عندما أضاع حافظ الأسد فرصة السلام مع اسرائيل
2025.10.29
يقول وزير الخارجية الأميركي وارن كريستوفر في كتابه (Chances of a Lifetime):
«مع استمرار المفاوضات الإسرائيلية السورية، تأكدت صحة استنتاجاتي بشأن الأسد. ففي ظل هوس واضح بتحقيق نتائج أفضل لسوريا مقارنة بما حققه السادات لمصر، فضلّ الأسد القتال على الكلمات والفواصل بدلاً من التصرف بجرأة. وكان رابين قد أثبت أنه صاحب رؤية بعيدة المدى عندما سمح لي بتقديم احتمال الانسحاب الإسرائيلي الكامل من الجولان للأسد. ولكن الأسد بدا مشلولاً في مواجهة هذه الفرصة التاريخية».
مثل اليوم في 27 تشرين الأول/أكتوبر 1994، وصل إلى دمشق مباشرة من الأردن الرئيس الأميركي بيل كلينتون بعد حضوره توقيع اتفاق وادي عربة. وكانت هذه هي الزيارة الثانية لرئيس أميركي إلى سورية بعد زيارة الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون في عام 1974، والقمة الثانية بعد قمة جنيف الأولى بين الأسد وكلينتون في مطلع العام نفسه.
كان برنامج الرئيس كلينتون هو الاجتماع فورًا مع الأسد في اجتماع مغلق ثم في اجتماع موسع بين الوفدين السوري والأميركي.
كانت زيارة بيل كلينتون من أجل إقناع الأسد بدفع عملية السلام على أساس وديعة رابين. وكان كلينتون يطمع في أن يحصل مع حافظ الأسد على تصريح صحافي خلال الزيارة يعلن فيه عن التقدم في عملية السلام قبل خطابه الذي كان مقرراً مساء أمام الكنيست الإسرائيلي.
يقول فاروق الشرع إن الاجتماع المغلق سجل، ولأول مرة على لسان أعلى سلطة أميركية، أنه حصل من رئيس الوزراء رابين على قرار باستعداد إسرائيل للانسحاب حتى خط الرابع من حزيران 1967.
وهكذا كانت الوديعة قد أصبحت في عهدة الرئيس الأميركي، لا مجرد وعد إسرائيلي افتراضي. وتم الحديث في الاجتماع عن التبادل الدبلوماسي، الذي اشترط الأسد أن يتم بعد انسحاب إسرائيل الكامل.
في 3 تشرين الثاني/نوفمبر 1994 استؤنفت المفاوضات السورية الإسرائيلية حول وديعة رابين في ضوء الصيغة التي صممها وزير الخارجية الأميركي وارن كريستوفر بين وليد المعلم، السفير السوري في واشنطن، ورابينوفيتش، السفير الإسرائيلي هناك.
كانت التوجيهات لوليد المعلم هي الحصول من الوفد الإسرائيلي على التزام «خطي» يوثق ما جاء به بيل كلينتون من وديعة رابين، التي اعترف بها وسجلها شفوياً في الاجتماع بين الوفدين الأميركي والإسرائيلي.
يقول فاروق الشرع:
«في الطريق من قصر الشعب إلى المطار كشف كلينتون للأسد أنه سيعود إلى إسرائيل مباشرة، وسيدعم اليوم رابين ضد حزب الليكود والأحزاب اليمينية المتعصبة، لأنهم بالتأكيد لا يريدون السلام. وقال إنه سيلتقي غداً نتنياهو، زعيم المعارضة اليمينية، ولكن لفترة قصيرة. ووصف نتنياهو بأنه رجل ذكي وقادر، ولكنه متعنت جداً، ويبدو أن لديه مصلحة في استمرار الصراع، وأن من مصلحة رابين أن يسرع في عملية السلام».
كان لقاء كلينتون مع حافظ الأسد قد جاء بعد توقيع اتفاق وادي عربة بين الأردن وإسرائيل بعشرة أيام، والذي بموجبه بات مسار العملية السلمية مقتصراً على سورية ولبنان فحسب.
أما عن وديعة رابين التي حركت عملية السلام السورية الإسرائيلية، فترجع إلى 3 آب/أغسطس 1993، عندما جمع لقاء بين رئيس الوزراء الإسرائيلي رابين ووزير الخارجية الأميركية وارن كريستوفر، عشية توجهه إلى دمشق للقاء الرئيس السوري حافظ الأسد، في الوقت الذي كانت فيه المفاوضات السورية ـ الإسرائيلية في واشنطن عالقة.
عرض رابين على كريستوفر أنه «إذا كان السوريون مستعدين للتقدم نحو المطالب الإسرائيلية التي تتضمن معاهدة سلام كاملة، من دون أي صلة بالموضوع الفلسطيني»، بما يتضمن ذلك من «خطوات سلام وتطبيع قبل استكمال الانسحاب الإسرائيلي، وترتيبات أمنية يشارك فيها الأميركيون أيضاً، وانسحاب يستمر لخمس سنوات، وخلق قناة حوار مباشرة وسرية بين إسرائيل وسوريا»، فإن إسرائيل بدورها ستكون مستعدة للانسحاب من كل هضبة الجولان حتى خطوط الرابع من حزيران 1967.
«رابين شدد لكريستوفر على عدم القول للأسد إن رابين تعهد الانسحاب، لكن عليه أن يقول فقط إنه يفترض، إذا ما استجابت سوريا لمطالب إسرائيل، فإنها ستكون مستعدة للانسحاب إلى خطوط الرابع من حزيران».
تبع ذلك عدة اتصالات ولقاءات، منها لقاء حكمت الشهابي مع إيهود باراك للاتفاق على مسافة الانسحاب، وبقيت نقطة الحدود عالقة لفترة طويلة ما بين شد وجذب، دون وجود الإرادة الحقيقية للوصول إلى اتفاق، مع تبادل الاتهامات بين الطرفين السوري والإسرائيلي بعدم الرغبة بالسلام.
يقول وارن كريستوفر:
«في اجتماعات لاحقة مع الأسد خلال عام 1996، ورغم أنه كرر لي ملاحظتي حول الميزة الاقتصادية المتنامية التي تتمتع بها إسرائيل على سوريا، فإنه لم يُظهر أي إشارة إلى تقديره لأهميتها في مفاوضات السلام الإسرائيلية السورية. وعندما توفي إسحاق رابين في الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني 1995، كان الدكتاتور السوري لا يزال يتحدث عن الشروط المسبقة والتفاصيل الفنية بدلاً من الحديث عن جوهر مشكلة السلام. وسوف أظل أعتقد دائماً أن الأسد اضطر بوفاة رابين إلى إدراك أنه أضاع فرصة استثنائية لبلاده وشعبه — وللسلام».
إن جوهر الخلاف الإسرائيلي السوري حول الانسحاب إلى حدود الرابع من حزيران هو ما ترفضه إسرائيل، حتى أنها لا تستعمل مصطلح الانسحاب بل «إعادة انتشار» القوات الإسرائيلية، وترفض العودة لحدود 1967، رغم موافقة سوريا على ترتيبات أمنية في الجولان ومحطات إنذار مبكر ومنطقة عازلة، وقوات أجنبية أميركية وأوروبية، ومحطة إنذار على جبل الشيخ، إلا أن إسرائيل ترفض حتى المشاركة السورية في محطة جبل الشيخ.
تعتبر إسرائيل الجولان منطقة ذات قيمة استراتيجية ومائية، وإلى حد ما نفطية لإسرائيل، واستمرت في توسيع الاستيطان حتى وصل عدد المستوطنين تقريباً عام 2000 إلى 25 ألف مستوطن.
المصادر:
وارن كريستوفر Chances of a Lifetime
عاموس جلبوع – صحيفة معاريف الإسرائيلية
الرواية المفقودة لفاروق الشرع
عملية السلام في الشرق الأوسط: الدوافع والانعكاسات 1991–2001، صادر عن مركز دراسات الشرق الأوسط