كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

د. عبد الله حنا: العودة إلى الحجاب في مصر مع التراجع النهضوي

على الرغم من اجتهادات المتنورين المسلمين لتحرر المرأة فإن الحجاب انتصر على السفور انتصارا كاسحا في العقد الأخير من القرن العشرين في كل من مصر وبلاد الشام وغيرهما.
ولأسباب كثيرة بدأ عهد الانحسار النهضوي مع هزيمة 1967 وتراجع الحركة الوطنية العربية وغياب شمس الناصرية ليضع مصر والعالم العربي في دائرة التيارات السلفية المنتعشة في سبعينيات القرن العشرين, والتي أرجعت اسباب هزيمة 1967 إلى الابتعاد عن الدين وتقوى الله.
وجاء "الرئيس المؤمن" أنور السادات مرتديا عباءة الدين ومستندا إلى القوى الدينية المتزمتة ليسدد ضربات موجعة للتيارات النهضوية. ومع صعود الإخوان المسلمين في مصر واحتلالهم حقول العمل الاجتماعي والفكري انتشرت بكثرة الكتب الدينية المتحجرة وعادت الدعوة إلى حجب المرأة وبدأ انتشار الحجاب واطلاق اللحى في الانتشار مذكرة بعودة المجتمع إلى عصر ما قبل النهضة والحنين إلى زمن بني عثمان.
وتفاقمت هذه الظواهر بهجوم الدولار النفطي واسهامه في الدعوة إلى السلفية وخيارات صحراء شبه الجزيرة العربية والنظر بفخر إلى النموذج الخليجي الثقافي المبرهج بالسلوكية البدوية من جهة وبالتحديث (وليس الحداثة) البورجوازي الأوروبي والأميركي .
تدعّم هذا المشهد بانتصار الثورة الخمينية عام 1979, التي أعطت زخما هائلا للتيارات الإسلامية بكل ألوانها وطيوفها, لتصبّ الزيت على نيران التطرف, ملحقة أضرارا مضاعفة بحرية المرأة وحقها فى إختيار اسلوب حياتها، بعد أن فرضت السلطات الخمينية "الشادور" على النساء, لتبدو المرأة كخيمة متنقلة, مشددة من قبضة مخابرات "الباسيك" على المجتمع والمرأة التي عاشت عهد السفور في عهد الشاه. وفي جنوب لبنان والبقاع حيث كان الشيعة في طليعة القوى العربية التحررية المتنورة أخذ الحجاب الفارسي يرخي بظلاله السوداء على اكثرية نساء الجنوب. وبالمقابل جاء انتصار طالبان في الحرب الأفغانية وانتعاش الوهابية مع عوائد النفط ليشعل النار في هشيم المجتمعات السنية ويدفع بعدد من قطاعاتها نحو التزمت والانغلاق في ميادين عدة وفي مقدمتها الإلتزام بارتداء النقاب ومنع المرأة من مصافحة الرجل أو الجلوس في التجمعات العامة المختلطة.
والنقاب ظاهرة جديدة حلّت في الأقطار العربية المتقدمة حضاريا. وثمة اختلاف كبير بين المحجبة والمنقبة في مختلف النواحي. وظاهرة انتشار النقاب وما يلحق بها ظواهر ارتجاعية دفعت شيخ الأزهر محمد سيد طنطاوي للإعلان أن النقاب لا علاقة له بالدين الإسلامي وانه دخيل على الثقافة المصرية. و أصدر طنطاوي قرارا شفهيا بمنع النقاب داخل المعاهد الأزهرية. كما قررت خمس جامعات مصرية منع المنقبات من الإقامة في سكن الطالبات, اللاتي احتججن على هذا القرار.
وقبل ذلك كانت العاصفة قد هبّت على وزير الثقافة المصري لقوله إن الحجاب يُعَدُّ ردة للخلف. وقد دفع هذا القول نواب الإخوان المسلمين وعدد من نواب الحزب الوطني الحاكم إلى تشديد النكير على وزير الثقافة المعروف بمواقفه التنويرية. وساد الرأي القائل: إن الفتاة غير المتحجبة خارجة على الدين. فالحجاب يملأ منذ العقد الأخير من القرن العشرين الفضاء الإجتماعي العام في كل من مصر وبلاد الشام وغيرهما متزامنا مع التراجع النهضوي العربي وصعود الإسلام السياسي.