كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

الدراما وواقعية الطرح

عبد الكريم الجندي- فينكس:

 استطاعت الدراما السورية في الموسم الرمضاني الغارب، أن تستعيد دفة التحكم بأكبر نسبة متابعة كما كانت قبل أحد عشر عاما، إلا أن مايميز الدراما في ذلك الموسم غير الأداء الأسطوري لبعض الفنانين، هو واقعية الطرح، وواقعية المشهد والحوار بكل تفاصيله، والتنوع بتفاصيل وكراكتر الشخصيات.

١-من ناحية تفاصيل وتنوع الكركترات

نلاحظ في هذا العام ظهور بعض الفنانين بكركترات مميزة فيها الكثير من الاحتراف والإتقان، فلم تعودنا الدراما العربية بشكل عام على التركيز على التشوهات والعلامات المميزة للكركتر وكأنها شخصيات واقعية وليست عملية مكياج، كشخصية "شومان" التي أداها الفنان محمد قنوع في مسلسل العربجي، وشخصية "الشيخ" أدريس التي أداها المبدع فايز قزق في مسلسل الزند، وشخصية "جمول" التي أداها الفنان خالد القيش في مسلسل مربى العز، وشخصية "ناجي" التي أداها الفنان سعد مينة في زقاق الجن، فوجود مثل هذه الكركترات في النص والعمل عليها بهذه الحرفية هو نقل حقيقي للواقع، فلا يخلو تجمع بشري دون أن يكون فيه شخصية بعلامة فارقة أو مميزة، وهذا يدل على ان الدراما تتجه للتفصيل والواقعية في نقل الواقع كما هو وان كانت في مامضى مقلة وتفتقر الأعمال الى وجود مثل هذه الشخصيات ذات العلامات الفارقة إلا إذا كان بطل العمل يملك علامة مميزة.
٢-من ناحية الحوار:
كان الحوار في الدراما أكثر محافظة ومراعاة للموروث الثقافي والاجتماعي للمشاهد العربي، ،
فقد كانت بعض الألفاظ في الحوار ((كالسباب والشتم)) والتعبير عن العلاقة الجنسية تخضع لكثير من التشفير والخطوط الحمراء التي لايجوز تجاوزها، إلا أن بعض المسلسلات في هذا العام الدراما تفاجئنا بخلاف ذلك، ففي مسلسل الزند سمعنا ألفاظاً نابية وشتائم ومسبات تتناول العرض والشرف مثل ((يا ابن المفقوعة)) ((وابن المفرشخة)) في أعمال درامية سابقة قد نسمع مصطلح "أنا على علاقة معه أو أنا على علاقه معها" ويترك التأويل للمشاهد، أما في ذات المسلسل الزند فقد تسمع مصطلح "عم تنام معها" أو "عم تنامي معو" بدون أي تغليف للكلمة، وهذا يؤكد مانشير إليه بأن الدراما العربية بشكل عام والسورية بسكل خاص تنتقل بخطى سريعة الى فن أكثر مباشرة وواقعية، ومطابقة لما بين الناس من دون أي تشفير أو تغليف.
٣-واقعية المشهد:
قد نشاهد في الدراما العربية مشهداً لامرأة تموت في الولادة وترى ملامح وجهها وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة، ولكن في مسلسل العربجي تشاهد شخصية ورده التي قامت بها الفنانة تولين بكري -تموت في الولادة مع مشهد الدماء على قدميها وبوضعية الولادة وطفلها الوليد تحمله الخادمة بدماء أمه وحبل الخلاص مازال معلقاً به، وفي المسلسل نفسه تشاهد ابنة عبدو العربجي "زهرة" تدفع بكل إصرار ضرتها زوجة "شومان" للتأكد من عذريتها بحيث تجلس وتباعد بين ساقيها وتطلب من ضرتها النزول والاقتراب منها لفحصها، مشهد ينقل التفاصيل بكل واقعية بعيدا عن أي تابو أو محظور، وكذلك كل مشاهد القتل بدم بارد التي قام بها "الشيخ أدريس" في الزند، حتى مشهد قيام بطل العمل عاصي بفقء عينه الثانية للشيخ ادريس بالسكين، وكذلك مشهد قتل شومان من قبل عبدو العربجي في مسلسل العربجي، ومشهد ابنته المحروقة زهرة والتي لم يفلح بانقاذها مشاهد قاسية بكل تفاصيلها، ولكن واقعية وغير معتادة في الدراما السورية بهذا التفصيل والاحتراف.
٤-الواقعية بالفن هي مصداقية نقل الواقع
غالبا ماكانت المشاهدالدرامية، مقيدة بكثير من المحظورات والقيود ويحكمها الموروث الثقافي للمتلقي وخصوصاً التابوهات وهالة القداسة المرسومة حول الشخصيات التاريخية والعامة التي تقيد واقعية العمل الدرامي وأمانته بنقل الواقع أو تفاصيل الشخصية كما هي، فالفلترة والمثالية المبالغ فيها للشخصية التاريخية لتتناسب مع المخيال الجمعي الموروث تكون على حساب الأمانة التاريخية لهذه الشخصية والبعد عن تفاصيل الشخصية الحقيقية أو تفاصيل المجتمع أو المرحلة الزمنية التي يتناولها العمل الدرامي، لقد سبق وأن عرض عمل درامي يتناول سيرة حياة كوكب الشرق "أم كلثوم" وقامت بأداء الشخصية الفنانة صابرين، ومن تابع المسلسل في تلك الفترة يلاحظ أن الشخصية أحيكت حولها هالة من القداسة والمثالية المبالغ بها هذه المبالغة في رسم الشخصية تكون على حساب حقيقة الشخصية كإنسانة فنانة عاشت في مرحلة معينة من التاريخ لها نوازعها الانسانية وانفعالاتها هي أنثى تغضب وتحب وتكره وتنفعل وتبكي إلا أن ماظهر فيه شيى من المثالية في الشخصية ليتناسب مع ما يرسمه العقل الجمعي عن الشخصيات العامة والتاريخية والدينية ولترسيخ أن لهذه الشخصيات ثقافة متعالية عن ثقافة البشر وأنهم أشبه بملائكة ولكن من دون أجنحة.
الواقعية في الدرامة الغربية:
تتسم الدراما الغربية ومنذ زمن بعيد بالواقعية ونقل تفاصيل الشخصيات والواقع كما هو، ومن دون رتوش، وربما تكون دراما متحررة من كل تابو أومحظورات تتناول الواقع والشخصية كما هي بكل عيوبها ومحاسنها بدون أي محسنات درامية حتى لو كانت شخصية تاريخية أو عامة، ففي فيلم "بيتهوفن" الذي يعرض سيرة حياة الموسيقار العظيم بيتهوفن عرضته السينما كإنسان فنان، ولكنه إنسان له انفعالاته وله محاسنه ومسالبه، ففي المشهد الذي يذهب به مع صديقته لحضور حفل التخرج وتسأله عن رأيه بمشروع التخرج لزميلها وهو عبارة عن مجسم جسر للمشاة، رفع عصاه وضرب المجسم وهشمه وقال "إن هذا ليس فناً"، مشاعر مختلطة من الغيرة من زميل صديقته ومشاعر من الحب وقليلاً من الأنا والنرجسية في مشهد واحد، وفي الفيلم نفسه تسأله عن رأيه بموضوع، فيجيبها بأن يخلع سرواله ويريها مؤخرته ،هذا هو بتهوفن بكل تفاصيله وواقعه
خاتمة:
قد يتجه أغلب نقاد الدراما في هذا العام لنقدها باعتبارها تقدم حواراً يحتوي على ألفاظ ومصطلحات وشتائم قد تخدش الحياء، ومشاهد قاسية تقتحم جمعة المشاهد مع أسرته وتخالف موروثه الثقافي والديني، ولكن في ذات الجانب مانشاهده ونسمعه وأطفالنا في الشوارع والواقع في كل مكان هو الواقع غير مفلتر نسمع كل المسبات في الشارع ومعرضين لأقسى المشاهد، وعليه يجب على الدراما أن تكون أمينة بنقل الواقع كما هو بكل سلبياته وإيجابياته، لأن الغاية من الفن تبقى هي نقل الواقع بكل تفاصيله وإعادته للجمهور بشكل فن راق وهادف من دون أي تكلف أو مبالغة أو إسفاف، وفيما يتعلق بالعمل على الشخصية التاريخية والعامة أو نقل مرحلة تاريخية ما، يجب أن يتسم العمل الدرامي بالواقعية والمصداقية بالنقل بعيد عن التكلف والمبالغة في المثالية المحاطة بالشخصيات، لأن هذه المبالغة ومراعاة الموروث الثقافي الجمعي هي على حساب الأمانة التاريخية لما كانت عليه الشخصية أو المرحلة بكل تفاصيلها وأبعادها، قد يكون ما قدمته الدراما السورية في هذا الموسم فيه تجاوز لبعض التابوهات والخطوط الحمراء إلا أنها في طريقها نحو دراما أكثر واقعية.