كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

محطات من قطار الرعب التدمري: النفق 27 و28

 النفق 27
تقديم: خالد محمد جزماتي
 بتاريخ 1980/11/20 تم سوقي من سجن المزة العسكري مع الزملاء المقدم البحري عبد الله شاكر والرائد فوزي العزاوي والنقيب الطيار عثمان أصفر والنقيب نصر خطاب والمراسل أحمد عمر العسل في سيارة نسميها سيارة اللحمة، ولما وصلنا السجن الرهيب استقبلنا الذي سميناه أبي جهل وهو المساعد أحمد الكسيبي من قرية القريتين.. وكنت أول الداخلين إلى غرفة الاستقبال وسألني عن اسمي ورتبتي وقال لي: "ماعاجبك الراتب الذي يعطيك إياه سيادة الرئيس.. مد ايدك".. وضربني بالسوط اللعين فطارت ساعتي في الهواء مع طيران دماغي كإحساس بالألم، ثم قال: "سيفقدك أهلك هنا"..
وبعد انتهاء إجراءات الدخول مع ذاتية السجن بدأت حفلة الاستقبال في الباحة الأولى، وقد تم التركيز على من قال ضابط ثم أمرونا بخلع ملابسنا ما عدا الشورت الداخلي، وقد أكرمونا حسب صياح أبو جهل بأنه أبقى الشورتات... والمضحك أن المقدم عبد الله شاكر وهو من قطنا، قال له أنه عامل دهانات ..ولكن لما علموا بأنني ضابط تم التركيز عليّ لأتلقى أقسى دولاب جعلني لا أستطيع دخول المرحاض طوال ثلاثة أسابيع إلّا بمساعدة أحد الزملاء..
بعد حفلة الاستقبال ساقونا إلى المهجع 22 في الباحة الرابعة الكئيبة ..فاستقبلنا نزلاءه، وكان عددهم ثمانية وثلاثين وهم جميعا عسكريين منهم العميد أحمد غنوم من مواليد كفرمبل عام 1929 والعقيد عدنان لاذقاني والرائد الجوي عبد الله أزرق والنقيب الطيار مروان صيرفي والملازم الطيار خالد حلواني والملازم الطيار أحمد ماهر جودة والملازم المجند المهندس مصطفى خلق حجي والنقيب الاحتياط عبد القادر عبد الجليل ورائد الصفوف أبو أحمد نعسون وعدد من صف الضباط...
وكان هذا المنتجع يخضع لأشد أنواع التعذيب لأن نزلاءه عسكريون.. فبعد وصولنا إليه شاهدنا في كل مرة يتم فيها فتح باب الباحة ينادي الرقيب: "الحقيران يجهزوا حالن، والرقيب المتوحش" يعني العميد أحمد والعقيد عدنان.. ولما أصبحت أنا من تعداد المنتجع أصبح ينادي: "الحقراء الثلاثة يجهزوا حالن" أي العميد والعقيد والمقدم... لقد ذقنا الويل في هذا المهجع حتى تم فرز السجناء حسب الأحكام في منتصف شهر تموز عام 1981... وفي تلك المدة التي قضيتها في المهجع 22 بدأت الإعدامات في شهر شباط 1981 وأيضا عانينا من انتشار الجرب، وفي هذا السياق أقول أنه لم يصب أحد منا بالجرب، ولكن لم يكن محفوظا عندنا في المهجع من القرٱن الكريم سوى ربعه تقريباً، فتطوع اثنان من الشباب وادعيا بأنهما مصابان بالجرب بعد نخز عانتهما.. وخرجا من المهجع ليعزلا في مهجع خاص بمرض الجرب... وهكذا بعد خمسة عشر يوما عادا إلى المهجع وقد فازا بحفظ خمس صفحات من سورة آل عمران، وكان ذلك هو الهدف المنشود..
لا بد من ختام تلك المداخلة أن أعلم القراء الكرام بأني بعد إخلاء سبيلي زرت النقيب الطيار عثمان أصفر في اللاذقية حيث حكى لي أن العميد بركات العش كان يزوره بشكل متكرر ويتسلى بالحديث معه حيث يستعرضان سوية حكايات سجن تدمر..
وجميل قولنا دائماً: لعنة الله على الأسد الوحش وعلى ولده الفأر وعلى جميع أفراد الأسرة الفاجرة القذرة وعلى من والاهم..
ولنتذكر كم صنعوا من أصنام وكيف تم تحطيمها والبقاء لله الواحد القهار...
********
 
 * محطات من قطار الرعب التدمري:
د. محمد سالم عتال
* السجانون -٢:
لم يكتفِ المقدم فيصل غانم مدير سجن تدمر، بما غنمه هو ووالدته، من قطع ومصاغٍ ذهبية، وسيارات، ومبالغ نقدية، عن طريق تأمين زيارات لأهالي الموقوفين عنده، ولا بصفقات الفساد التي كان يديرها مع المقاولين والمتعهدين الذين كان يتعاقد معهم لترميم وتوسيع مهاجع السجن، وتأمين الطعام واحتياجات السجن والسجناء، لكنه طمع بما كان يحمله أهالي المعتقلين لأولادهم الذين حُرموا من كل أساسيات وضروريات الحياة.
فعندما شاهد كرم أهل المعتقلين مع أبنائهم، وما كانوا يحملون لهم أثناء الزيارة مما لذّ وطاب من طعام وشراب، والكثير من الملابس والمناشف واحتياجات السجناء، شط ريقه مثل كلب جائع، وزاغ بصره كخنزير بري، وفارت أطماعه وأحقاده داخل صدره كقرد خبيث متوحش، فأمر مساعد الانضباط محمد الخازم، بسرقة أكثرها، وإبقاء القليل منها للسجين المُزار، وهل يجرؤ هذا المُزار على الاعتراض، أو مجرد التأفف...
ولكي يصرّف هذه الغنائم والسرقات، ابتدع مع الخازم فكرة إنشاء الندوة، التي صارت تبيع السجناء أغراضهم التي جلبها لهم أهلوهم، بأسعار مضاعفة خيالية، فالحاجة ملحّة، والاحتكار سيد الموقف.
ولتسهيل المهمة، وتأمين التواصل مع السجناء بعيداً عن السجانين، خشية حدوث اي تواصل غير مرغوب بين العساكر والمساجين لا تحمد عقباه، وافق المقدم على عرض الخازم، بإطلاق يد أحد السجناء، ليستلم الندوة، ويمر على المهاجع، ويسجل احتياجاتكم اليومية، ثم ليعود فيستلم المواد من المساعد ويسلمها للمهاجع بعد تحصيل المبالغ النقدية منهم.
وبهذه الفكرة الجهنمية، استولى الغانم والخازم على الفلوس التي كانت تصل إلى المساجين من أهاليهم أثناء الزيارات، والعنوان المتبع عند أولاد الحرام هؤلاء:
"من دهنو سقيلو".
كان مساعد الانضباط محمد الخازم "أبو أمجد" وهو علوي من قرية الربيعة غرب حماة، وجد ضالته في ابن دورته العسكرية صف الضابط السجين خالد عوض السالم من صوران شمال حماة، فسّلم أبا عوض الرجل الأربعيني الضخم مهمة التواصل مع المهاجع و تصريف مواد الندوة.
والسؤال الذي يطرح نفسه، هل كانت هذه المواد التي تصل مع الأهل كافية لتغذية الندوة وتأمين احتياجات السجناء باستمرار؟!
والجواب، نعم.
لقد كان الأهالي يحملون معهم أثناء الزيارة كميات مضاعفة ومبالغ فيها، من كل الأصناف والأنواع، والمقاسات والأحجام. وكأنهم يعرفون أننا محرمون من كل شيء.
فمثلاً، وصلت في تلك الفترة، لأحد الأخوة الميسورين، و هو الأخ باسل الشُرفا، زيارات عديدة، وفي كل زيارة كانت تصله عشرات الملابس الداخلية، والبيحامات والكنزات والقمصان والبناطيل والجرابات والمناشف وقطع الصابون، عدا عن المأكولات وحتى العسل و التمور وغيرها الكثير الكثير، فكان يستلمها من أهله أمام المساعد، وكانوا بحجة التفتيش، لمنع دخول الممنوعات يسرقونها ويستولون على أكثرها، ويبقون لباسل من الجمل أُذُنه فقط، والمسروقات تحوّل إلى حساب الندوة المستحدثة، وإلى بطونهم الجائعة التي لا تشبع.
كان الأخ باسل الشرفا يحمل الجنسيتين، السورية والأردنية، وكان أهله من تجار دمشق وعمان، ولهم معارض معروفة في سوق الصالحية الشهير، تلك المعارض التي استولى عليها المجرم سليمان الخطيب وأزلامه، فاضطر أهله للهرب بأنفسهم دون أملاكهم إلى الأردن و بلاد الله الواسعة، أما باسل فأعدم رحمه الله على يد الخطيب "القاضي القاتل الحرامي" في سجن تدمر يوم ٢٤ أيلول ١٩٨٦م.
ورغم أن الندوة قد قامت على أموال وممتلكات السجناء المُزارين المسروقة، والتي استمرت قرابة السنة حتى تم عزل الغانم عن إدارة السجن، فقد كان لها و لمرور أبي عوض اليومي على المهاجع فوائد عديدة، في تأمين حاجاتنا الضرورية، وتوزيع تلك الاحتياجات بين المهاجع، فبعض المهاجع كان يصلها العديد من الزيارات في تلك الفترة، والبعض الآخر كمهجعنا الناشىء حديثاً، لم يصله أية زيارة، لكننا كان يصلنا من بقية أخواننا في المهاجع الأخرى ما نحتاج، فكان أبو عوض يبلّغ المهاجع المكتفية، أن مهجع ٣ مثلاً، يحتاج بعض الأدوية المتاحة، أو بعض أدوات النظافة، فيتبرع بعض الأخوة باحتياجاتنا ويرسلونها لنا مع أبي عوض...
وقد وصلني شخصياً في تلك الفترة، ومن غير أن أطلب، عدة تحويلات نقدية وملابس ومناشف ومستلزمات أخرى، من عدة أشخاص، بعضهم لم أكن أعرف أنهم مسجونون أصلاً، إحداها كانت من محمد أحمد سلورة "الذي أُعدم بعد ذلك رحمه الله"، وهو ابن أخ جدتي "صدّيقة سلورة رحمها الله تعالى".
وبالإضافة للملابس والأطعمة والحاجيات الأساسية التي كان أبو عوض يتناقلها بين المهاجع، كان أيضاً ينقل أخبار السجناء، وأماكن تواجدهم، وخاصة بين الأخوة والأقرباء، أو بين الأب وأبنائه، فكثير من الأخوة والأقارب كانوا موزعين بين المهاجع ولا يستطيعون التواصل فيما بينهم.
ولعل أكبر خدمة قدمها لنا أبو عوض في فترة سراحه بين المهاجع كانت، عندما بدأ بنقل المصحف الشريف الوحيد الموجود في تلك الفترة داخل السجن، والذي دخل عن طريق الخطأ، مع الشيخ العلامة هاشم المجذوب داخل جبته، ليتم التثبت من بعض الآيات المتشابهات التي كانت اشكلت على البعض، نتيجة الحفظ عن طريق النقل بين الصدور، وعدم وجود المصاحف بين أيدينا.
كانت هذه الأشهر القليلة، في نهاية عام ١٩٨٣، وبداية عام ١٩٨٤، والتي كان رفعت الأسد يتهيأُ فيها للانقلاب على أخيه واستلام الحكم، والتي انتهت مع تسفير رفعت خارج سوريا، وعزل الغانم عن إدارة السجن، هي من أفضل أيام سجن تدمر على السجناء رغم استمرار المحاكم الميدانية وحفلات الإعدام والتعذيب الممنهج المستمر كما كانت من قبل، وقد أشيع يومها، وهذا ماكان يقوله الغانم نفسه لزواره وسُمّاره، أن رفعت سيفرج عن كافة السجناء إذا ما استلم الحكم..
ولكن حافظ الأسد حسم الأمر، وانتهى رفعت وخرج من المعادلة السياسية للبلد، وتحطم حلمه بحكم سورية، وأُبعد رجل رفعت فيصل الغانم عن إدارة سجن تدمر، ليستلم إدارته لفترة انتقالية مؤقتة نائبه المقدم بركات العش...
فمن هو المدير المؤقت لسجن تدمر العسكري المقدم بركات العش؟!
ولد بركات العش في قرية دمسرخو المتاخمة لمدينة اللاذقية، لأسرة من أغوات وملاك العلويين، درس في مدارس اللاذقية وحصل على الثانوية من ثانوية جول جمال الشهيرة، والتحق بالكلية العسكرية، وبعد تخرجه فرز لسلك الشرطة العسكرية.
عين نائباً للمقدم فيصل غانم مدير سجن تدمر العسكري في أيار من عام ١٩٨٠، وحضر مجزرة تدمر الشهيرة في ٢٧ حزيران ١٩٨٠، لم يكن أحد يسمع به طوال فترة الغانم، ولكن بعد أن أُبعد الغانم عن إدارة السجن تسلم العش إدارته بشكل مؤقت لأشهر وذلك في صيف عام ١٩٨٤.
وقد رأيته مرة واحدة فقط، في تلك الفترة، عندما جمعنا في الباحة الأولى، وألح علينا في طلب إحتياجاتنا، وكان الجرب قد انتشر في مهجعنا في تلك الفترة بشكل خطير، وأصابنا جميعاً، فكنا لا نستطيع النوم من كثرة الحك والهرش في أجسادنا، وكنا نحك حتى نسلخ جلودنا وتسيل دماؤنا، وقد تقيحت تلك الجروح والندب، وغطتها البثرات والتقشرات بشكل مرعب، وخاصة في مفاصل الركبتين والمرفقين.
ورغم طلباتي المتكررة لطبيب السجن بضرورة تأمين علاج للجرب، وللدمامل والتقيحات، لكنه لم يكن ليستجيب، فتجرأتُ وبلغت المقدم بركات العش عن انتشار وباء الجرب بشكل وبائي خطير، فطلب مني أن أريّه بعض الحالات، فعرضت عليه بعض الحالات الشديدة، فعندما كشفت له عن الركبتين، تفاجأ بما رأى، وصاح من الخوف:
- أووف أووف أووف، شو هاد، معقول في هيك.
وطلب من مساعد الانضباط تأمين العلاج بشكل سريع وفوري، وفعلاً، أحضروا لنا في اليوم التالي، كمية لا بأس بها من العلاج، مما ساهم في تخفيف شدة وعدد الحالات.
ورغم تعرضي لحفلة تعذيب بسبب تبليغي عن حالات الجرب للمقدم العش، لكن والحق يقال كان تجاوبه مع الوضع سريعاً ومناسباً بعض الشيء، ولم نعتد على مثل هذا التجاوب من قبل، ولا من بعد ذلك، طيلة فترة سجني على الأقل.
بعد هذه الأشهر الصيفية القليلة من عام ١٩٨٤، تم تعيين المقدم غازي الجهني مديراً لسجن تدمر العسكري.
ومع افتتاح سجن صيدنايا في إيلول من عام ١٩٨٧م، تم تعيين العش أول مدير له. و بقي فيه حتى نهاية عام ١٩٩١م.
وكانت فترة إدارته لسجن صيدنايا من أفضل فترات هذا السجن حسب شهادات سجناء صيدنايا في ذلك الوقت.
وتم بعدها فرزه لإدارة سجن المزة المركزي، وبقي فيه حتى إغلاقه نهائياً عام ٢٠٠٠م.
وليُسرح بعدها من الجيش برتبة عميد، وليعود ويستقر في بيته في حي الأسد في اللاذقية، وليكتفي بمنصب شرفي في لجنة الحي، وليتابع مع المسؤولين في المحافظة بعض خدمات وطلبات أهل الحي، كتزفيت شارع، أو إغلاق حفرة، أو إنارة طريق...
ومع انطلاق الثورة السورية المباركة في آذار من عام ٢٠١١، أصبح يقضي وقته متنقلاً بين أخبار القنوات الفضائية، وخاصة قنوات النظام السوري وقناتي الميادين والمنار، ويتابع باهتمام ويرى بأمّ عينه تداعي نظام الخوف والرعب والإرهاب الأسدي، و كم أتمنى أن يكون قد رأى عين اليقين كيف هرب وتخلى عنهم ولي نعمته الجبان بشار، وكيف كانت نهاية ذلك النظام الطائفي المجرم الذي أضاع عمره في خدمته، والذي وظّفه - كما هو حال بقية الضباط و العسكريين من أبناء طائفته - برتبة سجّان وقاتل لأبناء شعبه وأخوته في الوطن، في أسوأ سجون عرفها التاريخ الحديث.
***************
النفق 28
تقديم خالد محمد جزماتي
 يتابع الأخ الدكتور محمد سالم عتال مقالاته الرائعة المفيدة عن سجن تدمر سيء الذكر تحت مسمى "النفق 28"، وأنا بدوري أسارع في قراءته بتمعن، حيث يعيدني الى عشرين عاما وخمسة أيام عشتها بتفاصيل مرعبة أكاد لا أصدق نفسي وذكرياتي، وأيضا الخمسة أشهر التي قضيتها في فرع التحقيق العسكري وسجن المزة الكريه وفيها أيام المحكمة التي حاكمت مجموعتنا المكونة من ستة عشر ضابطا ورقيب مجند ومراسل مدني تلك المحكمة كانت برئاسة اللواء الطيار حسن قعقاع من اللاذقية كانت محاكمتي في مبنى القوى الجوية، ولما مثلت أمامه قال لي: "أنت أمام محكمة يمكنك الدفاع عن نفسك بعد استماعك مني الى قرار الاتهام"، ولما قرأه عليّ اعترضت عليه، وقلت: "هذا الكلام باطل وقعت عليه تحت ضغط التحقيق في أقبية المخابرات"، وما أن قلت ذلك حتى انخض وانتفض وضرب الطاولة وكاد أن يكسر زجاجها، وقال بصوت عال: "سأعيدك الى المخابرات"، فأجبته: "سأوقع على ما يملؤوه عليّ، وعند العودة إليك سأنكر ذلك لأن ذلك جرى تحت الضغط، وأنتم تغرفون كيف يكون الضغط عندهم!"، ثم قال لي: "إذاً بماذا تعترف؟"، فقلت: "أعترف بالتنظيم فقط"، فسارع الى كاتب الجلسة بحضور الضابط السلموني عبد الله الجرف: "اكتب اعترف بالتنظيم بدون القيام بأية مهمة"، وهكذا أنقذني الله من حكم الاعدام وتم الحكم عليّ بالأشغال الشاقة المؤبدة مع جواز التشديد لحكم الإعدام حسب ما يرتأيه القاضي عند تصديق الحكم من قبل نائب الحاكم العرفي العماد طلاس.
أعود الى مقال الأخ الدكتور محمد سالم لأقول أن كل ماورد في مقاله صحيح، وتوثيقه جيد جدا، ويمكن الاعتماد على ماورد فيه من معلومات مرجعا يعتد به، وهنا أضيف أن الجهني المتوحش كان يأمر بعض شرطته ذوي الأجسام الضخمة بإحدى وسائل التعذيب الهمجية، كأن يأت اثنان من الشرطة، فيأمر أحدهما أحد المساكين من السجناء ليستلقي على ظهره في أرض الباحة غير المستوية والمليئة بالنتوءات المؤذية، ثم يأمرانه بمد يديه على طولهما، ثم يحملانه على طوله، واحد من يديه والاّخر من قدميه، ويبدأان بتلويحه يمنة ويسرة حتى يبلغ أقصى ارتفاع يقدران عليه، وغالبا أكثر من نصف دائرة، ثم يقذفانه في الهواء، وحسب ما كتبه الله له.. وغالبا من نجا من هؤلاء المعذبين، باتوا يعانون من اعاقة خطيرة تبقى وساما لهم عند رب العالمين.
أما المجرم غازي الجهني مدير سجن تدمر لأكثر من عشر سنوات، فقد شرح عنه الأخ الدكتور ما يكفي، ولكني أضيف: بأن الجهني له أخ اسمه اللواء توفيق عبد الله الجهني كان قائدا لأحدى فرق الجيش السوري، وفي أواخر عام 1978 تم نقله بأمر واحد مع العميد علي المدني الى السلك الخارجي، وهكذا أصبح توفيق الجهني سفيرا لسورية في بولندا وعلي المدني سفيرا في اليونان... وأيضا لغازي الجهني أخ ثان هو اللواء جلال الجهني شغل منصب رئيس الادارة السياسية في الجيش العربي السوري....
أخيرا أقول: إن حافظ الأسد قام باغتيال أكبر شخصية عسكرية علوية وهو اللواء محمد عمران من المخرم التابع لحمص قي شهر اّذار 1972، وأيضا سجن الشخصية العسكرية العلوية الفذة وهو اللواء صلاح جديد الى أن مات غيلة حسب أكثر المصادر حيث بقي في السجن من عام 1970 الى وفاته في شهر آب عام 1993..
وربما يعلم الكثيرون ما لهذين الضابطين من أنصار كثر ضمن الطائفة العلوية وغيرها ومن المدنيين أيضا وخاصة الحزبيين منهم... ولكن الأسد ومن معه من خبراء يقبعون في غرف غير مرئية يساعدونه في تشتيت أنصار أمين الحافظ ومحمد عمران وصلاح جديد، ثم قتل كل من انتسب الى جماعة الاخوان المسلمين، ومن نشط من حزب التحرير الاسلامي، ولا ننسى كيف فتك بالفلسطينيين وتفنن في تشتيت شملهم ومن ناصرهم من العرب أينما كانوا.. وهل ينس اللبنانيون المسيحيون منهم والدروز والسنة في صيدا وبيروت وطرابلس ما فعل بهم ضباط الأسد مثل غازي كنعان ورستم غزالة وجامع جامع؟ ومن المفارقات العجيبة أن أولئك جميعا تمت تصفيتهم من قبل الأسد الأب الوحش ومن بعده الولد الفأر..
وأختم المشاركة بتوجبه كلمة ناصح الى شعبنا المظلوم، أن نتحلى بالصبر على حكومتنا ورئيس بلادنا السيد أحمد الشرع، فسورية التي دمّرها الأسد الأب ومن بعده الولد وجعلها ركاما تتطلب من الجميع العمل عل سد ثغرة في العمل على البناء والترميم، ولا نلتفت الى الشائعات والتحاليل غير مسؤولة والتي تساهم بشكل أو بآخر في مساعدة شياطين الفلول وبيئتهم الحاضنة التي لم تستوعب حتى الآن أن حكم طغاة العائلة الأسدية قد زال الى الأبد.
لعنة الله على الطائفة الأسدية التي تضم مجرمي العلويين وأراذل السنة وحثالات الطوائف الأخرى.
******
 * محطات من قطار الرعب التدمري:
د. محمد سالم عتال
* السجانون -٣:
في شهر تشرين الأول/ أكتوبر من عام ١٩٨٤م، تم استدعاء جميع رؤوساء المهاجع، وتم جمعهم في باحتنا/ الباحة الأولى، ومن ثٓم خضعوا جميعاً لحفلة تعذيب شديدة دامت لساعات، بجلد وحشي أشد من حفلة الاستقبال التي عهدناها من قبل، كانت سرية الشرطة العسكرية كلها مجتمعة في الباحة، وشارك جميعهم في هذه الحفلة الاستثنائية، كنا نتساءل ونحن ننظر من خلال شقوق وثقوب الباب الحديدي نحو الباحة، ماذا جرى يا تُرى؟! ماذا استجد؟! ما الذي حصل!؟ لماذا اجتمع جميع العسكر اليوم في باحتنا، لماذا جمعوا لأول مرة كل رؤوساء المهاجع لتعذيبهم بهذه الطريقة الوحشية؟! من هؤلاء الضباط وصف الضباط الجدد الذين يشرفون على التعذيب بأنفسهم؟! ما سر حفلة التعذيب العنيفة والاستثنائية هذه؟!
لم تتأخر كثيراً الإجابة عن كل هذه التساؤلات.
فعندما بدأ يخفت صوت السياط التي كانت تنهمر على أجسادهم كالسيل، وبدأ يخفت صوت صراخهم الذي ارتجّت منه جدران المهاجع، ووصل إلى سابع سماء، ولم يبقٓ منها إلا رجيع آناتهم وتأوهاتهم، أبقوا الجميع منبطحين على بطونهم فوق أرض الباحة، ثم وقف ذلك المقدم الصنديد منتشياً يخطب فيهم واعداً ومتوعداً ومهدداً وهو يقول:
-لقد انتهى وقت الدلال، اليوم بدأ سجن تدمر الحقيقي، سجن التعذيب والأشغال الشاقة المؤبدة، نحن موظفون هنا من القيادة لتعذيبكم، لقتلكم، لإهانتكم، أي مخالفة أو اعتراض تعني الموت الزؤام، ليس أي موت، أنه الموت تحت التعذيب، انسوا ما كنتم فيه من النعيم، انسوا كل شيء حتى حليب أمهاتكم اللواتي أرضعنكم، أنا مدير السجن الجديد أنا غازي الجهني، أنا هنا ربكم الأعلى، أنا من جئت لأربيكم وأربي بكم الأجيال من بعدكم، من هذه اللحظة، أنتم دوماً تحت أنظارنا، ليلاً ونهاراً، داخل وخارج المهاجع، كل شيء ممنوع، لا زيارات، لا ندوة، لا أدوية، لا كلام، حتى الهمس ممنوع، إياكم أن أسمع صوت أنفاسكم، كل شيء من اليوم مُحرّم عليكم، لأنكم لا تستحقون إلا العذاب والموت...
* فمن هو غازي الجهني هذا؟!
غازي عبدالله الجهني، علوي (شرقي) من مواليد عام ١٩٥٠، من قرية المسعودية، ناحية جب الجراح، التابعة لمنطقة مخرم الفوقاني في ريف حمص الشرقي، وهي بلدة بثينة شعبان مترجمة الأسد الأب، والمستشارة الإعلامية للأسد الابن.
كان من عائلة عسكرية معروفة، تطوعت وأخلصت في خدمة النظام الأسدي، فأخوه اللواء توفيق عبد الله الجهني كان قائداً لفرقة عسكرية، قبل أن يُلحق في السلك الخارجي، سفيراً لسورية في بولندا، و أخوه الآخر اللواء جلال عبد الله الجهني استلم مركزاً حساساً وهو رئيس الإدارة السياسية في الجيش والقوات المسلحة.
في عام ١٩٨١ وعندما كان غازي رائداً في الشرطة العسكرية، استُهدفَ بتفجير في محاولة لاغتياله قرب بيته في حي الزاهرة في مدينة دمشق على يد الطليعة المقاتلة كما ذكر ذلك أيمن الشربجي قائد الطليعة في دمشق، أورثته تلك الحادثة حقداً إضافياً إلى حقده الطائفي الدفين، اختاره اللواء علي دوبا رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية شخصياً، ليتسلم إدارة سجن تدمر العسكري خلفاً للمقدم فيصل غانم، وكانت فترة إدارته للسجن هي الأطول والأسوأ على الإطلاق، حيث أصبح التعذيب اليومي حتى الموت هو الأسلوب المتّبع في إدارته، أما الطعام فأصبح شحيحاً لا يشبع ولا يغني من جوع، ولا يتجاوز بضع حبات من الزيتون في الفطور وبضع حبات من الحمص المسلوق في العشاء، وبضع حبات من الفاصولياء في الغذاء، فبدأ السجناء يتساقطون من الجوع وفقر الدم والأمراض التي تكالبت عليهم وهدّت أجسامهم النحيلة، أما العلاج والدواء فأصبح من المستحيلات السبع، فانتشرت الأمراض المزمنة كالسل والكوليرا، والحميات كالتيفوئيد والمالطية، والأمراض الرثوية المفصلية، فصرنا نفقد كل يوم العديد من أخواننا بسبب تلك الأمراض، أوتحت التعذيب، وانقطعت الزيارات التي أصبحت نادرة وشبه متوقفة، وأغلقت الندوة، وتعرض أبو عوض الذي كان صلة الوصل بين مساعد الانضباط محمد الخازم وبين السجناء، والذي عُزل هو الآخر مع مديره فيصل الغانم من مهامه، فتم تجريد أبي عوض من مهامه التي كلفه بها الخازم، وتم حلاقة شعره من جديد، أسوة ببقية سجناء تدمر، وتعرض لحفلة تعذيب شديدة، وأعيد وضعه إلى ما كان عليه قبل الندوة بل أسوأ، حيث توصى به بعض الرقباء والعساكر الذين كانوا منزعجين من تميزه عن بقية السجناء أيام صديقه محمد الخازم بالعذاب والإهانة.
فكم من أخواننا الذين كانوا يتساقطون مغشياً عليهم بلا سبب مباشر، بل من شدة الجوع المزمن، والإعياء المنهك، و يصابون بضيق في التنفس وتسرعه، أو بالعمى المتقطع.
أما التعذيب فأصبح عوضاً عن الطعام ثلاث وجبات في اليوم، وأصبح تكسير الأضلاع بالقفز على الصدور بالبوط العسكري، وتعمد الضرب على الوجه والعينين والرفس على البطون الخاوية، أسلوباً يومياً معتاداً، فكم من سجين فقد عينه، أما المأساة التي لا تُنس فهي أن تفقد عينك الثانية بضربة في مثل هذا السجن اللعين، وهذا ما حدث لأخينا الحموي عبد اللطيف قصاب الذي كان كريم العين اليمنى، لكنه أصرّ أن يساعد أخوانه في سخرة إدخال الطعام، رغم تحذيرنا المتكرر له، فتعرض أثناء رفعه لوعاء الطعام البلاستيكي (الجاط)، لرفسة مقصودة في عينه اليسرى أدت لأصابتها أيضاً.
وكان التعذيب مستمراً، وبشكل شديد، ويصبح أشد وتزداد وتيرته في عدة مناسبات، خاصة وعامة ، عامة كما في أعيادهم كالسابع من نيسان، والثامن من آذار وأعياد التشرينين، أو في أعيادنا كالفطر والأضحى، وكذلك في مناسبات خاصة، لم نكن نعرفها في حينها، بسبب منعنا من سماع نشرة الأخبار التي كان أنعم علينا بها فيصل الغانم بوضعه لسماعات تبث الأخبار الرسمية في كل الباحات، لكن الجهني اعتبر هذه الأخبار الرسمية نعمة يجب أن يحرمنا منها، فمنعها مع قدومه الميمون، فأصبحنا لا نسمع بالمناسبات الطارئة إلا بعد زمن من حدوثها، فمثلاً تعرضنا لشدة في بداية شهر يونيو من عام ١٩٨٩، لم نعرف سببها إلا بعد فترة طويلة عندما عاد أحد الأخوة من التحقيق، فأخبرنا بوفاة آية الله الخميني في ٣ حزيران من ذلك العام، ولا ندري ما هو الذنب الذي ارتكبناه لتتضاعف عذاباتنا بوفاة هذا الخميني.
أما رئيس مهجعنا الأخ عبد الرزاق النيني- أبو خالد، ونائبه الأخ عثمان طباع، فقد تعرض هذان الفدائيان الحمويان لحملات تعذيب شديدة ويومية، لكنهما أصرّا أن يبقيا في منصبهما يفديان أخوانهم بأجسادهم رغم قساوة التعذيب وشدته.
أما اسوأ فترة مرت على سجناء تدمر فقد كانت فترة صيف عام ١٩٨٩م، حيث لم يكن يخلو يوم من قتيل على الأقل منا تحت التعذيب، ويروي الأخ الحبيب الدكتور براء السراج في كتابه "من تدمر إلى هارفارد" أنه قد أصيب في يوم واحد فقط أربع وسبعون سجيناً بأصابات وكسور متنوعة، نتيجة الدعس والرفس بالبوط العسكري على الوجه والصدر والبطن، من أصل مائة وثلاثون شخصاً هم مجموع أفراد مهجعه.
وأذكر أننا فقدنا في تلك الفترة عدة أشخاص تحت التعذيب منهم الشاب الحموي خالد أبو بيض الذي تعرض لرفسة قوية على بطنه، أدت لنزف داخلي شديد وتمزق بالطحال أودت بحياته رحمه الله تعالى.
وقد تفننوا في أساليب التعذيب التي مارسوها معنا بكل حقد ووحشية، وأبدعوا في طرقها وأشكالها، فأحياناً كانوا يأمرون السجين أن يغمض عينيه ويرفع رأسه للأعلى، وبهذا تتضح الرؤية للسجان الحاقد، فيستهدف الأذنين، أو الرقبة المنتصبة بيده أو بالسياط.
وأحياناً أخرى يطلبون منه أن يخفض رأسه بوضعية الركوع، ثم يرفس بقدمه وبوطه العسكري على وجه السجين، فيفقأ عينه، أو يكسر أنفه أو يحطم أسنانه.
وأحياناً يطلبون من السجين أن يباعد بين قدميه وفخذيه لأقصى ما يمكن، ثم يرفس بقوه مستقصداً أعضاءه التناسلية، فيغمى عليه من شدة الضربة، وتبقى خصيتيه متورمة لفترة طويلة لا يستطيع فيها المشي إلا وقدميه متباعدتين.
أما وضعية التشبيح، فيطلبون من السجين أن ينام على أرض الباحة الإسمنتية وأن يبسط ذراعيه إلى جانبيه، ثم يقوم سجانٓان كل واحد من جهة بحمله من يده وقدمه، ويلوحان به للأمام والخلف بقوة على شكل نصف دائرة، ثم يتركانه فجأة ليطير في الهواء، ثم ليسقط بثقله على الأرض ويزحف لأمتار على وجهه وصدره من شدة الرمية فوق الأرض الإسمنتية الكثيرة النتوءات، فيقوم وقد كسر له عظم، وتشوه وجهه من كثرة السحجات والجروح والدماء.
أما الأمراض الوبائية التي اجتاحت السجن كالهشيم في النار، فلا سبيل للعلاج، بلا دواء، أو بالقليل مما كانوا يمنّون به علينا من الأدوية الفاسدة والمنتهية الصلاحية،
وقد كان العلاج المتاح لدينا هو الرقية والدعاء، والتي لا نملك من الأسباب إلاهما، و قد كانت هذه الأسباب الغيبية تفعل معنا المستحيلات، فلولا لطف الله وحكمته لقضينا جميعاً بسبب هذه الأمراض الخطيرة المهلكة.
وعندما تفشى مرض السل وأصبح وباءاً، بدؤوا بعلاجه بعزل المسلولين في مهاجع خاصة، فيمر طبيب السجن على المهاجع فيقول:
- كم واحد مسلول عندك اليوم. فيجيب رئيس المهجع: خمسة حضرة الرقيب. فيأمرهم أن يخرجوا، ليعزلهم في مهاجع خاصة بالمسلولين.
لكن مع ازدياد أعداد المسلولين وتفوقهم على أعداد الذين لم يصابوا بعد بالسل، توقفوا عن العلاج بالعزل، ولم يعودوا يعزلون أحداً، وأبقوا المسلولين في مهاجعهم.
فأصبح المسلول ينام أمام وجه السليم في هذا المكان الضيق، ويسعل وينفث الدم والصديد والرزاز في وجه زميله الذي يحاذيه.
وعندما أصيب الشاب مصطفى الخلف (وهو من نشامى جبل الزاوية) بحمى شديدة وإقياءات معندة واسهال حاد، منعته من الطعام والشراب، وأصبح يهذي ويئنّ ويتأوه من شدة الحرارة، لم نجد ما نعالجه به، إلا الكمادات، والرقية والدعاء، رغم طلباتي المستمرة للسجانين بضرورة تأمين علاج وسوائل وردية (سيرومات)، لكن جوابهم كان باستمرار:
- حاج تدق باب المهجع ولاك كر، بس يفطس حطوه عبطانية و طالعوه.
فقضى رحمه الله بين يدي ابن عمه بسام الخلف. وتحت نظري وحسراتي، وأمام أعين أكثر من مائة شخص هم مجموع أفراد مهجعنا في ذلك الوقت.
هذا غيض من فيض مما عانينا به في ذلك السجن اللعين في زمن إدارة المجرم القاتل غازي الجهني، لكن الله يمهل ولا يهمل، ففي عام ١٩٩٤، شُخّص للمجرم غازي الجهني أصابته بالسرطان، بعد أن بدأ يضعف جسده ويهزل، ويفقد شهيته للطعام والشراب، وبدأ كرشه المقزز بالذوبان، ووجهه اللئيم بالشحوب والاصفرار.
وعندما عجز الأطباء في سورية عن علاجه، أُُرسل على نفقة الجيش للعلاج في فرنسا، ورغم كل العلاجات الشعاعية والكيماوية والجراحية، لم يأذن الله له بالشفاء، فعاد إلى سورية، ليعيش على المسكنات والمورفينات، التي أدمن عليها وبات يزيد شيئاً فشيئاً من جرعاتها أملاً في أن تخفف عنه آلامه التي لم تعد تحتمل، ولم يعد يهنأ لنوم أو يستلذ بطعام، وكأن الله أراد أن يذيقه من الكأس نفسها التي سقانا منها، ومما أذاقنا من جوع وألم وعذاب، واشتد عليه المرض حتى أصبح مقعداً لا يقوى على الحراك، وأمسى يشتهي الموت ولا يلقاه، وأصبحت أمنيته في الحياة - كما كان يقول أن يقف منتصباً على قدميه، بعد أن تورمت ركبتاه وتقيحتا كبالونتان منتفختان-.
وفي منتصف شهر تشرين الأول من عام ١٩٩٨م، تصطدم سيارته المرسيدس (قيل أن ابنه الشاب الطائش كان يقودها) بشاحنة كبيرة عند مفرق تدمر على أبواب مدينة حمص، فأصيب على أثر هذا الحادث، بإصابات متعددة و خطيرة، لكن الله أراد له أن يستمر في عذابه قبل هلاكه، فتم إسعافه إلى المستشفى العسكري في حمص، وقُدمت له كافة الاسعافات الأولية الممكنة، وأدخل الأنبوب الرغامي إلى صدره، ووضع على جهاز التنفس الإصطناعي، ونقل له الكثير من وحدات الدم، لكن دون فائدة، فالإصابات والكسور شملت كل أنحاء جسده المنهك بالسرطان سلفاً، فتم نقله بأمر من اللواء علي دوبا إلى مستشفى الشامي بدمشق، واتصل الدوبا بالمستشفى وهو يهدد ويصرخ ويقول:
- والله إذا بيموت العميد غازي، لأحسب الله ما خلقكن.
لكن أنّى له الحياة، وقد أصبحت الأنابيب مغروسة في جسده من كل مكان، في صدره ومعدته وإحليله وبطنه وأوردته.
وبقي في العناية المركزة فترة طويلة يموت فيها ببطء شديد، تحت أعين أهله وأبنائه، حتى أصبحوا يتمنون له الراحة بالموت (وأنّى له الراحة بعد كل ما فعله من جبروت وطغيان)، كما كنا نتمنى أن نرتاح من ظلمه بالموت.
وبعد أشهر طويلة ومعاناة شديدة، له ولمن حوله، لفظ أنفاسه النجسة الأخيرة، ورحل بلا عودة إلى الحقّ الذي لا تضيع الحقوق عنده.
وللمأساة بقية...
الصورة أعلاه للعميد غازي الجهني
 
جماعة الإخوان المسلمين والوثائق الثلاث
حول اغتيال سامي الحناوي في بيروت
الأمة العربية بين الوعي والمقاومة: صراع التاريخ والخيارات المستقبلية
عندما أضاع حافظ الأسد فرصة السلام مع اسرائيل
المجازر العثمانية في سورية الطبيعية والأناضول
الترامبية كجنون مؤسَّس.. من نقد فوكو للعقل إلى انهيار السياسة
حول اتفاقية أضنة وتسليم عبد الله أوجلان
الإسلاميون والإثنيات والمساكنة العجيبة
قراءة في خطابي الرئيس دونالد ترامب: (1) أمام الكنيست الإسرائيلي، و(2) في قمة شرم الشيخ أمام رؤساء دول حول "خطة السلام/الاستقرار" المتعلقة بالقطاع
كيف أفسد حافظ الأسد المؤسسة العسكرية- ح2
ما تشهده سورية حاليًّا كنّا قد توقّعناه حرفيًّا عام 2012
كيف أفسد حافظ الأسد المؤسسة العسـكرية؟- ح1
حرب تشرين ومذكرات الفريق الشاذلي
الإسلام السياسي.. التحولات الجيوسياسية والتوظيف الغربي
ظهور العلوية السياسية: الأخطاء الاستراتيجية القاتلة للعلويين (2)