كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

حول اغتيال سامي الحناوي في بيروت

علاء الدين تلجبيبني

تفاجأ القاضي الذي طرح على السيد هرشو البرازي السؤال: «هل أنت نادم على قتلك اللواء سامي الحناوي؟»
فأجابه: «نعم، أنا نادم.» ليستأنف حديثه قائلاً: «نادم، لأني لم أقتل البقية أيضًا.» ليُحكم عليه بالسجن المؤبد.
حينما كان الرئيس السوري الأسبق اللواء سامي الحناوي واقفًا في بيروت في منطقة المصيطبة مساء الثلاثين من تشرين الأول عام 1950، بانتظار الترام، مع ابنة عديله وهي طفلة والى جانبه رفيقه الضابط عصام مريود، تعرّض الحناوي لإطلاق نار من شاب اقترب منه وأرداه بعدة طلقات قبل أن يهرب.
لحق عصام مريود بالقاتل، وأجبره على الاحتماء في أحد المنازل، ومنعه من الفرار حتى وصلت مفرزة من الأمن فاستسلم لها.
كان القاتل ابن أسرة البرازي الحموية، الملقب حرشو أو هرشو، أما اسمه الكامل فهو محمد أحمد باكير البرازي (1920–2015). وقد اعترف بأنه قتل الحناوي ثأرًا لابن عمه محسن البرازي، رئيس الوزراء في عهد حسني الزعيم، الذي تمت تصفيته مع حسني الزعيم ليلة انقلاب الحناوي.
روى هرشو عبر لقاءات عديدة، صحافية وغير صحافية، أُجريت معه، أنه خلال عشرة أيام من مراقبته للحناوي، الذي استأجر بيتًا في أحد أحياء بيروت وكان يرافقه عدد من الأشخاص، منهم عصام مريود أحد منفذي الجريمة، انتقلوا بعدها إلى منزل آخر في شارع محمد الحوت (الحمرا حاليًا)، واستأجر هو الآخر بيتًا قريبًا منه بعد أن فشل في عمليتي اغتيال سابقتين، لكنه نجح في الثالثة، عندما التقاه في ذلك الشارع وكان مع عدد من مرافقيه الذين لم يدافعوا عنه، عندما ناداه باسمه: «سامي، أنا هرشو، قد أتيتك!» ثم أشهر مسدسه ليطلق عليه ثلاث رصاصات أصابته في صدره وأردته قتيلاً. وكان الحناوي قد مدّ يده -في المقابل- إلى مسدسه لإطلاق النار عليه، لكنه سقط مضرجًا بدمائه، فمضى هرشو إلى أحد الأبنية القريبة، غير أن الأهالي هناك تابعوه وأحاطوا البناء لساعات عدة إلى أن تم إلقاء القبض عليه واقتيد إلى السجن.
يقول محمد معروف في كتابه أيام عشتها: كانت زوجة محسن البرازي ابنة عم زوجة رياض الصلح، رئيس وزراء لبنان آنذاك، وكلتاهما من عائلة الجابري في حلب، ولهذا جرت لحرشو محاكمة صورية.
فيما قضى فعليًا حرشو البرازي أكثر من سنتين ونصف في السجن، لأن عملية الاغتيال وقعت نتيجة ثأر عائلي، ناهيك عن أن عددًا من أشهر المحامين اللبنانيين، من أمثال إميل لحود وحبيب أبوشهلة وغيرهما، تولوا مهمة الدفاع عنه بقوة في المحكمة. وهناك من يتحدث عن وساطة عربية خليجية – سعودية تحديدًا – وأن هذه الوساطة كانت وراء إطلاق سراح الرجل الذي عاش حياته العادية فيما بعد، بعد أن أصدر رئيس الجمهورية اللبنانية آنذاك كميل شمعون قرار العفو عنه.
أما محسن البرازي، فهو من مواليد عام 1904، وقد حصل على الدكتوراه في السوربون، وعمل أستاذًا للقانون في جامعة دمشق، وشارك في تأسيس عصبة العمل القومي. شغل وزارة المعارف في حكومة خالد العظم الأولى، واختاره الرئيس شكري القوتلي بعد انتخابه رئيسًا سنة 1943 ليتولى منصب الأمين العام لرئاسة الجمهورية، ثم كلفه حسني الزعيم، قائد الانقلاب الأول برئاسة الحكومة. والطريف في الأمر البرازي كان يعمل على تأليف كتابه عن الشرع الدستوري حينما انضم إلى سلطة الانقلاب الذي قام به الصابط حسني الزعيم، وهو أمر أصبح مألوفًا فيما بعد في التقاليد السورية، أن يعمل أساتذة القانون مع الضباط الانقلابيين.
كان انقلاب الشيشكلي على الحناوي إفشالًا لمشاريع الوحدة مع العراق التي بلغت مراحل متقدمة وصلت خلالها المفاوضات إلى الاتفاق على توحيد الجيشين السوري والعراقي.
اعتُقل الحناوي ليلة الانقلاب، وأُطلق سراحه في 7 أيلول/سبتمبر 1950، بعد فترة حوالي عشرة أشهر قضاها معتقلًا في سجن المزة إلى جانب كل من رئيس الشرطة العسكرية محمد معروف، ورئيس المكتب الثاني محمود الرفاعي، وعدد من الضباط الصغار، بعد انقلاب الشيشكلي في 19 كانون الأول/ديسمبر 1949. قضى الحناوي بقية أيامه في بيروت، ليُغتال بعد إطلاق سراحه بأربعةٍ وخمسين يومًا.
يصف سامي جمعة في مذكراته سامي الحناوي بالقول: «كان المرحوم سامي الحناوي من النوع المهذب، الطيب القلب لدرجة (الدروشة)، ولو لم يكن عديلاً للسيد أسعد طلس لما قام بأي عمل أو نشاط، ولما لمع اسمه بطلًا من أبطال الانقلابات في سورية.» فيما يقول الضابط مصطفى رام حمداني في مذكراته: «كان سامي الحناوي قانعًا بضم سورية إلى العراق، أو بالأحرى بتوحيد البلدين، وهو سليم القلب، وقد أثر فيه عديله الأستاذ أسعد طلس الذي كان له الرأي نفسه، وهو (وحدة سورية والعراق).»
يذكر محمد معروف: إنه غداة الانقلاب قام بتسلّم محسن البرازي بعد اعتقاله من منزله وإحضاره إلى مبنى الأركان إلى الملازم عبد الغني دهمان، وطلب منه الحفاظ على البرازي وألا يسلّمه لأحد. غير أن الضابط عصام مريود، الذي كان قد أسرف في الشراب ليلة الانقلاب، انتزع البرازي عنوة من الملازم دهمان، واقتاده معه إلى أبواب دمشق الغربية، ليلتقي المفرزة التي قبضت على حسني الزعيم، فأُطلق عليهما النار من قبل الضابط فضل الله أبو منصور.
بعد ان تمت عملية قتل محسن البرازي يقول محمد معروف أن زوجة محسن البرازي طلبت إليه أن يحضر إلى منزلها بعد تصفية زوجها، وعندما ذهب لمقابلتها أطلت مجللة بالسواد من رأسها حتى أخمص قدميها، وعن يمينها وشمالها بناتها الثلاث بلباسهن الأسود نفسه. وقفت عند باب الصالون، وبدون تحية راحت تشتم من قتلوا زوجها بأقذع الألفاظ، وخاصة سامي الحناوي، ثم قالت: «كيف تتجرؤون أن تقتلوا هذا العالم الكبير؟» مهددة بأن «لحم سامي الحناوي سوف يُفرم». يقول محمد معروف: وقفت وكان العرق يتصبب مني وقلت لها: «ألهذا طلبتِ مقابلتي؟» فخففت من ثورتها وأجابت: «لا أعدّك من هذه الطغمة، وموقفك النبيل من زوجي يستحق الشكر.»
في النهاية يمكن القول أنه كان مستغربا أن يتم قتل سامي الحناوي، علمًا بأنه لم يكن هو الذي أعطى الأوامر بقتل محسن البرازي،والمستغرب أكثر ان يقتل محسن البرازي علما بأنه لم يكن صاحب القرار في تسليم الزعيم انطون سعادة الى السلطات اللبنانية وهو السبب الذي دفع الى تصفية حسني الزعيم من قبل ضباط من الحزب السوري القومي الاجتماعي
. وقد نُقل جثمان سامي الحناوي إلى سوريا، وتولى حزب الشعب تنظيم مراسم التشييع في مدينة حلب، بعد رفض الرئيس أديب الشيشكلي إقامة التشييع في دمشق، ويُذكر أن آل البرازي هم أخوال الرئيس أديب الشيشكلي.
المصادر:
أيام عشتها – محمد معروف
أيام حسني الزعيم – نذير فنصة
الحياة الحزبية في سوريا: دراسة تاريخية لنشوء الأحزاب السياسية وتطورها 1908–1955 – محمد حرب فرزات
الانقلابات العسكرية في سوريا من 1949–1969 – محمد سعيد أحمد بني عايش