كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

الإنجيل والأناجيل؟

الدكتور أسد رستم، مؤرخ الكرسي الإنطاكي
أرسلها إلياس بولاد
"الإنجيل، لفظ يوناني
"Evangelion"
"افانجيليون" معرب معناه: البشارة أو الخبر المفرح. وانجيلنا هو "الكتاب" الذي يبشر بمجيء ابن الله الى هذا العالم لأجلنا ولأجل خلاصنا، وهو يتضمن أخبار الكلمة المتأنس على الأرض، تعاليمه وآياته، وآلامه وموته على الصليب وانتصاره على الموت بقيامته المجيدة.
والإنجيل واحد لا أربعة، فالإنجيليون متى ومرقس ولوقا ويوحنا كتبوا بإلهام الروح القدس، انجيلاً واحداً وخلاصاً واحداً وسلاماً واحداً ومجداً واحداً. وحرص الآباء منذ بداية القرن الثاني على اعتبار الإنجيل واحداً وإن ظهر بأربعة أشكال، فقالوا: هو الإنجيل كما رواه متى أو مرقس ولم يقولوا إنجيل متى أو مرقس، كما نفعل اليوم. واعتبروا الإنجيل حاويا سيرة السيد وتعاليمه.
وهناك اناجيل.. ولكنها أبوكريفية
"Apokrypha"
وهو لفظ يوناني في صيغة الجمع معناه الأشياء المخبأة أو المخفية، التي يجب اخفاؤها لأنها كاذبة. وهي إما أسفار اختبأ كتابها الحقيقيون وراء أسماء بعض رجال العهد الجديد، وإما اسفار تنقل عقيدة سرية لا تتفق والعقائد القويمة، وقد دست فيها دساً من وراء ستار من الأسماء والظروف الانجيلية الحقيقية. والأناجيل الأبوكريفية إما كاملة وإما ناقصة.
١-أناجيل النصارى المتهودين:
وهي من الأناجيل الأبوكريفية الناقصة التي يمكن اثبات ذاتيتها. ولعلها أقرب أناجيل الأبوكريفية الى "الإنجيل الصحيح".
ويقع تحت هذا العنوان إنجيل العبرانيين وإنجيل الناصريين وإنجيل الابيونيين
"Ebonite"اي
"الفقراء". وإنجيل الرسل الاثني عشر.
ورأى رجال الاختصاص في ما مضى أصلاً واحداً وراء هذه الأناجيل الأربعة، ولكن متابعة النقد والبحث في هذا الموضوع أدت الى تقسيم الأربعة الى فئتين: انجيل العبرانيين والناصريين
وانجيل الابيونيين الفقراء والرسل.
A-انجيل العبرانيين والناصريين
وليس لدينا الآن من انجيل العبرانيين والناصريين سوى أربعين مثالاً استشهد بها الآباء القديسون، لا سيما ايرونيموس وثلاث عشرة حاشية، وردت على هامش بعض المخطوطات.
كتب هذا الانجيل باللغة الآرامية، ولكن بأحرف عبرانية. وشاع استعماله في آواخر القرن الأول بعد الميلاد في الأواسط النصرانية المتهودة في حلب.
وقارب هذا الانجيل انجيل متى. ثم بان اعتماد هذا الانجيل، الأناجيل الثلاثة الاولى متى ومرقس ولوقا، فأمسى غريباً بعيداً.
B- انجيل الابيونيين والرسل.
ويستدل من الأمثلة التي اقتبسها القديس ابيفانيوس من هذا الانجيل انه يعود الى آواخر القرن الثاني، الى الأوساط الابيونية المتأخرة التي ماشت الكسائيين الأردنيين في امتناعهم عن أكل اللحوم واعتراضهم على الحبل "به" بلا دنس، وقولهم انه ابن الله بالتبني.
٢-انجيل المصريين.
وقد ذكره اقليمس الاسكندري ومناظره ثيودوتوس الغنوصي، واوريجنس. وليس لدينا منه سوى بضع نماذج أوردها اقليمس وصاحبه: "Egrateis" انقراتي في اتجاهه.
وقد شاع استعماله في الأوساط الانقراتية في مصر، في النصف الأول من القرن الثاني، والانقراطيون جماعة من الهراطقة الغنوصيي الذين غالوا في الزهد فامتنعوا عن أكل اللحم والخمر والزواج وقالوا بالتشبيه أي أن ابن الله لم يتخذ جسداً ولم يقتل ولم يصلب وإنما شبه لمن حوله بذلك.
٣-انجيل بطرس.
دون في سورية في منتصف القرن الثاني، وشاع استعماله في الأوساط المركيونية، ووصل الى كنيسة أرسوز الأرثوذكسية، بين رأس الخنزير والاسكندرونة فأقبل البعض على مطالعته، وامتنع غيرهم، فأذن سيرابيون أسقف انطاكيا بقراءته أولاً تهدئة للخصام. ثم استحصل على نسخة منه وعكف على مطالعتها، فلمس الدس والتضليل فيها فحرم قراءته ووضع رسالة بذلك. وعثر المنقبون في اخميم بمصرفي سنة ١٨٨٦-١٨٨٧ على شيء يسير من هذا الانجيل، فعكف علماء العهد الجديد على درس ما اكتشف فوجدوه يمت الى الأناجيل الاربعة بصلة قوية، ولكنه يذر الشك في ما إذا كان المسيح تألم عند الصلب، عملاً بعقيدة المشبهة، ثم ينحي على اليهود وهيرودوس باللوم الشديد وينزه بيلاطس.
٤-أناجيل الرؤى.
وهي تشمل أناجيل توما ومتياس وفيليبوس ويهوذا وبرثلماوس. ورائدها غنوصي صرف. فهي تجعل السيد المخلص يظهر لبعض أتباعه في حياته على الارض، وبعد قيامته ويتحدث إليهم في مواضيع تثبت نواحي معينة في الفلسفة الدينية الغنوصية.
٥- انجيل فاسيليذس.
هو في الأرجح سوري المولد غنوصي المذهب، عاش في الاسكندرية في الربع الثاني من القرن الثاني، وادعى انه يحمل تقليدا رسوليا يعود الى بطرس نفسه، فكتب انجيلا وعلق عليه في أربع وعشرين كتابا. قال بإله في قمة الوجود لا يوصف إلا بالسلبيات صدرت عنه أرواح متضائلة في الألوهية، أبعدها عنه إله اليهود،. ولما طغى إله اليهود وأخضع البشر، أرسل إله القمة "عقله"nous" فاستقر في يسوع الذي تألم في الظاهر فقط.
٦-أناجيل الابوكريفا الكاملة.
هي أحدث عهداً، في غالب الأحيان، صادرة عن أوساط قويمة الرأي، ويجوز تنسيقها هكذا: أولاً مجموعة الأهل والاقرباء،
ثانياً: مجموعة الطفولة والصبوة، وثالثاً مجموعة بيلاطس.
وقد يكون الدافع الاساسي لتدوين هذه المجموعات تزويد المؤمنين بمعلومات وتفاصيل رغبوا بالوصول اليها والاطلاع عليها.
٧- أناجيل الأهل والأقرباء.
وهي ثلاثة: انجيل يعقوب، وانتقال العذراء، وتاريخ يوسف النجار. أما انجيل يعقوب فإنه دوّن في القرن الثاني فيما يظهر بلغة يونانية صحيحة نقية، فتضمن سيرة العذراء حتى البشارة ورواية يوسف عن ولادة المسيح وسجود المجوس، وذبح الأطفال وموت زخريا.
والجدير بالذكر إن ما نقله عن يواكيم وحنة وطفولة العذراء، مأخوذ من هذا الانجيل. ويعقوب الذي نسب اليه هذا الانجيل هو يعقوب الرسول ابن زبدى. وكتاب انتقال العذراء "Dormition" والدة الإله من مخلفات القرن الرابع، وقد نسب الى يوحنا اللاهوتي. وتاريخ يوسف النجار الذي نسب اليه السيد المخلص نفسه هو في الواقع من آثار القرن الخامس، وقد دوّن في مصر باللغة القبطية باللهجتين الصعيدية والبحرية. وتمجيد يوسف والاحتفال بذكره وتعظيمه، من الأمور التي اهتم لها المصريون المسيحيون الأولون قبل غيرهم.
٨-أناجيل الطفولة والصبوة:
وهي تشمل انجيل توما الاسرائيلي الفيلسوف، وانجيل الطفولة العربي. وتختلف النسخ في ضبط اسم توما، فهو في بعض النسخ اليونانية، توما الاسرائيلي الفيلسوف، وفي غيرها، القديس توما، وجاء في بعض النسخ اللاتينية ،انه توما الاسماعيلي، وقد نبذ انجيل توما كل من اوريجنس وكريلس الاورشليمي، وايريناوس وغيرهم..
واعتبره كريلس بضاعة مانوية (نسبة الى ماني)، ولعل الربط بين اللقبين الاسماعيلي والفيلسوف، ودس بعض الأمور الهندية، يجيز اعتبار هذا المصنف من نتاج عقل شرقي بعيد. وانجيل توما الفيلسوف، يتضمن مجموعة من غرائب العجائب التي اجراها يسوع بين الخامسة والثانية عشرة من عمره.
والانجيل العربي من مخلفات القرن السابع والثامن بعد المسيح، منه نسخ في روما وفلورنسا. أما النسخة التي نشر نصها "سيك"
"Sike
سنة ١٦٩٧ فانها ضائعة، وتبدأ عجائب السيد المسيح في هذا الانجيل في المهد..
فالقابلة التي عاونت العذراء واهتمت لأمرها وقت الولادة يبست يداها لأنها لم تكن مؤمنة، ثم شفاها الطفل المولود. ومن عجائبه في الناصرة، بعد عودته من مصر، انه كان يصنع طيورا من طين فتطير...
٩- انجيل نيقوديموس
وهو من مصنفات القرن الرابع، ويتألف من قسمين رئيسيين، أولهما ضبط بما أجراه بيلاطس وأخبار القيامة، والثاني وصف لنزول المسيح الى الجحيم وما عمله فيه، وهناك عشر وثائق تتعلق بأخبار بيلاطس منها رسائله الى الامبرطور في صلب المسيح وموته. ومن مخطوطات باريس العربية (١٦٠). تاريخ حياة بيلاطس تنسب الى غملائيل وحنانيا.
١٠- انجيل برنابا.
وهو أحدث الابوغريفا عهدا. دوّنه ايطالي من رجال القرن الخامس عشر بعد أن جحد النصرانية ودخل في الاسلام، "فوصف شتى نواحي الحياة الدينية والمدنية والتاريخية والجغرافية في عهد المسيح، على ما رأى بعينه في بيئته الايطالية في القرن الخامس عشر، وأضاف اليها بعض ما التقطه من أخبار السيد المسيح في الأوساط الاسلامية. أما انجيل برنابا الذي ورد ذكره في أوامر البابا غالاسيوس (٤٩٢/٤٩٦).Decretum Gelasianum، فإنه مصنف ابوكريفي آخر، لا علاقة له بما ورد أعلاه.
(مرفق انجيل توما من المجموعة السابعة التابعة للمخطوطات المكتشفة في نجع حمادي بمصر عام ١٩٤٥، المؤلفة من اثني عشر مجموعة تضم الاناجيل الابوكرفا"المخفية" والموجودة بالمتحف القبطي بالقاهرة بمصر).