كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

خرافية الخروج.. برسم د. زاهي حواس

لطفي السومي

مهداة الى الدكتور زاهي حواس مع إحترامي.
إن من يطّلع على قصة الخروج في التوراة يدرك إنها قصة مختلقة لا أساس لها كما سأبين أدناه:
شكل يعقوب والذين دخلوا معه الى مصر ٧٠ نفساً من الرجال والنساء والأطفال (وكانت جميع نفوس الخارجين من صلب يعقوب سبعين نفسا (خروج ١ : ٥). كما ورد أيضاً (جميع نفوس بيت يعقوب التي جاءت الى مصر سبعون. (تكوين ٤٦ : ٢٧)، كما كان عدد أبناء يعقوب الذكور من بينهم ١١ شخصاً بالإضافة الى يوسف أي ١٢ ذكراً. كما يحدد سفر الخروج (٦ : ١٤) عدد الجيل الثاني بـ٣٧ ذكراً يعددهم بالاسم، أي بمعدل ٣ أبناء تقريباً لكل من أبناء يعقوب. وبما أن الجيل الرابع هو الذي خرج بزعمهم مع موسى أي أن الجيل الثالث قياساً على الجيل الثاني يجب أن يكون حوالي ٣٧ مضروباً في ٣ ويساوي ١١١ ذكراً ويصبح الجيل الرابع ٤٤٤ ذكراً وهم الذين خرجوا مع موسى، بينما ستذهلون من هول المبالغة حين نقرأ (فارتحل بنو إسرائيل من رعمسيس الى سكوت نحو ٦٠٠٠٠٠ (ستمائة ألف ماش من الرجال عدا الأولاد وصعد معهم لفيف كثير أيضاً مع غنم وبقر ومواش وافرة جداً. (خروج ١٢ : ٢٧ ، ٢٨).
ومن الجدير بالذكر أن ٦٠٠ ألف ذكر لا بد أنهم جزء من شعب يصل عدده الى ٣ ملايين فرد، علماً بأن سكان مصر عند حملة نابليون عام ١٧٩٩ م قد كان ٣ ملايين. إن ذلك يدعونا الى الجزم أن هذا الخروج هو قصة خيالية إخترعها كتبة التوراة.
الجانب الأثري:
عندما إحتلت اسرائيل سيناء عام ١٩٦٧ هرع علماء الآثار الإسرائيليون إلى سيناء من أجل أن يكشفوا خط الخروج الذي تحدده التوراة، وبدون الكثير من التفاصيل فإن التركيز كان على موقع قادش برنيع والذي هو الآن أم قادس حيث مكث من أسموهم بني اسرائيل ٣٨ سنة في الموقع، ومن المفروض أن توجد بقايا ما تركوه واستعملوه خاصة وإن علم الآثار الحديث قادر على إيجاد حتى البقايا الانسانية، ليس في قادش برنيع فحسب بل في كل سيناء، وفي ذلك يقول اسرائيل فنكلشتاين ونيل أشر سلبرمان في كتابهما (التوراة مكشوفة ص٩٨: (ولكن كل التنقيبات والاستطلاعات الأثرية المتكررة لحد الان في كافة أنحاء المنطقة لم تفلح في تزويدنا حتى بدليل واحد -على الأقل- لنشاط حياتي في العصر البرونزي المتأخر (مرحلة الخروج) فلم يتم إكتشاف حتى شقفة فخارية وحيدة تركتها وراءها جماعة صغيرة جداً من اللاجئين الخائفين الهاربين).
ثم إن من المفروض أن ابراهيم حسب الحسابات التوراتية قد عاش في القرن العشرين ق. م، ومن الطبيعي ان يكون حفيده يعقوب قد عاش في القرن العشرين أو التاسع عشر ق. م، فكيف كان الخروج في حوالي ١٢٢٥ق. م، مع أن الخروج قد تم من قبل الجيل الرابع من أحفاد يعقوب، هذا فضلاً عن إخراجهم الأبقار والأغنام مع أنهم كانوا عبيداً.
باختصار لقد مرّ الخارجون بعد قادش برنيع التي تحدثنا عنها على كل من عصيون جابر وعراد (سفر العدد ٢١ : ١-٣)، وكذلك مدينة حشبون والتي هي تل حسبان حالياً (سفر العدد ٢١ : ٢١-٢٥) وسفر (التثنية ٢ : ٢٤-٢٥). وبدون الدخول في التفصيل فإن التنقيبات الأثرية في كل هذه المواقع قد أثبتت أنها جميعا لم تكن موجودة في مرحلة الخروج، وفي ذلك يقول المصدر السابق نفسه ص ١٠٠ (لسوء حظ أولئك الذين يبحثون عن حادثة خروج تاريخية، لم تكن تلك المواقع مسكونة - بالتحديد- في ذلك الوقت الذي يروى أنها لعبت فيه دوراً في أحداث تيه وتجوال بني إسرائيل في البرية).
ومن الجدير بالذكر أن السجلات المصرية بعد أن تم طرد الهكسوس من مصر واحتلال عاصمتيهم أفاريس وشاروهين، قد أصبحت تسجل أدنى حركة للخارجين والداخلين من مصر واليها، ولقد خلت السجلات المصرية من أية إشارة الى هذا الخروج الخرافي الكبير.
سوف لا أتحدث عن (فرعون الخروج) أو معجزات يهوه، ولكنني سأختم بالحديث عن أسباب إختلاق هذه القصة الخرافية فيما يلي:
١) كان عبدة يهوه بحاجة الى إدماج موسى المصري، من خلال هذه الرواية في الشعب المختار.
٢) كانت مملكة يهودا الهشة بحاجة الى إختراع يد يهوه القوية التي أخرجتهم من مصر لكي تكون معهم في مواجهة الملك نخاو في زحفه عام ٦٣٩ ق. م على فلسطين حين واجه الملك يوشيا الزحف وسقط صريعاً في المعركة، حيث تخلت عنه يد يهوه القوية.

أرجو تناول الموضوع بعقلانية والتخلي عن الطرح التوراتي الخرافي.