كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

وصف ابن بطوطة لما رأه خارج كنيسة "آيا صوفيا" حين زارها عام ١٣٣٤م

إلياس بولاد- فينكس
"ابن بطوطة" (محمد بن عبد الله) ١٣٠٤م/ ١٣٧٧م، ولد في طنجة، رحالة طاف أرجاء العالم المعروف، واستغرقت رحلاته الثلاث زهاء ٢٩ سنة، زار خلالها افريقيا وبلاد العرب وآسيا والشرق الأقصى.
استقر في مدينة فاس، له كتاب: "تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار". المشهورة برحلة ابن بطوطة. امتاز بالدقة في ملاحظاته، والأمانة في تسجيل الرواية. تميز عن الرحالة من معاصريه ومن سبقوه، كابن جبير (١١٤٥/١٢٠٧م) وابن حموية (١١٧٧/١٢٤٤)م، والمسعودي (٩٥٧م).
قليلة جدا، ان لم تكن من النوادر، ان قرانا توصيفا شاملا ودقيقا لكنائس مسيحية
قديمة، دونها الرحالة والمؤرخون المسلمون بمؤلفاتهم. ويبقى ما دونه الرحالة المشهور ابن بطوطة بمؤلفه الهام، تسجيلا صادقا وأمينا لزيارته مدينة
القسطنطينية، وكنيسة آيا صوفيا، من خارجها، وأقسامها، عام ١٣٣٤م.
حبذا لو تطوع أحد المؤرخين (تركيا أو عربيا أو أجنبيا)، وأجرى دراسة مقارنة، لكنيسة القسطنطينية آيا صوفيا من الخارج، كما هي اليوم في القرن الواحد والعشرين وكما كانت منذ سبعة قرون عندما زارها ووصفها ابن بطوطة..
لمحة تاريخية حول سقوط القسطنطينية بأيدي العثمانيين.
بعد ان توفي يوحنا الثامن في عام ١٤٤٨م ولم يترك وريثا من صلبه، فقد تم الاتفاق في عام ١٤٤٩م على اختيار أحد أخوته قسطنطين ليصبح امبرطورا. وأخذ السلطان العثماني محمد الثاني (١٤٥١/١٤٨١)م. يستعد لفتح القسطنطينية، منذ اعتلاءه العرش، فأقام القلاع على جانب البوسفور المطل على جهات العاصمة من الشمال، ونصب فيه المدافع الثقيلة، كما قاد حملة عسكرية ضد المورا (صربيا). لمنعها من تقديم المساعدات للقسطنطينية. بينما الاجراءات التي اتخذها الامبرطور قسطنطين الحادي عشر، للدفاع فلم تكن لتتعدى ترميم الأسوار وادخار الأغذية.
لم يقدم الأوروبيون المساعدة التي طلبها منهم الامبرطور قسطنطين (١١) أثناء انعقاد مجمع فلورنسا عام ١٤٣٩م، بسبب انسحاب بطريرك القسطنطينية من المجمع وعدم قبوله بمقرراته... بدأ الحصار العثماني للقسطنطينية في أوائل نيسان سنة ١٤٥٣م واستمر الى ٢٩ أيار. وبرهنت الحوادث على أن أسوار العاصمة المنيعة لم تصمد أمام المدفعية العثمانية الثقيلة، وسقطت العاصمة بعد حصار دام خمسين يوما، فقتل الامبراطور قسطنطين الحادي عشر مدافعا عن عاصمته، واستباح العثمانيون المدينة....
قال ابن بطوطة:
"وإنما أذكر خارجها، وأما داخلها فإنني لم أشاهده. وهي تسمى:
"آيا صوفيا"، وهي من أعظم كنائس الروم، وعليها سور يطيف بها، فكأنها مدينة. وأبوابها ثلاثة عشر باباً. ولها حرم هو بنحو ميل عليه باب كبير، ولا يمنع أحد من دخوله، وقد دخلته مع والد الملك.وهو شبه مسور مسطح بالرخام، وتسقه ساقية تخرج من الكنيسة، لها حائطان مرتفعان نحو ذراع، مصنوعان بالرخام المجزع المنقوش بأحسن صنعة. والأشجار منتظمة من جهتي الساقية. ومن باب الكنيسة الى باب المسور، معرش من الخشب مرتفع عليه دوالي العنب، وفي أسفله الياسمين والرياحين. وخارج هذا المسور قبة خشب كبيرة فيها طبلات خشب، يجلس عليها خدام ذاك الباب.
وعن يمين القبة مصاطب وحوانيت أكثرها من الخشب، يجلس بها قضاتهم وكتاب دواوينهم،. وفي وسط تلك الحوانيت قبة خشب يصعد اليها على درج خشب، وفيها كرسي كبير مطبق بالملف، يجلس فيه قاضيهم.
وعن يسار القبة التي على باب هذا المسور سوق العطارين. والساقية التي ذكرناها تنقسم قسمين، أحدهما يمر بسوق العطارين، والآخر يمر بالسوق، حيث القضاة والكتاب.
وعلى باب الكنيسة سقائف يجلس بها خدامها الذين يقمون طرقها، ويوقضون سرجها، ويغلقون أبوابها، ولا يدعون أحد يدخلها حتى يسجد للصليب الأعظم، عندهم، الذي يزعمون أنه بقية من الخشبة التي صلب عليها عيسى، وهو على باب الكنيسة مجعول في جعبة ذهب طولها نحو عشرة أذرع. وقد عرضوا عليها جعبة ذهب مثلها حتى صارت صليبا. وهذا الباب مصفح بصفائح الفضة والذهب، وحلقتاه من الذهب الخالص. وذكر لي أن عدد من بهذه الكنيسة من الرهبان والقسيسين ينتهي الى مئات، وإن بعضهم من ذرية الحواريين. وإن بداخلها كنيسة مختصة بالنساء. ومن عادة الملك وأرباب دولته ان يأتوا كل يوم صباحا الى زيارة هذه الكنيسة".