ يكفلك، فإني أخاف أن ترجع كلباً أو خنزيراً.
على كلّ حالٍ، فإنها من الأمور العقلية، إن صحّ النقل بها لزمَ اعتقادها.. وإلا فلا.
5- خامساً: وسألتمُ عن البدأ ويُراد به: الإظهار بعد الاختفاء.
ومعناه: أننا نظن حدوث شيءٍ في الكون لسببٍ من الأسباب، ثم يفعل اللهُ ما يُبطلُ هذا الظنّ.
فالبدأ: نسخٌ في التكوين، كما أنّ النسخ المعروف نسخ في التشريع، وليس معناه: أن الله تعالى يبدو له شيء بعد أن كان خفياً عنه ما يظن البعض. وهذا يستلزم نسبته إلى الجهل، وتعالى الله عن ذلك.
ومن الأمثلة على البدأ:
ما حُكِيَ عن عيسى ( ع) أنه أخبر بموت عروسٍ ليلة زفافها.
فوُجِدَت في الصباح غير ميتة وتحت فراشها حيّة.
وعُلِمَ أنها تصدّقت بصدَقةٍ في تلك الليلة. فدفع اللهُ عنها الموت.
وكان الله سبحانه وتعالى قدّر لها أن تموت ليلة زفافها.
وكان إخبار عيسى (ع) نبّأ ما علِمَه من ذلك التقدير المشروط بعدم تصديقها.
ولكنّ الله سبحانه يعلم بأنها ستتصدّق ولا تموت، وعيسى لا يعلم ذلك.
وهذا هو البدأ. وما هو إلا:
الزيادة في الأعمار والأرزاق، والنقصان منها بسبب الأعمال.
وقد قال الرسول (ص): البِرّ يزيدُ في العمر.
6- سادساً: سألتمُ عنِ التقيّة، والدليل عليها عقلاً ونقلاً.
يقضي العقلُ بجوَازها ولزومها لدفع الضرر. واتفق عليها العقلاء، ونصّ عليها الكتاب والسُنّة.
فمن سورة آل عمران:
* ولا يتّخِذ المؤمنونَ الكافرينَ أولياءَ من دونِ اللهِ ومن يفعلْ ذلكَ فليسَ منَ اللهِ في شيءٍ إلا أن تتَّقوا تُقاةً*
وفي سورة النحل: *مَن كفرَ بالله مِن بعد إيمانهِ إلا مَن أُكرِهَ وقلبهُ مطمئِنٌّ بالإيمان*
وقصةُ: عمّار بن ياسر وأبويه: ياسر وسُميّة، فقد قتلهما المشرِكون لعدَمِ التقيّة.
وأمّا عمّار: فأعطاهم ما أرادوا (بلسانه) مُكرَهاً، فلم يقتلوه.
فقيل: يا رسولَ الله، إنّ عمّاراً كفرَ. فقال: كلّا، إنّ عمّارَ مليءٌ إيماناً من فرقهِ إلى قدَمِهِ، واختلط الإيمان بلحمه ودمهِ.
فأتى عمّارُ يبكي، فجعل الرسولُ يمسحُ عينيه ويقول له:
لا عليكَ، إن عادوا فعِد لهم بما قلتَ.
7- سابعاً: وسألتمُ عن عقيدة العلويين في تفسير القرآن.
فإنّ تفسيره لا يجوز إلا بالنص الصريح والأمر الصحيح والتقليد المحض لأهل العِصمة (عليهمُ السلام) بالرواية الواردة عن أُمناء سرهم المنصوبين لهداية الناس.
وقد ورد في كتاب البحار عنِ الرسول (ص):
(من قال في القرآن برأيه بغير علمٍ فليتبوّأ مقعده في النار).
وقال:
(أكثر ما أخاف على أمّتي مِن بعدي: رجلٌ يتأوّل القرآن بعضه على غير موضعه).
وقال الإمام:
(إياك أن تفسٍرَ القرآن برأيك حتى تفقه عنِ العلماء الخبر).
ولذلك تحاشى العلماء تفسيره بالرأي.
اللهمّ إلا أدعياء العلم، يٍفسّرونهُ كما يوحي إليهمُ غرورهم.
وهؤلاء لاقيمة لهم، ولا لتفسيرهم عندنا.
8- ثامناً: وسألتمُ عنِ الجفر؟
فإنّ الإمام جعفر الصادق كان يقول:
(عندنا: الجفر الأبيض والجفر الأحمر).
فالجفر الأحمر: وعاء فيه سلاح رسول الله (ص) ولن يخرج حتى يقوم القائم.
والجفر الأبيض: وعاء فيه توراة موسى وإنجيل عيسى وزَبور داوود وكتب الله الأولى.
وقال الشيخ كمال الدين محمد بن طلحة الشافعي في كتابه (الدرّ المنظوم في السر الأعظم):
(جعفر الإمام علي ألف وسبعمائة مصدر من مفاتيح العلوم ومصابيح النجوم المعروف عند علماء الحروف (بالجفر الجامع والنور اللامع).
وهو مُبَيِّن غوامض الأمور ومُفَسّر حوادث الدهور، وهما كتابان جليلان. أحدهما:
ذكره الإمام عليّ على المنبر وهو يخطب بالكوفة.
والآخر: أمره رسول الله (ص) بكتابته في هذا العلم المكنون.
وهو المشار إليه بقوله (ص):
(أنا مدينة العلم وعليُّ بابها).
فكتبَه حروفاً مفرّقةً على طريقة (سِفر آدم)، فاشتهر بين الناس:
(بالجفر الجامع والنور اللامع).
وعن كتاب الدرّ المكنون للشيخ محيي الدين بن عربي الطائي الأندلسي:
(إن الإمام ورث علم الحروف عن سيدنا محمد (ص) وإليه الإشارة بقوله: أنا مدينة العلم وعلي بابها بقوله).
وقال أبو العلاء المعرّي:
لقد عجبوا لأهل البيت لمّا أتأهم علمهم في مسكِ جفرِ
ومرآة المنجّمِ وهي صغرى أرتهُ كلّ عامرةٍ وقفرِ
وقال الجرجاني (وهو من علماء الأحناف) في كتابه المواقف وشرحِه الجفر والجامعة (كتابان لعليّ -ع-) ذكر5 فيهما على طريقة علم الحروف، الحوادث إلى انقراض العالَم.
وكان الأئمة من أولاده يعرفونها ويحكمون بها.
وعلى كل حال:
فإنّ علم الجفر خاص بأهل البيت، لا يعرفه غيرهم.
9- تاسعاً: وسألتمُ عن: مكانة الصحابي الجليل سلمان الفارسي (رض)؟
فإنّ له المكانة العُليا، لا يُدانيه بالفضيلة والجلال أحد بعد النبيّ (ص) والعِترة الطاهرة ( ع).
وقد قال فيه الرسول (ص):
(سلمان منّا أهل البيت).
وفي كتاب الرجال:
سلمان الفارسي يُكنّى: أبا عبد الله.
روي عن الصادق (ع): إن سلمانَ أدرك العلم الأول والعلم الآخِر.
وقال (ع): سلمان علم الاسم الأعظم.
وقد وردت فيه أحاديث تدلّ على: مرتبته (رضي الله عنه وأرضاه).
(ملاحظة): تراني عند تعدادي المذاهب الإسلامية ذكرتُ أولاً:
المذهب الجعفري. لأنه أقدم منها ورُبّما أفضلها (كما أرى). لأنه حدّثني أحد علماء الجعفريين، قال:
نزلتُ في أحد فنادق حلب فيضاً عندي جماعة من شيوخ إخواننا أهل السنّة. وبعد السلام والاحترام قال لي أحدهم:
لماذا لا نعتنق كلنا (مذهباً واحداً)؟ ما دام:
إلهنا واحداً ونبينا واحداً وكتابنا واحداً وقبلتنا واحدةً!
فقلت لهم:
اعتنقوا مذهب الإمام الصادق نكن كلّنا على مذهبٍ واحدٍ.
فقال: وهل مذهب جعفر أفضل من غيره من المذاهب؟
قلت: نعم. لأنه مدروسٌ من اثني عشر علماء من عهد الإمام علي إلى عهد الإمام القائم في مدة مئتان وستون عاماً. قابَلوه ودقّقوه وحقّقوه في هذه المدة الطويلة على: كتاب الله وسنّة رسوله.
ولن يختلف واحد منهم عن الآخر.
بينما أبو حنيفة: إمام واحد، ودرس مذهبه في مدة قصيرةٍ، واختلف عنه تلميذه أبو يوسف.
يختم الشيخ عبد اللطيف:
قال لي: فسكتوا، كأن على رؤوسِهِمُ الطير.