كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

مقاربة.. سوريا، إعادة رسم الخرائط أم استكمال للعبة الأمم؟

مروان حبش

 في عالم تتبدل فيه التحالفات بسرعة مذهلة، شهدت منطقة الشرق الأوسط تحولاً دراماتيكياً بعد ٧ تشرين الأول ٢٠٢٣، وهو التاريخ الذي ارتبط باندلاع أحداث كبيرة أدت إلى إعادة ترتيب الأولويات الجيو- استراتيجية والسياسية إقليمياً ودولياً. وسط هذه التحولات، بدا أن نظام بشار الأسد، الذي بقي في الحكم أكثر من عقدين رغم حرب مدمرة، قد فقد البوصلة في فهم حجم التغيير. ومع تصاعد صعود فصائل جهادية مسلحة، بدا وكأن سوريا على أعتاب "تسليم واستلام" للسلطة، لا على وقع ثورة شعبية، بل ضمن معادلة إقليمية ودولية معقدة، تقف خلفها مراكز القرار العميقة في الولايات المتحدة وبريطانيا، وتندرج ضمن ما يسمى بـ "لعبة الأمم".
فما الذي حدث؟ وهل كانت هذه الإطاحة نهاية طبيعية لنظام أنهكته الحرب، أم بداية فصل جديد في مشروع تفكيك وإعادة تركيب الجغرافيا السياسية؟ وما الدور الحقيقي للدولة العميقة في الغرب في هذا التحول؟
يعكس تعقيد المشهد السوري خلال السنوات الماضية، خصوصًا ما يتعلق بعلاقات المعارضة السورية غير المسلحة بمختلف أطيافها مع الفاعلين الإقليميين والدوليين. لفهم سبب "تخلي" بعض الدول العربية والإقليمية والغربية عن الهيئات السياسية للمعارضة السورية كـ "الائتلاف الوطني" و"هيئة التفاوض"، وما بدا كـ "غض نظر" أو قبول ضمني بهيئات عسكرية أقل تطرفًا كـ "هيئة تحرير الشام". يمكن تحليل المسألة على ضوء عدة عوامل:
-ضعف المعارضة السياسية وتفككها الداخلي
-الهيئات السياسية كـ "الائتلاف الوطني" و"هيئة التفاوض" عانت من انقسامات داخلية وتنافسات على القيادة، مما أفقدها القدرة على اتخاذ مواقف موحدة أو فعالة.
-قطاعات واسعة من السوريين (داخل سوريا وفي الشتات) باتت ترى تلك الهيئات على أنها غير ممثلة حقيقية لطموحات الشعب، أو أنها أدوات بيد بعض الدول الداعمة. وبذلك فقدت الشرعية بالداخل.
-عجز الأداء السياسي لهذه الهيئات وفشلها في تحقيق أي اختراق سياسي على الأرض أو في المحافل الدولية، لا سيما مع استمرار النظام السوري واستعادة سيطرته على مساحات واسعة.
-تراجع البدائل العسكرية المدعومة من المعارضة السياسية (مثل الجيش الوطني السوري) وأُضعفت أو تورطت في فساد وانتهاكات0
-معارضون مقطوعو الجذور صنعتهم قوى خارجية لخدمة أجنداتها.
تحولات في السياسة الدولية والإقليمية، وسوريا بين تفكيك النظام وإعادة تشكيل المعارضة، والدور الإقليمي والدولي في تأهيل الجولاني
تراجعت أولوية سوريا منذ 2016، وبدأت الولايات المتحدة والدول الغربية تدريجيًا بتقليص دعمها للمعارضة السياسية، خصوصًا بعد صعود تنظيم "داعش" وتحول التركيز نحو الحرب على الإرهاب.
ودول عربية كالإمارات والسعودية ومصر بدأت، خصوصًا بعد 2018، بإعادة تقييم العلاقة مع النظام السوري، وتحولت نحو "الحل الواقعي" والتقارب معه عبر استيعاب الأسد بدلًا من إسقاطه.
-دول الخليج، من دعم المعارضة إلى الانسحاب والتطبيع.
في المراحل الأولى من الصراع، كانت دول الخليج – وعلى رأسها السعودية وقطر – من أبرز ممولي وداعمي الفصائل المسلحة المعارضة للأسد. فتم ضخ الأموال والسلاح عبر غرف عمليات في تركيا والأردن (مثل غرفة موك) بإشراف أمريكي.
دعمت قطر فصائل من الإخوان المسلمين، أو قريبة منهم، كأحرار الشام، بينما مالت السعودية أكثر نحو فصائل تعتبرها "معتدلة"، مثل جيش الإسلام. لكن مع تقدم النظام السوري بدعم روسي، وتغيّر أولويات دول الخليج نحو مواجهة النفوذ الإيراني وإعادة التموضع في المنطقة، تراجعت هذه الدول عن دعم الفصائل، وبعضها بدأ بالانفتاح التدريجي على النظام.
ومع هذا التراجع، برزت الحاجة لقوة "جهادية" يمكن ضبطها و"تأهيلها"، فكانت هيئة تحرير الشام مرشحًا بارزًا لهذا الدور، خاصة بعد أن اتجهت للابتعاد عن تنظيم القاعدة علنًا وطرحت خطابًا جديدًا أكثر براغماتية.
- تركيا، لاعب مركزي بتناقضات متعددة
تركيا، التي فتحت حدودها منذ 2011 لعبور اللاجئين والمقاتلين، وجدت نفسها لاعبًا مركزيًا في الأزمة السورية. لقد دعمت أنقرة فصائل المعارضة المسلحة بشكل واسع، خصوصًا في الشمال السوري، وسعت إلى إسقاط النظام ودعم مناطق "درع الفرات" و"غصن الزيتون" و"نبع السلام." لكن في إدلب، حيث تتركز هيئة تحرير الشام، كانت تركيا مضطرة للتعامل معها كأمر واقع، بل وتعاونت أمنيًا معها ضمن اتفاقات وقف التصعيد مع روسيا. لم تعترف تركيا علنًا بالهيئة، لكنها لم تصطدم بها عسكريًا، وسمحت لها بترسيخ حكمها على الأرض. رغم أن الهيئة مصنفة كمنظمة إرهابية دوليًا، إلا أن تركيا تغاضت عن تصعيد دولي ضدها، ربما لأنها توفر حاجزًا بينها وبين النظام السوري والكرد في آن واحد.
وتركيا، التي كانت من أكبر داعمي المعارضة السياسية، ركزت أكثر على مصالحها الأمنية (شمال شرق سوريا، اللاجئون)، وأقامت تفاهمات مع روسيا وإيران، ما جعلها تعيد التموضع تدريجيًا بعيدًا عن "الائتلاف" نحو أطراف أكثر قدرة على "ضبط الأرض" عسكريًا.
- رغم العداء الظاهري بين إسرائيل ونظام الأسد، فإن الكيان الصهيوني اعتبر نظام الأسد كعدو يمكن التعايش معه، واعتمد لعقود على حالة "اللا حرب واللا سلم" مع سوريا، حيث بقيت جبهة الجولان هادئة تماماً منذ عام 1974. ومع انطلاق الانتفاضة السورية، فضلت إسرائيل بقاء نظام ضعيف ومحاصر داخليًا على فوضى قد تفتح المجال لفصائل معادية، خصوصًا تلك المرتبطة بإيران أو تنظيمات سنية متطرفة. ومع ذلك، شاركت إسرائيل في ضربات جوية دقيقة ضد أهداف إيرانية وأخرى تابعة لحزب الله داخل سوريا، في محاولة لتحجيم النفوذ الإيراني، دون السعي الجاد لإسقاط الأسد بشكل مباشر. ويرى بعض المحللين أن إسرائيل لم تمانع وجود فصائل جهادية معينة في إدلب طالما أنها تبقى معزولة عن حدودها ولا تهدد أمنها مباشرة، بل تشكل عامل استنزاف للنظام السوري والإيرانيين على حد سواء.
لحظة التحول الجيو-سياسي ما بعد ٧ تشرين الأول
تاريخ ٧ تشرين الأول ٢٠٢٣ ارتبط بشكل مباشر بالهجوم المفاجئ لحركة "حماس" على إسرائيل، والذي أُطلق عليه اسم "طوفان الأقصى". رغم أن الحدث وقع في فلسطين، إلا أن تداعياته تجاوزت حدود غزة لتشمل عمق المشهد الإقليمي، وخصوصاً في سوريا. فالهجوم أدى إلى:
- إعادة تشكيل ما يسمى بمحور المقاومة وتفعيل أوراقه الإقليمية.
- إدخال إسرائيل والولايات المتحدة في حالة طوارئ دائمة.
- استدعاء قوى غربية لإعادة تقييم خرائط النفوذ، خصوصاً في مناطق الفراغ الجيو-سياسي كسوريا0
-تغير في الرأي العام الدولي، مع مرور الوقت أصبح هناك انفتاح نسبي من قبل بعض القوى على فكرة التعامل مع الجماعات الجهادية كجزء من الحل السياسي، خاصة إذا كانت هذه الجماعات تتبنى مواقف أكثر اعتدالًا.
- الدعم المالي والعسكري، فالجماعات المسلحة كانت قادرة على جذب الدعم المالي والعسكري بشكل أكبر من الدول العربية والإقليمية، مما زاد من قدرتها على الاستمرار والنمو.
- الضغوط الدولية، بعض الدول الغربية بدأت تضغط من أجل دعم الفصائل المسلحة كجزء من استراتيجيتها لمواجهة النفوذ الإيراني والروسي في المنطقة.
-إعادة الاتصال مع الفصائل المعارضة المسلحة، وفتح قنوات غير معلنة مع الجولاني وقيادات أخرى.
هل كانت الدولة العميقة في الغرب، هي المحرك؟
هناك فارق في الولايات المتحدة بين الإدارة السياسية (البيت الأبيض) والدولة العميقة ( البنتاغون، المخابرات المركزية الأمريكية، مراكز الفكر، المجمع الصناعي العسكري ...). وبريطانيا، رغم تراجع دورها الكلاسيكي، ما زالت تملك تأثيراً قوياً عبر جهاز الاستخبارات الخارجية MI6 ومراكز النفوذ الإعلامي والسياسي.
دور منظمات بريطانية وأوربية غير حكومية والسفير الأمريكي روبرت فورد
تقارير عديدة أشارت إلى انخراط منظمات بريطانية وأوربية غير حكومية (بعضها تحت غطاء العمل الإنساني أو الإعلامي) في بناء قدرات مؤسسات محلية تابعة لهيئة تحرير الشام، في مجال الحكم المحلي والخدمات والتدريب الإعلامي. وتقديم المشورة الاستراتيجية حول كيفية إدارة التحولات السياسية، بما في ذلك كيفية التعامل مع المجتمع الدولي والمجتمعات المحلية. وتعزيز البراغماتية من خلال ورش العمل والدورات التدريبية، يمكن أن تساعد القادة في فهم أهمية التحول من العنف إلى الحلول السلمية وكيفية بناء تحالفات سياسية. وتطوير المهارات القيادية لدى الأفراد المعنيين، مما يساعدهم على اتخاذ قرارات أكثر براغماتية. ترافق ذلك مع دعم غير مباشر من بعض مراكز البحث والسياسات الغربية التي بدأت تنظر إلى الهيئة كـ "أهون الشرين" مقارنة بالنظام أو التنظيمات المتطرفة كداعش.
أما السفير الأمريكي السابق في دمشق، روبرت فورد، فقد دافع بشكل غير مباشر عن فكرة إدماج فصائل "واقعية" في العملية السياسية، وشجع الحوار مع قادة محليين وإن كانوا من خلفية جهادية سابقة. ورغم أن الإدارة الأمريكية لا تزال تصنف هيئة تحرير الشام كمنظمة إرهابية، فإن هناك إشارات لمرونة ميدانية في التعامل معها، خصوصًا في ظل فشل المعارضة السياسية المدعومة سابقًا في تقديم نموذج حكم ناجح.
سوريا بين فشل إسقاط النظام ومحاولات تأهيل خصومه
رغم مرور ما يقارب عقد ونصف العقد على الانتفاضة السورية، لم يتمكن النظام من تحقيق نصر كامل، ولم تستطع المعارضة المسلحة إسقاطه. في هذا الفراغ السياسي، برزت كيانات جديدة تحاول تقديم نفسها كبديل. وظهرت دلائل تدخل الدولة العميقة، من تغير في اللغة الإعلامية، إذ بدأت وسائل الإعلام الغربية تمهد لتغيير نظرة الغرب إلى الفصائل الجهادية، عبر توصيفها بـ "قوى واقعية" بدلاً من "إرهابية. ومن تحريك الملفات السياسية في الكونغرس ومراكز بحث طرحت ضرورة "مرحلة انتقالية في سوريا بلا الأسد ". ومن خلال التعاون الاستخباراتي الإقليمي عبر تركيا وقطر والأردن، تم نقل الرسائل وإعداد الأرضية لتحول السلطة.
ضمن هذا السياق، غابت سوريا الرسمية عن المشهد. ولم يكن لنظام الأسد أي دور فعال أو محسوب، لا سياسياً ولا عسكرياً، في تطورات ما بعد "طوفان الأقصى"، مما شكل نقطة ضعف كشفت فراغاً استراتيجياً استغله خصوم النظام.
في الروايات المتداولة داخل الدوائر الاستخباراتية، لم يُنظر إلى سقوط الأسد كعملية ثورية، بل كـ "تفكيك من الداخل". فالدولة السورية التي صمدت عسكرياً، انهارت اقتصادياً، وتفككت اجتماعياً.
ومع ضعف الدعم الروسي بسبب انشغال موسكو بالحرب الأوكرانية، وانكفاء إيران بسبب العقوبات والتوترات الداخلية، بدا النظام مكشوفاً. وهنا تدخلت أدوات الدولة العميقة في أمريكا والغرب لتفعيل "الخطة "ب".
وبالتالي، فإن الانقلاب على الأسد لم يكن عشوائياً، بل ضمن سيناريو أعدته دوائر القرار العميقة، كجزء من إعادة رسم خارطة الشرق الأوسط بناءً على التغيرات بعد غزة. وهكذا، حدث "انتقال السلطة" بشكل غير رسمي: انسحاب تدريجي لقوى النظام من بعض المناطق، وملء الفراغ من قبل الفصائل. وهذا ما يشبه إلى حد بعيد "نموذج أفغانستان 2021"، حين انسحبت أميركا وتركت طالبان تسيطر بسرعة قياسية
هل نحن أمام تحول دراماتيكي ضمن لعبة الأمم؟
منذ الحرب العالمية الأولى، كانت سوريا ساحة تجريب لخرائط النفوذ. اتفاقية "سايكس بيكو"، ثم الانتداب الفرنسي، فالحرب الباردة، ثم التدخل الأميركي والروسي… كلها فصول من لعبة الأمم.
لكن ما يحدث اليوم يبدو أكثر تعقيداً، ولم يعد الهدف تقسيم الأرض فقط، بل إعادة هندسة الهوية والولاءات. والفاعلون الجدد ليسوا فقط دولاً، بل كيانات ما بعد الدولة: فصائل، ميليشيات، شركات أمنية، منظمات إنسانية تخدم الأجندات. والصراع لم يعد أيديولوجياً بحتاً (علماني/إسلامي)، بل براغماتياً بالكامل، ومن يضمن المصالح للدول الفاعلة، ويحفظ الأمن الإقليمي يُشَرْعن.
منذ اندلاع الانتفاضة السورية عام 2011، أصبحت سوريا ساحة صراع إقليمي ودولي معقد، تحركه أجندات متداخلة لدول الجوار والدول العظمى. وبينما تمركزت الأنظار في البداية على إسقاط نظام بشار الأسد، تغيّرت الأولويات لاحقًا باتجاه احتواء الجماعات الجهادية المتطرفة، ثم محاولة إعادة ترتيب المشهد السوري عبر دعم فصائل أكثر "قابلية للتعامل" مع المجتمع الدولي. في هذا السياق، يبرز اسم "هيئة تحرير الشام" بقيادة أبو محمد الجولاني كأحد أبرز الفاعلين الجدد، بدعم مباشر وغير مباشر من قوى إقليمية وغربية
الدور العملي لـ "هيئة تحرير الشام" على الأرض
رغم سجلها الجهادي، تمكنت هيئة تحرير الشام" من فرض نوع من الاستقرار النسبي، والنظام الإداري والأمني في إدلب، مما جعل بعض الفاعلين الدوليين يفضلون التعامل "الواقعي" معها ولو ضمنيًا. وعمل
الجولاني ببراغماتية متزايدة على إظهار "الهيئة" كجسم غير مرتبط بالقاعدة، واستثمر إعلاميًا في تقديم نفسه كمحارب لـ "داعش" وكضامن للأمن، ما ساهم في تقليل نفور بعض الفاعلين الدوليين، خاصة الغربيين.
وهنا يأتي دور "الجولاني" كـ "رجل المرحلة"، لا لأنه الأفضل، بل لأنه الأنسب ضمن شروط اللعبة.
بعد صعود "داعش"، أصبح التركيز الدولي منصبًا على محاربة الجماعات التي تشكل تهديدًا مباشرًا للأمن العالمي، ما دفع بعض الدول لغض الطرف عن "هيئة تحرير الشام" إذا لم تكن تستهدف مصالحهم أو تُصنفها رسميًا كإرهابية (رغم أنها مصنفة كذلك لدى واشنطن).
وهكذا انتقلت هيئة تحرير الشام من الظل إلى الواجهة، ومن القاعدة إلى "الاعتدال النسبي"، وأبو محمد الجولاني، القائد السابق لجبهة النصرة (فرع القاعدة في سوريا)، قاد عملية فك الارتباط عن القاعدة عام 2016، ليشكل لاحقًا "هيئة تحرير الشام"، في محاولة لتقديم نفسه كقائد واقعي، قادر على الحكم المحلي وضبط الأمن ومواجهة "التطرف غير المنضبط".
شهدت هذه المرحلة تحوّلات كبيرة في خطاب الهيئة، حيث بدأت تتبنى خطابًا إداريًا محليًا، وافتتحت مؤسسات مدنية وخدماتية، بل وأدخلت نظام محاكم أقرب إلى النمط الإسلامي التقليدي المعتدل.
التحولات في خطاب مكافحة الإرهاب
أبو محمد الجولاني، كان أحد الشخصيات الغامضة والمثيرة للجدل في الحرب السورية. من مؤسس في "جبهة النصرة" إلى زعيم لـ"هيئة تحرير الشام"، استطاع أن يتحول من قائد تنظيم جهادي إلى زعيم محلي يمارس نوعاً من "السلطة المدنية" في إدلب وشمال غرب سوريا، بدعم مباشر وغير مباشر من قوى عربية إقليمية ودولية. لكن الجديد بعد تشرين الأول ٢٠٢٣ هو تصاعد شرعية الجولاني في الخطاب الإعلامي الغرب،. وظهر الجولاني في مقابلات إعلامية عديدة، أشهرها مع الصحفي الأمريكي مارتن سميث على قناة PBS باللباس المدني، متحدّثًا بإنجليزية بسيطة، ورافعًا شعار "نحن لا نشكل تهديدًا للغرب". هذا التحوّل الخطابي لم يكن عشوائيًا، بل جزء من خطة "إعادة تأهيل". وكان المبعوث الأمريكي السابق إلى سوريا، جيمس جيفري، قد وصف هيئة تحرير الشام بأنها الخيار الأقل سوءاً في ادلب، مما يشير إلى تحول في الموقف الأمريكي تجاهها. وتقارير غربية بدأت تصفه بـ"الرجل البراغماتي" و"حاجز الصد ضد داعش". واختفاء تدريجي للغة "الإرهاب" في وصف فصيله.
استطاع الجولاني الاستفادة من تغير المعادلات، فبقاء الأسد لم يعد مقبولاً في ظل تحولات ما بعد غزة، كما أن واشنطن ولندن باتتا تفضلان "حلاً هجينا" في سوريا: لا نظام الأسد ولا حكم إسلامي شامل، بل نموذج مشابه لطالبان مع سيطرة قابلة للترويض، وهو ما يجيده الجولاني.
انهيار الأسد، هل كانت لحظة تسليم وتسلم؟
قد يكون إسقاط بشار الأسد أو انسحابه الممنهج من المشهد نتيجة حتمية لفشل نظام لم يدرك عمق التحول في التحالفات العالمية. لكن لا يعني ذلك أن البديل هو التحرر أو الديمقراطية. بل نحن أمام انتقال مدروس للسلطة ضمن معادلة جديدة: "السيطرة بدون سيادة، وحكم بدون دولة".
أما المستفيد الأكبر، فهو الدولة العميقة في الغرب، التي استطاعت مرة أخرى توجيه دفة الأحداث في الشرق الأوسط، ضمن منطق "التحكم دون الانخراط"، و "تحقيق المصالح دون دفع الكلفة ."وسوريا، كما كانت دائماً، هي رقعة شطرنج، يتغير اللاعبون، لكن تبقى الأحجار تُستهلك في اللعبة ذاتها.
وهيئة تحرير الشام، رغم ماضيها الجهادي، تحاول حاليًا أن تُقدَّم دوليًا كفاعل محلي قابل للتعامل، بغطاء من منظمات دولية وبعض الدبلوماسيين السابقين.
لكن المستقبل يبقى رهين التوازنات الاقليمية والدولية ومواقف اللاعبين الكبار. وهناك العديد من الأسئلة لا تزال مفتوحة في انتظار تحولات في الملف السوري الذي لم يغلق بعد.
جماعة الإخوان المسلمين والوثائق الثلاث
حول اغتيال سامي الحناوي في بيروت
الأمة العربية بين الوعي والمقاومة: صراع التاريخ والخيارات المستقبلية
عندما أضاع حافظ الأسد فرصة السلام مع اسرائيل
المجازر العثمانية في سورية الطبيعية والأناضول
الترامبية كجنون مؤسَّس.. من نقد فوكو للعقل إلى انهيار السياسة
حول اتفاقية أضنة وتسليم عبد الله أوجلان
الإسلاميون والإثنيات والمساكنة العجيبة
قراءة في خطابي الرئيس دونالد ترامب: (1) أمام الكنيست الإسرائيلي، و(2) في قمة شرم الشيخ أمام رؤساء دول حول "خطة السلام/الاستقرار" المتعلقة بالقطاع
كيف أفسد حافظ الأسد المؤسسة العسكرية- ح2
ما تشهده سورية حاليًّا كنّا قد توقّعناه حرفيًّا عام 2012
كيف أفسد حافظ الأسد المؤسسة العسـكرية؟- ح1
حرب تشرين ومذكرات الفريق الشاذلي
الإسلام السياسي.. التحولات الجيوسياسية والتوظيف الغربي
ظهور العلوية السياسية: الأخطاء الاستراتيجية القاتلة للعلويين (2)