كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

التلفزيون والنخبة

سامر محمد اسماعيل

ومن قال إن في التلفزيون هناك مسلسل للنخب وآخر للجمهور. هل سبق وقدم عمل تلفزيوني مسرحيات لبيكيت أو أداموف؟ التلفزيون أصلاً مارس منذ اختراعه تقزيماً للمعرفة وابتساراً لها. حتى ما يسمى بالتلفزيونات الوطنية دخلت الآن عصر اللبرلة السعيدة، واختفت تلك البرامج التي كانت تعنى بالثقافة والمثقفين. جاء هذا تحت ذريعة الابتعاد عن النخبوية؟ وبسبب هذه الحجة اختفت برامج كانت تعنى بالموسيقى الكلاسيكية والعلوم والفلك والمسرح والسينما والأدب والتشكيل، وطفت على السطح برامج المسابقات والطبخ والأبراج.

المسلسل نوع من البرامج، وكان رواده في سورية يعملون على رفع سوية أطروحاته. فقدمت أعمال تلفزيونية اقتبست عن الرواية والمسرح، وساهم كتاب سيناريو في تقديم مقترحات لما سمي وقتها بالرواية التلفزيونية. لم يكن المسلسل التلفزيوني يوماً ما للنخبة. كان لعموم الناس. حجم المغالطات اليوم مرعب، والبعض يمارس نوع من التعمية لتبرير الدموية والرخص والبذاءة على أنها من صفات العمل الشعبي الناجح. وهذا خلط وتزييف للثقافة الشعبية، الشعبي هو النخبوي، لا الشعبوي الذي يعج بأرباب السوابق وتجار المخدرات وبنات الليل. هل كان "التغريبة الفلسطينية" مسلسلاً للنقاد أم مسلسلاً يخاطب كل الشرائح؟ هل كانت أعمال مثل هجرة القلوب إلى القلوب والشريد و نهاية رجل شجاع وأخوة التراب ورسائل الحب والحرب وعصي الدمع وقاع المدينة..الخ مسلسلات للنقاد؟ أي مداورة تلك التي تريد انتحال رغبات الجمهور في وجه النقاد؟ متى كانت مسلسلات التلفزيون موجهة لنخب؟ هذا كلام يمكن استيعابه في المسرح والسينما أما التلفزيون فلم أسمع حتى الآن بأعمال للنخب. المسلسل مادة في جانب منها ترفيه وتسلية، ولكن لا أحد يلغي خطورتها على الذائقة ووعي الناشئة، والأخطر هو التنميط الذي تمارسه عن المجتمعات أو البيئات التي تدور فيها الأحداث. النمذجة لمدن ومهن وأرياف. هذا أخطر ما يمكن أن تلعبه الدراما التلفزيونية، وعليه يتم خلق صورة مشوهة عن مجتمعات بأكملها.