كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

كنيسة القديس "حنانيا" بدمشق

《كنيسة القديس "حنانيا" بدمشق كما كتب عن تاريخها والتغيرات التي لحقت بها عبر ألفي عام، المؤرخ الخوري أيوب سميا الدمشقي.》
إلياس بولاد- فينكس
☆حنانيا الرسول☆
من الجالية اليهودية التي كانت ساكنة بدمشق، بتأثير الشتات، ولما سمع بأخبار يسوع الناصري في بلاد الجليل، جاء إليه واجتمع به، وآمن بدعوته وصار له تلميذا ورسولا من الرسل السبعين الأول (لوقا١٠:١) الذين أرسلهم يسوع في حياته ليكرزوا به، فجاء الى وطنه دمشق وبشّر بالمسيح، وكان له رفيق آخر يهودي من دمشق اسمه يهوذا من الرسل السبعين. ويعتبر هذان الرسولان أول من أدخل المسيحية الى مدينة دمشق، وقد آمن بواسطتهما الكثير من اليهود وعرب وغير ذلك. حتى سنة٣٨، بعد الميلاد جدد اليهود حملة اضطهاد حامية على المؤمنين، وكان من رؤسائها شاب مندفع اسمه شاول، هذا أرسله اليهود على رأس كتيبة عسكرية يهودية الى دمشق لكي يفتك بالمؤمنين الذين فيها، حيث كان قد ترامى الى مجمع اليهود في أورشليم تكاثر المسيحيين في دمشق، وفي الطريق على مقربة من دمشق جنوبا، ظهر له يسوع بصورة عجيبة وهداه الى الايمان وسماه بولس، وهو بولس المشهور برسول المسيحية وفيلسوفها، واجتمع بالرسولين يهوذا وحنانيا وكان ما كان من بقية القصة المذكورة في الفصلين: (٩و٢٢) من سفر اعمال الرسل.
☆طريق حنانيا☆
اعتاد أهل دمشق أن يطلقوا تعريف: "دخلة" لكل طريق خاص في المدينة، يدخل منه الى حي من الأحياء، فطريق حنانيا هو أول مدخل الى يمين الداخل، من باب المدينة الشرقي، وهو يتجه شمالا الى ان ينتهي بعد مسافة الى كنيسة القديس الرسول حنانيا. هذا الحي يطلق عليه ساكنوه: "حي حناينا" بتقديم الياء على النون الثانية، وهو تحريف شعبي عن أصل الاسم حنانيا العبراني الذي معناه: "حنان الله".
☆بيت الرسول حنانيا☆
فبيت حنانيا هذا في دمشق كان في الموقع المسمى اليوم مزار حنانيا في منتصف الحي الشرقي من المدينة (القديمة) بين بابي توما والشرقي.
وفي سفر أعمال الرسل يقول ان الوحي قال لحنانيا: "قم واذهب الى الشارع المستقيم وتقدم الى بيت يهوذا هناك تجد بولس الخ...
فانحدر من بيته الى الشارع المستقيم، وسار بنور الوحي حيث اهتدى الى بيت رفيقه يهوذا، وكان ما كان منه مع بولس، لأن أولئك المسيحيين الأقلاء بدمشق كانوا قد سمعوا بحملة شاول عليهم، فتخبأوا في دياميسهم وبيوتهم الحقيرة، وبمجرد سؤال كان يسأله أحد عن مسيحي، كان يقع تحت البلاء.
أما مكان بيت حنانيا فهذا هو لا شك فيه، ويدعم هذه الحقيقة، وجود كنيسة القديس حنانيا في هذا المكان، لأنه بعد ان أخذت المسيحية حريتها أيام الإمبرطور قسطنطين الأول، بنى المسيحيون في دمشق كنائس، أولها كان كنيسة القديس بولس الرسول مع السور جنوبا حيث هربوه من فوق السور. ثم كنيسة القديس حنانيا هذه، ثم كنيسة الرسول يهوذا في مكان بيته (وسط الشارع المستقيم عند خان جقمق حاليا على امتداد سوق البزورية حالياً).
☆كنيسة حنانيا☆
قلنا ان أول الكنائس المسيحية التي بنيت بدمشق هي ثلاث:
كنيسة حنانيا وكنيسة بولس وكنيسة يهوذا، ولا نعلم أيتها قبل الكل،
يكفي ان نعلم ان الكنائس الثلاث قد بنيت في الربع الثاني من القرن الرابع الميلادي. وفي ذلك الوقت كان بيت حنانيا ذاته قد انثالت عليه السنون ولم يعد في الوجود. والسلطة التي بنت الكنيسة أدخلت مكانه في مساحتها. وبعد فتح المسلمين لدمشق، حولوا هذه الكنيسة الى جامع...
وكانت هذه الكنيسة ٣٥ مترا طولا من الشرق الى الغرب و٢٥ مترا عرضا من الشمال الى الجنوب. ولما تحولت جامعا بقيت حنيتها دلالتها في الحائط الشرقي، وبنى له المسلمون مئذنة على أحد أطرافه. وبمناسبة ما تواتر على هذه البلاد من النوائب التي أخرتها وحطتها في زمن المماليك سلاطين مصر أهمل هذا الجامع ولا سيما قلما سكن المسلمون في الوجه الشرقي لدمشق، حتى آل الى الخراب هو ومئذنته.
وفي العهد العثماني، أعيد منه جامع صغير مربع في عهد السلطان سليمان القانوني،مرمم سور دمشق،وقد شاهد هذا الجامع عاملا كما شاهد بقية في حنية الكنيسة في حائطها الشرقي الخرب، السائح الإيطالي الراهب الأب بندلي افيرو P.AVEROU. عندما زار دمشق عام ١٥٦٤م، كما شاهد كنيسة صغيرة متقنة على اسم الرسول حنانيا جنوبي الجامع المذكور فوق القبو المكون مزارا مقدسا لاسم حنانيا، ويقول انه نزل إليه على عدة درجات.
☆كنيسة حنانيا الحديثة☆
وفي عهد السلطان صلاح الدين الأيوبي المتوفي عام ١١٩١م، سمح للمسيحيين في الحي الشرقي في دمشق ببناء كنيسة صغيرة لهم في مقام حنانيا يصلون فيها، وفي سنة ١٥٤٣م. صار بطريركا أرثوذكسيا انطاكيا بدمشق "يواكيم ابن جمعة"وأقام في المركز البطريركي، فنازعه على البطريركية مطران قارة مكاريوس ابن هلال، وسيم بطريركا في الشهر نفسه من مطارنة حزبه، وجعل مركزا له بدمشق في مقام حنانيا، وجعل كنيسة حنانيا هذه كاتدرائية وكبرها وحسنها، وانقسم الكرسي الانطاكي الى قسمين، دام سبع سنوات، حين كانت كاتدرائية دمشق دمشق المركزية الأرثوذكسية، كنيسة القديسين الشهيدين الدمشقيين، كبريانوس ويوستينا، ثم انتهى هذا الانقسام بتصالح البطريركين، عندما مرض مكاريوس مرضه الأخير، الذي توفي فيه بدمشق سنة ١٥٥٠م.
☆الجامع الثاني☆
قلت الثاني وأعني به الصغير الأخير، وقد أخنت به الأيام، وبعامل الترك، والاهمال وعدم وجود من يصلي فيه من المسلمين، في هذا الحي، قد عاد الى الخراب. وفي سنة ١٩٢٨م شاهدت فيه بقية من الجدران ومحرابا في الحائط الجنوبي وقاعدتي عامودين على قاعدتيهما وبقية واقفة من عامود ينعلى قاعدتيهما، وبقية من أرض الكنيسة مبلطة ببلاط واسع من الحجر الاعتيادي، واليوم مساحة الكنيسة الأولى مقدار ثلثيها مشغل ببناء بيوت اعتيادية، والباقي مردوم بعلو مترين، بنوع ان المحراب قد أصبح مطمورا، وليس هناك عواميد ولا قواعد بل ارض أردام، وركام وطلل من الحائط الشرقي، يندب ماضيه، والمكان لا يزال تابعا للأوقاف الاسلامية بدمشق (هذا الوصف جاء على لسان الخوري أيوب سميا كاتب هذه السطور).
☆كنيسة حنانيا الحالية في الديماس☆
الديماس أقصد به هذا القبو الحالي الذي فيه مصلى ومزار القديس حنانيا لأن الكلمة المستعملة في العربية "ديماس" هي يونانية الأصل وتفيد معنى "الخدع الصغير العميق" المشبه بالصندوق، ومنها اسم قرية الديماس على طريق دمشق بيروت.
احترقت الكنيسة الصغيرة وخربت بمجزرة دمشق ١٨٦٠م. التي كانت فوق الديماس. وفي سنة ١٨٦٧م. رمم رهبان الفرنسيسكان اللاتين، هذا الديماس. وجعلوا منه كنيسة صغيرة Capella، للتعبد والزيارة على اسم الرسول حنانيا، وهي التي نراها اليوم، وذلك في السنة التي بنى فيها الروم الأرثوذكس كنيسة حنانيا في حي الميدان بدمشق.