كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

د. عبد الله حنا: الحجاب في التاريخ الاسلامي

الحجاب في الثقافة الإسلامية هو لباس يستر جسد المرأة. وهو أحد الفروض الواجبة على المرأة في شرائع معظم المذاهب والفرق الإسلامية. وهناك إجماع من علماء الدين الإسلامي على وجوب الحجاب على المرأة، وإن كانوا يختلفون في هيئته. فمنهم من يرى أن على المرأة ستر جميع جسدها بما فيه الوجه والكفين، بينما يرى أغلبهم جواز كشف الوجه والكفين.
وبالرغم من ذلك تجدر الإشارة إلى ظهور تيار يعارض الحجاب بدعوى أنه ليس فرضاً بل عادة. وهناك بعض الدول تمنع أو تقيد ارتداء غطاء الرأس أو ما يعرف بالحجاب. ولا بدّ من الإشارة إلى أن المذاهب الاسلامية في سورية كالعلويين والدروز والاسماعلية لا تقرّ بالحجاب وتسير نساء هذه الطوائف وفق الأزياء السائدة في الريف. أما المسيحيون فكانت نساؤهم قبل التأثر بالغرب ترتدي ثيابا قريبة من الحجاب حفاظا على سلامتهنّ. وفي بعض المناطق الاسلامية المتشددة كانت المرأة المسيحية ترتدي الحجاب كنساء الاسلام كما كان الحال في حماة وعربين من ريف دمشق.
أما النقاب فهو الساتر الذي يستر الوجه وهو منتشر في اليمن ودول الخليج. والنقاب فريضة عند الأئمة ابو حنيفة والشافعي وابن حنبل ولا يرى الإمام مالك انه فريضة. وثمة أئمة ترى أيضا أن الوجه ليس بعورة.
والحجاب الشرعي يحرص على تغطية الشعر دون الوجه واليدين, بعكس النقاب, الذي يؤكد تغطية الوجه والكفين.
والحجاب موروث ثقافي كان موجودا في العديد من الحضارات القديمة قبل الاسلام. وقد لعبت مسألة التفريق بين الجواري والحرائر دورا في التمييز في ملبس كل منهما. ومع تزايد أعداد الجواري في العهد العباسي انتصر التيار الفقهي الداعي إلى ترسيخ شرعية الحجاب في أمرين: حجب المرأة في البيت وستر كافة جسدها كلباس إسلامي. و أسهم النظام السلطاني العسكري للسلاجقة والمماليك والعثمانيين في الانتصار المطلق لعهد الحريم والفصل بين الرجال والنساء وغلبة المفهوم السلطاني في السيادة المطلقة للرجل الحر، مع سلوكيه تسلطية تماشيا مع مفهوم ذلك العصر المنغلق على نفسه، وعلى ما أفرزه من أفكار وسلوكيات وقوانين.
وهكذا استمرت معظم الشعوب العربية والإسلامية تُجبِر النساء فى الأغلب على التحجّب والمكوث فى البيت بمجرد أن تظهر عليهن علامات الأنوثة. وكان ذلك سائدا في المدن والفئات الميسورة في الريف. أما الأغلبية الساحقة من الفلاحين الفقراء والبدو فلم تسر مع الحجاب وعزل المرأة في البيت لضرورة العمل الزراعي والرعوي وحاجته إلى اليد العاملة النسوية. وكانت الفَلّاحة أو البدوية تعمل يدا بيد مع الرجل وتسهم اسهاماً قوياً في الانتاج.
***
النهضة العربية في منتصق القرن العشرين دفعت أعدادا غفيرة من الصبايا لنزع الحجاب. ونرى أن عودة الحجاب في أواخر القرن العشرين تحمل في كثير من جوانبها موقفا حزبيا بامتياز. وهي، أي عودة الحجاب، احدى تجليات الإسلام السياسي وسعي جديّ لدفن عصر النهضة العربية والتنوير.. ويرى بعضهم ان عودة الحجاب هي تعبير عن قصور الشرق الإسلامي عن اللحاق بركب الحضارة الغربية. وفي هذه الحالة فإن الرجوع إلى الوراء والاحتماء بالحجاب هو أحد قلاع الدفاع عن الهوية وتبرير التخلف الحضاري بإخفاء الرأس في الرمال كالنعامة. ويجد انصار العودة إلى الحجاب في مثالب الحضارة الغربية وسلبياتها وبخاصة الحرية الجنسية وافلام الخلاعة وغيرها حجّة لتبرير العودة إلى الحجاب. ولا حاجة إلى القول بأن لشركات تسويق الأفلام االجنسية والنظرة الرأسمالية المتطرفة إلى المرأة كسلعة من سلع السوق الرأسمالية هي أحد اسباب هذا الجنوح والشطط الجنسي... هذا مع الاعتراف بأن لكل امرأة الحق في ارتداء اللباس الذي تريده دون خدش الحياء من جهة وبما يتناسب مع عملها ومتطلبات الحياة العصرية من قيادة السيارة وسواها.
***
إضاءة
لن نتعرض في هذه الحلقات لوضع الحجاب ومشروعيتة من الناحية الدينية, والجدال الدائر بين الداعين إلى الحجاب والرافضين له, إلا بمقدار علاقة الحجاب بالحياة السياسية وانعكاساتها في ارتداء الحجاب أو الدعوة إلى السفور. فظاهرتي الحجاب والسفور مرتبطتان في القرن العشرين بمرحلتين هزّتا المجتمعين المصري والشامي في القرن العشرين هزّاً عنيفا وهما:
- صعود النهضة العربية في النصف الأول من القرن الماضي وكان إحدى شعاراتها الرئيسية تحرير المرأة والدعوة إلى السفور.
- صعود الاسلام السياسي واحتلال جانبه المتزمت والمتطرف الساحة الاجتماعية والفكرية وسعيه الحثيث للعودة إلى حجاب المرأة معتبراً عصر النهضة والتنوير الاسلامي عصرا خارجا على الاسلام تهيمن عليه البدع.
ونرى بأن مجتمعَيْ مصر وبلاد الشام (ومعهما إلى حد بعيد العراق) وهي البلدان العربية المشرقية المتقدمة حضاريا على شبه الجزيرة العربية مرّت في القرن العشرين فيما يتعلق بالحجاب والسفور بثلاث مراحل:
- مرحلة سيطرة عصر الحجاب (الملاية حسب اللتعبير العامي) في الثلث الأول من القرن العشرين كاستمرار للعصور الخوالي, مع بداية اهتزاز العادات السابقة وتوجيه النقد للحجاب من رواد النهضة.
- مرحلة انتصار السفور مع النهوض الوطني والقومي العربي في منتصف القرن العشرين في أوساط سنية وشيعية واسعة, مع بقاء جزر كبيرة أو صغيرة متمسكة بالحجاب في الأوساط المحافظة.
- مرحلة عودة الحجاب, باشكال مختلفة الدرجات في التشدد أو التساهل في الربع الأخير من القرن العشرين، مع انكفاء النهضة العربية وتراجع الحركة القومية وصعود الاسلام السياسي بصيغته الوهابية والطالبانية وسواهما من الاتجاهات
- هل ستأتي مرحلة جديدة يعود السفور ثانية؟... ومن علائمه: تمرّد الصبايا على الحجاب باشكال منها اللباس الضيّق للصبية، الذي يعرض مفاتن الجسد، مع بقاء حجاب الرأس بأشكال وألوان مختلفة مسايرة لدعوات الحجاب، التي لا تزال تحتل مكانا مرموقا.