كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

قراءة في خطابي الرئيس دونالد ترامب: (1) أمام الكنيست الإسرائيلي، و(2) في قمة شرم الشيخ أمام رؤساء دول حول "خطة السلام/الاستقرار" المتعلقة بالقطاع

مروان حبش

 قراءة في خطابي الرئيس دونالد ترامب: (1) أمام الكنيست الإسرائيلي، و(2) في قمة شرم الشيخ أمام رؤساء دول حول "خطة السلام/الاستقرار" المتعلقة بقطاع غزة.
1- موجز لما صدر في الخطابين
-زيارات وخطابان جرى إلقاؤهما في 13 تشرين الأول 2025 (الكلمة أمام الكنيست و في قمة شرم الشيخ بعد توقيع إعلان/اتفاق ما سمي بالسلام) والهدف الرسمي: تثبيت وقفٍ لإطلاق النار، إطلاق سراح رهائن، وضع إطار لمرحلة ما بعد الحرب، إعادة إعمار غزة، وتداعيات ذلك على منطقة الشرق الأوسط.
-نبرة ومضمون مركزيان: احتفال بإنهاء "عصر الحرب" وادعاء أن هناك "فجرًا تاريخيًا" لمنطقة الشرق الأوسط، مع تركيز قويّ على نقاط: (أ) نزع سلاح حماس (إما طوعيًا أو بمبادرة دولية/قسرية)، (ب) تشكيل آليات دولية لحفظ الأمن/الاستقرار في غزة، (ج) برنامج لإعادة الإعمار و"تحويل" الاقتصاد. (د) غياب أو صياغات غامضة بشأن التزام واضح بصيغة دولة فلسطينية مستقلة أو جدول زمني واضح للسيادة الفلسطينية.
2- ملامح خطة ترامب كما بُنيت في التصريحات والتغطية:
-شرطية الإعمار على «نزع سلاح» و«آليات رقابية»، خطة الخطوط العريضة تربط إعادة الإعمار بتفكيك البنية العسكرية لحماس أو قبول برنامج مراقبة/تفكيك أسلحتها، بالإضافة إلى مشاركة قوات دولية أو قوة استقرار لإجراء الانتقال الأمني في غزة. هذا يربط التمويل والبناء بمتطلبات أمنية وسياسية صارمة.
-جهات دولية وسياسات انتقالية: ثمة مقترحات لآلية مؤقتة للحكم/إدارة بمشاركة دول إقليمية وغربية، ذُكرت أسماءٌ ومقترحات رقابية لكن دون اتفاق واضح حول التفويض/الشرعية أو مشاركات محددة.
-الغموض حول الدولة الفلسطينية: في التصريحات الرسمية تجنّب ترامب التصريح الصريح بالدعم الفوري لإنشاء دولة فلسطينية مستقلة كجزء من هذا الإطار؛ ظهرت عبارات مثل «سوف نرى» أو مطالبات
بـ "حلول انتقالية" مع ترك مستقبل الوضع النهائي (الضفة، القدس، السيادة) غير محدد بشكل قاطع.
3- آثار خطة السلام والبرنامج على إعمار غزة، وأهم النقاط الرئيسية وما قد يحدث عمليا:
- تمويل ضخم مشروط سياسياً، نتيجة ربط الإعمار بنزع السلاح ومراقبة دولية، من المرجّح أن يُقدَّم تمويل دولي (دول وسُلطات دولية، مانحون خليجيون/أوروبيون) لكن بصيغة تراكمية ومشروطة بخطوات أمنية وسياسية محددة. هذا يسرّع إعادة بعض البنى التحتية الإنسانية الطارئة، لكنه يؤخّر أو يقيّد مشاريع تعيد السيادة المحلية أو الملكية الفلسطينية على الأرض.
-حكم انتقالي وإدارة خارجية للبناء، إن وجود آلية انتقالية دولية يعني أن تنفيذ المشروعات سيخضع لشروط الجهات الممولة أو القوّات الميسِّرة. من جهة، هذا قد يقلّل الفساد ويضمن معايير بناء، من جهة أخرى، يقيّد توظيف السكان المحليين، ونوعية القرار حول توزيع التعويضات والعودة. النتيجة: تعافي مادّي أسرع في بعض القطاعات، لكن استعادة الحياة المدنية والسياسية تبقى محدودة.
4-مخاطر شرعية محلية ومقاومة، أي خطة تُطبّق بآليات دولية أو عبر شراكات مع أطراف ترفضها فصائل فلسطينية (وخاصة إن لم تُشرك حركة واسعة من الفلسطينيين) ستواجه مقاومة شعبية وأمنية قد تؤدي إلى تعطيل المشاريع أو تراجع التبرعات لاحقاً.
5-إشكالية تحويل المساعدات إلى إعادة بناء مستدامة لو ركّزت الخطة على البنى التحتية الفيزيائية (طرق، مياه، كهرباء)، لكن لم تُحلَّ مسائل الحماية القانونية لحقوق الملكية والتمكين الاقتصادي، فتعافي غزة سيبقى هشًا وقد يتحوّل إلى إعادة إعمار شكلية لا تعيد المؤسسات المدنية الفاعلة.
6-آثارها على حقّ الفلسطينيين في تقرير المصير وإقامة الدولة (الضبابية وما يترتب عليها):
-غياب التزام صريح بالدولة الفلسطينية يضع الخطة في خانة الحلّ المؤقت.
-عندما تتبنّى التصريحات تجاهلاً أو غموضًا حول إقامة دولة فلسطينية أو تلوِّح ببدائل انتقالية بدون جدول زمني لسيادة فلسطينية، فهذا يضع خطة السلام كحل تقني/أمني لمعالجة نتائج الحرب أكثر منه مسارًا لحل سياسي نهائي (دولة مستقلة تحدد حدودها وسيادتها). مثل هذا النهج يبدّد أمل تحقيق دولة مستقلة واضحة المعالم على المدى القصير.
7- تقييد السيادة مقابل الاستقرار الإنساني
إذا رُبطت المساعدات بمؤسسات دولية أو بشروط أمنية تُقوّض بناء مؤسسات فلسطينية ذات سيادة (قضاء، شرطة مدنية، قدرة على إدارة حدود وموارد)، يصبح "الاستقلال الفعلي" مؤجلًا أو مصفوفًا بملفات إدارية لا تعكس حق تقرير المصير السياسي.
8-النتيجة السياسية، هناك نوعان من السيناريوهات:
-سيناريو متفائل: إبرام آليّات واضحة لانتقالٍ سياسي تدريجي (جداول زمنية، انتخابات موثوقة، مشاركة دولية بمرجعية أممية)، ما يتيح طريقًا لسيادة فلسطينية لاحقة.
-سيناريو متشائم: بقاء الوضع ضمن إطار "حكم مؤقت" طويل الأمد يفضي إلى شبه حكم تابع (او إدارة دولية) من دون مسار واضح للدولة، مما يطيل أمد حرمان الشعب الفلسطيني من تقرير مصيره.
9-انعكاسات على المنطقة بأسرها (الشرق الأوسط):
-إعادة هندسة تحالفات إقليمية، إن نجاح خطة تُنفَّذ بشراكة أمريكية وإقليمية (مصر، قطر، تركيا، دول خليجية معينة) يمكن أن يعيد رسم التحالفات ويعزّز دور دولٍ وسيطة (مصر وقطر) كمشرفين على الملف، وربما يسرّع تطبيع علاقات أوسع مع إسرائيل أو يضع شروطًا جديدة لالتزامات الدول العربية في الملف الفلسطيني.
-مخاطر تفجّر أزمات جديدة إذا لم يضمن المسار مشاركة فلسطينية حقيقية أو لو فُرضت حلول أمنية دون معالجة قضايا العدالة والهوية (اللاجئون، الحدود، القدس)، فقد يتحوّل ذلك إلى مصدر توتر داخلي وإقليمي قد تستغلّه فصائل متشددة أو دول إقليمية معارضة لتوسيع نفوذها.
-توازنات أمنية باحتمال نشر قوى دولية/عربية في غزة. إن الدعوة لقوة استقرار دولية قد تغيّر قواعد الاشتباك الإقليمي، دول عربية مشاركة قد تواجه ضغوطًا داخلية؛ دول إقليمية أخرى قد تعارض المساعي الأميركية فتزيد من الاستقطاب.
10-الشرعية الدولية والمؤسسات المتعددة الأطراف:
إذا انطلق المسار من مقاربة ثنائية/إقليمية بعيدًا عن الأمم المتحدة أو شرعية دولية واسعة، فقد يضعف دور مؤسسات متعددة الأطراف ويولّد نقاشًا حول شرعية الخطوات، خصوصًا في مسألة الانتقال السياسي والاعتراف بالدولة.
11-تقييم للخطة:
- نقاط قوة محتملة بالقدرة على حشد تمويل دولي سريع لإغاثة ومعالجة أزمة إنسانية، وإمكان فرض شروط أمنية تخفف من إعادة تشكيل قدرات مسلحة داخل غزة، وفتح نافذة دبلوماسية لاستعادة بعض الاستقرار المؤقت.
-نقاط ضعف مقلقة لغياب التزام واضح بالحل السياسي النهائي (دولة فلسطينية)، واشتراطات قد تقوّض سيادة مستقبلية، وخطر خلق إدارة مؤقتة طويلة الأمد تُقيّد حقوق الفلسطينيين السياسية، وإمكانية تراكم سخط شعبي وقوى ترفض الحل.
12- سيناريوهات محتملة قصيرة ومتوسطة الأمد (وضوح للمخاطر والفرص):
-تطبيق مشروط ومنظم، يكون أفضل حالة نسبياً.
-تمويل واسع، قوة استقرار دولية مقبولة، برنامج تفكيك تسليحي تدريجي مع ضمانات سياسية ورسميّة لانتقال سلطوي تدريجي إلى مؤسسات فلسطينية قوية وموثوقة، ومشارَكة أممية ينتج عنه إعادة إعمار سريعة نسبيًا مع مسار سياسي مفتوح.
-إدارة انتقالية مطوَّلة وهي الأخطر على الحق السياسي.
-إعمار تقوده جهات دولية/مموِّلة، لكن دون جداول زمنية لانتقال السيادة؛ مؤسسات محلية تظل أضعف وحق تقرير المصير يبقى مؤجلاً، احتمال احتقان داخلي واستمرار عدم الاستقرار.
-فشل تنفيذ متدرّج وتجدد العنف إذا فشلت الضمانات أو تشكّكت الأطراف المانحة، أو رفضت فصائل أساسية الشروط، قد يتجدّد العنف ويعود المسار إلى مربع النزاع.
13-ماذا يعني ذلك عمليًا للجهات الفاعلة المختلفة؟
-للشعب الفلسطيني في غزة: إمكانية إعادة بنى تحتية سريعة، لكن مع قيود على الحكم الذاتي وسيادة القرار السياسي؛ يحتاج السكان إلى ضمانات قانونية للممتلكات والعودة وحقوق المشاركة.
-للضفة الغربية والسلطة الفلسطينية: خطر التفكيك السياسي إذا تم التعامل مع غزة ككيان منفصل تُدار قضاياُه خارج إطار حل شامل؛ قد يتسبّب ذلك بتمزيق جغرافيا-سياسية أكبر للمشروع الوطني الفلسطيني.
-للدول الإقليمية: فرصة للعب دور قيادي أو وساطة، لكن مع مخاطر سياسية داخلية إذا اعتُبرت المشاركة بمثابة مساهمة في تأبيد حالة بديلة عن الدولة الفلسطينية.
-للمجتمع الدولي والأمم المتحدة: اختبار لجدّية المجتمع الدولي في الجمع بين المساعدات الإنسانية والانتقال السياسي، ضرورة العودة إلى أطر دولية واضحة لتجنب شرعية مشروطة أو مؤقتة فقط.
14- ماذا ينبغي للمراقبين/الفاعلين أن يلحّوا عليه؟:
-ربط إعادة الإعمار بمقاييس حقوقية وسياسية واضحة: (حماية حقوق العودة/الملكية، مشاركة محلية حقيقية، آليات مساءلة).
-جدول زمني والتزامات مكتوبة لمرحلة الانتقال: لا يكفي "إدارة مؤقتة" بلا مواعيد نهائية ومرجعيات قانونية.
- شرعية أممية وتشاور فلسطيني واسع: إشراك الأمم المتحدة والمؤسسات القانونية الدولية لضمان قبول أوسع ولتفادي هيمنة قرارات ثنائية أو إقليمية لا تقبلها الشارع الفلسطيني.
-ضمان مشاركة فصائل فلسطينية ممثلة ومنظمة: للتقليل من خطر مقاومة تؤدي إلى فشل مشاريع الإعمار والاستقرار.
خطابا ترامب قدّما إطارًا طموحًا لتثبيت وقف إطلاق النار وإطلاق مسار لإعادة إعمار غزة. لكن البنية العامة للخطاب والخطة تضع أولوية (في اللحظة الراهنة) على الاستقرار والأمن وإعادة الإعمار المشروط بالنزع المسلح، مع غياب واضح بشأن ضمان دولة فلسطينية مستقبلية وحقوق تقرير المصير.
من الواضح أن ترامب يتبنى نهجًا يبتعد عن الحل التقليدي القائم على مبدأ الدولتين. ويبدو أن التركيز قد انتقل نحو إعادة إعمار غزة دون الإشارة إلى حقوق الفلسطينيين أو تطلعاتهم الوطنية. هذا الأمر يمكن أن يُفهم على أنه تجاهل للواقع السياسي والاجتماعي في الأراضي الفلسطينية، حيث أن عدم الاعتراف بحقوق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم قد يؤدي إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية والسياسية.
إن الإشارة إلى "السلام الدائم" مع تجاهل القضايا الجوهرية مثل الحدود، والقدس، وحق العودة للاجئين الفلسطينيين، تعكس عدم إدراك أو رغبة في معالجة الأسباب الجذرية للصراع. والسلام الحقيقي يتطلب معالجة هذه القضايا بشكل شامل، وليس مجرد الحديث عن إعادة الإعمار كخطوة منفصلة عن الحلول السياسية.
إن الاتفاقات الإبراهيمية تعتبر خطوة نحو تطبيع العلاقات بين إسرائيل وعدد من الدول العربية. ومع ذلك، فإن هذه الاتفاقات لا تعالج القضية الفلسطينية بشكل مباشر، وقد تُعتبر بمثابة محاولة لتجاوز المسألة الفلسطينية بدلاً من حلها. وهذا يثير تساؤلات حول مدى جدوى هذه الاتفاقات في تحقيق سلام شامل ومستدام.
إن موقف ترامب يعكس أيضًا التحديات السياسية الداخلية والخارجية التي تواجهها الولايات المتحدة. فالتوجه نحو تعزيز العلاقات مع الدول العربية دون معالجة القضية الفلسطينية قد يُعتبر محاولة لكسب الدعم من بعض الحلفاء في المنطقة، ولكنه في الوقت نفسه قد يؤدي إلى استياء فلسطيني وعربي واسع.
تعافي مادي مشروط بالتوافق الأمني والدولي، لكن خطر تأجيل الحل السياسي النهائي وشرعية مؤقتة قد تترك القضية الفلسطينية عالقة سياسياً، مع انعكاسات إقليمية تتراوح بين إعادة ترتيب تحالفات وفرص للوساطة من جهة، وتصعيد محتمل من جهة أخرى إذا لم تُعطَ مطالب الحقوق السياسية مساحة واضحة في المسار.
جماعة الإخوان المسلمين والوثائق الثلاث
حول اغتيال سامي الحناوي في بيروت
الأمة العربية بين الوعي والمقاومة: صراع التاريخ والخيارات المستقبلية
عندما أضاع حافظ الأسد فرصة السلام مع اسرائيل
المجازر العثمانية في سورية الطبيعية والأناضول
الترامبية كجنون مؤسَّس.. من نقد فوكو للعقل إلى انهيار السياسة
حول اتفاقية أضنة وتسليم عبد الله أوجلان
الإسلاميون والإثنيات والمساكنة العجيبة
قراءة في خطابي الرئيس دونالد ترامب: (1) أمام الكنيست الإسرائيلي، و(2) في قمة شرم الشيخ أمام رؤساء دول حول "خطة السلام/الاستقرار" المتعلقة بالقطاع
كيف أفسد حافظ الأسد المؤسسة العسكرية- ح2
ما تشهده سورية حاليًّا كنّا قد توقّعناه حرفيًّا عام 2012
كيف أفسد حافظ الأسد المؤسسة العسـكرية؟- ح1
حرب تشرين ومذكرات الفريق الشاذلي
الإسلام السياسي.. التحولات الجيوسياسية والتوظيف الغربي
ظهور العلوية السياسية: الأخطاء الاستراتيجية القاتلة للعلويين (2)