كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

الإسماعيليون.. أهل علمٍ مُعذَّبون!

فادي نصار- فينكس

أنصفهم المستشرق الفرنسي (لويس ماسينيون) عندما أطلق على القرن الرابع/ العاشر اسم (القرن الإسماعيلي) للإسلام، فهم مؤسسو الدولة الفاطمية العظيمة، وهذه الأخيرة حكمها، في مراحل لاحقة، العلويون والموحدون الدروز، وقد امتدت من المحيط الأطلسي إلى نهر الفرات، واستمرت حوالي 262 سنة.

 أصل التسمية

إنهم الإسماعيليون أو السماعلة، سلاطين الدولة الفاطمية، محاربون أشدّاء وعشّاقُ علمٍ، أخذوا اسمهم من إمامهم إسماعيل المبارك، الابن الأكبر للإمام السادس جعفر الصادق، فهم حقيقةً شيعة.

العقل أولاً

يؤمن الإسماعيليون بأن العبادة تقسم إلى (عبادة علمية) و(عبادة عملية) ويتمسكون بكونهم مسلمين موحدين، غير أنهم، يضيفون العقل إلى فروض الإيمان، ويرون في القرآن مصدر التشريع الأول، والقرآن في عقيدتهم يحتمل التفسير، وهو (علم الظاهر) ويحتمل التأويل وهو (علم الباطن).

ويعتبرون أن العقل هو عامل التشريع الدنيوي الأساسي، وإذا تعارض نصٌّ في القرآن الكريم مع مقتضيات العصر وتطوراته الطارئة، وجب التعديل في إطار تشريع قانوني، يلائم التحولات الطارئة للمجتمع، مع عدم المساس بجوهر النص القرآني (المخوَّل الوحيد بالتأويل هو الإمام الحاضر في كل مكان).

بناة العلم

بنى الإسماعيليون مدينة القاهرة وجعلوها عاصمة لهم، وتحول فيها الجامع الأزهر ودار الحكمة إلى مركزين كبيرين لتعليم أُصول اللُغة والدين، كما بنوا وأسسوا جامعة القاهرة العريقة، ونشط في ظل الدولة الفاطمية المؤرخون والباحثون في كل مجالات العلم، ومن درر ما نشروا كانت (رسائل إخوان الصفا وخلان الوفا)، التي أعلوا فيها من شأن العقل في الدين، وقالوا إن أول شرط على من يرغب في الانضمام لهم هو محبّة العلوم.

وحتى (رسالة الغفران) لصاحبها أبي العلاء المعري نشرت في فترة حكمهم.. وكذلك ما كتبه حكيم الزمان (شمس الدين التبريزي)، وتلميذه جلال الدين الرومي.

كانوا منظمين تنظيماً جيداً، وفق تراتبية وهيكلية، يقولون إنها متماثلة مع النظم الكونية، فالهيئة القيادية العليا، وتسمى (المجلس الإسماعيلي الأعلى)، تقابل (اللجنة المركزية في الأحزاب السياسية) ويتبع لهذا المجلس عدة لجان.

ثورة القرامطة

يمثّلون الجناح المُتشيّع الأكثر حركية وثوروية، فعنهم انشقّ القرامطة، وقادوا أولى الثورات الاشتراكية في العالم.

بدأ يخبو مجد دولتهم (الدولة الفاطمية)، بوفاة الخليفة الفاطمي المستنصر عام 1094م، وتدخل أمّه (رصد) في شؤون الدولة، فقد انقسموا إلى فرعين، النزارية والمستعلية، نسبة إلى نزار والمستعلي ابنَيْ المستنصر.

الحشاشون.. لماذا؟

اشترى القائد الإسماعيلي (الحسن بن الصباح)، قلعة (آلموت) في (سمرقند) عام ٤٨٣ هجرية إثر تفكك الدولة الفاطمية ونقل مركز الدعوة والإمامة الإسماعيلية من القاهرة (أيضاُ بناها الفاطميون)، إلى قلعة آلموت. وفي أوائل عام ٤٨٥ هجري هاجمت جيوش السلاجقة مدن الإسماعليين ومنها: قلعة آلموت، لكن (الحسن الصباح) أعد لهم فدائيين تغلغلوا بين جيوشهم واغتالوا معظم قادتهم.. ولهذا قام السلاجقة وأعوانهم بالترويج لدعاية ضد فدائيي الحسن الصباح تحت اسم الحشاشين هدفها تشويه سمعتهم، وبذلك انتشرت هذه الصفة ولاسيما أنهم اشتهروا بصناعة الأدوية من النباتات آنذاك.

الانتشار الواسع

ينتشرالإسماعيليون اليوم في أكثر من 52 دولة، ويُقدّر تعدادهم بأكثر من 50 مليوناً، على شكل جماعات غير طائفية تعتقد بعقيدة ذات رؤية انسانية منفتحة على الحياة المدنية وعلى العالم كله بلا استثناء، فهم يعلون من شأن العلم والمعرفة وحكم العقل والمواطنة (أي الانتماء) لأوطانهم ومحبتهم لأبناء بلدهم.

ويُعَدّون في سورية، حوالي 750.000 نسمة، ينتسبون إلى الفرع النزاري، ويتبعون سلسلة من الأئمة آخرهم الإمام الحالي كريم آغا الرابع، الإمام التاسع والأربعون للإسماعيليين (استلم الإمامة، عن جده السلطان محمد شاه الحسيني).

لهم حضورهم المميز في الحياة السورية، وخاصة في المجال الثقافي، فالسوري الإسماعيلي يتميز بأنه وطني (غالبيتهم في صفوف اليسار)، علماني متحرر من عقدة العادات والتقاليد، مثقف مخضرم، محاور قوي وديمقراطي يُعطي المرأة حقوقها كاملة، وذلك انسجاماً مع توجهات الأغا خان الثالث.

مؤسسة الإمامة

يشرف الآغا خان الرابع على مؤسسة الإمامة الإسماعيلية، وهي مكونة من جناحين

الأول: مؤسسات الجماعات الإسماعيلية في العالم وتنتظم بمجالس إسماعيلية وطنية تتبع لمجلس القادة الإسماعيلي العالمي الذي يرأسه الإمام ومقره مدينة (أغليمونت) في فرنسا، وانتقل المركز مؤخراً إلى البرتغال.

الثاني: شبكة الآغاخان للتنمية العالمية وهي منتشرة في دول العالم تشمل خدماتها في التعليم، الصحة، الثقافة، الإسكان والاقتصاد. ويستفيد منها الإسماعيليون وغير الإسماعيليين، عبر تمويل الأنشطة غير الربحية كالتعليم (تدير الشبكة أكثر من 300 مدرسة تخدم حوالي 60 ألف طالب).

مقاتلون أذكياء

كان الإسماعيليون، على مدى التاريخ، مقاتلون أشداء يُضرب ببأسهم المثل، بدءاً بعجز صلاح الدين الأيوبي عن كسر شوكتهم، حين حاصرهم، في قلعة مصياف السورية، التي كانت بمثابة مركز لحكم قائدهم سنان بن راشد الدين (اشتُهر باسم شيخ الجبل)، الذي دام حوالي ثلاثة عقودٍ، فعقد معهم صلحاً، كانت نتيجته أن شكّل الإسماعيلون كتيبة من الفدائيين، انضمت إلى جيش صلاح الدين، فكان لها دور كبير بدخوله القدس، والجدير ذكره أن الفدائيين الإسماعيليين هم من اغتال ملك القدس (الكونت كونراد منمونفير).

كذلك خافهم قائد الحملة الصليبية السادسة (فريدريك الثاني) فأعطاهم أموالاً على شكل جزية وهدايا، ضماناً لعدم تعرضهم لجيشه، مروراً باشتراط السلطان المنصور قلاوون، قبل توقيع هدنته مع قائد فرسان الهيكل وأمير طرابلس، سنة 1281م، أن تكون قلاع الإسماعيليين (قلعة الخوابي، الكهف، القدموس ومصياف) بيد السلطان حصراً. وصولاً إلى تعاونهم عام 1260م مع المماليك في صدِّ المغول، في معركة (عين جالوت) واستعادتهم أربعاً من قلاعهم.

انتهت الدولة الإسماعيلية على يد الملك الظاهر بيبرس، بشكلٍ تدريجي، فبعد أن فرض عليها الجزية والإتاوات، استطاع بذكائه إفراغ هذه الدولة من مضمونها، فانهارت بشكلٍ غير مباشر، وسيطر عليها دون أدنى صدام.

الاضطهاد والتكفير

ولم تسلم الطائفة من إرهاب التكفير قديماً وحديثاً، ولكي يتخلص أعداؤهم من فكرهم، قاموا بإحراق كبريات مكتباتهم الغنية بالنصوص والمخطوطات الإسماعيلية، وهنا يكفي أن نذكر أنَّ صلاح الدين أحرق مكتبة دار الحكمة، التي كانت مركزاً علمياً مهماً، يحتوي -وفق ما يقال- ما يزيد عن مليون مجلد، من شتى العلوم، كما أحرق المغول بقيادة هولاكو مكتبة قلعة (آلموت) الضخمة، والتي ضمت أسرار الحركة وأدبها.

حديثاً وخلال الحرب السورية، ولأنهم يناضلون لبناء سورية علمانية، تحكمها المواطنة، اعتبرهم قادة (داعش) كفرة وزنادقة، فوجهوا أعوانهم ليرتكبوا بحقهم مجازر وحشية، كما حدث في قرى عقارب الصافي، تلدرة والمبعوجة، قرب السلمية، وبلدات كثيرة أخرى، حيث ذُبحت عائلات بأكملها واختطف العشرات من المدنيين أغلبهم من النساء والأطفال).

اشتهر منهم عدد كبير من العلماء مثل: ابن سينا، وابن الهيثم، والرازي، والسجستاني، وابن الفارض، والطوسي؛ وفي العصر الحديث اشتهر منهم: الأغا خان الثالث الذي كان رئيساً لعصبة الأمم في الثلاثينيات، والرئيس المؤسس لباكستان؛ محمد علي جناح، والشاعر والروائي السوري محمد الماغوط وغيرهم.

الإسماعيليون أهل علمٍ وحضارة، زرعوا الأمة من مشرقها إلى مغربها، كروم فنٍّ وأدبٍ وعلمٍ، فحصدوا عناقيد الاتهام بالكفر والإلحاد، وذاقوا كؤوس الإبادة والتهجير، فهم المعذبون الذين يحبون الحياة ما استطاعوا إليها سبيلا.