كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

التيار القومي ومسألة الأقليات القومية والإثنية

كتب مروان حبش- فينكس:

يشكل العرب القومية الأكبر من بين القوميات والإثنيات التي تعيش في الوطن العربي. ولو أن العرب قد وصلوا إلى مرحلة الأمة – الدولة لما شكلت الأقليات نسبة تذكر بالنسبة إلى الأكثرية العربية.
إن جزيرة العرب "السعودية، اليمن، الإمارات العربية المتحدة، الكويت، قطر، البحرين" خالية من االأقليات الإثنية التاريخية المنتمية إلى المنطقة <فالعمالة الآسيوية في بلدان النفط لا تشكل أقلية إثنية>، وكذا الأمر في مصر.
أما في العراق وبلاد الشام والمغرب العربي والسودان تعيش الأقليات القومية والإثنية جنباً إلى جنب مع العرب، وقد مضى زمن طويل دون أن تظهر أية نزاعات إثنية في هذه البلدان.
وبسبب التجزئة تبدو بعض الأقليات القومية والإثنية ذات حجم كبير بالقياس إلى عدد سكان القطر "كالأكراد في العراق، والأمازيغ في بلدان المغرب العربي، والقبائل ذات الأصول الأفريقية في السودان وموريتانيا"، فيما تبدو تلك الجماعات محدودة في بلاد الشام، وقد جرت فيها عمليات اندماج كبيرة <الأرمن، الشركس، الألبان، الكرد... إلخ> بحيث لا وجود لمشكلات إثنية، باستثناء مسألة الجنسية لبعض الكرد في شرق سورية.
وإذا كانت الأقليات القومية والإثنية هي ذلك العدد من السكان الذي عاش تاريخياً في المنطقة وحافظ على بعض العادات والتقاليد واللغة والوعي الذاتي فإن النظر إلى هذه الجماعات يجب أن ينطلق من حقها في التعبير عن ذاتها، والذي يجب أن يتجسد في الدستور والقانون، و هذا التعبير يأخذ شكل الحق في استخدام اللغة القومية، والحق في ممارسة عادات الأفراح والأتراح الخاصة، وحق المساواة الكاملة في الحقوق والواجبات مع جميع السكان.
ولما كان التيار القومي يؤمن إيماناً مطلقاً بالنظام الديمقراطي، ولما كان النظام الديمقراطي لا يقوم إلا بوجود المواطن، ولما كان المواطن لا وجود له بمعزل عن فكرة المساواة في الحقوق والواجبات، لذا فإن حل مسألة هذه الجماعات في الوطن العربي لن يتم إلا في إطار النظام الديمقراطي المنشود.
ولقد أثبتت التجربة التاريخية في الوطن العربي أن قمع الهويات القومية من قبل السلطة العربية قد أنتج ظاهرتين سلبيتين:
أولاً: الشعور بالغبن وبالتالي ظهور التعصب الإتني لدى هذه الأقليات. فالهوية – أية هوية – إذا ما قمعت فإنها تتحول إلى هوية تعصبية.
ثانياً: فتح القنوات للتدخل الخارجي عبر اللعب على الشعور القومي لدى تلك الجماعات، والتي قد تلجأ إلى الخارج من أجل نيل حقوقها.
وعليه، فإن التيار القومي إذ ينطلق من فكرة الحق الكامل للمواطن في الوطن العربي فإنه عملياً يغلق الباب أمام النزعات التعصبية وإمكانية ظهورها، كما يغلق القنوات التي يمكن أن تستغلها القوى الخارجية.
ويبقى السؤال: ألا يمكن النظر إلى مسألة الجماعات القومية من زاوية حق تقرير المصير؟
إن التيار القومي لا يرى غضاضة من أن ينظر إلى هذه المسألة من زاوية حق تقرير المصير، ولكن ضمن النقاط التالية:
أولاً: اعتبار الحكم الذاتي ضمن الدولة – القطر، أو الدولة – الأمة، شكلاً من أشكال تقرير المصير.
ثانياً: إذا كانت الجماعات القومية تمتلك جغرافيا محددة شبه نظيفة ولعدد من السكان المنتمين إلى أقلية ما، فإن التيار القومي يعطي الحق لهذه الأقليات – عبر الاستفتاء – في اختيار البقاء ضمن الدولة أو الانفصال. مع مراعاة العلاقات التاريخية والمصالح المشتركة، كالكرد في شمال العراق والقبائل الأفريقية في جنوب السودان، أو منطقة القبائل الأمازيغية في أقطار المغرب العربي.
ثالثاً: أما الأقليات التي اندمجت مع العرب وحافظت على بعض خصائصها وتسكن المدن ذات الأغلبية العربية، فإن حق تقرير المصير لا ينطبق عليها إطلاقاً.
وأخيراً فإن طرح مسألة الأقليات القومية في الوطن العربي على بساط البحث، والاعتراف بوجودها، والكشف عن الأسباب التي أنتجتها، أو التي تسعر من حضورها، من شأنه أن يخلق المناخ الملائم لإيجاد الحلول العقلانية والعملية لها. وعلى العكس، فإن إخفاء هذه المسألة، والتستر على وجودها من قبل الأنظمة السياسية التي ولدتها، والتي وجدت فيها القوى الخارجية مدخلاً للعبث في الشؤون الداخلية، يزيد من تفاقم المشكلة.
غير أن المدخل الديمقراطي الوطني لحل المسألة يبقى هو الحل الأمثل المنشود.
-----------------
مقدمة المشروع النظري للتيار القومي العربي
استساغ بعض المثقفين العرب التحدث عن موت القومية أو نكرانها واعتبارها وهما، في نفس الوقت الذي تتعرض فيه الأمة العربية بكل أقطارها إلى ضغوط كبيرة بهدف تغيير قيمها ومحو هويتها، وأخطر هذه الضغوط تمثل، في بداية هذا القرن، باحتلال العراق وطرح مشروع الشرق الأوسط الأكبر، وفي نفس الوقت الذي يغيب فيه برنامج قومي لمواجهة المشروع الأمريكي وتداعياته للسيطرة على كل الأقطار العربية، وما يعتري النضال القومي من وهن ، وغياب ممارسة الفعل النضالي القومي في الشارع العربي.
من هذا الواقع تداعى، في القطر العربي السوري، عدد من الشخصيات الذين يشعرون بمسؤولياتهم تجاه أمتهم ويحملون قيمها وأهدافها، وهم: منصور الأطرش - محمود الجيوش - مروان حبش - محمد سعيد طالب - مصطفى رستم - عبد الغني عياش - لمى قنوت - ناظم قدور - ماجد عزو الرحيباني - خالد الحكيم - محمود يونس - عزالدين دياب - علي الدالاتي - مروان حموي - حميد مرعي - حسين العودات - وفيق عرنوس - نظمي فلوح - طارق أبو الحسن - مصطفى الفلاح - إلياس ظاهر - منير حنا درويش - عبد القادر نيال.
وبدءاً من يوم السبت 7 أيار 2005 اجتمعوا وتدارسوا فيما بينهم، وفي ثلاثة لقاءات لهم، الأسس والشروط لتفعيل التيار القومي، وانبثقت عن اللقاء لجنة مصغرة كلفت بوضع مشروع يبلور تلك الأسس والشروط.
تواصلت اجتماعات اللجنة المكونة من "محمود جيوش – – مروان حبش - لمى قنوت - محمد سعيد طالب – حسين العودات – نظمي فلوح – عبد القادر نيال - أحمد برقاوي – طارق أبو الحسن - منير درويش" فترة ثمانية شهور، وناقشت عددا من المشاريع والأوراق التي قدمها بعض أعضائها، كما اطلعت على مشروع التيار القومي في فلسطين، وكلفت أحد أعضائها الدكتور أحمد برقاوي بإعداد الصياغة النهائية لمشروع يراعى فيه ما ورد في الأوراق المقدمة والملاحظات التي طرحت حولها.
إن المشروع الذي نقدمه، هو مشروع لكل القوميين والوطنيين العرب "حركات وأحزاب وشخصيات". وهو مشروع سياسي لتيار وليس مشروعا لتأسيس حزب، وتأمل اللجنة أن يساهم كل مخلص لأمته في إبداء الرأي حول مضمونه بغية تطويره وإنضاجه ليكون دليل نضال يجد طريقه إلى التطبيق ويقود إلى الهدف.

دمشق شباط 2006