كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

الدّولة الوطنيّة العربيّة في دمشق 1918 – 1920

الدّولة الوطنيّة العربيّة في دمشق 1918 – 1920
قواها الاجتماعية.. مؤسساتها.. أحداثها وعوامل انهيارها
د. عبد الله حنا - فينكس
كانت احدى نتائج الثورة العربية في الحجاز تمكن الحركة الوطنية العربية من اقامة أول دولة وطنية عربية في العصر الحديث في سوريا الداخلية تحت قيادة الملك فيصل، قائد جيش الشمال للثورة العربية الزاحف من الحجاز عن طريق العقبة وشرق الأردن إلى دمشق..
هل كان بالإمكان بقاء هذه الدولة واستمرارها؟.. هذا ما نعالجه في الحلقات القادمة واضعين نصب أعيننا نسبة القوى الطبقية داخل المجتمع ومستوى تطور القوى المنتجة والأوضاع السياسية في الأقطار العربية المجاورة والغزو الامبريالي والوضع الدولي عامة، مبتدئين بسياسة الحكومة العربية الزراعية.
1 – السياسة الزراعية للحكومة العربية (1918 – 1920):
الفقرات التالية مأخوذة مع بعض التصرف من كتاب "الحكومة العربية في دمشق 1918-1920" لخيرية قاسمية، طبع القاهرة 1971.
والفقرات التالية تقدم لنا صورة عامة عن سياسة الحكومة العربية في فترة قصيرة لا يمكن الحكم من خلالها على سياسة الدولة أزاء المسألة الزراعية، وان كانت تقدم المعطيات، التي حددتها نسبة القوى الطبقية آنذاك..
من أجل سد نفقات الجيش والدرك اضطرت الحكومة الفيصلية إلى زيادة بعض الاضافات المؤقتة على بعض الضرائب التي الغيت عام /1919/. فأضيف 50% إلى رسوم الأغنام والابل، كما تضاعفت أثمان الطوابع الحجازية.
وصدر في ابريل (نيسان) 1920 قانون رسوم بلدية العاصمة عن الأموال المنقولة وغير المنقولة وفي أوائل مايو (أيار عام / 1920 / وضعت ضريبة الاستهلاك الداخلي على الكبريت والتبغ وأضيفت زيادات على الرسوم البريدية والبرقية والتليفونية.
كما صدر في أوائل يونيو (حزيران رسم الاصدار على جميع الحاصلات الأرضية والحيوانات والصوف والسمن) التي تنقل إلى خارج المنطقة الشرقية، يضاف إلى ذلك ما اقتضاه تطبيق قانون النقد السوري من زيادة في الضرائب: اذ أن الضريبة التي كانت تجبى ورقا مصريا أصبحت تجبى على أساس الذهب باعتبار كل / 100 / قرش مصري ما يعادل 128 قرشا سوريا.
وبسبب التذمر الذي نجم عن هذه الزيادات أصدرت الحكومة بيانا لتبرير سياستها انتهى إلى القول بأننا لو قارنا مجموع الضرائب بالنسبة إلى عدد السكان لوجدنا أنها لم تبلغ ما بلغته في الدول الكبرى.. ولولا الأزمة الاقتصادية الحاضرة المسببة إلى العراقيل التجارية التي ولدتها الظروف والأحوال السياسية، لكانت تكاليف المواطنين ضعيفة جدا بالنسبة إلى درجة تحملها. ولكن هذا الضيق الاقتصادي وكساد التجارة ووقوف الأعمال يجعلنا نرقب كل وسيلة لانقاص النفقات واجتناب الضرائب الجديدة ولقد لجأت الحكومة، لتلافي العجز المالي، إلى اصدار قانون القرض السوري بمبلغ ½ مليون دينار وبفائدة / 6% لمدة 24 عاما، مع رهن مليون دونم من أراضي الدولة العامرة على رأسمال هذا القرض، بحيث برهن مقابل الدينار الواحد 4 دونمات من الأرض. ويعطى الدائنون أسنادا مؤقتة حتى اذا انتهت مدة الاكتتاب (أول يونيو "حزيران" – آخر أغسطس "آب") تبدل بالاسناد الأصلية الموقعة من وزارة المالية. واذا لم تقم الحكومة بتعهداتها يحق لحامل السند أن يطلب بيع ما يقابل قيمة سنده من أراضي الدولة لاستيفاء دينه.
وقد نشرت منذ أول يونيو (حزيران) أسماء القرى والمزارع المرهونة أراضيها تأمينا للقرض الوطني مع ذكر مساحة كل منها وبيان دخلها السنوي. ولكن الظروف السياسية حالت دون تنفيذ القانون.
لم تحل الأزمة المالية دون التفكير في العمل على تحسين أوضاع الحياة الاقتصادية وزيادة الانتاج والثروة العامة وتخفيف وطأة الغلاء.
وقد وضعت خطة لتنمية الزراعة وخاصة أن سورية هي بلد زراعي قبل كل شيء و /62%/ من سكانها يعتمدون في معيشتهم على الزراعة. فقرر مجلس الشورى في /20/ فبراير (شباط) 1919 أن تؤلف في العاصمة "لجنة زراعية" من رئيس وستة أعضاء من أصحاب الأراضي الذين لهم معرفة بأصور الزراعة الحديثة واحتياجات الزراع (ويرجح المتخرجون من المدارس الزراعية) على أن ترتبط اللجنة بالحاكم العسكري. ومهمتها دراسة أحوال البلاد الطبيعية وتقسيم أراضيها إلى درجات وتنظيم جداول مفصلة بذلك حتى يكون ذلك أساسا لوضع الضرائب عليها في المستقبل، ووضع خرائط مفصلة لكل قرية مع بيان الحدود، ومعرفة ما يناسب كل اقليم من المزروعات والأشجار، واستجلاب الغراس، والآلات الزراعية من أوربا وبيعها للزراع بأثمان معقولة، وفتح شعب لتصليح الآلات وايجاد موظفين لتعليم الزراع طريقة استعمالها، وما يناسب تربيتهم من مزروعات وأسمدة، ومقاومة الحيوانات الضارة وارشادهم لطرق اتلافها، وتعليمهم أصول تربية المواشي على الطرق الحديثة وطريقة تحضير الزيت والحليب بالآلات الحديثة، وتعليمهم ما يلزم من الطب البيطري، والسعي بواسطة مهندسين اخصائيين لدرس أحوال البلاد الجيولوجية، واستخراج ينابيع جديدة وفتح آبار ارتوازية وتسهيل أسباب الري. والحث على الاكثار من غرس الغابات وتطعيم الأشجار والتنشيط على انشاء الشركات الزراعية ومساعدتها بالمال، واحداث نقابات للزراع في كل قرية أو قرى مجتمعة لشراء المحصولات وبيعها واعداد ما يلزم من البذور والحاجيات التجارية وتقديمها بأسعار معتدلة، على أن تؤسس على طريقة الشركات المساهمة وتكون أرباحها عائدة للزراع أنفسهم على نسبة اسهامهم ولا يعطى للمؤسسين أكثر من / 20% / من الأرباح، وايجاد حقول نموذجية لتعليم الزراع العلم الزراعي التطبيقي وطريقة استعمال الآلات. وتستعين بلجنة من مديرية المعارف، ومن المهندسين الاختصاصيين.. ولما كان لا يوجد في ميزانية الزراعة ما يساعد على تطبيق جميع المواد المذكورة. فقد استنسب المجلس توديعها إلى مديرية الزراعة لعمل ما يمكن عمله وتأجيل ما لا يمكن إلى أن تسمح الظروف بتطبيقه.
وقد بدأت تظهر بعض النتائج الايجابية فتأسست شركة الزراعة الحلبية ومركزها في حلب ولها شعب في الأقضية برأسمال 100000 جنيه مصري لإجراء بعض المشروعات الزراعية على أصول الفن الحديث ومشترى قرى وأراض وبساتين وكروم أو استئجارها باسم الشركة. وجلب أدوات زراعية وأسمدة وبيعها على الفلاحين.. مع تأسيس شعبة استثمارات زراعية لافادة المزارعين والفلاحين بأمور الزراعة وانشاء مجلة زراعية في حلب.. وقد منح الامتياز للشركة في /24/ مارس (آذار) 1919 على أن تجلب الآلات الزراعية التي يحتاج إليها الزراع بفائدة / 10% / مستثناة من الجمارك.
هذه الاجراءات، التي لم تكتب لها الحياة بسبب قصر عمر الدولة الوطنية العربية، دلت على أن بذور التفكير الرأسمالي كانت منتشرة وبخاصة في مدينة حلب العاصمة الاقتصادية لشمال بلاد الشام وجنوب الأناضول أيام الدولة العثمانية. وهذه الاجراءات تشير إلى أن الدوائر التجارية في حلب كانت تسعى منذ وقت بعيد لنشر العلاقات الرأسمالية في الزراعة ولم تستطع أن تحقق نسبيا مسعاها إلّا بعد الحرب العالمية الثانية في عهد الاستقلال وحكم البورجوازية الوطنية.
وفي تلك الفترة (1918 – 1920) عزمت غرفة التجارة في حلب كذلك على القيام باصلاحات زراعية مستعينة بأصحاب الأموال من التجار والزراع لغرس النباتات والأشجار المفيدة، وخاصة التوت، وتربية دودة القز، واصلاح الحيوانات الأهلية وتكثيرها وعمل المحفوظات الغذائية.. واستعمال السماد الصناعي وتعميم استعمال الآلات الحديثة.
وقد سعت الحكومة الى فتح مدارس زراعية لتعليم الفنون الزراعية. فتقرر في يناير (كانون الثاني) 1910 اتخاذ الثكنة الموجودة في درعا مدرسة للزراعة وصرف مبلغ / 500 / جنيه لتعميرها.
كما تقرر في سبتمبر (أيلول) افتتاح مدرسة السلمية الزراعية على أن تكون بدرجة اعدادية ومدة الدراسة فيها 4 سنوات ويقبل فيها التلاميذ داخليين وخارجيين، على أن يقبل منهم / 50 / تلميذا مجانا يرجحون من أبناء الزراع الفقراء وقد خصص للمدرسة مبلغ 1500 جنيه والحقت بميزانية الزراعة والحراج، وقد تم افتتاح المدرسة في 15 أكتوبر (تشرين أول) وكانت تحوي / 1000 / دونم من الأراضي الجيدة خصص نصفها لنباتات الدورة الزراعية كالحبوب ونصفها للبساتين والكروم وحقول التجارب ثم أبنية الطلبة والأساتذة وغرف الأدوات الفنية والمستودعات.
ومن أجل تشجيع الفلاحين على الزراعة تقرر في نوفمبر (تشرين ثاني) 1918 اعادة افتتاح المصرف الزراعي في دمشق وبفروعه المختلفة في المراكز، وربطه برياسة المالية، وبدأ الفلاحون بالاستقراض من صناديق المصرف الزراعي لقاء رهن أموالهم غير المنقولة.

وصدرت في / 10 / يونيو (حزيران) 1920 ارادة ملكية بتأسيس غرف زراعية في العاصمة وفي كل مراكز الولايات والأقضية مكلفة بكل ما من شأنه رقي الزراعة واصلاح جميع أنواع الحبوب والنباتات والأثمار والحيوانات الأهلية، واعلام الوزارة عما يناسب الزراعة والمواد التي ينبغي اعتمادها محليا، وحث الأهالي على تأسيس شركات ومعارض ومدارس زراعية وجلب الأدوات الزراعية الحديثة والاستفادة من المصارف الزراعية وترقية المصانع الزراعية ونشر المحلات الزراعية، وتأسيس شركات للتعاون الزراعي وابداء الآراء حول تجفيف المستنقعات وارواء الأراضي.. وقد تقرر أن يجتمع أعضاء الغرف مرة كل أسبوع على أن تعقد الغرف اجتماعات متوالية في شهر يناير (كانون الثاني) من كل سنة لوضع جدول سنوي بما قامت به من أعمال ومساع زراعية، على أن ترفع تقريرها إلى وزارة الزراعة.. ولكن هذه الاجراءات لم تنفذ، بسبب الاحتلال الفرنسي لسورية الداخلية في تموز 1920.