كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

الشراكة الإبداعية في الكتابة الدرامية تؤكد نجاحها

أمينة عباس
النجاح الكبير الذي يحقّقه حتى الآن مسلسلا “ولاد بديعة” و”مال القبان” تأليف الكاتبين علي وجيه ويامن الحجلي اللذين شكَّلا شراكة ناجحة تعززت بأعمال سابقة هي “عناية مشددة” و”أحمر” و”هوا أصفر” و”على صفيح ساخن” يعيد إلى الأذهان شراكة ناجحة كانت بين الكاتبين حسن سامي يوسف ونجيب نصير اللذين قدما على مدار سنوات أعمالاً درامية شكلت علامات فارقة في الساحة الدرامية “الانتظار” و”زمن العار” و”فوضى”، وقد عمدا فيها إلى معالجة قضايا اجتماعية متنوعة، وهو ما فعله الحجلي ووجيه في أعمالهما، وعلى الرغم من قناعة الكثيرين أن الأعمال الفنية المكتوبة بواسطة كاتبين غالباً ما يكون مصيرها الفشل نتيجة تداخل الأفكار، لكن مع حسن سامي يوسف ونجيب نصير، واليوم مع علي وجيه ويامن الحجلي تثبت هذه الأعمال نجاعة هذه الشراكة التي أثمرت أعمالاً لقيت إعجاب المشاهد، علماً أن الدراما السورية عرفت ثنائيات فنية عديدة في مجال الكتابة كثنائية محمد الماغوط ودريد لحام التي قدمت أعمالاً مسرحية وسينمائية وتلفزيونية عديدة.
الطلاق الإبداعي
تقوم الكتابة المشتركة على جمع أهم مهارات الكاتبين لتقديمها بأفضل شكل، فإذا كان أحدهما يمتلك مهارة سرد الحكاية، والثاني يمتلك تقنيات معينة تتعلق بالدراما كفنّ فسيؤدي ذلك حتماً إلى تقديم حكاية بتقنية عالية، ويتفق النقاد على أن معظم التجارب المشتركة تقوم بين طرفين يمتلكان مهارات متشابهة لأن الاشتراك بمهارات مختلفة يظهر غالباً على شكل تعاون فيزيائي لا إبداعي، وهذا الكلام ليس مطلقاً لأن هناك تجارب نجح أفرادها في إبداع أعمال ناجحة، أما لماذا لم تستمر معظم التجارب المشتركة، فالسبب برأي غالبية النقاد هو أننا كمجتمع وأفراد غير معتادين وليست لدينا خبرة في العمل التكاملي أو الجماعي، لذلك عندما يصادف أن يجتمع أكثر من طرف في عمل واحد تبدأ الديكتاتوريات والأنانيات بالظهور والتنافر بناء على مكاسب النجاح المتوقع.. من هنا تظهر الخلافات ويظهر التململ من حالة العمل الجماعي بسبب الخلافات الشخصية التي يمكن أن تنشب بين الطرفين بوجود أشياء كثيرة تغري أحد الطرفين بفكّ الشراكة كحبّ الشهرة أو المال، وتالياً فإن الأسباب الشخصية هي العامل الأساس في الطلاق الإبداعي، لكن عندما يظهر أفراد قادرون على تجاوز مكافآت النجاح والخضوع لمتطلبات العمل تكون النتيجة عملاً متميزاً، ولا يخفى على أحد أن سلبيات هذا النوع من الكتابة تكمن في صعوبة وجود اثنين يعملان وفق منظور واحد.. من هنا قد يحدث تعارض يمكن حلّه بأن يكون أحد الطرفين هو صاحب الصياغة النهائية، وعادةً ما يقوم بذلك الطرف الأكثر خبرة درامياً وتقنياً والقادر على ضبط إيقاع النص وتشذيبه وحذف زوائده وإتمام نواقصه، وهذا يعني أن الكتابة المشتركة تعني وجود أكثر من عين تراقب وأكثر من رؤية وأكثر من روح، وهذا يؤدي إلى وجود نص قوي وغني ومتين ومدروس من كل الجهات، وهو أمر ضروري لأن النص دوماً هو الأساس، فإذا كان قوياً وجيداً فهذا مؤشر جيد لعمل ناجح قائم على جهود جماعية ووجهات نظر متعددة مرنة غير محكومة برؤية واحدة، وعندما يتحقق ذلك تكون الكتابة المشتركة نقطة إيجابية لصالح العمل.
يؤكد الكاتب بلال شحادات الذي خاض تجربة الكتابة المشتركة مع الكاتبة اللبنانية ندين جابر في مسلسلات منها “2020” و”لا حكم عليه” أنه ليست لديه مشكلة في الكتابة لوحده أو مع شريك، مع قناعته بأن الكتابة لوحده قد تكون أصعب، أما الكتابة مع شريك فهي الأقل صعوبة والأكثر متعة لأن امتلاك شريك يستطيع النقاش معه في كل فكرة والعمل سويّةً على إنجاز مسلسل يسهّل الكثير من النقاط، في حين أن الكتابة لوحده تكون مهمة أصعب وتأخذ طاقة أكبر، منوهاً بأنه بالإجمال يستمتع في الحالتين، وليست لديه مشكلة مع الشريك طالما يوجد كيمياء لتقديم أي مشروع، موضحاً أنه اعتاد العمل في ورشات منذ مرحلة الدراسة في المعهد العالي للفنون المسرحية، وهذا مكَّنه من امتلاك الآلية والطريقة والتقبّل للعمل مع شركاء وورشات، وقد حاول أثناء العمل في المعهد كمدرّس أن يجعل كل مجموعة من الأشخاص تعمل معاً على موضوع أو دراسة، وهذا يرفع من سويّة المعالجة الدرامية بسبب تعدد الأدمغة التي تعمل، أما العمل الفردي فهو بحاجة لبحث فردي أكبر، وتالياً تكون المهمة أصعب، مع تأكيده أن لكل حالة متعتها وخصوصيتها، مبيناً أن نجاح أي تجربة درامية فيها شركاء أو ورشة عمل يتوقف على حالة التوافق والكيمياء والانسجام بينهم، حتى لو كان يوجد سجالات أو نقاشات أو جدل بينهم فهي مقبولة طالما أنه يوجد اتّفاق بين الجميع على تقديم أفضل شيء، وبتوافر هذه الأساسيّات يتم تقديم عمل ناجح، وغيابها وخاصة في ظل خلافات بين الشركاء يؤدي إلى الخروج بنص ضعيف ومتعب، مبيناً أن سبب فشل أي ورشة أو شراكة هو عدم الانسجام والاتحاد بين الشركاء على فكرة الهدف لتقديم أفضل شيء، وذلك عندما تطغى أنانية شخص بأفكاره على أفكار الآخرين ويصبح هناك عملية استحواذ أو سيطرة.
عمل رائج في العالم
ويرى الكاتب عثمان جحى، الذي كتب العديد من الأعمال بالشراكة مع كتّاب آخرين كسليمان عبد العزيز ولبنى مشلح وأحمد كنعان ومؤيد النابلسي، أن ورشات الكتابة عمل رائج في العالم، ونجاحها متوقف على الشركاء الذين يكتبون، وأن الورشة حالة صحية، تتعدد فيها وجهات النظر، حيث يبنى النص بعد مداولات بين الكتّاب، وهي تعتمد على التناغم بينهم وحسن النوايا الأخلاقية تجاه النص، مؤكداً أن شراكته مع مؤيد النابلسي ناجحة، وكذلك الورشات الدرامية التي عملها على مستوى الوطن العربي وكانت نتائجها مبهرة، منها “العاصوف” مع الدكتور عبد الرحمن الوابلي و”قلبي معي” و”غراميات شارع الأعشى” مع هديل إسماعيل.
متعة خاصة

ويبين الكاتب مؤيد النابلسي أنه عمل مع عثمان جحى في عدة أعمال “العربجي” و”وثيقة شرف” و”ولاد البلد” وكان سبب هذه الشراكة وجود توافق وانسجام كبيرين بينهما بسبب الصداقة التي تجمعهما، مبيناً أن أهم ما يميز جحى قدرته على أن يضيف لأي نص يعمل عليه لأنه يمتلك مخزوناً فكرياً وثقافياً كبيراً، مع إشارته إلى أنه في رصيده تجارب عديدة في الكتابة المنفردة التي يشعر فيها بحرية تامة لأنه في هذه الحالة ليس مضطراً للمجادلة والإقناع، مع قناعته أن للشراكة متعة خاصة تقوم على العصف الذهني الذي يساعد على توليد أفكار أكثر غزارة.