كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

اللواء محمد عمران- 2- كما يتذكره عبد الكريم الناعم

عبد الكريم الناعم

تتمة للحديث عن اللواء المرحوم محمد عمران، وأرجّح أني أرسلت ذلك للأخ جمال باروت أقول، وبتكثيف، وما أقوله هنا، موجود بشكل أوسع في كتابي غير المطبوع" مدارات 2".
*المرحوم محمد إبراهيم العلي أصدر كتابا من عدّة أجزاء بعنوان "حياتي والإعدام"، ويتحدّث فيه منذ أواخر عهد العثمانيين حتى عام 2000، تقريبا، وفيه توثيق دقيق وأمين، لجزئيات في السلطة والحزب، هي أصدق ما قرأت، وقد قرأت العديد ممّا كُتب عن تلك المرحلة، وكان هو في قلب الحدَث، فما من حركة عسكريّة قامت إلاّ وكان له فيها دور تنفيذيّ، وقد أنصف رجالا كانوا في مواقع مهمّة، وأصبحوا خارجها، ولا أتعرّض للأسلوب، فذلك شيء آخر.
بحكم علاقتي بالعلي التي لم تنقطع، قال لي في إحدى الجلسات لقد كتبتُ عن الكثيرين، ولم يبق إلّا محمد عمران، وسأكتب عنه، وأُنصفه، ولم يتمكّن من ذلك، والسبب في تقديري أنّه كان يراعي في ذلك ألّا يُغضب بشار الأسد، وهو مَن قال لي بعد انتهاء الملتقى التشاوري الذي عقد أثناء اندلاع المظاهرات عام 2011، "أنت لا تعرف عقليّة بيت الأسد"، قالها بمرارة، وقهر.
*******
في بدايات انقلاب 1963الذي وصل عبره البعثيون للسلطة، وكنتُ أعمل في جريدة "البعث" بطلب من الحزب، حيث انتقلت من حمص إلى دمشق، وعملت لفترة قصيرة مفرَّغا لمكتب التنظيم في القيادة القطريّة.. بحكم هذا أتيح لي أن أتعرّف على اللواء عمران، ولم يكن من البداية مع انفراد الحزب بالسلطة، بل كان يدعو لتشكيل جبهة من القوى الوطنيّة والقوميّة السياسية، تدير البلاد، وتضع دستورا، ويكون البعث مشاركاً، ربّما بأفضليّة ما، غير أنّ هذا الرأي لم تستجب له الأكثرية من اللجنة العسكريّة، وقيادة الحزب.
*******
أذكر أنّنا حين كنّا نُعدّ العدّة لإسقاط حكم الانفصال، ذهبتُ والرّائد المسرّح أحمد خضور، وكنّا في دمشق.. ذهبنا إلى بيت الرائد المسرّح مصطفى عمران، وجاء الضابط المسرّح صلاح جديد، وهذا أوّل لقاء لي به، وانفرد هو وأحمد خضور في غرفة، وحين خرجنا، وكان الجناح العسكري، أو اللجنة العسكريّة تعمل بمعزل عن قيادة الحزب المدنيّة، وهذا فصّلته في كتابي المطبوع "مدارات1"، في ذلك الوقت كان محمد عمران ملاحقا من قبل سلطات الانفصال، ومتخفّياً، وكان رأي صلاح جديد أن يسلّم عمران نفسه للسلطات، ويظلّ العمل جارياً، بدلا من أن يظلّوا مشغولين بتنقّله من مكان إلى آخر، وكان احمد خضور من المتحمّسين للتنسيق مع القيادة المدنيّة للحزب، لا الابتعاد عنها.
يُذكر أن اللواء عمران كان من المحبوبين من بقيّة التنظيمات الوطنية التقدميّة.
*******
*اشتدّ الخلاف بين القيادتين القوميّة والقطريّة، فشكّلت القوميّة وزارة جديدة، واستدعت اللواء عمران من السفارة السورية في إسبانيا، وعُيِّن وزيرا للدفاع، انطلاقاً من أنه كان رئيسا للجنة العسكريّة، وأنّ له كتلة من مؤيديه بين الضباط، وأنّه قد يوقف اندفاعة القيادة القطرية التي يتزعّمها اللواء صلاح جديد، ولم يبق طويلا في هذه الفترة، فقد وجد وضع ضباط الجيش في حالة من الخلخلة والاستقطاب، ولعله وجد نفسه غير قادر على رتْق ما انفتق، فقدّم استقالته في 18/شباط 1966، أي قبل انقلاب 23شباط بخمسة أيام، وأرسل استقالته للقيادة القوميّة، والتزم بيته غير أنّ القيادة لم تُذع نبأ الاستقالة، وحدث الانقلاب واعتُقل هو وأعداد من القيادة القومية عسكريين ومدنيين، وعُذِّب البعض منهم، كما نُقل، وكان الفريق أمين الحافظ رئيس الدولة أحد المعتقلين، وظلّوا في السجن حتى حدثت هزيمة 1967 فأُفرج عنهم، وذهب محمد عمران، وأمين الحافظ وأعداد من القيادة القومية إلى لبنان، وحين استعاد حزب البعث السلطة في العراق عام 1968 التحق فريق القيادة القوميّة كله بالعراق حيث أقاموا فيه حتى احتلال العراق 2003.
*أقام محمد عمران في طرابلس لبنان، وقام حافظ الأسد بالحركة التصحيحيّة، واعتقل قيادات هامّة في الحزب، مدنيين وعسكريين، وأودعهم سجن المزّة، وكان البعض من المهتمّين، أو الأقرباء، يتداولون في مجالسهم أنّ محمد عمران قد أرسل كتابا للأسد يعلمه فيه أنّه سيعود إلى سورية بلده، ولا شك أنّ حافظ الأسد كان يُدرك معنى أن يعود محمد عمران، وهو يعرف أنّ عددا من الضباط الذين اعتمد عليهم في الحركة التصحيحيّة هم من محبّي عمران، كإبراهيم صافي، وعلي حيدر، وعبد الغني إبراهيم، واللواء إبراهيم يونس، وعدنان بدر الحسن، وآخرين.
* التاريخ الذي اغتيل فيه محمد عمران.. كان عام 1972، إنْ لم تخنّي الذاكرة،
كان تشييع جنازته حاشداً من حمص إلى قريته المخرم الفوقاني، وشارك فيها عسكريون ومدنيّون، وكنت واحداً من هؤلاء، ومعنا العقيد موسى العلي، ابن عم محمد إبراهيم العلي، وقد ذكرتُه سابقا، وهو من الضباط الأذكياء واللّامعين، وعلاقتي به وطيدة، وكان من المقرّبين المعتمَد عليهم من جماعة اللواء صلاح جديد، وكان يضع نظارات شمسيّة على عينيه، قلت له: "أريد أن أسألك سؤالاً مُحرِجاً"، قال: "اسأل"، قلت له: "هل تشعر بأنّ لك ضلعاً في اغتيال محمد عمران".. وكنتُ ألمّح إلى أنّه كان من الموافقين على إبعاد عمران، وما حدث له، فاحمرّ وجهه، وقال برنّة يشوبها شيء من الأسى: "سننتظر طويلا حتى يخرج ضابط من بيت من بيوت "اللِّبْن" ويكون وزير دفاع"..
*أُعلنَ رسميّا عن تشكيل لجنة من ثلاثة أشخاص، للتحقيق في مقتل محمد عمران، يرأسها اللواء علي عمران أحد أقرباء عمران المُغتال، وفيما علمت أنّها اجتمعت اجتماعا واحدا، ولم يتكرّر..
*في تلك الفترة كنت جالسا في مقهى "الهلال"، في شارع القوتلي، والذي صار محالا تجاريّة، فمرّ أحد الأصدقاء، ووضع أمامي جريدة النهار اللبنانيّة، وكانت جريدة ممنوعة من الدخول إلى سورية، وقرأت فيها قرار القاضي الظني الأول في طرابلس بشأن اغتيال اللواء عمران، وخلاصته أنّ ثلاثة أشخاص، رجلان وامرأة جاؤوا إلى الشقة التي يسكن فيها عمران، وواضح أنّ ثمّة عراكاً قد حدث، قبل التمكّن من قتله، ويشير إلى اجتماع سبق ذلك في حمص، في حي كرم الشامي، في بيت نزيه زرير (ضابط أمن سابق في سورية)، وضمّ الاجتماع رفعت الأسد، وفي هذا الاجتماع تقرّر التخلّص من اللواء عمران.
*مَن يريد التعرّف أكثر على هذا الرجل فليقرأ كتابه "تجربتي في الثورة – الكتاب الأول"، ليكتشف عمق هذا الرجل الفكري، والسياسي، والاقتصادي، والاجتماعي، ورؤاه الوطنية والقومية، ورؤيته للسياسة العالميّة، ويقع الكتاب في 430 صفحة من القطع المتوسط، ولم يُذكر اسم الدار الطابعة، ومَن يقرأه يدرك الأبعاد الفكرية لديه، في السياسة، والاقتصاد، والمجتمع، وبنية الدولة، فهو من المفكرين المعدودين في هذا المجال، ووعدَ في هذا الكتاب أنّ كتابه الثاني سيقيّم فيه الشخصيات السياسية القيادية التي عاصرها، ولا يعلم أحد ما إذا قد أنجز هذا الكتاب، أم أنه اغتيل قبل أن يكتبه، أم وُجد في شقتّه فأُخذ منها.
رحم الله أبا ناجح فقد كان أفقاً خاصاً.. 
جماعة الإخوان المسلمين والوثائق الثلاث
حول اغتيال سامي الحناوي في بيروت
الأمة العربية بين الوعي والمقاومة: صراع التاريخ والخيارات المستقبلية
عندما أضاع حافظ الأسد فرصة السلام مع اسرائيل
المجازر العثمانية في سورية الطبيعية والأناضول
الترامبية كجنون مؤسَّس.. من نقد فوكو للعقل إلى انهيار السياسة
حول اتفاقية أضنة وتسليم عبد الله أوجلان
الإسلاميون والإثنيات والمساكنة العجيبة
قراءة في خطابي الرئيس دونالد ترامب: (1) أمام الكنيست الإسرائيلي، و(2) في قمة شرم الشيخ أمام رؤساء دول حول "خطة السلام/الاستقرار" المتعلقة بالقطاع
كيف أفسد حافظ الأسد المؤسسة العسكرية- ح2
ما تشهده سورية حاليًّا كنّا قد توقّعناه حرفيًّا عام 2012
كيف أفسد حافظ الأسد المؤسسة العسـكرية؟- ح1
حرب تشرين ومذكرات الفريق الشاذلي
الإسلام السياسي.. التحولات الجيوسياسية والتوظيف الغربي
ظهور العلوية السياسية: الأخطاء الاستراتيجية القاتلة للعلويين (2)