كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

"الإيزيديون" أولى الديانات وآخر الشعوب

فادي الياس نصّار- فينكس
تعتبر بلاد (الميزبوتاميا) أو مابين النهرين و التى قامت فيها الحضارة السومرية والبابلية والآكادية والآشورية، مهد الديانات القديمة ابتداءاً بالايزيدية والصابئة مروراً بالسريان والشبك والكاكائيين، وصولاً الى اليهود والمسيحية فالاسلام، إلا أن أقدمها على الإطلاق هي الديانة الأيزيدية.
فمنهم الأيزيديون؟
اكتشف علماء الآثار أن الألواح السومرية السبعة، التي كتبت قبل 4500 عاماً، وتحكي قصة خلق الكون، ذكرٌ لكلمة "ئيزدي" أي "الإيزيدي" مكتوبة بالخط المسماري باللغة السومرية تتكون من ثلاثة مقاطع هي: (ئي زي دي) وترجمتها الحرفية هي: السائرين على الطريق الصحيح، غير الملوثين.
أسطورة الخلق
حسب أساطير الخلق لديهم، يعتبر الإيزيديين أنفسهم أبناء آدم دون حواء، وهذه الأسطورة تقول بأنه: عند ظهور النبي شيت، وبعد أن تزوج الحورية (ليلون)، وأنجبت له توائم، فصل بينهم، ومن نسل أحد أبنائه خلق الشيوخ، ومن نسل الثاني خلق الأبيار، وترك الباقي “مُريدين” (الشيخ، البير والمُريد هي طبقات المجتمع الإيزيدي).
وهذا ما يُفسر أن التزواج الإيزيدي من الأخرين يعتبر خطيئة كبرى، وحتى التزاوج بين أبناء الطبقات الإيزيدية الثلاث، ويعللون ذلك بأنه للحفاظ على النسل، ويُطبق على من يتزوج من غير طبقته أو دينه، قانون الحد والسد (هو بمثابة قانون الأحوال الشخصية الإيزيدية).
بعدها أنتقلت هذه الأسطورة إلى اليهود أثناء السبي البابلي، الذين بدورهم عدّلـوا عليها (في التفاصيل والأسماء) ونسبوها لكتابهم المقدس ثم أخذ عنهم أغلب الأديان.
تناسخ الأرواح... التقمص!
تنطوي العقيدة الأيزيدية على إيمان راسخ بتناسخ الأرواح، حيث يعتقدون بأن الروح تتنقل بين العوالم المختلفة في رحلة تهدف إلى تحقيق الكمال والنقاء.
فهم يؤمنون بأنه عندما يموت الإنسان تخرج الروح من جسده و تستقر في جسد آخر، وذلك عبر البوابة الزمنية لـ"شيخ آدي"والتي تدعى "سندلوك"، وهي بمثابة الجسر الزمني الذي يصل بين الحياة الدنيا والآخرة، و يعتقدون أنها جسر الحكمة والمعرفة، وهكذا تنتقل الأرواح لعدة مرات (كأنك توقد شمعة من شمعة أخرى). وفي كل مرة تتم محاسبة الروح على الخطايا التي ارتكبها صاحبها، ويستمر هذا الأمر إلى يوم القيامة.
ويعتبرون أن "طاووس ملك" هو أول تناسخ حقيقي للنور الخالق (الله)، ويقولون بأن الملائكة السبعة (الذين يديرون شؤون العالم) هم أصلاً نسخ من "طاووس ملك".
جبريل أم طاووس ملك؟
يعتقد الإيزيديون بأن الله خلق الملائكة السبعة وعين "طاووس ملك" رئيساً لهم، إذ يلعب دور الوساطة بين الخالـق والملائكـة، وبينهم و بين البشر.
وبحسب المدونات المندائية، فإن "طاووس ملك" (أو الملاك الطير)، كان أحد الألقاب التي أُطلقت على "نابو" (إله الحكمة والتعلم، والكتبة والكتابة عند السومريين)، الذي أرسله الإله ليكتب التوراة.
أما القزويني في كتابه “عجائب المخلوقات”، فقد قال: اسم "جبريل" الذي يُقال له الروح القدس، والروح الأمين والناموس الأكبر وطاووس الملائكة.
الحج الى "لالش"
في الثقافة الإيزيدية، تعتبر لالش خميرة الأرض وسر استقرارها، وتعتبر موطن البشرية الأول والأقدم،... ويحج إليه الإيزيديون وعلماء الميثولوجيا من كل العالم.
ويبدأموسم الحج أو عيد الجماعية (جامايا شيخادي) عند الإيزيديين، من 6تشرين الأول/أكتوبر من كل عام وحتى 13 منه.
حيث يذهب الحجاج لزيارة ضريح عدي بن مسافر. ويمثّل هذا العيد بطقوسه استعداداً لفصل الشتاء والمطر.
الأعياد والطقوس
يصلي اليزيديون فجراً باتجاه الشرق (لأنهم يعتبرون أن طاوس ملك هو شعاع الشمس الأول الذي أرسله الله الى الكون)، واضعين اليد اليسرى فوق اليمنى، بادئين دعائهم بالصلاة من أجل كل ماهو موجود على هذا الكوكب، ويختمون صلاتهم بالدعاء لأولادهم ولأنفسهم.
كذلك يقدسون سبعة كواكب ترمز إلى سبعة ملائكة أكبرها “طاووس ملك” يشعلون لها سبع شموع في شمعدان يشبه شمعدان اليهود، كما يعتبرون أنفسهم (شعب الله المختار).
أيضاً الميلاد ورأس السنة!
يحتفل الإيزيديون بعيد الميلاد أو (بيلندة) الباتزمية اليزيدية، في نفس يوم عيد ميلاد السيد المسيح، والذي يصادف 25 كانون الأول حسب التقويم الشرقي (بحسب التقويم الغربي يعادل يوم 6 كانون الثاني)، فهم يحتفلون مع الطوائف التي تتبع الكنيسة الشرقية القديمة (الروسية والأرمنية)، ويؤمنون بأن (خودان) رب الأرباب ولد في هذا اليوم (ولادة روحية)، وكذلك هو ميلاد إله الشمس متيرا (مهرا شيشيم) التي تعني التجدد حيث تكبر الشمس وتبدأ بالصعود والارتفاع لتنعش الحياة على الأرض (ولادة مادية طبيعية).
كما يحتفلون بعيد رأس السنة في (أول أربعاء من شهر نيسان) الأربعاء الأحمر وذلك لاعتقادهم أن الله في ذلك اليوم، ضخ الدم في جسد أدم، وبذلك بُعثت الحياة على كوكب الأرض. وتفتحت شقائق النعمان كدليل على جريان الدم في العروق.
ويبدأون التحضير لهذا العيد، اعتباراً من مساء يوم الثلاثاء، إذ يقومون بتلوين البيض التي ترمز بشكلها إلى كوكب الأرض، والألوان الزاهية ترمز إلى ألوان الطبيعة في شهر نيسان (لايزال المسيحيون يقومون بالطقس نفسه في عيد الفصح).
عن الخير والشر
في الإيزيدية لا يوجد ملاك يمثل الشر إطلاقاً إنما يعتقد الإيزيدية أن الخير والشر مصدرهما وأحد ألا وهو الله.
وهم لايعتقدون بوجود الأرواح الشريرة لأنهم يعتيرون أن مجرد الإعتراف بوجود قوى أخرى تُسيّر الإنسان، إنما هو محرد تبرير لما يقوم به البشر من أفعال سيئة.
المعمودية في زمزم!
يوجد بالقرب من مرقد الشيخ عدي، نبع ماء يسمى (بئر زمزم) وعند زيارة مرقد الشيخ عدي، لابد لكل يزيدي أن يدخل إلى هذا النبع، ليغتسل بهذا الماء.
توجد لوحة على مدخل نبع عين البيضاء "كانيا سبي".
يؤكد علماء الدين الإيزيدي إن اللوحة الأصلية كانت في معبد لالش لكن البريطانيين أخذوها (سرقوها) إلى المتحف الملكي لأن عمرها كان يتجاوز عمر الأديان الحديثة كلها، وفيها الكثير من الأسرار التي من شأنها تكشف الكثير من الحقائق المخيفة.
هل يقدسون الكواكب؟
يعتقد الايزيديون، بأن الله موجود في كل مكان، والمخلوقات (ومنها الكواكب والنجوم) أجزاء من الإله الكلي، وأن الجزء تابع للكل، ومن هنا يأتي تقديسهم للظواهر الكونية كالشمس والنور والقمر، كونها تعبير حقيقي خارق لإرادة الإله، ويسمون المختص في عبادة الشمس (شيخ شمش) ويحلفون باسمه حلفاناً معظماً، (ومن هنا أتت رتبة الشماس الرمزية، في المسيحية).
من نافلة القول هنا أنهم يؤمنون بوحدانية الله، غير أن علاقتهم معه مباشرة، دون وساطة رسول أو نبي أو قديسين.
أبناء الشمس
يقدسون عناصر الطبيعية الأم كالشمس (يلقبون أنفسهم بــ”أبناء الشمس” لإعتقادهم أن حرارة الشمس تجلب لهم الخيرات وتطوي أيام البرد القارص والليالي المظلمة الطويلة، وتأتي بالربيع الذي يحمل الأزهار، وتوالد الأغنام والطيور)، القمر، وعناصر الطبيعة الاربعة التراب، الماء، النار والهواء، ويعتبرون الجبال مثل أم ذات ثديين حلوبين ترضعهم فيتغذون منها، عاشوا على خيراتها دون أي عناء أو خوض حروب من أجل البقاء.
الموسيقى في الطقوس
يقول الموسيقار العالمي والمستشار في الأكاديمية الإيزيدية "ابراهيم كيفو": يقدس الإيزيديون الموسيقى لأنهم يعتبرون أن طاووس ملك (جبريل عند الديانات الأخرى) عندما خلق الكون، سأله الله ماذا تريد مني كي أساعدك؟
فأجابه طاووس ملك: لا أريد شيئاً، سوى أن تعزف لي الملائكة وتصفق وتغني.
فقال الله: لك ماتريد.
ومنذ ذلك الوقت أصبحت الموسيقا طقساً من أهم طقوس العبادة عند الايزيديين.
فعندما يقوم الأيزيديين بالحج إلى معبد لالش النوراني ترافقهم الموسيقى في كل خطوة، وكل مرحلة لها موسيقاها الخاصة. وليس بالضرورة أن تكون موسيقى دينية وإنما موسيقى عن الحب والبطولة والشجاعه وغيرها... يغنون ويهللون ويهزجون وكأنهم يتحِدون مع قديسيهم.
ولعل أشهر الموسيقيين عندهم هو "قديش رو" اي قديس الشمس، وهو الذي عزف (بحسب الأسطورة ) يوم التكوين، معزوفته التي لايزال الإيزيدي يعزفها الى يومنا هذا (سلم كامل على مقام العجم)، فجعل بموسيقاه الأسماك تمد رؤوسها من الماء، لتشكل الخيمة العظيمة الموجودة حالياً في"لالش نوران"، أي أن الموسيقى تصنع المعجزات بحسب العقيدة الإيزيدية.
ويضيف الفنان إبراهيم كيفو: الإيزيديون شعب مُحب للحياة، مسالم وراق، ويعزفون في معابدهم على كل أنواع الآلات النفخية والدفوف وآلة الطنبور (آلة وترية من عائلة البزق).
اللغة
لايزال “الأيزديون” يستعملون في صلاتهم و أدعيتهم وصلواتهم، اللهجة الكرمانجية (إحدى اللهجات الكردية) فيما كتبهم الدينية القديمة مكتوبة باللغة السريانية، والجدير ذكره أنه كانت لهم لغةٌ لكنها اندثرت.
لا كتاب مُقدس!
الديانة الأيزيدية ديانة غير تبشيرية، ورغم أنه كان للإيزيديين كتابين مقدسين (الجلوة والمصحف رش) إلا أنهما ضاعا بفعل حملات الإبادة سيئة الصيت، لكن حالياً الإيزيديين يعتمدون بشكل أساسي على “علم الصدر”، أي أن عالم الدين يجب أن يحفظ كل شيء على ظهر القلب وثم يقوم بدور الُمرشد بين الناس بمنتهى الدقة والحذر، والجزء الأكبر من هذا العلم الشفاهي الإيزيدي مأخوذ من الكتابين المذكورين قبل ضياعهما!
ولمجرد عدم إمتلاكهم لكتاب كان سبباً رئيسياً في تعرضهم إلى كثير من الإبادات والمآسي عبر التأريخ، إذ كانت الحجةٍ جاهزة لشن هجماتهم البربرية وإتهام الإيزيدية بأمور لا تمت لحقيقتهم بصلة، كعبادتهم للشيطان وتقديسه، انكارهم وجود الله وغيرها!
ورغم أنهم مسالمون، ولم يخوضوا حرباً واحدة في تاريخهم، إلا أنهم لم ينعموا بالعيش في سلام على أراضي أجدادهم، فقد تعرضوا لخمس وسبعين مجزرة لأسباب دينية (تهدف الى أسلمتهم) وإقتصادية (لغنى مناطقهم بالموارد الزراعية والاقتصادية، وخاصة “سهل نينوى”)، فكانت أبكرها في عصر الدولة العباسية (المعتصم سنة 224هـ )، ومن بعدهم العثمانيين، ومن ثم الفرس، وبعدهم أمراء الموصل الجليليين، فالمغول، وفي العصر الحديث طالتهم حملات التهجير والتشريد (حملات الأنفال) مروراً بتفجيرات القحطانية التي ذهب ضحيتها 800 أيزيدي، وانتهاءً بفظائع “داعش”.
ونحن وكل شرفاء العالم، نتذكر في شهر آب من كل عام، ضحايا الإبادة الجماعية بحق الإيزيديين على يد تنظيم داعش الإرهابي، حيث قام التنظيم بخطف وقتل الآلاف منهم (لايزال مصير ستة آلاف مخطوفاً مجهولاً)، وقاموا بتخييرهم بين التحول إلى الإسلام أو دفع الجزية أو مغادرة منازلهم، أو الموت”. ليلقى الآلاف حتفهم عطشاً، وتختطف الأطفال وتغتصب النساء، ويُبَعّنَ كسبايا، فيما شُرِدَ عشرات الآلاف من منازلهم ليستولي عليها تنظيم “الدولة الإسلامية” فباتوا أمام خيارين احلاهما مُر؛ إما الذوبان في الجماعات المجاورة للاستقواء بها إلى حين، أو الإندثار الكامل.

إنها الحروب،بأشكالها المختلفة، تطوي بعنف الشعوب الأصلية التي زرعت الارض محبةً وسلاماً، بهدف إفراغها من جوهرها الإنساني الحضاري.